العراق: التدهور الأمني يعود من نافذتي داعش وفصائل إيران

العراق: التدهور الأمني يعود من نافذتي داعش وفصائل إيران


26/01/2021

عاودَ الوضع الأمنيّ العراقيّ تدهورهُ، بعد استقرارٍ نسبيٍّ عرفتهُ أغلبَ المدن العراقية، منذ إعلان الانتصار على تنظيم داعش، في كانون الثاني (ديسمبر) 2017؛ حيث شهدت العاصمة بغداد، مساء الجمعة وفجر السبت الماضيين، عدة خروقاتٍ أمنية، أبرزها تفجير انتحاريَّين لنفسيهما وسط العاصمة، في عمليةٍ راح ضحيتها قرابة الـ 140 مدنياً، ليتعرّض بعدها مطار بغداد الدولي إلى قصفٍ بصواريخ "الكاتيوشا" من قبل الفصائل المحسوبة على إيران.  

هذا وأجرى القائد العام للقوات المسلحة العراقية، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، عدة تغييرات طالت قياداتٍ بارزة في الأجهزة الأمنية عقب التفجير الذي تبنتهُ داعش رسمياً، ليواجه معارضةً سياسيةً لتغييراتهِ في هيكلية جهاز الأمن المحلي. في وقت أكد الكاظمي إشرافه المباشر على العمل الاستخباري لتجنب حصول خروقاتٍ في المستقبل. 

تناثر بضائع باعة الملابس المستعملة جراء التفجير الذي استهدفهم بساحة الطيران وسط العاصمة بغداد

 وتلقّى العراق عدة برقيات دولية، من السعودية والإمارات والبحرين ومصر والكويت، تدين الحادث الداعشي في بغداد، مؤكدة تضامن هذه الدول مع العراق في حربه ضدّ الإرهاب. 

حضور جديد لصواريخ "الكاتيوشا"

وبعد أقل من يومين على التفجيرين الانتحاريين بساحة الطيران، وسط العاصمة بغداد، واللذين أسفرا عن مقتل 32 مدنياً وإصابة 110 آخرين، تعرّض مطار بغداد الدولي، فجر السبت الماضي، إلى الاستهداف بثلاثة صواريخ "كاتيوشا" سقط أحدها على منطقة حي الجهاد السكنية، غرب العاصمة، وأسفر عن إصابة مدني.

 داعش يشنّ هجوماً في بغداد يوقع 140 ضحية.. وجهاز مكافحة الإرهاب يردّ على التفجير بعملية "ثأر الشهداء" ويعتقل عدداً من عناصر التنظيم

وعلى هذه التطورات؛ يعلق أحمد الهاشمي، خبير أمني، قائلاً: "الآن بدأت المرحلة الساخنة في العراق، وواضح أنّ هناك صراعاً جديداً بعد التفجير الذي حصل قبل يومين وراح ضحيته العشرات"، مبيناً أنّ "المرحلة الجديدة بدأت مع حادث استهداف مطار بغداد الدولي بالكاتيوشا مجدداً، وهذا الحادث يعطي رسالة تحدي عن عودة الجماعات المسلحة إلى ممارسة عملها الإجرامي، وإرسال رسائل أولية لحكومة بايدن، فضلاً عن التحدي الواضح والصريح للحكومة العراقية".

عراقيون يبدون خشيتهم من تردي الوضع الأمني مجدداً والعودة لأيام التفجيرات الدامية

ويضيف لـ "حفريات": "هذه الميليشيات توقفت عندما طلبَ العراق ذلك من الجانب الإيراني، واستجاب الإيرانيون، بعد أن لوّح الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالعصا الغليظة"، لافتاً إلى أنّ "إيران اليوم اطمأنت نسبياً للسياسة الخارجية الأمريكية الجديدة، لتتمرّد مرة أخرى، ونفّذت فعلة المطار". 

الكاظمي : المعركة مع الإرهاب طويلة الأمد
يحاول رئيس الوزراء العراقيّ، مصطفى الكاظمي، تلافي حدوث خروقات أمنية جديدة خشية العودة إلى المربع الأول، بعد الأمن النسبي الذي عاشته سائر المدن العراقية، وأجرى القائد العام للقوات المسلحة سلسلة تغييرات طالت قادة بارزين في الأجهزة الاستخبارية. 

وقال الكاظمي، الذي زار موقع التفجير وسط بغداد: "الاستهداف الإرهابي للمدنيين من أبناء شعبنا، يؤكّد أنّ معركتنا ضدّ الإرهاب مستمرة وطويلة الأمد، وأنّه لا تراجع ولا تهاون في محاربته والنيل من بقاياه في كلّ شبر من أرض العراق".

اقرأ أيضاً: توقيف شبكة إرهابية على صلة بداعش في العراق... تفاصيل

ومن أبرز القيادات التي أعفاها الكاظمي من مناصبها الأمنية: قائد عمليات بغداد قيس المحمداوي، ووكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات، عامر صدام، ومدير عام دائر الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في الوزارة ذاتها، عبد الكريم فاضل (المعروف بـ "أبو علي البصري")، وقائد الشرطة الاتحادية، جعفر البطاط، ومدير قسم أمن واستخبارات قيادة عمليات بغداد، باسم مجيد.  

كما تعهّد رئيس الوزراء العراقي، عبر تغريدة على حسابهِ في تويتر: "ردّنا على من سفك دماء العراقيين سيكون قاسياً ومزلزلاً، وسيرى قادة الظلام الداعشي أيّ رجال يواجهون". 

انتقادات سياسية لتغيير قادة أمنيين

هذا، ووجه نوابٌ في تحالف الفتح (الموالي لإيران) انتقادات للتغيرات الأخيرة التي حصلت في الأجهزة الأمنية العراقية، ورأوا أنّ قرارات الكاظمي "خاطئة" تجاه بعض القادة البارزين و"المقارعين" للإرهاب. 

الكاظمي خلال اجتماعه مع المجلس الوزاري للأمن الوطني

وقال النائب أحمد الساعدي: "التغيير الإداري للجهاز الأمني مطلوب، وما حدث في ساحة الطيران مؤخراً يتطلب ذلك، لكن رئيس الوزراء ذهب باتجاه إقالة قيادات كفوءة وبارزة على مدار عملها في السلك الاستخباري في وزارة الداخلية"، وأكّد أنّ "إقالة "أبو علي البصري" تحديداً تعدّ من أبرز القرارات الخاطئة". 

وأضاف في تصريح ٍ له: "البصري يعدّ من المقارعين للإرهاب وأبرز قادة خلية الصقور الاستخبارية في وزارة الداخلية، كان من المفترض أن يتأنّى الكاظمي إزاء شخصيات كهذه يحتاج إليها العراق". 

الباحث في الشؤون الإستراتيجية عامر الجبوري لـ"حفريات": رئيس الحكومة تعرض لضغوط سياسية لعدم تغيير بعض القيادات الأمنية المحسوبة على هذا الطرف أو ذاك
 

أما النائب رياض المسعودي فقد أكّد أنّ "ما جرى من تغييرات للمناصب الأمنية مؤخراً من قبل القائد العام للقوات المسلحة، لا تقدّم ولا تؤخّر، وأنّها مجرد تدوير للوجوه"، مبيناً أن "الشخصيات الأمنية الجديدة هي ذاتها كانت جزءاً من القيادات الأمنية الفاشلة عبر سنوات مضت، وهي أيضاً جزء من الخلل الأمني المستمرّ، وقد ساهمت سابقاً في ضعف الأداء الأمني". 

خبراء أمنيون: قادة الأجهزة يأتون بدعم سياسي

إلى ذلك، رأى خبراء أمنيون أنّ انتقاد الكتل السياسية للتغييرات الأخيرة في المناصب الأمنية، يأتي للدفاع عن مكاسبهم داخل الأجهزة التي يمثلها بعض القادة المقالين، وأكدوا أنّ قرارات الكاظمي "طبيعية" في ظلّ ما يحدث. 

وتساءل عامر الجبوري، وهو باحث في الشؤون الإستراتيجية: "ماذا يمكن أن يفعل الكاظمي غير ذلك؟ لا سيما أنّ العاصمة بغداد تعرّضت لخرق أمنيّ واضح وفاضح استهدف المدنيين"، وأضاف لـ "حفريات": "اعتراض كتل سياسية على التغييرات التي حصلت في الأجهزة الأمنية، جوبه بإصرار القائد العام للقوات المسلحة عليها". 

واجهة مطار بغداد الدولي الذي دائماً ما يتعرض محيطه لقصف بصواريخ الكاتيوشا من قبل فصائل موالية لإيران

وأكّد تعرّض رئيس الحكومة العراقية لـ "ضغوط سياسية لعدم تغيير بعض القيادات الأمنية المحسوبة على هذا الطرف السياسي أو ذاك"، عادّاً ما فعله الكاظمي "أمراً طبيعياً، وسياق تغيير وتدوير وإقالة المناصب الأمنية والعسكرية هو سياق متبع في كلّ دول العالم، لأنّ تبدّل الأدوار ينشّط المؤسسات الأمنية من خلال قياداتها الجديدة". 

وأكد الجبوري؛ أنّ "خطوة رئيس الوزراء في عملية التدوير الأخيرة، هي لخدمة المؤسسة الأمنية ولمنع وقوع التفجيرات مستقبلاً". 

"عملية ثأر الشهداء" 

وفي السياق ذاته؛ شرعت قيادة جهاز مكافحة الإرهاب بعملية عسكرية أطلقت عليها اسم "ثأر الشهداء"، ردّاً على تفجيرات داعش في بغداد، وتمكّن الجهاز من اعتقال ثلاثة عناصر من التنظيم، في مناطق متفرقة من البلاد . 

وقالت قيادة الجهاز في بيان لها:  إنّ "عمليتهم استهدفت بقايا عصابات داعـش الإرهابية، حيثُ باشرت وحدات جهازنا الباسلة بواجبات نوعية بوتيرة مُتسارعة ومعلوماتٍ دقيقة ووفق أوامر قضائية"، وأضافت: "تمكّن أبطالنا من الإطاحة بعدد من الإرهابيين في: محافظة بغداد، وباب المُعظم، ومحافظة الأنبار، وعامرية الفلوجة، ومحافظة كركوك، ومنطقة دور الفيلق، لهم صلة بشبكات عصابات داعـش التكفيرية، ويمتلكون معلومات جيدة عن قادة هذه الشبكات الإرهابية".

اقرأ أيضاً: تنظيم داعش يكثف هجماته في العراق... هل استجمع قواه؟

لكنّ الصحفي أحمد حسن أبدى استغرابه من توقيت العملية، وقال لـ "حفريات": "العملية الأمنية لجهاز مكافحة الإرهاب جرت بعد وقوع التفجيرين الانتحاريين، وحصدت نتائج جيدة بعد وقوع الكارثة، لماذا لم تتم قبل ذلك"، وتساءل أيضاً: "إذا كان الجهاز يعرف مواقع الإرهابيين لماذا لم يتحرك قبل الحادث الجلل؟".

استهداف داعشي آخر 

وفي آخر التطورات الأمنية، شنّ عناصر تنظيم داعش الإرهابي هجوماً على إحدى القرى شرق محافظة صلاح الدين، وتمكّنت قوات الحشد الشعبي المرابطة في تلك المنطقة من صدّ الهجوم، رغم مقتل قياديّ حشديّ أثناء الهجوم. 
وذكر إعلام الحشد في بيان: أنّ "الفوج الثالث باللواء 22 بالحشد الشعبي، أرسل، السبت، تعزيزات عسكرية لإسناد الفوج السادس باللواء 22، الذي تعرّض لهجوم داعشي غادر شرق صلاح الدين".

اقرأ أيضاً: العراق يلاحق فلول داعش ويضبط الحدود مع سوريا.. تفاصيل
وأضاف: "ما تزال قوات اللواء 22 بالحشد الشعبي تتصدّى للهجوم الإرهابي الذي نفّذته فلول داعش في جزيرة العيث، شرق صلاح الدين، كما ما يزال أفراد اللواء 22 يرابطون في مواقعهم".
وبيّن أنّ "الهجوم الإرهابي كان يستهدف أبناء المنطقة من المدنيين، إلا أنّ عناصر الحشد الشعبي كانوا بمثابة دروع بشرية من أجل حمايتهم"، ولفت إلى أنّه "تأكّد لنا مقتل وإصابة عدد من الدواعش الإرهابيين،إضافة إلى وقوع ضحايا في صفوف قوات اللواء 22 بالحشد الشعبي، أبرزهم آمر الفوج الثالث في اللواء، القائد المغفور له حسين سعيدان گاطع، أبو علياء الحسيناوي، وكوكبة من رفاقه". 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية