المرأة بين الفقه والمجتمع

المرأة بين الفقه والمجتمع


09/11/2017

مختارات حفريات

المرأة والتقاليد والتغير الاجتماعي

أثارت دعوى الرئيس التونسى حول زواج المسلمة بغير المسلم، والمساواة فى الميراث مع الرجل، ضجة ونقاشات ساخنة فى مصر، أكثر من غيرها من البلدان العربية والإسلامية، وغالب الأطروحات المناهضة لأطروحة المساواة، هى إعادة إنتاج النظر الفقهى والإفتائى النقلى التقليدى الموروث، وذلك بدعوى أن أحكام الإرث هى من النصوص قطعية الثبوت والدلالة، ومن ثم لا يجوز الاجتهاد فيها وفق رأى جمهور الفقه السنى الأغلبي. من ناحية أخرى وجدت أطروحة وخطاب المساواة بعض الترحيب لدى بعض الدوائر الدفاعية عن حقوق المرأة عمومًا على مواقع التواصل الاجتماعي، دعما لسعى بعضهم وبعضهن لتمكين المرأة، ودفاعًا عن حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والارتقاء بأوضاعها، لاسيما عقب دورها المتميز فى الانتفاضة الجماهيرية الكبرى فى 25 يناير 2011، وما بعد، خاصة أن دورها فى مواجهة ضغوط الجماعات الإسلامية السياسية، والسلفية، تميز بشجاعة رفض هذا النمط من الحكم الذى حاول الانتقال من الدولة الحديثة ومنظوماتها القانونية إلى بعض الأنظمة الدينية التقليدية والموروثة التى تحاول فرض التمييز الاجتماعى والسياسى بين الرجل والمرأة بناءً على قانون التقاليد والأعراف الاجتماعية الوضعي، التى سعى بعض رجال الدين التقليديين تاريخيًا إلى تبرير هذه القواعد ببعض المقولات الدينية الفقهية، والتأويلية الموروثة والوضعية للحفاظ على هذا النمط من التمييز الاجتماعي، وحصر أدوار المرأة المصرية فى نطاق وظائفها التقليدية فى نظام الأسرة والإنجاب والعمل المنزلى ... إلخ!

الأفكار التقليدية المحافظة شكلت سياجات من الحواجز ضد تطور أوضاع المرأة المصرية

هذا النمط من الأفكار التقليدية المحافظة شكلت سياجات من الحواجز ضد تطور أوضاع المرأة المصرية، وأثرت سلبًا على توجهات القواعد الاجتماعية الشعبية إزاء حقوقها، وإعمال مبدأ المساواة وعدم التمييز الدستوري، بوصفها مواطنة لها كل الحقوق وعليها ذات الواجبات التى على الرجل. هذا الترحيب لدى بعض الدوائر بأطروحة السبسى حول المساواة فى الإرث والزواج بغير المسلم، هو تعبير عن هذا التوق لدى بعضهن وبعضهم نحو إحداث تغيير فى العقل الذكورى والريفى الذى يسود الحياة اليومية فى بلادنا، وبات مسئولاً ضمن أسباب أخرى، عن تدهور منظومة القيم الاجتماعية فى المدن المريفة، والحضر عمومًا، والأرياف خصوصًا، وهو ما أثر سلبًا على القيم الحداثية التى ارتبطت تاريخيًا بالتحديث الذى شمل المدن الكبرى حول القاهرة والإسكندرية،

وتشكيلها الاجتماعى والثقافى والدينى المتعدد المصادر، والقيم فى سياقات كوزموبوليتانية مفتوحة على الفضاء المتوسطي، والعالمي. أدى الوجه المتعدد للمدينة الحديثة، إلى تحولها إلى حاضنة للسياسة فى عهدها الليبرالي، والتعليم المدني، واحترام التعددية، وتشجيع المرأة على التعليم، وخروجها إلى المجال العام كطرف فاعل، ومشاركتها فى الحركة الوطنية الدستورية المعادية للاستعمار. ثم تطورت أوضاع المرأة مع اتساع قاعدة التعليم والطبقة الوسطى، ودخولها سوق العمل مع سياسات ناصر الاجتماعية، ثم دور السيدات الأول فى عهدى السادات ومبارك، فى محاولة إصلاح بعض التشريعات حول حقوق المرأة وحمايتها، إلا أن ذلك كان يرمى فى أحد وجوهه إلى تقديمهن إلى المجتمع الدولى والإعلام الخارجي، كرموز طليعة فى قضايا المرأة الحقوقية على نحو يؤدى إلى حضورهن البارز فى المحافل الدولية ونيل تقدير المنظمات الدولية الحكومية والطوعية! من ناحية أخرى كان دورهن إصلاحيًا على نحو جزئي، إلا أن تمدد الجماعات الإسلامية السياسية والسلفية وسعيها إلى تديين المجال العام، من خلال نظام الزى ومحمولاته الرمزية، أدى إلى هيمنة الأفكار النقلية الوضعية حول أوضاع المرأة، وتمكنت بعض هذه الجماعات والمؤسسات الدينية، من كبح الاتجاهات الحقوقية والسياسية الساعية لتمكين المرأة سياسيًا واجتماعيًا، على نحو أدى إلى تراجع القيم الحداثية حول المرأة وتمثلت المرأة المصرية فى غالبيتها وقبولهن لمنظومة الأفكار الفقهية، والإفتائية التقليدية حول المرأة، واعتبارها تمثل صحيح القيم الإسلامية الفضلى، وليس بوصفها آراء تعبر عن فقه وضعى وبشرى قابل للإصلاح والتعديل لمواجهة التغيرات الاجتماعية.

ثقافة الدولة المصرية الذكورية المريفة، ساعدت على استمرارية أنماطٍ من العادات والتقاليد المحافظة المنافية للشرع ضد المرأة

من هنا استمرت وتكرست أمور وتقاليد اجتماعية لا علاقة لها بالشريعة الإسلامية، كحجب الإرث عن النساء فى الأراضى والعقارات فى بعض مناطق الصعيد والأرياف، لعدم انتقال ملكية الأراضى إلى الزوج! وهو تقليد محافظ يسود على المرأة المسلمة والمسيحية! ثقافة الدولة المصرية الذكورية المريفة، ساعدت على استمرارية هذا النمط من العادات والتقاليد المحافظة المنافية للشرع، بالإضافة إلى تراجع التوجهات الإصلاحية للفكر الدينى داخل المؤسسة الدينية والجماعات الإسلامية والسلفية ودعاة الطرق ... إلخ!. من هنا نجد ردود الفعل الذكورية المحافظة والصاخبة لدى بعضهم إزاء خطاب السبسى حول المساواة، فى حين أن دعواه وجدت ترحيبًا فى تونس من المرأة، والقوى المدنية، وبعض من رفضوا دعواه كان على نحو ناعم من داخل حزب النهضة، فى حين رفض بعض رجال الدين فى جامعة الزيتونة اقتراح السبسى لمجافاته لأحكام قطعية الثبوت والدلالة. وهذا الترحيب يعود لعديد الأسباب على رأسها ما يلي:

حاول السبسى إحداث اضطراب وخلافات وانقسامات داخل حزب النهضة حول هذه الأطروحة، خاصة فى ظل انتخابات البلدية القادمة، ولإعادة التماسك الداخلى إلى حزب نداء تونس، واستمرار دعم المرأة للحزب سياسيًا فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة.

أدت دعوى السبسى للمساواة أيًا كان الرأى فيها- إلى تنشيط وتعبئة الوطنية التونسية، إزاء ما اعتبره بعضهم وبعضهن تدخلا فى الشئون الداخلية، لتونس. يلاحظ غياب ردود أفعال المؤسسة الوهابية، على نحو يخالف موقفها من إصلاحات بورقيبة، بل اتهامه فى عقد الستينيات بالخروج عن الملة! أيًا ما كان أمر أطروحة السبسى التى أراد لها أن تكرس دوره فى التاريخ التونسي، إلا أنها كشفت أيضًا عن أثر التراكمات والتغيرات الاجتماعية وقوتها على السياسة، وفى الحياة الاجتماعية إزاء نظام التقاليد والثقافة الدينية الوضعية المحافظة، ومن ثم التميز التاريخى للدولة والثقافة التونسية إزاء المرأة.

امرأتان من صعيد مصر

 

نبيل عبد الفتاح

صحيفة الأهرام المصرية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية