الفرقة الناجية من النار: الجميع كفار حتى يثبت العكس

الفرقة الناجية من النار: الجميع كفار حتى يثبت العكس

الفرقة الناجية من النار: الجميع كفار حتى يثبت العكس


25/03/2024

تمكن السجين مجدي الصفتي من الهروب من محبسه مستغلاً أحداث كانون الثاني (يناير) 2011، بالقاهرة، غير أنّ هروبه لم يستمر سوى أربع سنوات حتى عثرت عليه أجهزة الأمن المصرية مختبئاً في إحدى العمارات السكنية بدائرة محافظة القليوبية في 29 أيار (مايو) 2015.
تلك الرحلة من الهروب، ثم البحث والعثور عليه مرة أخرى، أعادت قصة جماعة "التوقف والتبين"، أو التي اشتهرت إعلامياً باسم "الفرقة الناجية من النار"؛ إحدى أخطر الجماعات التي شهدتها مصر في الثمانينيات من القرن الماضي، والتي تمكنت في عام 1987 من تنفيذ ثلاث محاولات اغتيال بقيادة الطبيب الشاب حينها مجدي الصفتي، استهدفت وزير الداخلية المصرية، ورئيس مباحث جهاز أمن الدولة، ورئيس تحرير مجلة المصوّر.

اقرأ أيضاً: شكري مصطفى: الشاعر الرقيق والقاتل المتوحش الذي أنجب التكفير والهجرة
فشلت محاولات الاغتيال الثلاث وقبض على أعضاء التنظيم، بعد مواجهات مسلحة مع الشرطة في قرية الخرقانية، إحدى قرى منطقة القناطر الخيرية بالقاهرة، لتنهي أجهزة الأمن قصة تنظيم الفرقة الناجية.
الشيخ عبد المجيد الشاذلي

التوقف والتبين
يذكر موقع "أنا السلفي" نشأة فكر "التوقف والتبين": "هي مدرسة فكرية تنتسب للأستاذ عبد المجيد الشاذلي، وهو أحد خواص تلامذة سيد قطب، ويمكن اعتبار كل من الشاذلي ومحمد قطب منظرين أساسيين لهذا الفكر، إلا أنّ عبد المجيد الشاذلي كان مقلاً في كتاباته، ولم يُنسب له سوى عدة كتب أبرزها كتاب "حد الإسلام وحقيقة الإيمان"، أما محمد قطب فله مؤلفات عديدة وضع فيها خلاصة أفكاره، كما ضَمّن فيها أفكار عبد المجيد الشاذلي، ولكن بعبارات أدبية أقل عمقاً وأسهل تناولاً من الطرح الأصولي الذي قدمه عبد المجيد الشاذلي".

تخلى الطبيب الشاب مجدي الصفتي عن انتمائه إلى فكر تنظيم الجهاد وتبنى فكر التوقف والتبين وكوّن جماعة خاصة به

ولد عبد المجيد الشاذلي بمحافظة الغربية عام 1938، وحصل على بكالوريوس العلوم قسم الكيمياء من جامعة الإسكندرية، انضم لجماعة الإخوان المسلمين في بداية الخمسينيات، وكان في أسرة إخوانية واحدة مع شكري مصطفى مؤسس "جماعة المسلمين"، المشهورة إعلامياً باسم جماعة "التكفير والهجرة"، وتم اعتقاله على خلفية قضية تنظيم 65، بما أنه كان أحد قادة الصف الثاني للتنظيم عن محافظة الإسكندرية، وقضى في السجن عشر سنوات، وتم الإفراج عنه في عام 1975.
بعد خروجه من السجن أنشأ مع بعض إخوانه جماعة التوقف والتبين، والتي سماها "دعوة أهل السنة والجماعة على طريق إحياء الأمة"، لتكون امتداداً للمدرسة القطبية وراعية لها، وقد اتخذت دعوته مساراً سرياً بعد اعتقاله عام 1981، مع عدد كبير من الإسلاميين على خلفية اغتيال السادات.
شكري مصطفى مؤسس "جماعة المسلمين"

وأورد موقع "أنا السلفي" خمس خصائص عامة لفكر "التوقف والتبين" هي:
1- تكفير المجتمع بعمومه والتوقف عن تكفير الآحاد إلا بعد التبين:
فهم يرون كفر عموم المجتمع لأنهم ساكتون عن كفر الحكام، وهو الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وبالتالي فهم مشاركون لهم في الكفر علموا أم لم يعلموا، رضوا بذلك أم سخطوا، لذا فهم يعتقدون أنّ راية المجتمع راية جاهلية، ولكنهم لا يخلعون وصف الكفر على كل فرد فيه، "تورعاً" من أن يكون مسلماً بالشروط المعروفة لديهم، وبالتالي فهم يتوقفون في أمره حتى يعقدوا له الاختبار الذي يفصل في شأنه.
2- البغض والكراهية لعموم الناس والفرح بتسلط الظالمين عليهم أو بالمصائب التي تلحق بهم:
الخط العام للتيار القطبي هو بغض الناس وكراهتهم، فتجد أنّ الشعب المصري عندهم خلاصته، أنه الذي صفق لجمال عبد الناصر في الشوارع، وهتف باسمه في الميادين، رغم أنه سجن الدعاة وعذب العلماء ونشر الشيوعية وهكذا، وهو الشعب الذي يثور لغلاء الأسعار، وارتفاع تكاليف، الحياة ولا يثور من أجل دينه وإسلامه، وهو الشعب الذي يكد أفراده ويعملون ليل نهار، من أجل لقمة العيش، ولا يقدمون شيئاً للعمل من أجل الإسلام، فضلاً عن حصر أنواع لا تحصى من الفساد السلوكي والانحلال الأخلاقي.
3- الزهد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إذا رأت جماعة أنّ معظم المجتمع ينسحب عليه وصف الكفر، فمن العبث إنفاق الوقت والجهد في تغيير منكرات الكفار قبل الحديث عن دخولهم في الإسلام ابتداءً، وإلا فما قيمة أن يكلم أحدهم شاباً عن أهمية الصلاة مثلاً، وعلى فرض أنّ الشاب قد استجاب، فلن تنفعه هذه الصلاة؛ لأنه كافر من وجهة نظره، وهم يتعللون بأنّ هناك تشابهاً بين هذه الفترة التي نعيشها وبين الفترة المكية التي عاشها النبي، عليه السلام، في بداية دعوته، وبالتالي فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من لوازم المرحلة المدنية، بعدما يتحقق النصر والتمكين، ويدخل الناس في دين الله تعالى، ويتحاكمون إلى شريعته.
4- سرية الفكر والحركة:
نتيجة لما جناه فكر شكري مصطفى من عداء المجتمع، ونفور الناس وتحذير الدعاة، حاول أعضاء هذه الجماعة أن يتفادوا هذه الأخطاء، فاعتمدوا السرية منهجاً لهم، فأصبحوا لا يصرحون بكفر هذه المجتمعات وردتها، وصاغوا لها من الصياغات المعقدة، التي وإن اتفقت في المآل والنتيجة، إلا أنّ وقعها على النفس ألطف وأخف، لذلك فهم يتوسعون في استخدام التقية سواء مع من يرون كفرهم، أو ممن يتوقفون فيهم، ويستخدمونها أيضاً في عرض تصوراتهم وأفكارهم، وهذه القضية كانت أحد أهم الفروق بينهم وبين شكري مصطفى، الذي كان يصر على نشر أفكاره وتصوراته بلا تستر ودون مواربة.
5- الغرور والجهل والطعن في العلماء:
هذه صفات لازمة لأتباع الفكر الخارجي بوجه عام، وهي سلسلة متلازمة لا تكاد تتخلف، فتجد الجهل الشديد بالعلوم الشرعية وبأحكام الدين، وبالتالي تجهيل العلماء والطعن في علمهم وديانتهم وأمانتهم، سواء كانوا من العلماء القدامى أو المتأخرين أو المعاصرين، وسب العلماء وتجريحهم ديدن خبيث عندهم، الغرض منه حصر العلم في رموزهم وقادتهم، فهم لا يأخذون العلم إلا منهم، ولا يسمعون إلا لهم.
الفرقة الناجية من النار
ذكر الباحث عبد المنعم منيب في كتابه "دليل الحركات الإسلامية"، أنّه في منتصف الثمانينيات، تخلى الطبيب الشاب مجدي الصفتي عن انتمائه إلى فكر تنظيم الجهاد، وتبنى فكر "التوقف والتبين"، وسرعان ما كون جماعة خاصة به، مزج فيها بين فكر الجهاد في العمل المسلح، وبين عقيدة جماعات التوقف والتبين المنتشرة، وقرر أنّ الطريق الأقصر لنشر فكر التوقف والتبين بين الحركات الإسلامية، هو إثبات أنّ معتنقي هذا الفكر هم أهل جهاد، وعمل، وليسوا أهل كلام فقط كما كان يرميهم خصومهم، خاصة من تنظيم الجهاد المصري.

كفرّت الفرقة الناجية من النار المجتمع حكاماً ومحكومين واستبعدت صفة أهل الكتاب عن المسيحيين ودعت إلى استخدام العنف

هذا الاثبات الذي عزم مجدي الصفتي على القيام به دفعه إلى تأسيس منظمة جديدة، أطلق عليها اسم "الناجون من النار"، وضم إليها مجموعة من الأشخاص من معتنقي فكر التوقف والتبين، الذين وافقوا على فكرته في وجوب القيام بتحرك مسلح لإثبات أنّ فكرهم ليس كلاماً فقط.
يشير منيب إلى أنّ مجدي الصفتي سار في طريقه الذي رسمه لنفسه، والذي تأثر فيه بانتمائه السابق إلى تنظيم الجهاد، ومتأثراً بثأر سابق خاص بمرارات التعذيب الذي تعرض له العديد من قادة وأعضاء تنظيم الجهاد، عندما كان يقود وزارة الداخلية كل من: لواء النبوي إسماعيل كوزير، ولواء حسن أبو باشا كمدير لجهاز مباحث أمن الدولة، ثم كوزير للداخلية، ولذلك قام تنظيم "الناجون من النار" بثلاث عمليات مسلحة حاولوا في أولها اغتيال حسن أبو باشا، لكنه نجا فلم يمت وأصيب بجراح خطيرة، وكانت المحاولة الثانية محاولة اغتيال النبوي إسماعيل، أما محاولتهم الأخيرة فكانت من نصيب الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد رئيس تحرير مجلة المصوّر، وقد نجا نبوي إسماعيل ومكرم من هاتين المحاولتين دون جراح، وكانت جميع هذه المحاولات في صيف العام 1987.
الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد رئيس تحرير مجلة المصوّر

الجماعة الأكثر جرأة
الخبير في شؤون جماعات الإسلام السياسي، وعضو الجماعة الإسلامية السابق ماهر فرغلي قال في تصريحات صحفية: "تعتبر الناجون من النار، من أخطر الجماعات الإرهابية التي ظهرت في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وأكثرها جرأة، كفرّت المجتمع حكاماً ومحكومين، واستبعدت صفة أهل الكتاب عن المسيحيين، ودعت إلى استخدام العنف ضدهم، وجمعت بين أفكار تنظيم الجهاد وتنظيم جماعة المسلمين لشكري مصطفى، وجماعة التوقف والتبيّن، ومن ضمن مصادرها الفكرية كتاب (المنهج الحركي في الإسلام للإخواني فتحي يكن)، كتب (ابن تيمية) وكتب (محمد بن عبدالوهاب)؛ حيث اعتبرت أنّ الشرك بالله هو الكفر الأكبر، وهو معنى يُخرج عن الملة (الدين)، ومعنى لا يُخرج عن الملة وهو الصفات السيئة في المسلمين من كذب ورياء وحلف بغير الله؛ ولهذا يعتبر المجتمع كافراً بالمعنى الثاني؛ ولذلك اعتبروا مصر دار حرب، ولا بد من إعلان الجهاد لتغيير الحكم بالقوة".

اقرأ أيضاً: التكفير بالاعتقاد.. الصحوة وعلم الكلام
وحرّمت الجماعة العمل في أجهزة الدولة، والصلاة في المساجد الحكومية، فهي مملوكة للدولة الكافرة من وجهة نظرهم، وعدم الأكل من الذبائح المحلية؛ لأنها ذبائح الكفار، على حد وصفهم، وتكفير رجال الشرطة والجيش والقضاء وإهدار دمهم؛ لأنهم مساندون للنظام الكافر.
يضيف فرغلي: "تمت مهاجمة وكر "الناجون من النار" في قرية "الخرقانية"، وأسفرت المعركة عن قتل أمين شرطة وإصابة ٣ ضباط وهرب الجناة، هرب مجدي الصفتي مؤسس التنظيم إلى اليمن، وعاد بعد عدة سنوات وتم رصد مكالمة بينه وبين مسؤول الاتصالات عبدالله أبوالعلا، والقبض عليه، ثم حكم عليه بـ٢٥ عاماً سجناً.
بدأت جلسات محاكمة تنظيم "الناجون من النار" لمدة ١٧ شهراً بداية من يوم ٢ نيسان (إبريل) ١٩٨٨ واستغرقت ٩٦ جلسة وترافع عن المتهمين ٤٧ محامياً، وجاءت كل الأحكام بالأشغال الشاقة المؤبدة، لمدد تتراوح بين ٥ سنوات والمؤبد ٢٥ سنة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية