المرأة الداعية في مواجهة التطرف.. حل مبتور

المرأة الداعية في مواجهة التطرف.. حل مبتور


15/07/2018

"كلما ازدادت سيطرة المتشددين تراجع دور المرأة.. والعكس صحيح أيضاً"

انطلاقا من هذه المعادلة التي يثبت الواقع صحتها، دفعت السلطات المصرية في الفترة الأخيرة بالعشرات من الداعيات إلى المساجد التي احتكرها الدعاة الرجال لقرون، لتفتح بذلك الباب واسعا أمام النساء لارتياد المساجد، من أجل تلقي إجابات عن تساؤلاتهن والتزود بالتعاليم الدينية من خلال أقرانهن من النساء.

هناك ـ بلا شك ـ علاقة عكسية وثيقة بين دور المرأة في المجتمع والتطرف الديني، فكلما ازدادت سيطرة المتشددين، تراجع دور المرأة وتناقصت مكانتها الاجتماعية، وانتشر الاستخفاف بقدراتها العقلية والنفسية المميزة. ويبدو أن القاهرة تخوض حربا ضارية ضد التطرف والإرهاب.

الواضح أيضا أن الدولة تخطو تلك الخطوة المهمة وهي مكبلة بعقلية ذكورية راسخة في عمق المجتمع المصري، خصوصا في المناطق الريفية النائية، فتلك القيادات النسائية يعملن كمتطوّعات، لا يحصلن على أجر مثل زملائهن من الدعاة الرجال، حسبما أكدت تقارير صحافية محلية، على الرغم من أن منحهن تصاريح عمل من وزارة الأوقاف، مهمة صعبة، وتتطلب حصولهن على مؤهلات أزهرية، واجتياز دورات تدريبية واختبارات متعددة، وهي اشتراطات قد لا تتحقق في بعض نظرائهن من الدعاة الرجال.

ويرى باحثون ومحللون أن “محنة المرأة في المجتمعات الإسلامية متشعبة ومزدوجة الأبعاد”؛ فهي من ناحية تتعرض للتمييز في هذه المجتمعات ذات التركيبة الذكورية، ومن ناحية أخرى، يُهضم حقها وتقع ضحية للاستغلال من طرف الإسلاميين ومن طرف غير الإسلاميين أي المنظومات التي تحارب التطرف والفكر الأصولي بعقلية أصولية.

وتشكل المساجد التي يبلغ تعدادها نحو 130 ألفا، وفقا للإحصائيات الرسمية، عاملا مؤثرا في التكوين الفكري لقطاع كبير من المصريين، خصوصا في المناطق الريفية والأحياء الفقيرة، لذا عملت تنظيمات إسلامية على السيطرة عليها خلال العقود الماضية، واستغلت خطبة الجمعة، والحلقات الدراسية، والأنشطة الاجتماعية التي تنطلق من تلك المساجد في استقطاب أعضاء جدد، وحشد مناصرين لها. وبعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان سنة 2013، بدأت الدولة في انتزاع المساجد من بين أيدي تلك التنظيمات، وشددت على أن يحمل الخطباء والدعاة تصاريح رسمية وإلا تعرضوا للمساءلة.

وتفيد جهات مطلعة أن هناك ندرة في عدد الداعيات، رغم أن وزارة الأوقاف لديها معهد للدعوة يخرّجهن، وكذلك الأزهر لديه معهد للواعظات، لكن أعداد المتقدمات قليلة، كما أن الاختبارات صعبة للغاية، وبالتالي تنخفض الأعداد بدرجة كبيرة، وتوضح هذه الجهات أن هناك حاجة حقيقية لتخريج داعيات مؤهلات تأهيلا جيدا، لتلبية الحاجات الجديدة والمتجددة للمجتمع المصري.

وتوجد في جامعة الأزهر كلية دعوة للبنين، وقسم دعوة في كلية أصول الدين، لكن لا يوجد نظير لها للبنات، وتأهيل الداعيات تأهيلا جيدا قضية بالغة الأهمية، فقد يكون في المجتمع العديد من الداعيات، لكن ليس من بينهن متعلمات تعليما دينيا سليما، ومن جهة موثوق بها، ومن ثم لا يلقين القبول المطلوب من المجتمع كما يؤكد أساتذة جامعيون.

المشكلة الأخرى هي أن صورة المرأة الداعية في مصر والعالم الإسلامي بشكل عام قد ارتبطت بذلك النموذج الذي يعمل الإسلاميون على تسويقه، والذي يتم تلقينه إليها من طرف قادة إسلاميين متمكنين من أساليب المراوغة وشتى أشكال الاستعراضات البلاغية. وبناء على ذلك يصبح من الصعب أن تقنع الذهنيات البسيطة ومحدودة الثقافة بداعيات مضادات للخطاب الذي دأب الإسلاميون على تسويقه. كما أن ما تغدقه الجماعات الإسلامية على من تجندهن من النساء الداعيات في السر والعلن لا يقارن بما يمكن أن ترصده الجهات الرسمية وشبه الرسمية.

ويجمع أهل الاختصاص في مصر على أن المرأة الداعية يجب أن تقدم النموذج والقدوة، وبالتالي تشكل نوعا من مقاومة الفساد والانحراف الظاهر في المجتمع، فضلا عن أنها تعلم النساء أمور الدين، لافتين إلى أهمية “وجود المرأة الداعية وتمسكها بحقها في هذا المجال، والذي نص عليه القرآن”.

وترى أميرة إبرهيم، الكاتبة الصحافية المتخصصة في الشؤون الإسلامية في أحد اللقاءات الصحافية أن “توظيف واعظات وداعيات من النساء في المساجد أمر مهم وضروري”، وتقول “إن المجتمع بالفعل في حاجة إلى تلك الداعيات الآن، لقد أنهكت المجتمعات الإسلامية الأفكار المتشددة الشاذة والمتطرفة والبعيدة كل البعد عن جوهر الدين الإسلامي الصحيح“.

وتضيف الكاتبة “آن الأوان أن يقوم كل فرد في المجتمع بدوره، فتقوم الواعظات والداعيات بدورهن في التعليم والنصح والإرشاد والتوجيه في المساجد، على أن تراعي الجهات المعنية المعايير والمواصفات الصحيحة لاختيارهن، فلا بد أن يتمتعن بالقبول لدى المتلقّيات، وأن تكون الداعية صاحبة خلق حسن”.

وتوضح “المرأة نصف المجتمع، وتشكل بما لديها من مفاهيم ومعتقدات النصف الآخر، وتؤثر فيه، لذا فإذا أحسنّا استثمار دور الداعيات في تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى المرأة وتعريفها صحيح الدين، وكيف أنه دين الوسطية والاعتدال والرحمة والتسامح، وأنه لم يكن يوما دين التشدد والغلوّ، في النهاية سوف نصل إلى أن تقوم تلك المرأة بنقل ما تعلمته إلى أفراد أسرتها، ومحيط عائلتها، وسوف تحصنهم من أي أفكار تحاول اختراق عقولهم، ومن هنا يُسَدّ الباب أمام الأفكار المتطرفة التي تغزو عقول البعض”.

وتقول الحكمة الغربية الشهيرة “حين تعلم رجلا فإنك تعلم فردا، وحين تعلم امرأة فإنك تعلم أمة”، وما تحمله هذه العبارة هو نقيض ما تعمل على ترسيخه الجماعات الدينية المتشددة التي تهمش دور المرأة في المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة، وتحرمها أو تحرّم عليها التعليم.

وخروج الداعيات إلى المساجد التي طالما سيطرت عليها الجماعات المتطرفة، لا سيما السلفية الدعوية والجهادية، ربما يشكل مواجهة مهمة، قد تحدث فرقا، لكن يبقى أن تدعم الدولة تلك القيادات النسوية ماليا وإعلاميا. وتشير تقارير صحافية محلية إلى أن بعض الداعيات بدأن يحجمن، مؤخرا، عن المشاركة في الدورات التدريبية والتثقيفية التي تعقدها وزارة الأوقاف، نظرا لعدم حصولهن على مكافآت مالية أسوة بزملائهن من الرجال، وهو ما قد يعرقل خطط تمكين المرأة الداعية من لعب دورها الحيوي في التصدي لدعاة التطرف والإرهاب في مصر.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية