الكيد التركي

الكيد التركي


10/02/2020

عبدالله السويجي
التدخل التركي في شؤون الدول العربية له ثلاثة أوجه. وجه اقتصادي وآخر عقائدي وثالث تاريخي، وكل وجه يتداخل مع الوجهين الآخرين في اللعبة السياسية والدبلوماسية التي تبطن ساعة وتخفي أخرى، بينما الأمر واضح لمن يقرأ تسلسل الأحداث العامة منذ عام 1998، والخاصة منذ عام 2011؛ أي عندما طال ما يُسمّى ب«الربيع العربي» الأراضي السورية والدولة السورية.
في عام 1998 وقّعت تركيا وسوريا ما يُعرف ب«اتفاق أضنة»؛ بعد توتّر العلاقات بين البلدين إلى درجة أنذرت بمواجهة عسكرية شاملة؛ بسبب إيواء سوريا لمقاتلي «حزب العمال الكرددستاني»، الذي تصنّفه تركيا إرهابياً، وكانت معظم بنود الاتفاق لمصلحة تركيا، ومن ضمنها بندٌ يقول: (يفهم الجانب السوري أن إخفاقه في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية، المنصوص عليها في هذا الاتفاق، يعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كيلومترات).
وبعد انطلاق المعارك العسكرية في سوريا، وانتشار مقاتلي «داعش» على مساحات واسعة، ظهر جسم عسكري بعنوان: «قوات حماية الشعب»؛ التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا، والمدعوم من الولايات المتحدة، وبدأ بمحاربة تنظيم «داعش»، وحقّق انتصارات عليه، لكن تركيا تزعم أن هذه الوحدات هي امتداد ل«حزب العمال الكردستاني»، وبما أنها موجودة على الأراضي السورية، فإن ذلك يُعد خرقاً ل«اتفاق أضنة» بين تركيا وسوريا، الذي يترتب عليه دخول تركيا للأراضي السورية بعمق خمسة كيلومترات؛ لكن أطماع تركيا، جعلت جيشها يتوغّل بعمق تجاوز العشرين كيلومتراً، ويحتل بلدات سورية عدة، وهذا ما فعله في الأيام السابقة، وهنا تداخل الوجه السياسي بالتاريخي المغلف بالدفاع عن أمن تركيا القومي، أما الأمر العقائدي؛ فتمثل في تسهيل تركيا لمرور مقاتلي تنظيم «داعش» وإخوته من الأراضي التركية نحو سوريا، وبعض التقارير قالت: إن الأمر تجاوز التسهيل إلى التسليح والتدريب. وما يؤكد الأمر العقائدي زيارة الرئيس التركي أردوغان لمصر بعد تولي الرئيس محمد مرسي رئاسة مصر، وهو المعروف بانتمائه لجماعة «الإخوان المسلمين»، حتى أن الأخير فتح «باب الجهاد»؛ للقتال في سوريا.
أما التدخل التركي في ليبيا فله أكثر من وجه، فأردوغان يريد مناكفة مصر، وخاصة النظام القائم الذي جاء بديلاً عن نظام مرسي، ولهذا توترت العلاقات بين تركيا من جهة ومصر وعدد من دول الخليج من جهة أخرى.
لكن عين أردوغان على ليبيا قد تكون أبعد من المناكفة، فهناك تقارير تتحدث عن أن المقاولين الأتراك حصلوا على مشاريع في ليبيا قيمتها 29 مليار دولار تقريباً، وتدخّل تركيا العسكري يدّعي حماية تلك المشاريع والمصالح، ولم يفكّر أردوغان أن تدخله يمكن أن يدوّل الأزمة الليبية، وهذا ما حذّر منه غسان سلامة مبعوث الأمم المتحدة، في تصريح لصحيفة «لوموند» الفرنسية؛ حيث قال: إن الاتفاق بين حكومة السراج وتركيا؛ يُشكّل تصعيداً للنزاع، ويسهم في تدويله.
الحديث عن الطموح التركي ليس عبثاً، وهو طموح تاريخي مغلف بالاقتصادي والسياسي والوطني والعقائدي، حتى عندما تنتقد تركيا سياسات الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، فإنها تستخدم ذلك للتمويه وتغطية حقيقة علاقاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية مع الكيان الصهيوني.
ولو تصرفت كل إمبراطورية مثل تركيا لوجدنا العالم كله ساحة نزاع دموية، لهذا فإن على تركيا أن تفهم أن عصر الإمبراطوريات انتهى، وليس من الضرورة تسيير وحدات عسكرية؛ للمحافظة على المشاريع التجارية في ليبيا، وليس من الضرورة احتلال شمالي سوريا؛ لمناكفة دول أخرى أو تحقيق أطماع تاريخية عفى عليها الزمن، فالكيدية ليست طريقة للتعامل بين الدول، خاصة في ساحتين متفجّرتين؛ وهما: سوريا وليبيا.

عن "الخليج" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية