القاعدة تحث فروعها على اتباع إستراتيجية متغيرة

القاعدة تحث فروعها على اتباع إستراتيجية متغيرة


19/09/2019

بعد مرور ثمانية عشر عاما على أحداث الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر 2001، تعيش القاعدة الآن أسوأ أيامها. حيث تبدو المنظمة الإرهابية اليوم مختلفة تماماً عن تلك التي قتلت الآلاف من المواطنين الأميركيين على الأراضي الأميركية، بعد أن ترك الضغط المكثف لمكافحة الإرهاب في أفغانستان وباكستان وراءه قيادة مركزية قديمة عفا عليها الزمن. وفي الوقت نفسه، فإن ظهور تنظيم داعش كمنافس قد ترك تنظيم القاعدة يكافح للتنافس على الأسبقية الجهادية العالمية.

مع إصابة زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، بسوء الحالة والعزلة، وأيضاً بعد مقتل حمزة بن لادن مؤخراً، أدرك أعضاء القاعدة أن أفضل فرصة لبقائهم هي من خلال ترسيخ وجودهم المستمر في سوريا. وللاستفادة من الفرص التي أتاحتها الحرب الأهلية السورية للتنظيم، فقد بدأت الجماعة في نقل بعض أصولها الكبيرة من أفغانستان وباكستان إلى بلاد الشام ابتداء من سبتمبر 2014.

إستراتيجية متغيرة
هذا التحول في مركز ثقل الجماعة يشكل تغييرا كبيرا وواحدا له آثار لا تزال غير مفهومة بالنسبة لمسؤولي مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم. فبعد مرور عقدين على مهمتها الأكثر أهمية وشهرة على الإطلاق، استقرت القاعدة وركزت مرة أخرى بشدة على مهاجمة الغرب.

وبعد وفاة مؤسس التنظيم، أسامة بن لادن، في عام 2011 وبداية ما يسمى بانتفاضات الربيع العربي، بدأت القاعدة تتبنى إستراتيجية متغيرة. ولاحظ الخبراء في مجال الإرهاب أن تنظيم القاعدة بدأ يسعى إلى تحقيق أهداف إستراتيجية أكثر محدودية مع التركيز على المحلية والتدرج، فيما يعرف باسم “البراغماتية” و”الصبر الاستراتيجي”. وبدا أن تنظيم القاعدة كان يعيد بناء نفسه بهدوء وصبر في الوقت الذي ترك فيه تنظيم داعش يواجه حملة مكافحة الإرهاب في الغرب.

وظهرت هذه الإستراتيجية المحلية البراغماتية بوضوح في كيفية عمل الجماعة في سوريا. حيث كانت هناك جماعة معروفة باسم “جبهة النصرة” التي نفذت بشكل أكثر فاعلية نهج الجهاد الذي حقق بعض النجاح السابق في اليمن ومالي، لكنها أثبتت فشلها في المجمل.

ومن خلال توجيه طاقاتها محليًا، ومنع قانون العقوبات، وبناء التحالفات عبر الطيف الإسلامي وغير الإسلامي، والتغلب على المنافسين الأقل تطرفًا في توفير حوكمة فعالة وغير فاسدة، بنت جبهة النصرة مستوى من المصداقية الشعبية لم يستطع أي من فروع تنظيم القاعدة بناءها. وبشكل مجمل، أدركت جبهة النصرة كيف ينظر إليها السكان المحليون وتصرفت وفقاً لذلك. كما أثبتت جبهة النصرة كذلك أنها أكثر الممثلين العسكريين فعالية في ساحة المعركة.

ومع ذلك، كان لنجاح جبهة النصرة تأثير جانبي هام، حيث أبعدت جناحها السوري عن القيادة المركزية لتنظيم القاعدة في جنوب آسيا. واستلزمت المقاربة المحلية الوصول إلى مستوى من المرونة واتخاذ قرارات سريعة أثبت أنه من المستحيل تنسيقه مع قادة أمثال الظواهري، الذين كانوا في أسوأ الأحوال بمعزل عن العالم الخارجي تمامًا، أو أمثال هؤلاء ممن استغرقوا شهورًا للرد على المراسلات.

وبحلول عام 2016، أصبح من الواضح أيضا أنه من أجل الحفاظ على نجاح جبهة النصرة وترجمة المصداقية إلى شعبية، والشعبية إلى دعم، والدعم إلى ولاء، كانت الجماعة بحاجة إلى التعامل مع أكبر عقبة أمام هذا التقدم: وهي ارتباطها بتنظيم القاعدة، والذي لم يجلب سوى الشك وجنون العظمة وعدم الثقة.

وكنتيجة لذلك، قامت الجماعة بتغيير جلدها لمرتين متتاليتين في يوليو 2016 وفي يناير 2017، حيث تحولت جبهة النصرة إلى “جبهة فتح الشام”، ثم إلى “هيئة تحرير الشام”. تم التحول الأول بسلام، والثاني من خلال شن الهجمات العسكرية على الجماعات الإسلامية التي تمثل تهديدات محتملة.

وسواء كان هذا متعمداً أم لا، بحلول الوقت الذي تم فيه إعلان ميلاد هيئة تحرير الشام للعالم، لم تعد تعتبر عضوا مخلصا في عائلة القاعدة. وبفضل هجماتها المفاجئة على المنافسين، كانت أيضًا غير محبوبة منذ ظهورها.

ثم غضب الكثيرون ممن اعتبروا ذلك تمييعاً لهوية جبهة النصرة ونقاء قضيتها، فضلاً عن العملية غير المشروعة التي تكمن وراء تطورها، وكنتيجة لذلك انشق الموالون للقاعدة بأعداد كبيرة. وتحت قيادة قدامى المحاربين من ذوي الخبرة الطويلة في تنظيم القاعدة، أنشأ هؤلاء الموالون لتنظيم القاعدة مجموعات جديدة، أهمها “تنظيم حراس الدين”.

نموذج بن لادن
ومسترشدةً بتعليمات جديدة من الظواهري وغيره، عادت هذه المجموعة إلى اتباع نموذج النخبة أيام بن لادن، كما شجعت الفروع التابعة لها على عدم السيطرة على الأراضي أو حكمها، وتجنب الروابط مع الجماعات غير النقية أو الحكومات الأجنبية، واتباع إستراتيجية عسكرية صريحة، مع التركيز على الأعداء القريبين في المنطقة، وكذلك البعيدين في الغرب.

ومنذ إنشائه في أواخر عام 2017، قاد تنظيم حراس الدين سمير حجازي، المعروف باسم أبوهمام الشامي، وهو أخصائي عسكري بارز في تنظيم القاعدة قضى بعض الوقت في الأردن وأفغانستان وباكستان والعراق ولبنان قبل ظهوره في سوريا في عام 2012.

لا يزال حجازي قريبًا من زعيم القاعدة سيئ السمعة سيف العدل، وعمل سابقًا عن قرب مع أبومصعب الزرقاوي، لتنسيق تدريب المقاتلين الأجانب في العراق.

ومع ذلك، هناك مصدران يخبران بأن حجازي قد تم استبداله مؤخراً كزعيم تنظيم حراس الدين بشخصية قيادية أخرى في القاعدة، وهو خالد العروري، المعروف أيضًا باسم أبوالقسام الأردني، الذي تقول المصادر نفسها إنه تم تعيينه مؤخرًا من قبل الظواهري ليكون واحداً من نواب القاعدة الثلاثة في العالم، إلى جانب عادل وعبدالله أحمد عبدالله، المعروف أيضًا باسم أبومحمد المصري، وكلاهما في إيران.

ويعتبر العروري واحداً من اثنين على الأقل من أعضاء تنظيم حراس الدين الذين يشغلون مقاعد في مجلس الشورى العالمي البالغ قوامه 12 فردًا، ولا تزال الغالبية العظمى منهم في جنوب آسيا. وهذا يؤكد كيف أصبحت سوريا الآن العقدة الرئيسية لاستثمار القاعدة، لتحل محل اليمن، وهي الجبهة التي كانت القاعدة تفضلها في السابق.

وكان هناك عدد من قدامى محاربي تنظيم القاعدة في تنظيم حراس الدين، من بينهم سامي العريضي وبلال خريسات وفرج أحمد نانا، وحتى وفاته في 22 أغسطس الماضي، أبوخلاد المهندس، وصهر سيف العدل.

أسئلة مكافحة الإرهاب

وفي الوقت الذي تستمر فيه القاعدة في التغيير كمنظمة عالمية، فإن أحد أكثر الأسئلة إلحاحا التي تشغل فكر صانعي السياسات والمسؤولين الحكوميين هو إلى أي مدى لا تزال المجموعة تركز على مهاجمة الغرب؟ هل يمثل غياب الهجمات المنسوبة إلى تنظيم القاعدة خلال هذه المرحلة نقص القدرة أو مجرد تحول في الأولويات؟

وفي مقابلة مع قناة “الجزيرة” من مايو 2015، أوضح زعيم جبهة النصرة آنذاك، محمد الجولاني، أن الظواهري قد أمره بعدم استخدام سوريا كقاعدة يهاجم منها الغرب. وقد جاءت هذه التعليمات التي وصلت في رسالة سرية في وقت سابق من ذلك العام، ردًا على حملة الضربات التي شنتها الحكومة الأميركية ضد مجموعة خراسان المزعومة -وهي فرع صغير من تنظيم القاعدة يعمل في شمال سوريا بنية صريحة لمهاجمة الغرب- التي بدأت في سبتمبر 2014.

وبشكل مبسط، كان هذا محورًا منطقيًا لإستراتيجية جبهة النصرة المتمثلة في زيادة تدريجية محلية وقرار بتجنب التدقيق الغربي وسط حملة دولية متصاعدة ضد منافس القاعدة، الدولة الإسلامية.

وربما لتجنب أي لبس حول ما إذا كانت الولايات المتحدة والغرب قد بقيا في مفترق الجهود الدولية لتنظيم القاعدة، أصدرت المجموعة سلسلة من الرسائل على مدى السنوات الماضية. ففي رسالة أبريل 2017، أكد الظواهري مجددًا على أهمية الكفاح العالمي للقاعدة. وفي مايو 2017، حثت رسائل من كل من حمزة بن لادن وأمير القاعدة، قاسم الريمي، أتباع القاعدة على شن هجمات في الغرب.

ومما لا يثير الدهشة، في مايو 2017، استنتج مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية آنذاك، دان كوتس، في شهادة أدلى بها أمام الكونغرس أن “أوروبا ستظل عرضة للهجمات الإرهابية، ومن المرجح أن تستمر عناصر من داعش والقاعدة في توجيه وتمكين المؤامرات ضد أهداف في أوروبا”.

ثم تشكلت جماعة “أنصار الفرقان”، وهي مجموعة من قدامى المحاربين والموالين للقاعدة، في سوريا في أكتوبر 2017، حيث زُعم أنهم التزموا “بالأهداف المعلنة حديثًا في سوريا: وهي حرب العصابات مع التركيز على استهداف الغرب”.

وعلى العكس من ذلك، حيث في خطاب آخر ألقاه الظواهري بعنوان “أميركا هي العدو الأول للمسلمين” في مارس 2018، حرض أتباع القاعدة على ضرب الولايات المتحدة، وهو ليس بالشيء الغريب، لأن الأيديولوجيا الأساسية لتنظيم القاعدة بُنيت على أن الغرب كان دائماً في حالة حرب مع الإسلام.

وفي تقييم حديث للأمم المتحدة لعلاقات تنظيم القاعدة ببعض الجماعات في سوريا، نلاحظ ما يلي: تتشارك كل من جماعتي هيئة تحرير الشام وتنظيم حراس الدين في التاريخ والأيديولوجيا ولكنهما تختلفان في السياسة. حيث ركزت هيئة تحرير الشام جدول أعمالها على سوريا، مع عدم وجود مصلحة في شن هجمات في الخارج. وعلى النقيض من ذلك، قيل إن تنظيم حراس الدين لديه نظرة دولية بصورة أكبر. كان زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، هو السلطة المتحكمة في تنظيم حراس الدين ولكن ليس في هيئة تحرير الشام.

هذا التمييز يتماشى مع الأوصاف التي أدلى بها الظواهري بشأن وضع الجماعات في سوريا، والتي يعود تاريخها إلى يناير 2018، عندما اعترف لأول مرة بأن هيئة تحرير الشام تختلف اختلافا كليا عن تنظيم فرع “القاعدة في بلاد الشام”.

وفي ظل جذب هيئة تحرير الشام للاهتمام العسكري الروسي والسوري اليوم، تتمتع جماعات أخرى مثل تنظيم حراس الدين بحرية متابعة أجنداتها الخاصة، التي تشترك في بعض الخطوط الأمامية مع هيئة تحرير الشام، ولكن هذه الجماعات ملتزمة في الغالب بالعمل المستقل شمالاً، في اللاذقية بسوريا.

ووفقًا لأربعة مصادر منفصلة، ناقش قادة تنظيم حراس الدين مرارًا وتكرارًا قيمة ضرب الغرب من سوريا خلال التجمعات الإسلامية في الأشهر الأخيرة. وعلى الرغم من أن هذا لا يرقى إلى دليل التآمر، فإن حقيقة أن القضية تثار في الأماكن العامة، والتي يحضرها كثيرون ممن يعارضون مثل هذه الأفعال، هي تحذير صارخ مما قد يحدث خلف الأبواب المغلقة.

الوقت المناسب للقاعدة
وفي ظل ضعف تنظيم الدولة الإسلامية وإقصاء روسيا فعلياً للولايات المتحدة خارج المجال الجوي لشمال غرب سوريا، قد يكون هذا هو الوقت المناسب لتنظيم القاعدة -بشكله الجديد من الموالين والقيادة المحليين- لإعادة تأكيد نفسه على الساحة العالمية.

ومن المثير للاهتمام، أنه بعد فترة هدوء استمرت عامين شنت الولايات المتحدة غارتين استهدفت من خلالهما أهدافا مرتبطة بتنظيم القاعدة في شمال غرب سوريا في الأشهر الأخيرة -في 30 يونيو و31 أغسطس- على الرغم من أن روسيا منعتها من دخول المجال الجوي لهذه المنطقة.

وبالحديث عن الضربتين، وصفت القيادة المركزية الأميركية الأهداف بأنها “مواقع قيادة تنظيم القاعدة في سوريا” وبالتحديد “العملاء المسؤولون عن التخطيط لشن هجمات خارجية تهدد المواطنين الأميركيين وشركائنا والمدنيين الأبرياء”.

وتعتبر هذه علامة مشجعة، خصوصاً بعد سنوات من ترسيخ داعش، لكن الولايات المتحدة لا تزال مقيدة بأصول محدودة من الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع في مسرح الأحداث.

ومنذ قطع كل الدعم لجماعات المعارضة، التي كان عشرات الآلاف من أعضائها يمثلون مصدرًا هائلاً للاستخبارات البشرية المستمرة، في أواخر عام 2017، وكذلك الحرمان من الوصول إلى المجال الجوي الشمالي الغربي، تراقب المخابرات الأميركية والجهاز العسكريُّ القاعدةَ الآن وهما مكتوفا الأيدي.

وفي الوقت نفسه، تنسق روسيا حملة الأرض المحروقة في نفس المنطقة، والتي لا تستهدف تنظيم القاعدة، بل خصوم القاعدة من المدنيين والسياسيين الإسلاميين الأقل تطرفًا. وتعتبر هذه عملية مكافحة إرهاب كارثية، والتي لا تستطيع الولايات المتحدة حتى أن تسيطر عليها أو أن تتدخل في حلها. وعلى الرغم من تعقيدها بشكل غير عادي، إلا أن هذه البيئة الفوضوية توفر فرصًا لا حصر لها للجماعات التابعة للقاعدة من أجل تجديد قتالها وشن الهجمات ضد الأهداف الغربية.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية