"الفلسفة في زمن الإرهاب": هل من وصفة لمواجهة أخطار الإرهاب المدمّرة؟

"الفلسفة في زمن الإرهاب": هل من وصفة لمواجهة أخطار الإرهاب المدمّرة؟

"الفلسفة في زمن الإرهاب": هل من وصفة لمواجهة أخطار الإرهاب المدمّرة؟


04/03/2018

الجدل حول ظاهرة الإرهاب في زيادة مستمرة، مرتبطة بزيادة اللّبس والخلافات في تفسير الظاهرة وأسبابها، خاصة في الحقبة الحالية من العولمة، وفي ظلّ تنامي خطر الإرهاب الديني، وبروز ظواهر مقلقة للمجتمع الدولي كظاهرة إرهاب الذئاب المنفردة، وتزايد خطر الإرهاب السيبيري، أو الإلكتروني والبيولوجي، المرتبطة بالتسارع الكبير في آليات العولمة التكنولوجية خاصة التكنولوجيا الرقمية والذكاء الصناعي.

ويمكن القول إنّ الإرهاب العالمي المعاصر، بأشكاله وأنواعه وأيديولوجياته المتعددة، أصبح من أكثر الظواهر في العلوم الإنسانية نشاطاً في البحث والدراسة والتأليف والتنظير، وليس هناك من حقلٍ معرفي إلّا وقدّم في مقاربة للفهم والتحليل.

ما سبق يطرح سؤال ما الجديد في كتاب "الفلسفة في زمن الإرهاب" لجيوفانا بورادوري (أستاذة الفلسفة الأوروبية وعلم الجمال في جامعة فاسار الأمريكية)؟ الذي نشر بالإنجليزية عام 2003، على خلفيات هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية ضدّ أمريكا، وترجمه وقدّمه خلدون النبواني إلى العربية، بعد عقد من الزّمان 2013.

جيوفانا: أيديولوجيا الإرهابيين الذين كانوا مسؤولين عن هجمات 11 أيلول الإرهابية ترفض الحداثة والعلمانية رفضاً صريحاً

الجديد والفريد في هذا الكتاب؛ هو "كيفية إخضاع الأسئلة الأكثر إلحاحاً في الظاهرة، المتعلقة بالإرهاب والنزعة الإرهابية للتحليل الفلسفي"، خاصّة وأنّ الفلسفة، كما يقول شيخها أرسطو، تدرس المبادئ العامة، أو الكليات، حسب كلام الفلاسفة العرب القدماء، وفي ظاهرة الإرهاب الكثير من الجزئيات والتفاصيل والأحداث والاتجاهات الفرعية الباعثة على الجدل والخلاف وانعدام الرؤيا.

وهذا الموضوع قلّما تمت الإشارة إليه –حسب علمي- في الدراسات وأدبيات ظاهرة الإرهاب المعاصرة؛ ثمّ من الفلاسفة؟

إنّه مع أهم فلاسفة المنظومة الأوروبية تأثيراً في الغرب والعالم المعاصر، وهما: يورغن هابرماس (مواليد 1929)، وجاك دريدا (مواليد الجزائر 1930 -2004)، وفي أوّل مناسبة "يقبل فيها هابرماس ودريدا أن يظهرا جنباً إلى جنب ليجيبا بالتّوازي على المجموعة ذاتها من الأسئلة، رغم التباين الصارخ في تناولهما للفلسفة بشكل عام.

يورغن هابرماس

ويذهب البعض إلى أنّ كلاً منهما (وهما من أصول يهودية) هو النقيض للآخر، فهبرماس يمثّل فكر الحداثة، والكونّية والعقل، أمّا نقيضه دريدا فيمثّل "ما بعد الحداثة" والتمرّد عليها، والخصوصية ونقد العقل، وكان يُعرِّف نفسه، في أغلب الأحيان "بأنّه ليس يهودياً، ولا فرنسياً وليس جزائرياً"، باعتبار أنّه يهودي من مواليد الجزائر، وبينما كان دريدا معروفاً بتأييده للحقوق العربية والقضية الفلسطينية، والمطالبة بدولة فلسطينية ذات سيادة غير منقوصة، وفضح السياسات العنصرية لإسرائيل وإرهاب الدولة الذي تمارسه ضدّ الفلسطينيين، وحبّه للجزائر، كان نقيضه هابرماس أقلّ حماساً للقضايا العربية، وفي الوقت الذي لم يُدن فيه إسرائيل صراحة فإنّه، في المقابل، وصف العمليات الانتحارية في الأراضي الفلسطينية بالإرهابية، وسكت عن إرهاب الدّولة الإسرائيلي.

إنّ الخيط الناظم لمحاورات هابرماس ودريدا هو التحليل الفلسفي للأحداث والاتجاهات والأسئلة المتعلقة بها، مثل: هل غدا القانون الدولي الكلاسيكي متقادماً إزاء التهديدات الجديدة من "الأطراف الفاعلة ما دون الدولة" الجديدة المتخطية للدول كالجماعات الإرهابية؟ مَن له السيادة على مَن؟ هل من المفيد تقييم سيرورة العولمة من خلال الأفكار الكونية والمواطنة العالمية؟ التي يدعو إليها هابرماس، هل فكرة الحوار السياسي الفلسفي أداة عالمية في التواصل؟ أم إنّ الحوار هو ممارسة مميزة ثقافياً؟ ثمّ في أيّ شروط يمكن للحوار أن يكون خياراً متاحاً؟

الفلسفة في مواجهة الإرهاب

كمدخلٍ فلسفي رئيس تشير جيوفانا إلى أنّ "أيديولوجيا الإرهابيين الذين كانوا مسؤولين عن هجمات 11 أيلول الإرهابية، ترفض الحداثة والعلمانية رفضاً صريحاً، وبما أنّ هذين المفهومين صاغهما، للمرة الأولى، فلاسفة التنوير في الغرب، فإنّ الفلسفة مدعوة إلى الدفاع عنهما؛ إذا هي قادرة، بلا أدنى ريب، على تقديم مساهمة فريدة عند هذا الملتقى الجيوسياسي الحسّاس".

وهنا كانت محاورة هابرماس مكثّفة جداً وكلاسيكية على نحو أنيق، بأسلوبه البسيط جداً والمنضبط الخالي من البهرجة اللغوية، ولا غريب في ذلك، فهو ابن المدرسة الألمانية في الفلسفة، على خلاف محاورة نقيضه دريدا الطويلة المتعرجة، لكن القادرة على الجمع بين الابتكار والدّقة، كيف لا وهو أستاذ التفكيك؟

ورغم الاختلاف بينهما، إلّا أنّهما اتّفقا أنّ "الإرهاب مفهوم مراوغ، يعرّض السياسة العالمية لأخطار وشيكة وتحديات مستقبلية. وكيف يمكن للإرهاب أن يدّعي لنفسه مضموناً سياسياً، بالتالي، كيف يمكن أن يكون منفصلاً عن النشاط الإجرامي؟"، وهذا سؤال مهمّ حول التنظير للإرهاب في حقل السياسة والعلاقات الدولية بأنّ الإرهاب فعل سياسي، ويهدف لتحقيق أهداف سياسية ويختلف عن النشاطات الجرمية.

جاك دريدا

ليس للإرهاب مضمون سياسي

ويرى، هابرماس، أنّ إعلان أمريكا الحرب على الإرهاب قد تمنحه شرعية سياسية، ثم هل هناك إرهاب دولة، وهل يمكن التمييز بين الإرهاب والحرب تمييزاً واضحاً؟ وهل يمكن لمجموعة من الدول، أو دولة، بناء تحالفات وإعلان الحرب على "أطراف فاعلة من غير الدول" مثل الجماعات الإرهابية؟ وبالطّبع فإنّ هذا السؤال لا يزال مطروحاً الآن، مع بناء التحالف الدولي الجديد ضدّ إرهاب تنظيم داعش مثلاً.

الأخطر في الأمر، بحسب هابرماس، هو "الخسارة المحتملة لشرعية الحكومات الديمقراطية الليبرالية؛ حيث تعرّض نفسها للخطر بردّة فعلها المفرطة ضدّ عدو مجهول" هو الإرهاب.

لكن كيف؟ أولاً: على الصعيد الداخلي؛ لأنّ عسكرة الحياة العادية قد تقوّض أعمال الدولة الدستورية، وتقيد إمكانات المشاركة الديمقراطية. ثانياً: على الصعيد الدولي؛ إذ قد يتكشّف استخدام العسكرية عن نتائج غير ملائمة أو غير فعّالة".

أما دريدا (صاحب فلسفة التفكيك)، فإنّه يدعو إلى تفكيك (بمعنى تحليل البنى المترسّبة التي تشكل العنصر الخطابي أو الخطابية الفلسفية التي نفكّر داخلها)، مفهوم الإرهاب الذي تجلّى في هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، بوصفه مفهوماً غامضاً وعصيّاً على الفهم، ومراوغاً، ومُحيراً، ومُتلاعباً به لغايات عدّة تصبّ في مصلحة أمريكا، بقدر ما تصبّ في مصلحة الجماعات الإرهابية.

يتّفق هابرماس ودريدا على الدعوة للانتقال من القانون الدولي الكلاسيكي إلى نظام عالمي تصبح فيه المؤسسات فاعلات سياسية رئيسة

وهو يرى أنّ "تفكيك المفهوم هو المسلك الوحيد والمسؤول؛ إذ إنّ الاستخدام العام لهذه الكلمة يظهرها كما لو أنّ مدلولها واضح بذاته، ويظهر وكأنه بداهية، الأمر الذي يجعلها تخدم قضية الإرهاب على نحو غير مباشر".

والتفكيك يعني تبيان أنّ ضروب التميز، التي نفهم في إطارها معنى مصطلح الإرهاب، مثقلة بالمشكلات؛ فليست الحرب هي المسؤولة عن ترهيب المدنيين، أو الوحيدة التي تنطوي على عناصر الإرهاب؛ إذ لا يمكن الفصل بين مختلف أنواع الإرهاب؛ أي بين إرهاب الدولة والارهاب المحلّي أو الإرهاب العالمي؛ لذلك يرفض دريدا أن يكون "للإرهاب معنى ثابت، أو جدول عمل أو محتوى سياسي، ويمكن أن نلاحظ هنا أنّ هابرماس ودريدا قد اتفقا في تفريغ الإرهاب من مضمونه السياسي.

وحول علاقة الإرهاب بظاهرة العولمة، خاصة آليات العولمة التكنولوجية في الاتصالات والمواصلات والإعلام، يقدّم دريدا رؤيا استشرافيّة؛ حيث يدعو إلى ضرورة "التيقظ حيال العلاقة القائمة بين الإرهاب ونظام الاتصالات العالمي، ويُذكّر بسيل الأخبار والصور والقصص المتلفزة، عقب الهجمات الإرهابية في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، التي تتحدث عن إرهاب، وأنّها تستدعي تأمّلاً نقدياً.

فمع استيطان الصدمة في الذاكرة، يسعى الضحايا عادة إلى أن يطمئنوا أنفسهم بأنّهم قادرون على تحمل الصدمة التي يمكن أن تتكرّر، وقد بقي دريدا مرتبكاً حيال واقعية الخطر المتمثل في إمكانية استخدام الشبكات التقنية وشبكات الإعلام، وأنّه لا يمكن له أن يتصوّر الخوف من الهجمات الإرهابية التي تستخدم فيها الأسلحة الكيماوية، أو البيولوجية، أو التكنولوجيا الرقمية؛ لأنّها مخاطر "صامتة وخفيّة"، والمُرعب أنّ الإرهاب "لا يظهر كحدثٍ مضى بقدر ما يظهر كاحتمالٍ مستقبلي".

وصفة فلسفية لمواجهة خطر الإرهاب

في مواجهة أخطار الإرهاب المدمّرة، يتّفق هابرماس ودريدا على الدعوة إلى ردّ يشمل الكرة الأرضية، ويتضمن الانتقال من القانون الدولي الكلاسيكي، الخاص بالقرن التاسع عشر، والقائم على الدولة القومية –الأمة الذي انبثق عن اتفاقية وستفاليا 1648، إلى نظام عالمي جديد تصبح فيه المؤسسات المتعددة الأطراف والتحالفات العالمية هي الفاعلات السياسية الرئيسة، والتركيز على قيمة المثل العليا لعصر التنوير، وهي نفسها مثل التي حلم بها الفيلسوف إيمانويل كانط، كمثال المواطنة العالمية، والحقّ العالمي الشامل، والجماعة الكونية التي يكون لجميع أفرادها حضورهم في مجتمعات الآخرين بفضل حقّهم في الملكية المشتركة لسطح الكرة الأرضية".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية