المجددون في خطاب التشدد الديني إذ يبررون التطرف

المجددون في خطاب التشدد الديني إذ يبررون التطرف


31/08/2021

يُنسب مصطلح "التجديد الديني" إلى الترجمة الحرفية لـ(Renewal of Religious discourse)؛ ولهذا يُوصف التجديد الديني بأنّه "عبارة مستوردة من الغرب".

تبدو عبارة "تجديد الخطاب أو الفكر الديني" مستساغة لمن يبحث عن مخرج للتأويلات والتفاسير المتشددة

إلّا أنّ كلمة التجديد في حدّ ذاتها، لها أصل في التراث الإسلامي، يمكن رصده في الحديث النبوي: "إنّ الله يبعث لهذه الأمة في رأس كلّ مئة سنة من يجدّد لها دينها" رواه أبو داود (رقم/4291)، وصحّحه السخاوي في المقاصد الحسنة (149)، والألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/599).
كما يستند كثير من المجددين إلى كتاب "التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كلّ مائة" لجلال الدين السيوطي (849-911هـ)، وكتاب "بغية المقتدين ومنحة المجددين على تحفة المهتدين"، للشيخ حامد المراغي الجرجاوي (1361 – 1282هـ)، واللافت للانتباه؛ أنّ التجديد الديني في هذا السياق ارتبط بمنصب اجتماعي يشبه منصب الإمامة العظمى (راجع: المجددون في الإسلام، أمين الخولي، 1926م).

اقرأ أيضاً: مواجهة عبر الموسيقى بين التشدد والاعتدال
والإمامة منصب سياسي سلطوي، ولهذا نجد كثيراً من الجهاديين لا يعترفون بالتجديد الديني النابع من المؤسسات الدينية الحكومية في التاريخ المعاصر، على اعتبار أنّه خطاب مدعوم من السلطة لأسباب سياسية وليست شرعية بحتة.
التجديد في مواجهة البدعة
في الوقت ذاته، يواجه التجديد الديني بحديث نبوي آخر، ألا وهو: "إياكم ومحدثات الأمور فإنّ كلّ بدعة ضلالة" (رواه أبو داود 4607، وابن ماجة 42، والترمذي 2676). 
هنا أصبحت معادلة الإصلاح الديني أشبه بالسير في الهواء الطلق؛ فمَن يحدّد ما هو التجديد؟ وما هي البدعة؟ 

اقرأ أيضاً: شباب مغاربة من التشدد والتطرف إلى الإلحاد
لنوضح ونبسط هذه الفلسفة، يمكننا أن نضرب مثلاً بسيطاً؛ في فتاوى التجديد لا يعدّ المذياع حراماً، بل حلالاً، إن أذاع ما لا يخالف الشرع، وهي القاعدة التي سيستند إليها شيوخ الصحوة الإسلامية في فتاواهم ضدّ الفنون والسينما فيما بعد، هنا أصبحت الفتوى مجددة وحداثية؛ لأنّها لم تحرّم الفنون؛ بل حرمت المحتوى المخالف للشرع بحسب تأويلات بعينها.   
المجدّدون في التشدّد الديني
تبدو عبارة "تجديد الخطاب أو الفكر الديني" مستساغة لمن يبحث عن مخرج للتأويلات والتفاسير المتشددة، لكنّها في الوقت ذاته مصطلحات تحمل مجالاً واسعاً للجدل؛ لأنّ التجديد لم يرتبط فقط بالأسماء التي سعت إلى ربط الخطاب الديني بالحداثة المجتمعية، وإنما ارتبط المصطلح لدى البعض بتجديد نبرة التشدّد في الخطاب الديني أو بالتجديد في إستراتيجية العمليات الجهادية بما يتناسب مع التقدم التقني.  

اقرأ أيضاً: سلفية فركوس.. الجزائر في مرمى التشدد
لنا أن ندرك مثلاً؛ أنّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب لُقب بـ"الإمام المجدّد" في القرن الثامن عشر ميلادي، كونه حارب الصوفية في شبه الجزيرة العربية؛ حيث ظهرت دعوة ابن عبد الوهاب في فترة سيطرت عليها الطرق الصوفية بتقاليدها وثقافتها على المجتمعات الإسلامية؛ لهذا شنّ الشيخ هجوماً على التقاليد الدينية الشعبية الرائجة ونبذ البدع، فقام بهدم الأضرحة، في سبيل رؤيته في التجديد الديني.

الصراع بين أقطاب الجهاديين مجرد محاولة من كلّ طرف فيهم لاحتكار صحيح التكفير وصحيح الجهاد الذي يتبعه

كما لُقب الشيخ ابن تيمية (661-728 هـ) كذلك بـ"الإمام المجدّد"، وعدّ أتباعه من السلفية؛ أنّ فتواه بعدم جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم جزء من تجديد الخطاب الديني (مجموع الفتاوى، ج 13/175).
أما في التاريخ المعاصر؛ لُقب أسامة بن لادن من مناصريه بـ"الإمام المجدّد"؛ لتبنّيه مساراً جهادياً يتناسب مع الظروف المعاصرة، وفي هذا الصدد، يقول الباحث السياسي والاقتصادي الأمريكي من أصول يابانية، فرانسيس فوكوياما (Francis Fukuyama)، في كتابه "الإسلام والحداثة والربيع العربي": "لا يمكن ببساطة أن ندعو أسامة بن لادن، مؤسس تنظيم القاعدة، بالأصولي الإسلامي، إن الفهم الأفضل لهذه الحركات لا يكون باعتبارها حركة تقليدية، بل حركة غاية في الحداثة" (حوار فوكوياما مع د.  رضوان زيادة، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2015).
نموذج أبو مصعب السوري
أبو مصعب السوري؛ هو مصطفى بن عبد القادر الرفاعي (من مواليد حلب 1958)، سافر إلى بريطانيا في التسعينيات ومكث فيها، وعمل هناك ضمن الخلية الإعلامية الداعمة للجهاد في الجزائر، وكتب منشورات لصالح المجاهدين هناك، واشترك في كتابة نشرات عديدة لصالح الجماعات الجهادية في العالم العربي، وكانت تلك المنشورات تصدر من أوروبا، كما ورد في كتابه "مختصر شهادتي على الجهاد في الجزائر".

اقرأ أيضاً: عنف التشدد الديني في مصر... سنوات ما قبل 25 يناير
كذلك أسّس أبو مصعب السوري في لندن، فيما بعد، مكتب دراسات صراعات العالم الإسلامي، وفي فترة لاحقة؛ اشترك مع المجاهدين في أفغانستان، وبايع الملا عمر (1960-2013)، الزعيم الروحي لطالبان الأفغانية في قندهار؛ بعدما أسست حركة طالبان الإمارة الإسلامية هناك، وكتب في صحيفة "الشريعة" الرسمية في الإمارة.
أما المفارقة في خطاب أبو مصعب السوري؛ هي أنّه تبنى تجديد الخطاب الديني ضدّ ما أسماه "الغلوّ في التكفير"؛ حيث اختلف مع أبو قتادة الفلسطيني، مؤلف كتاب "الجهاد والاجتهاد"؛ كون الأخير كان يؤصل شرعياً لفتاوى الجماعات الجهادية في الجزائر، التي اتهمها أبو مصعب بالغلو في التكفير، وهو ما يلفت انتباهنا إلى أنّ الصراع بين أقطاب الجهاديين ما هو إلا محاولة كلّ طرف فيهم لاحتكار صحيح التكفير وصحيح الجهاد الذي يتبعه، وعدّ ذلك جزءاً من تجديد الخطاب الديني في أعراف الجهاديين.
كتاب "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية"، لأبو مصعب السوري، ارتكز على تجديد الخطاب الديني المنوط بالجهاد، ورأى أنّ الجهاد فرض عين على جميع المسلمين، فليس من الضروري أن يكون الجهادي المسلم فرداً فاعلاً في تنظيم جهادي ليجاهد في سبيل الله؛ فالجهاد هو الغاية، حتى وإن لم تنتج عنه حكومة إسلامية شرعية، وقد يُعدّ هذا الخطاب أخطر أنواع الأدبيات الجهادية، كونه يرتكز على الفردانية؛ أي العمل الفردي الجهادي الذي يصعب تتبع أثره.

اقرأ أيضاً: المغرب: التصوف في مواجهة التطرف.. لمن الغلبة؟
ومن الجدير بالإشارة؛ أنّ كتابه "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية"؛ هو دراسة متأنية أشبه بأبحاث الدراسات العليا، ويختلف عن كثير من كتب السلفية الجهادية التي يعتمد فيها أصحابها على الخواطر الدينية. 
يعدّ أبو مصعب السوري الجهاد فرضَ عينٍ على الأعداء الكفار وأوليائهم المرتدين، ويتهم كلّ من يثني المسلمين عن الجهاد بالتواطؤ في مخطط التلاعب بمفاهيم الدين الإسلامي.
ويؤكد كذلك، أبو مصعب السوري، على ضرورة التربية العسكرية القتالية لأولاد المسلمين، على اعتبارها جزءاً من التربية النفسية التي تؤهلهم للقتال في سبيل الله؛ لهذا فإنّ ظهور الجهاديين الذين يحملون أطفالاً رضّعاً معتصبين بعصابات مكتوب عليها كلمات دالة على الجهاد والاستشهاد؛ هو جزء من تجديد الخطاب الديني في إطاره الجهادي.

باسم التجديد اعتبر أبو مصعب السوري الجهاد فرضَ عينٍ على الأعداء الكفار وأوليائهم المرتدين

كما يستخدم أبو مصعب السوري مصطلح "النخب الجهادية"، ومصطلح النخب كان دوماً يستخدم من ِقبل المثقفين، ولكنّ أبو مصعب السوري يستخدم المصطلح ويطوعه، وكأنه يتقمص دور التنويري الذي ينير العقول بفقه الجهاد.
يحدّد أبو مصعب في كتابه أيضاً مقومات الجهاد، وما يتبعها من محرمات، فيحكم بتحريم الانتساب إلى الأجهزة السلطوية والمؤسسات الحكومية، ويحرّم التشنيع على الجهاديين (نقدهم) بحجّة الاعتدال والوسطية؛ فهو يرى أنّ الذين يتقمصون دور الاعتدال والوسطية، ويعملون على إثناء المسلمين عن الجهاد؛ تنطبق عليهم الآية القرآنية: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (التوبة: الآية 46).
يعد كتاب "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية"، دستور العقيدة الجهادية العصرية في إطار الخطاب الديني المتجدّد، بحسب رؤيته، والذي صاغه في ست وثلاثين مادة ، وأهم ما جاء فيه؛ أنّ "المقاومة الإسلامية ليست حزباً ولا دستوراً ولا جماعة، وإنما دعوة مفتوحة لجموع المسلمين؛ لأنّ الجهاد هو عقيدة أهل السنّة والجماعة"، وأكد فيه مشروعية الجهاد ضدّ كلّ فاجر من أمراء المسلمين وشعوبهم، وتعدّ كلمة  "فاجر" هنا كلمة مبهمة، وتتضمن أحكاماً مطاطية قد تطال قطاعاً كبيراً من المواطنين، كما أنها تترك للمجاهدين حق الحكم بارتداد الحكام من عدمه واستحلال دماء كلّ "فاجر".

اقرأ أيضاً: "الإسلام السياسي بين الأصوليين والعلمانيين".. التطرف الديني إلى أين؟
يحتوي دستور العقيدة الجهادية كذلك على مناهضة مراكز التنصير، وهذه عبارة في غاية الخطورة؛ حيث تعدّ الكنائس من مراكز التنصير، بحسب الفكر الجهادي، أما فحوى دستور العقيدة الجهادية لدى أبي مصعب السوري؛ فهو التحريض على القتال، وهنا يستشهد في كتابه بالآية القرآنية: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَال (الأنفال: 65).
كتاب "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية"؛ هو مجرد نموذج معاصر بين أدبيات عديدة أسّست لفلسفة تجديد الخطاب الديني المعاصر، بهدف تبرير التشدد والغلوّ، لا لمناهضته، باسم التجديد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية