الفساد ينتصر برعاية دولية

الفساد ينتصر برعاية دولية


14/07/2021

فاروق يوسف

يتساءل المرء "هل هناك مستوى محدد لمنسوب الفساد بموجبه تُعلن دولة باعتبارها دولة منكوبة بالفساد؟"

حينها يصل الفساد إلى مرحلة تكون فيها السيطرة عليه مستحيلة وهو ما يتطلب تدخل قوى خارجية لوقف الانهيار الاقتصادي أولا وثانيا لمنع الطبقة السياسية من الاستمرار في الاثراء غير المشروع على حساب الدولة من خلال نهب المال العام وثالثا من أجل اجراء اصلاحات اقتصادية سريعة تبدأ برفع أيدي الفاسدين عن مفاصل مهمة ورئيسة في الدولة.

ولكنها حالة غير مسبوقة. كان الخبراء قد تحدثوا عن الفساد الذي ضرب العراق في عهد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأن العالم لم يشهد فسادا مماثلا منذ ظهور آدم على الأرض. يومها تم اعتبار ذلك الكلام نوعا من المبالغة. ولأن الفساد مرض إن تُرك من غير علاج استفحل وازداد تأثيره سوءا بسبب اطمئنان الفاسدين بأن عقابا من أي نوع لن يطالهم فقد وصلت الأمور في العراق إلى حرق المستشفيات بمرضاها وكادرها الطبي. أمس أعلن عن احراق مستشفى ابن الخطيب "التويثة" في بغداد. اليوم أُحرقت مستشفى الحسين في الناصرية. وما قبلهما وبعدهما أحرقت أجزاء من مستشفيات تم التستر على أخبارها.

كانت هناك مستشفى المانية قرب مطار بغداد لم يسمع بها أحد إلا بعد أن اختفت أجهزتها الطبية مرتفعة الثمن وتم احراقها بالكامل. عاد المكان الذي أنشئت عليه فارغا كما لو أنه لم يشهد أي بناء. لم تتم مساءلة أحد وتم طي صفحة مستشفى لم تُستعمل وكان المرضى الذين حُرموا من دخولها سعداء لأنهم لم يحترقوا معها.

مع هذا التطور في الفساد اعتقد أن المقياس وصل إلى درجته القصوى. وهي الذروة التي لا يتوقعها أحد. كأن يبني المقاول مستشفى أو مدرسة وهمية ويشق قناة متخيلة ويعبد شارعا من خلال تقنية "فوتو شوب" ويشيد جسرا لا يمكن رؤيته مثل ثياب الملك في قصة اندرسن الشهيرة.

كل هذا حدث في العراق. في آخر تصريحاته قال رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي إن العراق أنفق عبر الثماني عشرة سنة الماضية ثمانين مليار دولارا أميركيا على الكهرباء ولم يتم انشاء محطة كهربائية واحدة. ذلك مستوى خرافي من الفساد. في إمكانك أن تسرق إن شئت وتقيم في الوقت نفسه مشروعا وطنيا عظيما للكهرباء فالمبلغ فلكي كما يُقال. ولكن فاسدي العراق وهم أذكياء من طراز رخيص أدركوا منذ البداية أي مع اليوم الأول للاحتلال أن العراق الجديد، العراق الذي سيكون أميركيا قبل أن يكون إيرانيا هو نموذج فريد من نوعه في التاريخ.

هو دولة لقيطة سيبنيها الفاسدون من مادة ضمائرهم الفاسدة. إنه دولة وهمية. فبالرغم من ثرائه فإن شعبه سيبقى فقيرا. ليس المطلوب عراقا ببنية سليمة. لذلك يجب أن ينهار قطاعا الصحة والتعليم. اما الجانب الخدمي فيجب أن يصل إلى الصفر. لن يكون العراق بلدا زراعيا وصناعيا بل يجب أن يكون بلدا مستهلكا كما لو أنه لا يملك تاريخا عريقا في الزراعة والصناعة.

ذلك هو العراق المطلوب أميركيا والذي سُلم إلى إيران لتمارس فيه سياحتها الدينية وتستعمل العراقيين الموالين لها دمى في مشاهد يُقال إنها دينية غير أنها في الحقيقة تضرب في اتجاهين. اتجاه تنشر من خلاله إيران عقيدتها الدينية على حساب العقيدة الإسلامية واتجاه اقتصادي تتمكن إيران من خلاله من سحب العملة الصعبة عبر عمليات غسيل أموال لن تتمكن المؤسسات المالية الدولية من مطاردتها.

لم يكن الفساد في العراق محليا وإلا لما تمكن الفاسدون من اخراج الأموال المنهوبة من العراق وايداعها في مصارف، يكون الوصول إليها صعبا كما يُشاع. قيل إن أحدهم مات في الدنمارك ولديه في أحد المصارف هناك وديعة بمبلغ 150 مليون دولار. كان الرجل شفافا قبل موته حين كان يفاخر بأنه لم يسرق ذلك المبلغ من الشعب العراقي بل أنه حصل عليه من شركة كورية يسر لها الحصول على صفقات تجارية مع العراق. لم يكن ذلك الرجل ساذجا بل كان يضحك على العراقيين.

ما لم يقله ذلك المرتشي إن أموال النفط غير مسموح استعمالها في بناء دولة العراق وهي موضوعة في حساب العراق لتُسرق. ربما كان نوري المالكي أكثر العارفين بتلك الحقيقة حصافة، لذلك قرر أن يحمي أعضاء حزب الدعوة ومناصريه برواتب عالية مدى الحياة بالرغم من أنهم لم يعملوا يوما واحدا في الدولة العراقية أو أنهم يملكون رواتب تقاعدية ثابتة. لقد أسس المالكي دولة فساده وهو يعرف أن تلك الدولة لن يلاحقها أحد. فهي الدولة المطلوب اقامتها في العراق.

عن "ميدل إيست أونلاين"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية