المتطرفون منقسمون: طالبان انتصرت أم خانت العهد؟

المتطرفون منقسمون: طالبان انتصرت أم خانت العهد؟


24/08/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

قلّة هم الّذين يشكّكون في أنّ انتصار طالبان في أفغانستان سيمنح كافة المتطرّفين الإسلامويّين العنيفين في أنحاء العالم انتعاشةً تاريخيّة، مشجّعاً إيّاهم في حملاتهم للإطاحة بالأنظمة المحلّيّة واستبدالها، لكنّ هذا الانتصار كشف، أيضاً، الانقسامات العميقة التي أضعفت الحركة الجهاديّة في العقد الماضي.

أوضح المقاتلون السّنّة، في الشّرق الأوسط وخارجه، بالفعل، أنّهم يعتقدون أنّ سيطرة طالبان على أفغانستان تُبرّر إستراتيجيّاتهم وأيديولوجيّتهم.

إنّ أحداث كابول، التي تأتي قبيل أسابيع قليلة من الذّكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر، لها صدى قويّ، وتتّخذ العديد من البيانات الصّادرة حولها طبيعةً مُتهلّلة.

لكنّ هناك استثناءً واحداً ملحوظاً بين الجماعات الجهاديّة: تنظيم داعش، الذي يعدّ مقاتلي طالبان "مرتدّين"؛ بسبب استعدادهم للتّفاوض مع الولايات المتّحدة، وبراغماتيّتهم الواضحة، وفشلهم في تطبيق الشّريعة الإسلاميّة بصرامة كافية.

مثل هذا النّقد ليس جديداً؛ فقد واجهت طالبان هجمات مماثلة في التّسعينيّات، عندما كانت للحركة اتّصالات مع الأمم المتّحدة وحكومات غربيّة، لكنّه يأتي الآن بعد معارك ضارية في أفغانستان بين فرع داعش المحلّي وقوّات طالبان.

 الخميس، بعد أن نشر أتباع داعش انتقادات لاذعة على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، أصدر التّنظيم بيانه الرسميّ الأول بشأن هذه المسألة، متّهماً طالبان بأنّهم مسلمون سيّئون وعملاء للولايات المتّحدة.

تناقض المتطرّفين الإسلاميّين

إنّ التّناقض مع وجهات نظر كافّة المتطرّفين الإسلاميّين العنيفين الآخرين صارخ، لقد احتفل مقاتلو تنظيم القاعدة في اليمن، الأربعاء، بمحافظة البيضاء المركزيّة ومحافظة شبوة الجنوبيّة، بعودة طالبان إلى السّلطة بالألعاب النّارية وإطلاق النّيران، وفي بيان لها، هنّأت الجماعة، المعروفة باسم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة، طالبان، بينما أعادت تأكيد التزامها بالإطاحة بالحكّام المحلّيين من خلال العنف.

قالت الجماعة في البيان الذي ترجمته ونشرته مجموعة "سايت إنتليجنس": "هذا النّصر وهذا التّمكين يكشفان لنا أنّ الجهاد والقتال هما الطّريق الواقعيّة الوحيدة المتوافقة مع الشّريعة الإسلاميّة لاستعادة الحقوق وطرد الغزاة والمحتلّين".

بثّت العشرات من التّصريحات الأخرى التي أصدرتها وسائل الإعلام المرتبطة بقيادة القاعدة، وأنصارها من الأفراد، الرسالة نفسها: انتصار طالبان إنجاز كبير ومِثَال للجهاديّين في كلّ مكان.

عبّر عن مشاعر مُمَاثلة قادةْ وكبار رجال الدّين في هيئة تحرير الشّام، وهي جماعة مقرّها سوريا، انشقّت رسميّاً عن القاعدة عام 2016، وتُهيمن الآن على محافظة إدلب الشّماليّة الغربيّة.

"انتصار للمظلومين كافّة"

وصف أحد كبار أعضاء الجماعة استيلاء طالبان على السّلطة؛ بأنّه "انتصار للمسلمين، انتصار للسّنّة، انتصار للمظلومين كافّة".

وصفت حركة طالبان الباكستانيّة، أو "تحريك طالبان باكستان"، المتمركزة في المناطق الحدوديّة في باكستان المجاورة، والّتي لها صلات وثيقة بفصيل واحد على الأقلّ في نظيرتها في أفغانستان، الأحداث الأخيرة بأنّها "انتصار للعالم الإسلاميّ كلّه".

ضرب أسامة بن لادن الولايات المتّحدة بشكل مباشر جزئيّاً؛ لأنّه كان مقتنعاً بأنّ القوّة العظمى ستنهار إذا تعرّضت للهجوم، كما حصل مع السّوفييت في أفغانستان

ضرب أسامة بن لادن الولايات المتّحدة بشكل مباشر جزئيّاً؛ لأنّه كان مقتنعاً بأنّ القوّة العظمى ستنهار إذا تعرّضت للهجوم، كما حصل مع السّوفييت في أفغانستان.

من المرجّح أن يُشجّع أيّ تصوّر جديد للضعف على هجمات جديدة.

رأى جهاديّون كثيرون فرصةً لتقويض الجماعات الإسلامويّة المتنافسة التي سعت إلى السّلطة من خلال صناديق الاقتراع، بالرّغم من أنّ كثيرين منهم رحّبوا أيضاً باستيلاء طالبان على السّلطة، قال تنظيم القاعدة في جزيرة العرب: "أمّا لعبة الدّيمقراطيّة، والتّسويات، والسّلميّة، فهي سراب مخادع، وظلّ عابر، ودائرة مفرغة تبدأ بصفر وتنتهي بصفر".

اختلافات إستراتيجيّة

تكشف الانقسامات بين المتطرفين حول نجاح طالبان اختلافات إستراتيجيّة كبيرة، تضع أولئك الذين يؤمنون بالعنف المطلق، والالتزام الشّديد بالنقاء العقائديّ، والتّنبؤات المروّعة ضدّ الّذين أظهروا براغماتيّة أكبر في الأعوام الأخيرة.

طلب بن لادن من أتباعه تجنّب الوفيّات غير الضّروريّة بين المسلمين، وأن يكونوا أكثر حذراً بشأن صورتهم العامّة، حتّى أنّ مؤسّس تنظيم القاعدة فكّر في تغيير اسم الجماعة كجزءٍ من إعادة تأهيل شاملة للسّمعة، وكان قلقاً للغاية من أنّ سمعة الجماعة قد تلوّثت بسبب قتلها مسلمين.

منذ وفاته، عام 2011، تجنّب خليفته، أيمن الظواهريّ، الهجمات طويلة المدى على الغرب لصالح إستراتيجيّة التّوسّع من خلال بناء علاقات مع المجتمعات المحلّيّة في أماكن مثل اليمن أو مالي، ومع ذلك، ما يزال الظّواهريّ ملتزماً بحرب لا تنتهي ضدّ الكفار والمرتدّين، بقيادة طليعة راديكاليّة، حتّى إقامة الخلافة.

من غير المفاجئ أن تدعم القاعدةُ طالبان؛ فالحفاظ على تحالف مع الحركة كان أمراً أساسيّاً لبقاء التّنظيم لمدّة 25 عاماً، وسيكون أكثر أهميّة الآن.

بعد أن نشر أتباع داعش انتقادات لاذعة على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، أصدر التّنظيم بيانه الرسميّ الأول، متّهماً طالبان بأنّهم مسلمون سيّئون وعملاء للولايات المتّحدة

أصبحت هيئة تحرير الشام، التي حاربت داعش في سوريا، مؤخّراً أكثر براغماتيّة، حيث حاول زعيمها، محمّد الجولانيّ، الانتقال من التّطرّف العنيف إلى شكل هجين من الحكومة المدنيّة والتّمرّد، وإن كان ذلك يتّسم بالعنف المستمرّ.

تسيطر الجماعة الآن، في الواقع، على آخر معقل للمعارضة في سوريا، ويبدو أنّها تقلّل من هدف بناء دولة دينيّة راديكاليّة في البلاد، وتسعى إلى التّواصل مع الجهات الفاعلة الدّوليّة، مجدّداً، يجعلها هذا تتماشى مع طالبان.

ما يزال داعش يمثّل الاتّجاه الأكثر تطرّفاً في الحركة الإسلامويّة المسلّحة، ويظلّ ملتزماً تماماً بأيديولوجيّته الوحشيّة، رغم أنّ بعض المنتسبين الفرديّين أو "المقاطعات" قد خفّفوا من تكتيكاتهم، فإنّه من غير المرجّح أن يتغيّر هذا قريباً، كما يتّضح من ردّ فعلهم هذا الأسبوع.

قد تُناقِض هذه الانقسامات الدّاخليّة العميقة شيئاً من الانتعاشة الدّعائيّة الّتي قدّمها انتصار طالبان في أفغانستان للمقاتلين الإسلاميّين في كلّ مكان، وقد تعني أنّ الاستيلاء ربما لا يُترجَم على الفور إلى موجٍة جديدةٍ من المجنَّدين والهجمات، ومع ذلك، فما هذا سوى عزاء هزيل.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جيسون بيرك، "الغارديان"، 20 آب (أغسطس) 2021

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية