العالم في ظل غياب صوت الله

العالم في ظل غياب صوت الله


07/04/2022

محمد واني

الإسلام دين ودولة. نعم هذا صحيح ولكن أي دين وأي دولة؟ هل يكفي أن نردد دائما أن الإسلام هو الحل؟ دون أن نعلم كيف وبأي آلية؟ أعظم مصيبة حلت بالمسلمين المعاصرين هي أن دعاتهم تحولوا إلى “شعاراتيين”، حيث أصبح ترديد الشعارات الرنانة جزءا من حياتهم العملية؛ الإسلام عدل ومساواة وحرية واستقلال وهو ما عجزوا تماما عن ترجمته إلى الواقع، حتى وهم في أوج قوتهم السياسية في تونس والسودان والجزائر ومصر..

مشكلة الشعاراتيين أنهم يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر مغايرا تماما للواقع. تركيا الرئيس طيب رجب أردوغان، مثلا، تدعي الالتزام بتعاليم الإسلام المحمدي التي تدعو إلى العدل والمساواة والحرية والأخوة الإسلامية. بينما هي في الواقع أقرب إلى الكمالية القومية العلمانية منها إلى الأخلاق الإسلامية الحنيفة، فهي لا تلتزم بأبسط قواعد الإسلام التي تحث على المحبة وفق الحديث النبوي الشريف الذي يقول “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، ويكره له ما يكره لنفسه. فهل يحب أردوغان للأكراد ما يحب لبني جلدته؟ طبعا لا. فعندما لا يسمح للأكراد بأن يفكروا مجرد تفكير بتشكيل دولتهم القومية أسوة بتركيا أو أي دولة أخرى في العالم، ويمنعهم من ممارسة حقوقهم الإنسانية الطبيعية التي وهبها الله لهم، فإنه بذلك يخرج عن تعاليم الإسلام وأحاديث الرسول. وكذلك هو الأمر بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

هذه الازدواجية الخادعة في التعاطي مع الإسلام ومحاولة تجسيده على أرض الواقع بهذا الشكل المشوه هما اللتان أوصلتا سمعة ومكانة المسلمين ودولهم إلى الحضيض، وأبعدتهم عن المشاركة في تحديد وتقرير مصير العالم الذي بات على كف عفريت. وبذلك فقد الإسلام أهم وأعظم أهدافه التي نذر الرسول نفسه لها وهي “إنقاذ الإنسانية” من هلاك محقق. وبدل أن يحل مشاكل العالم وينقذه من تدمير نفسه، كما هو الحال اليوم، تحول إلى عالة وعبء ثقيل عليه.

 إن الدولة الإسلامية المنشودة التي ننادي بها دائما ونحاول تأسيسها هي مرآة للدين الذي نعتنقه، أو المفروض أن تكون كذلك. فإذا كان تصورنا للدين مشوها وغير قابل للتطبيق في الواقع، من المستحيل بالتالي إقامة أي دولة من أي نوع على أرض الواقع، وإن أقيمت فمآلها السقوط.

وإذا كان تفكيرنا يتجه إلى القفز إلى السلطة أولا، سواء عن طريق الانقلابات العسكرية أو العمليات الإرهابية أو من خلال الآليات الديمقراطية، ومن ثم المباشرة بتطبيق التعاليم الإسلامية وفرضها على الآخرين كأمر واقع، وفق المقولة الميكيافيلية “الغاية تبرر الوسيلة”، كما هو تفكير معظم الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية، في العالم العربي بشكل خاص، فإن ذلك لن يكون سوى نوع من الخداع والضحك على الذقون، وطريق لا يمكن السير فيه بأمان. وهو شبيه إلى حد كبير بوضع العربة أمام الحصان.

 لو اعتمد الإسلاميون بعد سقوط الخلافة العثمانية على الإسلام المحمدي وحافظوا على نقاوته وبعده الإيماني والإنساني، ولم يدنسوه بالسياسة ويتوهوا في دهاليزها الشيطانية، لما آلت أوضاع المسلمين إلى ما هي عليه الآن، ولما اتجه العالم إلى تدمير نفسه كما هو اليوم.

ربما أدرك الكاتب البريطاني برنارد شو الفراغ الروحي والإنساني الذي يعانيه العالم اليوم بغياب الإسلام الحقيقي “المنقذ”، أكثر من إدراك المسلمين لدينهم، عندما قال “لو وجد رجل مثل محمد وتولى قيادة العالم المعاصر، لنجح في حل جميع مشاكله بطريقة تجلب السعادة والسلام المطلوبين”.

فأين الإسلام والمسلمون مما يحدث في العالم اليوم؟ غياب تام ومطبق عن المسرح السياسي والإنساني العالمي، لا حس ولا خبر. أمة في النزع الأخير!

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية