القُطّين: صناعة فلسطينية تقليدية توشك على الاندثار

القُطّين: صناعة فلسطينية تقليدية توشك على الاندثار


08/11/2020

بين العشرات من أشجار التّين يتجوّل المزارع، عبد الرحمن حامد، داخل أرضه الواقعة على تلة جبلية مرتفعة ببلدة سلواد برام الله، بالضفة الغربية المحتلة، حاملاً بيده سلة من القشّ لجني ثمار التين الناضجة، أو ما تسمى "الذبيل"، لتحويلها إلى "قطين" بعد أن يتمّ تجفيفها، لتدرّ عليه موسماً جيداً من القطِّين، يعينه وعائلته على شظف العيش.

هناك العديد من الصعوبات والعراقيل التي تلاحق المزارعين الفلسطينيين أبرزها؛ الزحف الاستيطاني على الأراضي الزراعية، وشقّ الطرق الالتفافية، وكذلك ارتفاع أسعار الأدوية والمبيدات الحشرية

ويبين حامد (52 عاماً)، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّه "الوحيد الذي ما يزال يحتفظ بهذه المهنة التي ورثها عن آبائه وأجداده، منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً، بعد أن هجرها معظم سكان بلدته، نتيجة وصول الزحف العمراني وتشييد المباني للمساحات الزراعية التي كانت تعجّ بأشجار التين، وهو ما أدّى إلى تقليص مساحتها بشكل كبير ببلدة سلواد، التي تعرف فلسطينياً بأرض القطين، مما يتهدّد باختفاء تلك الأشجار تدريجياً".

ارتبط اسم سلواد بالقطّين لأنها كانت تنتج كميات كبيرة منه

وسلواد بلدة فلسطينية، شأنها شأن البلدات والقرى الفلسطينية الأخرى، تميزت بكونها مجتمعاً زراعياً، قبل أن يتوجه أبناؤها إلى المهجر، وإلى قطاع الوظائف والتجارة، وغرس الزيتون والتين والعنب في 2930 دونماً، وتملك سلواد 18 ألفاً و880 دونماً، منها 880 دونماً للطرق والوديان.

اقرأ أيضاً: قرية فلسطينية تستعين بكاميرات مراقبة لردع المستوطنين الإسرائيليين

وارتبط اسم سلواد بالقطّين؛ لأنها كانت تنتج كميات كبيرة منه، حيث كانت الركيزة الأساسية لدخل الفلاح، وكان يقدَّر إنتاج البلدة من القطين بما لا يقل عن عشرة أطنان من القطين، أما حثالة "الذبيل"، فبعد جفافها كانت تسمى "القراقرة"، وكانت تسوّق لأصحاب المواشي الأغنام كغذاء لها في فصل الشتاء.

اقرأ أيضاً: لماذا يلجأ تجّار في فلسطين المحتلة إلى السّحرة والمشعوذين؟

وتنبع أهمية الزراعة الفلسطينيّة من خلال قدرتها على تعزيز الاقتصاد؛ حيث تساهم الزراعة بنسبة 6.4% من إجمالي الناتج المحلي، كما تُساهم بنسبة 15%من إجمالي صادرات فلسطين إلى دول الخارج، هذا بالإضافة إلى ُمساهمتها في تشغيل الأيدي العاملة الفلسطينية؛ إذ تصل نسبة العمالة الزراعية حوالي 13%.

تنبع أهمية الزراعة الفلسطينيّة من خلال قدرتها على تعزيز الاقتصاد

وبعد دخول الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، عام 1967، تبنّى خطة بعيدة المدى، حتى يدفع الناس إلى العزوف عن أراضيهم، وذلك من خلال إغراء العمال بأجور مرتفعة، ويُذكر أنّ أجرة العامل في سلواد قبل الاحتلال كانت نصف دينار أردني في اليوم، أما بعد الاحتلال فصار يُدفع للعامل ما يعادل خمسة دنانير أردنية، ما أدى إلى عزوف الشباب عن الاعتناء بحقول التين، ومع ذلك بقي الآباء مستمسكون بعناية أراضيهم.

زراعة المحاصيل المتنوعة

وتابع حامد: "أشجار التين المثمرة تتركز زراعتها شرق بلدة سلواد الفلسطينية، في مناطق الظهرة والشويكات وكردوشة، التي تمتاز بضحالة التربة فيها وقربها من مياه الينابيع الطبيعية، مبيناً أنّ "زراعة التّين تتم خلال موسمين الأول، خلال شهر شباط (فبراير) والثاني خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) من كلّ عام، كما يتمّ البدء بقطف ثمار التين الناضجة في مطلع شهر آب (أغسطس)".

صناعة التّين المجفَّف (القطِّين)

ولفت إلى أنّ "وجود بلدة سلواد على تلة جبلية مرتفعة جعلها تذخر بالينابيع والأودية المائية، كوادي النمر والقيس والحومة، وكذلك عين الحرامية والعباصة، وهو ما ساعد على انتشار أنواع مختلفة من المحاصيل الزراعية بالبلدة؛ كالعنب والزيتون، والتين بكافة أنواعه، المتمثلة بالشناري والسباعي والغزلي والحمري والبياضي، والذي يصلح لتجفيفه وصناعة القطِّين، أما الخرطماني والشحيمي فهو يصلح للأكل طازجاً فقط، ولا يتمّ تجفيفه".

صناعة القطِّين

وعن صناعة التّين المجفَّف (القطِّين)؛ بيّن حامد أنّ "البداية تكون بمتابعة ثمار التين على الأشجار، وجني الناضجة منها فقط، التي تكون آيلة للسقوط عن الغصن، ثمّ يتمّ فرد تلك الثمار فوق طبقة من الرمال النظيفة وتعريضها لأشعة الشمس، لمدة ثلاثة أيام، وقد تزيد المدة لخمسة أيام، بحسب قوة أشعة الشمس، حتى تجفّ تماماً، وتتخلص من المياه التي بداخلها".

رئيس مجلس العنب والفواكه الفلسطيني، فتحي أبو عياش، لـ "حفريات": "صناعة القطِّين من الحرف التراثية في فلسطين، في ظلّ الاهتمام بزراعة التين في الضفة الغربية

وأوضح أنّه "قبل تجهيز القطِّين للبيع يتمّ غسله بالزيت جيداً، ومن ثم تُرصّ الحبيبات الجافة والجيدة فوق بعضها، ويتمّ شبكها بالخيوط على شكل قلائد، وتخزينها في أكياس بلاستيكية أو صناديق خشبية للحفاظ عليها من التعفن لمدة تتجاوز أحياناً السبعة أعوام، دون استخدام أية مواد حافظة، للإبقاء على رائحتها وطعمها المميز، وذلك لتجهيزها لمرحلة البيع"، مشيراً إلى أنّه "خلال الموسم الواحد ينتج أكثر من 150 كيلو غراماً من القطِّين، ويباع الكيلو غرام الواحد بمبلغ يتراوح بين 20 إلى 25 شيكلاً (8 دولارات أمريكية)".

صناعة القطين شهدت في الآونة الأخيرة عزوف بعض المزارعين عن الاستمرار بها

وأكّد حامد أنّ "الموقع المميز لبلدة سلواد واحتواءها على العديد من الأودية والينابيع الطبيعية جعلها مطمعاً للاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه لمصادرة المزيد من المساحات الزراعية بالبلدة، إضافة إلى إطلاق المستوطنين للخنازير البرية على الأراضي المثمرة لتخريبها وتدميرها، ما أدّى إلى تراجع إنتاج البلدة من القطِّين، بالتالي تهديد هذه الحرفة التراثية بالانقراض".

حرفة تراثية

بدوره، يقول رئيس مجلس العنب والفواكه الفلسطيني، فتحي أبو عياش، في حديثه لـ "حفريات": "صناعة القطِّين من الحرف التراثية في فلسطين، في ظلّ الاهتمام بزراعة أشجار التين في مختلف المناطق في الضفة الغربية المحتلة، ولجوء عدد من أصحاب الأراضي الزراعية المثمرة بالتين للاستثمار في صناعة القطِّين، من أجل تسويق منتجاتهم للأسواق المحلية والخارجية".

المزارعون الفلسطينيون يعانون من عدم اهتمام وزارة الزراعة الفلسطينية

وبيّن أنّ "صناعة القطين شهدت في الآونة الأخيرة عزوف بعض المزارعين عن الاستمرار بها، وذلك نظراً للأحوال الجوية المتقلبة؛ إذ ترتفع درجات الحرارة في الأراضي الفلسطينية لمستويات عالية، وهو ما أثر سلباً في زراعة التين، إضافة إلى غزو أسراب النحل لثمار التين، وهو ما يؤدي إلى إصابتها بالتعفّن؛ حيث لم يصمد المزارعين في وجه تلك العوامل والخسائر المالية الباهظة، وهو ما أثّر بشكل كبير في صناعة القطِّين الفلسطيني".

صعوبات وعراقيل

ولفت إلى أنّ "المزارعين الفلسطينيين يعانون من عدم اهتمام وزارة الزراعة الفلسطينية بالوقوف بجانبهم ومساندتهم وتدريبهم، أو تقديم الإرشادات التوعوية لحماية الثمار من التلف"، مبيناً أنّ "الوزارة في حاجة إلى تشجيع المزارعين بتقديم الأدوية المناسبة للمحافظة على محاصيلهم الزراعية، وكذلك تزويدهم شتلات جديدة تفوق في جودتها الشتلات القديمة، والاستمرار في تقديم الدعم للمزارع الفلسطيني في مختلف المراحل الزراعية".

أشجار التين المثمرة تتركز زراعتها شرق بلدة سلواد الفلسطينية

وللنهوض بزراعة التين وصناعة القطِّين، يؤكّد أبو عياش أنّه "لا بدّ من تثقيف المزارعين، تحديداً المبتدئين منهم، بحبّ الأرض وتعزيز انتمائهم بها وعدم تركها لأّي سبب كان، إضافة إلى تشجيع زراعة مئات أشجار التين، وفتح المجال لتسويق المنتج الفلسطيني عالمياً، لتشجيع المزارعين على الاستمرار بهذه الزراعة، وعدم العزوف عنها".

اقرأ أيضاً: يعود أقدمها للعام 1937: فلسطيني يبعث الحياة في السيارات الكلاسيكية

وأوضح أبو عياش؛ أنّ "هناك العديد من الصعوبات والعراقيل التي تلاحق المزارعين الفلسطينيين بشكل عام، من أبرزها؛ الزحف الاستيطاني على الأراضي الزراعية لبناء المستوطنات الإسرائيلية، وشقّ الطرق الالتفافية، وكذلك ارتفاع أسعار الأدوية والمبيدات الحشرية، وندرة المياه لريّ المحاصيل الزراعية، إضافة إلى استخدام الطرق البدائية في حراثة الأراضي وجني المحاصيل الزراعية، وعدم اهتمام وزارة الزراعة بإتاحة الأسمدة وتقديم الإرشادات والتعليمات للمزارعين، باعتبارها خطّ الدفاع الأول عنهم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية