اللعب بورقة اللاجئين يرتد في وجه أردوغان

أردوغان

اللعب بورقة اللاجئين يرتد في وجه أردوغان


04/03/2020

أثارت محاولات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ابتزاز أوروبا مستغلاً ملف اللاجئين السوريين، حفيظة العديد من قادة دولها؛ إذ وصفت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، خطوة تركيا بأنّها "غير مقبولة"، وبدوره، قال مفوض الاتحاد الأوروبي للهجرة، مارغريتيس سكيناس، إنّه لا يمكن لأحد "ابتزاز أو تخويف الاتحاد الأوروبي"، كما ندّد المستشار النمساوي، سيباستيان كورتز، بمحاولة تركيا "ابتزاز" الاتحاد عبر فتح حدودها أمام آلاف المهاجرين واللاجئين الساعين للتوجّه إلى أوروبا، متهماً أردوغان، بتضليل اللاجئين من خلال "وعود كاذبة" ونقلهم إلى الحدود اليونانية، وتسهيل دخولهم لأوروبا، واعتبر أنّه يستخدم المهاجرين "سلاحاً" للضغط على الاتحاد الأوروبي.

اقرأ أيضاً: ماذا لو نجح أردوغان في "ورقة" اللاجئين وألغى "الطرف الثالث"؟
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أمام الجمعية الوطنية: "إنّ ابتزاز تركيا بورقة اللاجئين والمهاجرين الموجودين بالفعل على أراضيها، والسماح بعبور ملايين منهم إلى أوروبا إذا لم تحصل على مساعدات من الاتحاد الأوروبي، "غير مقبول على الإطلاق"، مضيفاً: " لقد توصلنا إلى اتفاق في آذار (مارس) 2016، يجب احترام هذا الاتفاق، إنّ أوروبا تحترمه وكل الدول الأعضاء تطبقه منذ أربعة أعوام، لذا يجب أن تحترمه تركيا أيضاً وخصوصاً أن الالتزامات المالية كبيرة جداً".

 أردوغان يريد استخدام نفس الورقة للحصول على دعم سياسي أوروبي لسياساته في سوريا في مواجهة روسيا
يذكر أنّ أردوغان كان قد سبق له ابتزاز أوروبا (مالياً) بورقة اللاجئين ونجح في الحصول على ما يقارب من 6 مليارات يورو مقابل عدم السماح للاجئين السوريين بالعبور الى أوروبا، حيث وقعت تركيا على اتفاقية بروكسيل العام 2016، وفيما يبدو أنّه يريد استخدام نفس الورقة، من أجل الحصول على دعم سياسي أوروبي لسياساته في سوريا في مواجهة روسيا.

تملّص أردوغان من الاتفاق الموقع بينه وبين أوروبا العام 2016 بشأن اللاجئين مرشح للتكرار

أردوغان الذي ورط نفسه في المستنقع السوري وبعد مقتل العشرات من الجنود الأتراك في إدلب في 27 شباط (فبراير) الماضي، لم يجد مخرجاً للتغطية على هزائمه، إلا استخدام ملف اللاجئين السوريين كورقة لابتزاز الأوروبيين لإنقاذه، وهو الأمر الذي لم يعد مقبولاً أوروبياً وعالمياً فقد أدرك الجميع أنّ دفع المزيد من الأموال لتركيا لن يحل المشكلة، فتملّص أردوغان من الاتفاق الموقع بينه وبين أوروبا العام 2016، وقراره فتح الطريق أمام تدفق آلاف المهاجرين إلى الأراضي الأوروبية، مرشح للتكرار كلما تعرض لمأزق مالي أو سياسي، والحل الوحيد هو اتفاق الدول الكبرى والإقليمية على إنهاء الحرب في سوريا.
يقول الكاتب والباحث التونسي باسل ترجمان: ليست هذه المرة الأولى التي يستعمل فيها أردوغان ورقة اللاجئين، باعتبارها رسائل متعددة يوجهها لدول الاتحاد الأوروبي والتي يعتبرها اتخذت موقفاً عدائياً ضد طموحاته المجنونة.

اقرأ أيضاً: هل تنتهي معاناة اللاجئين على الحدود التركية اليونانية؟
ويضيف ترجمان في حديثه لـ "حفريات": أردوغان سبق واستعمل سياسة تهجير اللاجئين السوريين والذين كان من ضمنهم عشرات الإرهابيين، وهذا تم بعلم ومعرفة أجهزة الأمن التركية التي كانت تدفع بهؤلاء للانتقام من فرنسا أساساً رداً على موقفها من السياسات التركية الداعمة للجماعات الإرهابية في سوريا، ونذكر جميعاً العمليات التي هزت باريس في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 بعد أقل من ثلاثة أشهر على فتح تركيا أبواب الهجرة للاجئين.

أردوغان سبق له قبل أربعة أعوام ابتزاز أوروبا مالياً بورقة اللاجئين وحصل على قرابة 6 مليارات يورو
"اليوم يكرر أردوغان لعبته، فهو من جهة يريد معاقبة دول أوروبا التي تخلت عنه في حربه في سوريا وليبيا، مستخدماً ملف اللاجئين ومن بعده ملف الإرهابيين، ومن جهة أخرى يصرف أنظار الداخل التركي عن الواقع المرير لفشل سياساته في المنطقة، وتتصاعد الأصوات في تركيا رافضة لهذا التوريط ونتائجه الكارثية، إنّ استخدام أردوغان لورقة اللاجئين لابتزاز الاتحاد الأوروبي يعكس حجم ضعفه السياسي والعسكري، حيث تتلاحق هزائمه في كل أماكن تواجد قوات الجيش التركي في سوريا وليبيا".

ثلثا اللاجئين الذين تحاول تركيا دفعهم من مخيمات مؤقتة في سوريا إلى اليونان ليسوا سوريين

وحول مدى نجاح أروغان في الوصول الى غايته توقع ترجمان "أن يكون الفشل حليفه في كل تحركاته المستقبلة، فالعالم لم يعد يقبل مثل هذه التصرفات غير المتوازنة، ولن يسمح المجتمع الدولي بمن يهدد الأمن والسلم في حوض البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، ولا يتوانى عن استعمال كل الوسائل غير المشروعة لتحقيق أهدافه حتى لو كانت إرهابية أو إجرامية.
من جانبه، قال الخبير بالشأن التركي البروفيسور اللبناني خورشد ديلي: "إنّ دفع أردوغان اللاجئين نحو أوروبا على وقع التطورات الميدانية الجارية في إدلب، يأتي لتحقيق مجموعة من الأهداف في إطار سياسة الابتزاز التي يمارسها في قضية اللاجىين، فإلى جانب سعيه الحصول على المزيد من الأموال من أوروبا، نجد الرئيس التركي يبحث عن موقف أوروبي وأطلسي داعم له بعد هزيمته في المواجهة العسكرية ضد روسيا في إدلب.

اقرأ أيضاً: تركيا ومأساة اللاجئين السوريين: "الأنصار" يتاجرون بـ "المهاجرين"
ويتابع ديلي حديثه لـ "حفريات: "كذلك يريد أردوغان جعل القضية الإنسانية لهؤلاء اللاجئين قضية سياسية من خلال السعي إلى موقف دولي يُحمِّل روسيا والحكومة السورية المسؤولية عن معاناتهم، علماً أنّ أردوغان أغلق الحدود التركية أمام النازحين السوريين من إدلب"، ويؤكد ديلي أنّ أردوغان بالأساس "يتعامل مع قضية اللاجئين كورقة ابتزاز ضد أوروبا، وكذلك كأداة لتحقيق التغيير الديمغرافي في شمال وشرق سوريا، وتحديداً في المناطق الكردية كما حصل في عفرين ورأس العين، وكذلك استخدم هذه الورقة في الداخل ضد الخصوم السياسيين من المعارضة من خلال تجنيس عشرات الآلاف للاستفادة من أصواتهم في الانتخابات".


وأضاف دلي: "في جميع الأحوال رغم مسايرة أوروبا لأردوغان في قضية اللاجئين خلال الأعوام الماضية، إلا أنّها هذه المرة مجبرة على اتخاذ رد فعل حاسم تجاه ممارساته الابتزازية وتهديده للأمن وخرقه لاتفاقية بروكسل بشأن اللاجيئن السوريين، ومن المتوقع اتخاذ إجراءات عقابية ضده على أرض الواقع".

تقرير أممي: التصعيد العسكري التركي في سوريا هو السبب الرئيس في زيادة أعداد اللاجئين

وفي تصريح لـ "حفريات" أكد الباحث في العلاقات الدولية والشؤون التركية، الدكتور محمد ربيع الديهي: "تشكل قضية اللاجئين تهديداً مباشراً للأمن الأوروبي خاصة في ظل التخوف الأوروبي من وجود عناصر إرهابية مندسة بين اللاجئين، وهو الأمر الذي من المؤكد حدوثه، فبحسب تقارير دولية أغلب اللاجئين المتواجدين الآن على الحدود الأوروبية من جنسيات مختلفة غير السوريين، وهو الأمر الذي أكدت عليه وزارة الدفاع الروسية، حيث أشارت إلى أنّ تركيا تحاول دفع 130 ألف لاجئ من سوريا إلى اليونان، وأنّ ثلثي اللاجئين، الذين تحاول تركيا دفعهم من مخيمات مؤقتة في سوريا إلى اليونان، أفغان وعراقيون وأفارقة، وليسوا سوريين، وهو الأمر الذي يقلق المجتمع الأوروبي".

اقرأ أيضاً: بعد انهيار الاتفاق بشأن اللاجئين.. كيف سيرد الاتحاد الأوروبي على ابتزاز أردوغان؟
ويرى الديهي أنّ أردوغان يجيد التلاعب بالأزمات وافتعالها لتشتيت الرأي العام الداخلي والدولي،  "خاصة أنّ النظام التركي يعاني الآن من إفلاس سياسي في كثير من الملفات، فتركيا الآن فشلت في تحقيق أهدافها من السيطرة على إدلب، وكذلك تلقت هزيمة كبري في ليبيا، إضافة إلى ذلك هو فشل النظام التركي في الملف الاقتصادي نتيجة الأطماع في المنطقة ودعمها الإرهاب.


كل هذه الأمور، وفق الديهي، جعلت أردوغان في مأزق خاصة في ظل الضغوط الأوروبية الرافضة للتدخل التركي في إدلب وليبيا، "ما دفعه لاستخدام ورقة اللاجئين كأداة ضغط على الاتحاد الأوروبي وتشتيت المجتمع الدولي عن القضية الأساسية وهي الأزمة في إدلب وسوريا، كما تحاول أنقرة ممارسة ضغوط على الحكومات الغربية من أجل دعمها في موقفها في سوريا خاصة بعد رفض الدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو تفعيل المادة الخامسة والرابعة من ميثاق الحلف والمتعلقتين بدعم ومساعدة أي دولة عضو في الحلف لصد أي عدوان عليها خاصة وهو الأمر الذي لا ينطبق على أنقرة.

ترجمان: أردوغان يريد معاقبة أوروبا لتخليها عنه في مغامراته العسكرية وصرف أنظار الداخل عن فشل سياساته

وأضاف الديهي: "من المؤكد أنّ أردوغان سيستمر في استغلال ورقة اللاجئين للضغط على الدول الأوروبية لكي تزيد المساعدات الاقتصادية لبلاده، إضافة إلى محاولة كسب دعم ولو عبر الصمت في الملف السوري، وهو الأمر الذي يدركه القادة الأوروبيون والذين من المحتمل أن يستمروا في موقفهم المعارض لسياسات أردوغان".
وحول ردود العفل المتوقعة تجاه سياسة الابتزاز التركية قال: "من المتوقع أن تلجأ الدول الأوروبية إلى تقرير اللجنة الأممية الصادر عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الذي أدان أردوغان بارتكاب جرائم حرب في الشمال السوري لفرض عقوبات أممية على أنقرة، إضافة إلى إمكانية فرض عقوبات عسكرية أوروبية ودولية نتيجة أفعاله الإجرامية في سوريا وبحق اللاجئين باعتبار أنّ التصعيد العسكري التركي في سوريا هو السبب الرئيس في زيادة أعداد اللاجئين، ناهيك عن توفير النظام التركي للاجئين وسائل النقل للخروج خارج حدود تركيا، ما يؤكد وجهة النظر الذي تحدث عنها تقرير مؤسسة راند الأمريكية منذ فترة بأنّ أردوغان يخشى حدوث انقلاب عسكري ضده، وهو الأمر الوارد حدوثه في ظل سياساته الخارجية الخاطئة، وإنهاك الجيش التركي في الكثير من المعارك دون داع لها".

المستشار النمساوي اتهم أردوغان بتضليل اللاجئين من خلال "وعود كاذبة"
وعلى صعيد الإعلام العالمي، ظهر العديد من الصحف والمجلات مقالات وتحليلات تكشف دوافع ابتزاز أردوغان وتتنبأ بفشله في هدفه، فوصف مقال نشرته "فورين بوليسي" مخطط أردوغان الجديد لإغراق أوروبا بالمهاجرين بأنه "تهديد فارغ لن يجدي نفعاً"، وأكدت المجلة الأمريكية أنّ هذه الخطوة من قبل أردوغان واللغة "الصارمة" التي يستخدمها من أجل الضغط على أوروبا، وما يضاف إلى ذلك من تشجيعه المهاجرين على الدخول إلى الاتحاد الأوروبي وتسهيله عبورهم الحدود "لن تسفر عن الدعم الذي يبحث عنه".

اقرأ أيضاً: أردوغان يسلّم اللاجئين السوريين لليونان ويفتح لهم أبواب الجحيم
بدورها، رأت صحيفة الإندبندنت البريطانية أنّ مخطط أردوغان ابتزاز أوروبا لتحقيق مكاسب جديدة على غرار ما حدث عامي 2015 و2016 "لن ينجح طويلاً"، معتبرة أنّه "يتعين على قادة أوروبا والولايات المتحدة إقناع رئيس النظام التركي "بالقوة" بأن رفضه التعاون سيعود عليه بخسائر أكبر بكثير من إثارته عدم الاستقرار".
ونشرت "الغارديان" مقالاً للكاتب الأمريكي "سايمون تيسدال" المعلق في الشؤون الخارجية للصحيفة، الذي أشار إلى عدم جدوى محاولة أردوغان بتصعيد أزمة اللاجئين السوريين، ونشر الفوضى على الحدود اليونانية التركية لدفع الاتحاد الأوروبي لمناصرته في معركته بإدلب، ويؤكد تيسدال، أنّ تركيا أردوغان تحصد ما زرعته، "الرئيس التركي يأخذ بلاده بعمق في حرب مفتوحة في سوريا ستكون سبباً في نهايته، وهو على خلاف حاد مع جميع الأطراف، لذا بات معزولاً عالمياً أكثر من أي وقت مضى".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية