القيادة التركية إذ تواجه لحظة الحقيقة في سوريا

القيادة التركية إذ تواجه لحظة الحقيقة في سوريا


13/02/2019

تتعزز مظاهر ارتباك القيادة التركية في التعامل مع القضية السورية، في وقت يبدو فيه أنّ الحرب قد بدأت بوضع أوزارها بتوافق أمريكي روسي، تمهيداً للدخول بالمرحلة التالية، وهي عملية سلام، من المفترض أن تفضي لإعادة إنتاج سوريا جديدة، بشكل ومضمون مختلفين عما كانت عليه قبل العام 2011، وذلك بالتزامن مع إعادة ترتيب الإقليم، تحت عنوان تسويات شاملة في العراق وفلسطين ولبنان واليمن، لضبط واحتواء التدخل الإيراني في المنطقة.

اقرأ أيضاً: العلاقة الموضوعية بين تركيا وداعش

وتظهر تجليات ارتباك العلاقات التركية دولياً، بدءاً من العلاقة مع أمريكا وروسيا وأوروبا والصين، ومع السعودية ومصر في الإطار الإقليمي، غير أنّها تبدو أكثر وضوحاً في تعامل القيادة التركية مع القضية السورية، تلك القضية التي وصلت كافة الأطراف الفاعلة فيها إلى مرحلة مواجهة الحقيقة، وضيق هوامش المناورة واللعب على التناقضات.

تطورات المشهد العسكري والسياسي في سوريا اليوم تسير باتجاهات تؤكد أن تركيا على رأس قائمة الأطراف الخاسرة

لقد كان واضحاً على مدى الأعوام الثمانية الماضية من عمر القضية السورية أنّ الإستراتيجية التركية تجاه سوريا مرت بالعديد من التحولات وربما التناقضات، غير أنّ أهدافها الكبرى القريبة والبعيدة، كانت البقاء قريباً من القضية السورية والاطلاع والتفاعل مع أية ترتيبات روسية أو أمريكية تحت عنوان الحفاظ على الأمن القومي التركي، وذلك من خلال: المطالبة بالمحافظة على وحدة الأراضي السورية، والتردد في تحديد موقف واضح من مستقبل النظام السوري، بالإضافة للحيلولة دون قيام كيان كردي في شمال سوريا، والتعاون وبشكل معلن مع فصائل إرهابية "جبهة النصرة" وتشكيلات عسكرية منشقة عن الجيش السوري، تعمل تحت عنوان "الجيش الحر" وتقديم الدعم، بما في ذلك توفير غطاء سياسي وعسكري لها، باعتبارها أدوات تركية تشكل أوراقاً تفاوضية في مراحل لاحقة.

وخلال ذلك برزت التناقضات التركية بين التحالف مع أمريكا ثم روسيا، والقبول بالدخول في مسار أستانا، ومناطق خفض التوتر، وكان آخرها الاتفاق مع روسيا في أواخر العام الماضي على تجنيب إدلب حمام دم.

تطورات المشهد العسكري والسياسي في سوريا اليوم تسير باتجاهات تؤكد أنّ تركيا على رأس قائمة الأطراف الخاسرة، خاصة بعد بدء ترتيبات الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا، والتي تتجسد حالياً بعنوانين؛ القضاء على داعش بعد معارك يتوقع أن تعلن "قوات سوريا الديمقراطية" حسمها خلال أيام، وهو ما يعني مزيداً من القوة والنجاح للقوات الكردية، التي كانت موضع تهديد بشنّ هجوم تركي عليها قبل أسابيع، بالإضافة لفشل تركيا بإقامة منطقة آمنة تحت سيطرتها في الشمال السوري.

اقرأ أيضاً: هل تضغط تركيا على روسيا عبر استثمار ورقة "جبهة النصرة" في إدلب؟

ولعل أبرز مظاهر الارتباك كانت في التعاطي التركي مع التوجهات الروسية لحسم وضع محافظة إدلب، بالقضاء على الفصائل والتشكيلات الإرهابية فيها، وخاصة جبهة النصرة، التي أعلنت تركيا أنها تمارس ضغوطاً عليها لتحويلها إلى حركة عسكرية مسلحة، على غرار حزب الله اللبناني، بهدف تسويق قبولها، باعتبارها مكوناً من المكونات السورية، ومن المرجح أن ترفض روسيا وإيران وحتى النظام السوري ذلك، بالإضافة للشكوك بقبول أجنحة من جبهة النصرة بالمقترح التركي.

من مظاهر الارتباك في التعاطي التركي مع التوجهات الروسية حسم وضع إدلب بالقضاء على الفصائل والتشكيلات الإرهابية فيها

في سياقات هذا الارتباك، جاءت زيارة وزير الدفاع الروسي قبل يومين إلى تركيا، ولقائه نظيره التركي، قبيل القمة المقررة بعد يومين، بين أقطاب أستانا "بوتين، أردوغان وحسن روحاني".

وقد عكس البيان الختامي الصادر عن هذه المباحثات، ضعف الموقف التركي، الذي ركّز على ما بعد الانسحاب الأمريكي من شرق الفرات، وما بعد النصر الذي حققه الأكراد ضد داعش، فيما كان واضحاً أنّ روسيا تركز على إنهاء ملف إدلب، ومطالبة تركيا بتنفيذ التزاماتها بإنهاء الإرهاب فيها، وهو ما يعني تضييق هوامش المناورة أمام القيادة التركية.

لا نضيف جديداً حينما نقول إنّ تحالف أستانا بين روسيا وإيران وتركيا، وصل إلى نهاياته بانتهاء مبررات استمراره، بكونه صيغة توافقية عسكرية، جمعت بين أطراف متناقضة مختلفة الأهداف، كانت تدير عبر أستانا تكتيكاتها على الأرض. وأنّها انتهت بانتهاء المعارك في سوريا، وأنّ مرحلة جديدة على وشك أن تبدأ بتوافق أمريكي روسي، مدعومة من تحالف عربي، عنوانها سوريا جديدة بدستور جديد، وإخراج كافة القوات الأجنبية منها.

اقرأ أيضاً: أكراد كردستان ينتفضون ضدّ تركيا لهذا السبب

وفي القمة الثلاثية الجديدة بين روسيا وإيران وتركيا، ستبدو تركيا أكثر ضعفاً، وهي تحاول التركيز على شرق الفرات وما بعد الانسحاب الأمريكي وما بعد داعش، في وقت تنظر فيه موسكو وطهران لشرق الفرات باعتبارها مسألة محسومة بعودة ما تم تحريره إلى الدولة السورية، وأنّ المطلوب استكمال التحرير في إدلب، وهو ما يعني إجابات تركية واضحة على كثير من الأسئلة التي ستطرحها موسكو وطهران، بما فيها بقاء القوات التركية في عفرين.

الصفحة الرئيسية