الــتــنـظــيــم الـــدولــــي للـجــمــاعـــة

الــتــنـظــيــم الـــدولــــي للـجــمــاعـــة


04/04/2021

فهد المضحكي

لم تكن مصادفة أن تسعى جماعة الاخوان التي تأسست في عشرينات القرن المنصرم، وتحديدًا عام 1928، أن تتحرك داخل الدول العربية والاسلامية فحسب، وانما حرصت على ان يمتد نشاطها وتواجدها إلى مختلف دول العالم شرقًا وغربًا، إذ إن هذا التمرد يتسق وطبيعة هدفها الذي أعلنه مؤسسها حسن البناء، ذلك الهدف المتمثل في «استاذية العالم»، حيث عكس هذا الهدف المنطلق الذي حكم تفكيره بأن نجاح جماعته وتمكينها لا يمكن ان يتحقق إذا ما ظلت محصورة في النطاق الاقليمي العربي والاسلامي فحسب، وانما يجب على جماعته أن تتجاوز هذا النطاق إلى العالمية، كونها من وجهة نظره ذات رسالة وطموحات كونية، ولذا كان الحرص على ان تتغلغل الجماعة في أوساط الجاليات المسلمة في العديد من الدول الغربية اعتمادًا على عدة أدوات جمعت بين العمل الخيري والدعوي، وكذلك السياسي.

وكما تبين الاكاديمية رانيا أبوالخير في أحد أعداد مجلة «الهلال»، جاءت فكرة التنظيم الدولي للاخوان عام 1982 محددًا أهدافه في جانبين: الأول الدفاع عن الجماعة وأهدافها وتوضيح وجهة نظرها إزاء العديد من القضايا التي تحمل خلافًا واسعًا مع الأنظمة الحاكمة والشعوب في المنطقة العربية، ومن هنا برزت الأذرع الاعلامية في العديد من الدول الأوروبية، أما الهدف الثاني تمثل في أن يكون التنظيم الدولي مصدرًا من مصادر تمويلها، ومن هنا برزت أهمية ان يكون للجماعة شركات ومؤسسات دولية النشاط من ناحية، فضلاً عن دخول عناصرها في شراكات، مع الاخذ في الاعتبار ان هذين الهدفين يؤديهما التنظيم في استاذية العالم، والتي تمكنها من السيطرة والهيمنة على كثير من أجهزة الحكم في دولة، ولعل ما يجري اليوم يعبر عن ذلك، فسيطرة الجماعة على نظام الحكم في تركيا يعكس هذا المسعى الاخواني. 

والجدير بالذكر أن تمكن الجماعة من إنشاء وتأسيس هذه الذراع المتمثلة في التنظيم الدولي الذي سعى على مدار الثمانية والثلاثين عامًا منذ تأسيسه لتمكين الجماعة في الغرب، يطرح تساؤلاً حول علاقة هذه الجماعة بأجهزة الامن العالمية وخاصة الغربية، إذ انه من غير المعقول ان تتمكن هذه الجماعة من بسط سيطرتها او تمدد نفوذها في الغرب دون أن تلعب هذه الأجهزة دورًا في إفساح المجال أمامها لتمكين أدواتها الإعلامية والخيرية والدعوية.

من هذا المنطلق يرى البعض ان هذا الدور لم يكن في مرحلة تمدد الجماعة وتمكينها من إنشاء هذه الذراع الدولية لتمويل أنشطتها في المنطقة العربية وغيرها فحسب، وإنما يرجع هذا الدور إلى بدايات النشأة حينما تأسست هذه الجماعة بتمويل من شركة قناة السويس الواقعة تحت سيطرة الاحتلال آنذاك (حصلت الجماعة على شيك من القناة لبدء نشاطها)، الأمر الذي يشكك في سرية العلاقة الارتباطية بين الجماعة وأجهزة الأمن (الانجليز) التي تمكنت من توظيفها، في تحقيق مصالحها مقابل حصول أعضاء هذه الجماعة على مزايا مالية وعينية سواء في الدول الموجودين فيها أو في الدول الغربية. وغنّي عن البيان ان الجماعة نجحت إلى حد ما، بفضل الدعم الاستخباراتي والمالي الذي قدم إليها، ان تحقيق جزءًا من أهدافها الداخلية، كذلك الخارجية، إذا تمكنت عبر ذراعها المتمثلة في التنظيم الدولي في ان تتغلغل وسط الجاليات الإسلامية وان تجذبهم إلى أيديولوجيتها التي تطبقها وفقًا لمبدأ «التقية»، ويتجلى ذلك بوضوح إذا ما نظرنا إلى استراتيجية التنظيم الدولي في الدول الغربية، والتي كما تستعرضها ابوالخير نجملها في ثلاثة محاور عمل رئيسة، هي أولاً: تأسيس ما يشبه بـ«الجيتو» المغلق الذي يجمع أعضاء التنظيم بعيدًا عن المجتمع الذي يعيشون فيه، بهدف إنشاء مجتمعات موازية حتى يسهل السيطرة عليها فكريًا وعقائديًا وتنظيميًا، وهو ما يمكنه فيما بعد من تحريكها للتأثير في صناعة القرار في الحكومات الغربية بما يخدم اهداف مصالح التنظيم، وثانيًا: السيطرة على العديد من المراكز الثقافية والجمعيات الخيرية في الدول الغربية، وجعلها تتبنى فكرة الجماعة وايديولوجيتها، مع العمل على ربط هذه المراكز وتلك الجمعيات معًا من خلال سلسلة من الشركات الممتدة عبر الدول الغربية بما يجعلها أشبه بكيان واحد يتحرك سويًا في كافة الدول الأوروبية، بل وربطه كذلك بما هو متواجد في الولايات المتحدة الامريكية، بما يزيد من تأثيره في صناعة القرار، وثالثًا: السعي للهيمنة والسيطرة على مختلف الاذرع الاعلامية وتوظيفها بما يسهم في اسم صورة مثالية عن الجماعة وفكرها وتوجهاتها، وكأنها جماعة تؤمن بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان بما يعطيها المشروعية في ان تكون بديلاً مناسبًا لأنظمة الحكم في الدول العربية والاسلامية بمعنى أكثر وضوحًا يسعى التنظيم الدولي ان يجعل من الجماعة تماهياً مع فكر الغرب في طريقة الحكم ونظمه، وهو ما يتضح جليًا في الخطاب الذي يوجهه التنظيم إلى الشعوب الغربية محاولاً تسويق فكر الجماعة المتحضر، ولعل ما جرى خلال أحداث 2011 في المنطقة العربية يؤكد صحة هذا الرياء الذي مارسته الجماعة على مدى العقود الماضية لتجعل بعض الحكومات الغربية في لحظات معينة داعمة لوصول الجماعة إلى السلطة واستمرارها فيها، في حين انها تمارس أبشع صور العنف والقتل والتعذيب داخل الدول التي نجحت خلال هذه الأحداث في الوصول إلى السلطة فيها، ولعل ما عانى منه الشعب المصري بمختلف فئاته يؤكد طبيعة حكم الجماعة التي مارست كل أشكال العنف والتعذيب، والذي وصل إلى قتل الأبرياء والصحفيين المعارضين لحكم الجماعة، وهو يكشف مدى التناقض في الخطاب الخارجي الذي قدمه التنظيم الدولي للعالم الغربي، وبين الممارسات الداخلية، بل يؤكد ذلك ما أعلنته قادة الجماعة فور سقوط حكمها في مصر بفضل ثورة الثلاثين من يونيو 2013 بأن الإرهاب الذي يحدث في سيناء سيتوقف إذا ما عادت الجماعة إلى الحكم، وهو ما حسمه قرار الشعب المصري ضدها.

ما سبق يكشف عن بعض السياسات والأدوات التي انتهجها التنظيم الدولي في تعزيز وجود الجماعة وتعميقها داخل المجتمعات الغربية التي خدعت بخطابه المزدوج الذي يحاول ان يعطي صورة مغايرة لحقيق فكرها وطموحاتها، ولعل ما حذر منه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من ان الدول التي تقف وراء دعم هذه الجماعة وأذرعها المنتشرة في المنطقة ستنطلي بنيرانها، فالغرب أو أجهزة الاستخبارات الغربية تحديدًا التي ساهمت في تأسيس الجماعة اعتقدت خطأ ان نيران هذه الجماعة والجماعات الإسلامية الإرهابية ستتوجه إلى العالم العربي والإسلامي بعيدًا عن مجتمعاتها، إلا أن الواقع أثبت أن دعم الإرهاب وتغذيته سترتد نيرانه إلى داعمه، ولعل ما حدث في بعض الدول الأوروبية مثال واضح على ذلك.

عن "الأيام"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية