"المداح 2": رمزية فلسطين بمواجهة قوى الشر

"المداح 2": رمزية فلسطين بمواجهة قوى الشر


27/04/2022

"بين خير وشر، الضر مَسّ، مُصرّ على المشوار"، بهذه الكلمات يبدأ تتر مسلسل "المداح... أسطورة الوادي" في دلالات كثيرة يكشفها العمل تباعاً ليرصد حرب "صابر" بطل المسلسل ضد جيش "المينوراه" شمعدان اليهود السباعي، الذي تم اختياره كرمز لقوى الشر المتمثلة في الجنية "مليكة".

وتدور أحداث المسلسل حول صراع بين "صابر"، الذي يجسّد دوره الفنان حمادة هلال، وفتاة من الجن تدعى "مليكة" وتجسد دورها الفنانة سهر الصايغ. وصابر شاب أزهري، وهبه الله البصيرة وكشف عنه الحجاب، وقرر أن يستغلهما في سبيل الله لكشف الضر عن كل من مسه جن أو أذى بسحر، أمّا مليكة، فظهرت ترتدي المينوراه في هيئة سلسلة في رقبتها، وتلاحق صابر وأهله في كل مكان. ولدى صابر أخان غير شقيقين؛ كبيرهما حسن وأصغرهما عز، وأُمّان؛ إحداهما صفاء التي ربته ويحبها حباً شديداً، وتجسد دورها الفنانة حنان سليمان والأخرى عفاف، وهي قعيدة، وظهرت في حياة صابر بعد أعوام من نعته بـ"ابن الطريق"، وأخت من الأم "هبة".

وكان لقاء مليكة وصابر الأول في بيت سكنته الجنية ذات المينوراه وأطفال من عشيرتها، وعندما أراد صابر تخليص هذا البيت من الشر الذي لحق به، كبّلت مليكة قدميه، وأعجزته عن التحرك، في إشارة إلى تكبيل محاولات تحرير البيت الفلسطيني بعشرات الآلاف من القيود من أول المؤسسات الدولية التي تدير ظهرها باستمرار لجرائم الكيان الصهيوني، حتى الانقسام الفلسطيني الذي يسلط المسلسل الضوء عليه في صورة خلاف بين صابر وحسن وعز.

أحجار على رقعة الخريطة

تعرض حلقات المسلسل "مليكة" وهي تحاول القضاء على أهل صابر واحداً تلو الآخر بغرض إنهاكه وإبعاده عن طريقها، في إسقاط على ما يفعله الكيان الصهيوني من سلب للأراضي الفلسطينية قطعة قطعة، فإخوة صابر كانوا بمثابة حجارة في طريق مليكة أو الكيان الصهيوني بمعنى أدق، وبالفعل قضت مليكة على واحد من إخوة صابر، فيما فتنت أخاه الأكبر حسن وجرّته للدجل (وهو من الكبائر)، وأمرضت أمّه بالتربية صفاء التي كانت مصدر القوة الروحانية الأهم في حياة صابر، الذي تأمل فيه الشيخ عبد الرحمن خيراً، ويجسّد دوره الفنان أحمد عبد العزيز، بأن يقضي على مليكة وعشيرتها ويكمل ما بدأه الشيخ قبل أعوام طويلة كلفته حياة زوجته وصديقه، في إشارة على ما يبدو إلى الدول العربية المتضامنة مع القضية الفلسطينية.

صابر شاب أزهري، وهبه الله البصيرة وكشف عنه الحجاب

"مش هتقدر" كلمة ترددها مليكة أكثر من مرة بثقة تحاكي غطرسة الكيان الصهيوني الذي يقلل من قدرة العرب على تحرير أرض فلسطين ودحر الاحتلال الإسرائيلي، إلّا أنّ صابر، المسلّح بإيمانه والمشتت بين إخوانه، عكس الموقف العربي القابض على "جمر" القضية الفلسطينية فتارة يؤمن بقدراته، وأنّ الله زرع بداخله هذه القوة ليقف بها في وجه هذا الشر، وتارة أخرى يفلتها خوفاً على أهله وأمّه طريحة الفراش، ولا سيّما بعدما فقد أخاه الأصغر عز في ليلة زفافه بنيران أشعلتها مليكة التي أينما حلّت حلّت النار، نار الفقد ونار المواجهة مختومة بـ"المينوراه".

 

دلالات كثيرة يكشفها المسلسل تباعاً ليرصد حرب "صابر" ضد جيش "المينوراه" رمز قوى الشر

 

ولم يأتِ توظيف كلمات أغنية "عدّى النهار" للفنان الراحل عبد الحليم حافظ من فراغ، بل من محاولات إسرائيل المتواصلة تعمية الشعوب العربية وتضليلها؛ الأمر الذي كان جليّاً في "وعشان نتوه في السكة شالوا من ليالينا القمر". وفي المسلسل كان استهداف مليكة للحاجة صفاء، التي يستمد منها صابر القوة الروحانية، محاولة لتشتيته وتعميته ليضلّ عن طريقه.

 عداء من الداخل قبل الدخيل

وحيداً على جبهته يواجه صابر عداء "عماد" الذي يجسّد دوره الفنان تامر شلتوت، زوج "عيشه"، أحد أقاربه. وفيما يُظهر عماد المحبة والحرص على صابر ومصالحه، ظهر في الحلقة الـ13 وهو يتحدث مع عشيرة "مليكة"، ويتعهد لها بالسمع والطاعة، وأنّه ملك لهم، في إشارة إلى دول عربية وتيارات الإسلام السياسي، التي باعت نفسها للكيان الصهيوني، وأصبحت شوكة في حلق العرب قبل الفلسطينيين.

ولم يكشف المسلسل بعد ما إذا كانت عشيرة "مليكة" هي التي وصلت لعماد أوّلاً، أم أنّ عماد هو الذي بادر ببيع نفسه لهم لإيذاء "صابر" لسبب قد يفسّره الجزء الأول من المسلسل، وهو الثأر من والد صابر "الشيخ سلام"، الذي يجسّد دوره الفنان أحمد بدير ضيف شرف المسلسل، بعد أنّ قام بقتل والد عماد في الجزء الأول خلال سرقتهم للآثار مستعينين بالجن، قبل أن يتوب الشيخ سلام ويعرض عن هذه الطريق للأبد بعد رؤية بركات ابنه صابر.

قوى أكبر منك

لم يكتفِ عماد بالعداء الدفين لصابر، بل قام بتضليله بعد أن طلب التواصل بخبير في التعامل مع الجن، فرافقه عماد لخبير سدّ في وجهه جميع أبواب الانتصار على مليكة، قائلاً: "دول قوة كبيرة مش هتقدر عليهم"، الجملة نفسها كررتها عصابات الاحتلال خلال مذبحة دير ياسين عبر مكبرات الصوت قائلين: "إنّكم مهاجمون بقوى أكبر منكم. إنّ المخرج الغربي لدير ياسين الذي يؤدي إلى عين كارم مفتوح أمامكم فاهربوا منه سريعاً وأنقذوا أرواحكم". بيد أنّ صابر لم يرهبه رأي الخبير، ولم يثق فيه، وقرر أن يواصل مواجهة مليكة وعشيرتها ومعالجة ضحاياها.

تجسد الفنانة سهر الصايغ شخصية فتاة من الجن تدعى (مليكة)

المشهد رمزي، ويحمل إسقاطات على عدة أنظمة وتيارات إسلامية وسياسية دأبت على تثبيط العزيمة على مواجهة الاحتلال، بقول "هنعمل إيه لوحدنا"، حتى صارت الأراضي الفلسطينية المحتلة مرتعاً للعصابات الصهيونية.

وظلّ صابر لأعوام يظن أنّ الشيخ سلام، الذي توفي في الجزء الأول، ليس أباه، بل التقطه من الطرقات ليربيه. وموقف عماد يعكس دور تيارات الإسلام السياسي التي تتحالف مع الدولة وتطعنها في ظهرها بالتواصل مع العدو الصهيوني، الأمر الذي تجلى في تعهد عماد بالولاء لعشيرة مليكة في إحدى حلقات العمل.

 

"مش هتقدر" كلمة ترددها مليكة بثقة تحاكي غطرسة الكيان الصهيوني الذي يقلل من قدرة العرب على تحرير أرض فلسطين

 

وعلى المستوى الشخصي، يواجه صابر بمفرده مليكة التي حرّضت عماد على حرق أرض بطل المسلسل من خلال نوع سرطاني من الأسمدة، بعد أن أوهم حماه بأنّها ستؤدي لزيادة المحصول، في إشارة إلى الأدوات الصهيونية التي خربت الأراضي العربية بعدة طرق من بينها الأسمدة المسرطنة التي أدين فيها يوسف والي وزير الزراعة المصري السابق، في عهد الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك.

على المستوى الفني، لم يخلُ المسلسل من بعض الأخطاء، حيث ظهر الفنان أحمد عبد العزيز في إحدى الحلقات وهو يتلو جزءاً من آية قرآنية قائلاً "إنّ الله لا يحبّ كلّ مختالاً فخوراً"،  والصحيح هو: "إنّ الله لا يحبّ كلّ مختالٍ فخور".

غير أنّ الفنان حمادة هلال تفوّق على نفسه في تجسيد الشخصية بكلّ ما تحمل من انفعالات.

"الشر مد جذوره حوالينا والحرب قامت يا بني الإنسان"، وهذه الكلمات في تتر نهاية المسلسل، هي بمثابة تحذير ونداء للعالم العربي ليستفيق من غفلته.

مجازر نيسان

يصادف عرض المسلسل في نيسان (أبريل) الجاري، وهو شهر حافل بذكرى المجازر الإسرائيلية التي لم تزل تحصد العديد من أرواح الأبرياء الفلسطينيين والعرب، ففي 8 نيسان (أبريل) 1970، قصفت طائرات إسرائيلية من طراز فانتوم مدرسة بحر البقر المشتركة في قرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية في مصر، وأدى الهجوم إلى مقتل (30) طفلاً وإصابة (50) آخرين، وتدمير مبنى المدرسة تماماً.

وفي 9 نيسان (أبريل) 1948 ارتكب الاحتلال الصهيوني واحدة من أبشع المجازر التي ترقى إلى الإبادة الجماعية، وخلفت مئات الشهداء من الشعب الفلسطيني في دير ياسين، على يد العصابات الصهيونية ومن بينها الإجون، التي كان يتزعمها مناحم بيغن رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق، وشتيرن ليحي، التي كان يترأسها إسحق شامير الذي خلف بيغن في رئاسة الوزارة، وتم الهجوم باتفاق مسبق مع الهاغاناه.

وقال بيغن نفسه عن المذبحة في كتابه "الثورة": "العرب دافعوا عن بيوتهم ونسائهم وأطفالهم بقوة، فكان القتال يبدو من منزل إلى منزل، وكلما احتل اليهود بيتاً فجّروه على من فيه باستخدام مادة (T.N.T)  شديدة الانفجار التي أحضروها لهذا الغرض. وبعد تقدّم بطيء في الظلام، وقبيل ساعات الصباح الأولى بدأ احتلال القرية بكاملها وتدميرها على من فيها. ودخل إرهابيو عصابة (شتيرن) تتقدمهم سيارة مصفحة تحمل مكبراً للصوت، وهدفهم أن يصلوا إلى قلب القرية، وكان المذياع يقول للعرب: "إنّكم مهاجمون بقوى أكبر منكم. إنّ المخرج الغربي لدير ياسين الذي يؤدي إلى عين كارم مفتوح أمامكم فاهربوا منه سريعاً وأنقذوا أرواحكم".

وارتبط نيسان (أبريل) منذ بدايات القرن الماضي في ذاكرة العرب باقتحام المتطرفين اليهود وقوات الإجرام الصهيونية للمسجد الأقصى وبمذابح ارتكبها الصهاينة في حق الشعوب العربية والشعب الفلسطيني الصامد رغم كل تلك الجرائم البشعة، ففي 12 نيسان (أبريل) 1948، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة قالونيا، وقالونيا قرية تبعد عن القدس المحتلة حوالي (7) كلم، تمّت مهاجمتها من قبل العصابات الصهيونية حين قامت بنسف عدد من بيوتها، واستشهد خلال هذه المجزرة عشرات الفلسطينيين.

 

يصادف عرض المسلسل في نيسان الجاري  الشهر المرتبط بذكرى المجازر الإسرائيلية التي لم تزل تحصد العديد من أرواح الأبرياء الفلسطينيين

 

وغالباً ما تسبق كلّ هذه المجازر وتدنيس المسجد الأقصى المبارك أعمال استفزازية يقودها متطرفون يهود تحت حماية سلطات الاحتلال التي تشكلت من عصابات إرهاب صهيونية كالهاجاناه والإرجون، إيذاناً بحلول عيد الفصح الذي يحتفل به اليهود لمدة (7) أيام بدءاً من 15 نيسان (أبريل) حسب التقويم اليهودي، لإحياء ذكرى خروج بني إسرائيل من مصر الفرعونية، ما يدل على أنّ هذا الشعب اليهودي لا يمكنه التعايش مع شعوب الأرض الآخرين في سلام، ومصيره هو الخروج من أرض فلسطين المحتلة أيضاً.

وفي 14 نيسان (أبريل) من العام نفسه، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مذبحة ناصر الدين حين أرسلت منظمتا ليحي والإرجون في الليلة المذكورة قوة إلى قرية ناصر الدين يرتدي أفرادها الملابس العربية، فاعتقد الأهالي أنّهم أفراد النجدة القادمة إلى طبرية فاستقبلوهم بالترحاب، وعندما دخل الصهاينة القرية فتحوا نيران أسلحتهم على مستقبليهم، ولم ينجُ من المذبحة سوى (40) عربياً استطاعوا الفرار إلى قرية مجاورة، وقد دمّر الصهاينة بعد هذه المذبحة جميع منازل ناصر الدين.

ووقعت في نيسان (أبريل) أيضاً العديد من المجازر التي ارتكبها الصهاينة من مذبحة تل فيلنسكي 16 نيسان (أبريل) 1948، وليس انتهاء بمجزرة مخيم جنين في 1 نيسان (أبريل) من عام 2002،  وما يزال الكيان الصهيوني يمارس جرائمه يومياً بحق الشعب الفلسطيني على مرأى من العالم.

مواضيع ذات صلة:

كيف أخرجت الدراما المصرية فلول داعش من جحورهم؟

الدراما المصرية.. كيف لعبت دوراً في استراتيجية مكافحة الإرهاب؟

الدراما التركية.. هل هي وسيلة "العدالة والتنمية" للتمدّد الناعم؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية