المرأة في المِخيَال السلفي... قطعة لحم على خشبة الجزّار!

المرأة في المِخيَال السلفي... قطعة لحم على خشبة الجزّار!


17/08/2018

تحتلّ المرأة في المخيال السلفي، القديم والمعاصر، موقعاً كبيراً واهتماماً عظيماً، ليس لأنّها "ألطف" الكائنات، لا سمح الله!، وليس لأنّها نصف الكون؛ بل لأنها أداة ووسيلةُ متعة للرجل، فهي أسيرة في بيت أبيها ثم في بيت زوجها، وهي كالمملوك لدى سيّده، فها هو ذا ابن تيمية، أحد أبرز مرجعيات التيار السلفي، يأتي بحديث لا أصل له ولا راوٍ: "النساء لحم على وضم إلا ما ذُبّ عنه"، والوضم: الخشبة التي يُقطّع عليها الجزّار اللحم، فهي لحم لا يدفع عن نفسه الذباب، والمرأة عنده تحتاج إلى حفظ وصيانة أكثر مما يحتاج الصبي؛ لذا فالبنت المُحتَضنة تُجبَر على أن تختار أحد أبويها، حتى لا يكثر بروزها وتبرجها كلما ذهبت إلى أبيها تارة، وإلى أمها تارة أخرى، بخلاف  الذكـــَر الذي له حقّ الاختيار؛ فالنظرة الدونية هي أساس الحكم على المرأة، حتى أنّ ابن عثيمين يرى أنَّ جنس الرجال خير من جنس النساء، ويرى أنّ الرجل كاملٌ بنفسه (..)، فلا يلزمه التحلّي بالذهب، بخلاف المرأة؛ فهي ناقصة، وتحتاج إلى تكميل جمالها؛ حتى يكون ذلك مدعاة للعشرة بينها وبين زوجها!

   نظرة السلفيين للمرأة نظرة جنسية دُونيّة

نظرة السلفيين تجاه المرأة، نظرة جنسية لا إنسانية، مهما تكلَّفوا في أحكامهم ونقُولهم؛ فكلّ غاياتهم منها الاستمتاع بجسدها وأنوثتها؛ لذا استقطبوا الشباب الأغفال تحت دعاوى الجنس وستروا تلك الدعوة بالنكاح، فجعلوا الأصل فيه التعدّد، وافتأت شيوخهم على النصوص، فأكثروا من التسرّي بالنساء تحت ستار عقود الزواج.

نظرة السلفيين تجاه المرأة جنسية لا إنسانية مهما تكلَّفو بأحكامهم فكلّ غاياتهم الاستمتاع بأنوثتها

والمرأة عورة عندهم باتفاق، رغم أنّ تلك الكلمة لم ترد أصلاً في القرآن الكريم أو صحيح السنة المتواترة؛ فابن تيمية يدّعي أنَّ النساء يكثرن من إشاعة الفواحش، ويدّعي أنَّ النساء متى رأين البهائم تنزو الذكور منها على الإناث مِلْن إلى الباءة والمُجامعة؛ فالمرأة عنده هي التي تميل إلى السِّفاد كالحيوان، وهي التي تستدعي الشهوة؛ لذا وجب سترها، ولو في قفص من حديد!

كما أنَّ المرأة عنده أسيرة عند زوجها؛ فهي كالرقيق، والنكاح رِقّ، وشبّه اختلاعَ المرأة من زوجها وافتداءَها منه بفدية الأسير مستنداً إلى رواية منحولة على عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أو أنها تُمثّل رأياً شخصيّاً له لا تشريعاً، وهي: النكاح رقّ، فلينظر أحدُكم عند مَن يرقّ كريمته.

اقرأ أيضاً: المرأة بعينيّ المنفلوطي.. مساوية للرجل ولا تخالطه

إنّ الأمر ليس بمعزل عن الثقافة التي حرَّر بها السلفُ أحكامهم، فجاءت خلوّاً من كل تحضّر ورحمة، فهم ينظرون إلى المرأة كأنها كائن شيطاني؛ فالنساء هنّ حبائل الشيطان، والنساء هنّ من يُقبل الشيطان في صورتهن ويُدبِر، بل إنَّ المرأة هي الغواية الأولى التي أخرجت آدم من الجنّة وسهّلت له سُبل الغواية، رغم أنّ القرآن الكريم يُشير صراحة إلى أنَّ آدم هو الذي استجاب لوسوسة الشيطان فغوى ونسي: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا}[طه: 115]، لكنّه الجمود، وثقافة القبيلة البدوية التي تستلب استقلال المرأة عبر تلك النقول التوراتية التي تجعل من المرأة كائناً شيطانياً، وما هو إلا وعاءٌ لاستفراغ الشهوة في الدنيا، ثمّ هي في الآخرة (حور عين)، من أجل ذلك أسهبوا في ذكر أوصاف أولئك الحور، حتى أنّ الجنة استحالت على أيديهم إلى بيتٍ للمتعة الجنسية!

اقرأ أيضاً: خلف كل لوحة قصة.. ماذا تفعل هذه المرأة المنقبة على الدراجة النارية؟

نظرة دُونيَّة دعّمتها نصوصهم التي يتكئون عليها؛ فالمرأة تقطع صلاة الرجل؛ فهي كالحمار والكلب الأسود، سواء بسواء، فالكلب الأسود شيطان وكذا المرأة، ورغم اعتراض السيدة عائشة، رضي الله عنها، على هذا الحديث المنسوب إلى النبي، صلّى الله عليه وسلّم، واستهجانها أن تتساوى كامرأة مع الكلاب السود والحمير، إلا أنَّ السلفيين يصحّحون الحديث ويعملون به؛ لأنّ ثقافتهم هي الأساسُ، وهي الحاكمة في التعامل مع جنس المرأة ولو كانت من أمهات المؤمنين!

المرأة مظلومة في معظم مدوّنات الفقه والحديث

مظلومة هي المرأة بفعل الذكور وسطوتهم ورغباتهم، رغم أنّها هي من قادت الحضارة والتمدّن عبر التاريخ، بخلاف الرجل الذي أشعل غالباً الحروب ودمّر الأرض؛ فهو فشل أحياناً في دفع نماء المجتمع الإنساني وتطوره في صالح المجموع الإنساني الذي يدين للمرأة بكل حياة وجمال، ولم يكن الفقهاء والمحدّثون، وضاربو الأحاديث، سوى من جنس أولئك الذكور الذين تحالفوا من خلال نصوص تمّ تأطيرها؛ اجتماعياً وتاريخياً وثقافياً وسياسياً؛ لتكريس نظرة بائسة تجاه المرأة/ الأنثى، التي كرّمها الرسول الكريم، صلّى الله عليه وسلّم، من خلال أزواجه اللائي أحسن إليهنّ أكمل إحسان، ومن خلال ابنته السيدة فاطمة، رضي الله عنها، التي ملكت حياته كلها وملأتها رضا وبهجة وأنساً.

المرأة مظلومة بفعل الذكور وسطوتهم ورغباتهم رغم أنّهامن قادت الحضارة والتمدّن عبر التاريخ

ويثير الحديث في صحيح البخاري الكثير من التساؤلات [حديث رقم: 3330] وكذا صحيح مسلم [حديث رقم: 1470]: "لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم (يفسد وينتن)، ولولا حواء لم تخُن أنثى زوجَها"! وجاءت شروح الشرّاح آيةً عجباً في ذلك؛ فها هو بدر الدين العيني يقول: وَمعنى "لَوْلَا حَوَّاء لم تخن أُنْثَى زَوجهَا"؛ أَنَّهَا دعت آدم إلى الأكل من تلك الشجرة، وهو بهذا يكاد ينقل عن محيي الدين النووي، إذ يقول: "ومعنى هذا الحديث أنّها أمّ بنات آدم، فأشبهنها ونزع العرق لما جرى لها في قصّة الشجرَة مع إبليس فزيّن لها أكل الشجرة فأغواها فأخبرت آدم بالشجرة فأكل منها"، رغم أنّ القرآن الكريم ينطق بخلاف ذلك، قال تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى}[طه: 120]، لكنّه التجاوز على آي القرآن، والالتجاء إلى الروايات والنصوص المشوبة بنزعة إسرائيلية لا تخطئها العين، والتحيّز الواضح ضدّ المرأة التي أرادها الله كائناً إنسانياً ذا مشاعر وعواطف، فيما أرادها بعض الفقهاء، وبعض رواة الأحاديث، كائناً شهوانياً شيطانياً!

عقل الرجل وعقل المرأة سواء عند المعتزلة

لولا ظهور المعتزلة، كفرقة إسلامية، ظهرت في بداية القرن الثاني الهجري، فأوجبوا النظر والاستدلال العقليين على كلّ إنسان، ذكر وأنثى، ما يعني أنّ عقل المرأة كعقل الرجل، سواء بسواء، وما يعني أنّ كليهما على قدم المساواة في العقل والتمييز والتكاليف، لولا ذلك لقلنا: إنّ أحداً من السابقين لم يحاول إنصاف المرأة ولو جزئياً، ولكن المعتزلة وبعض القليل من القدماء يجعلون لها عقلاً وتمييزاً وإدراكاً وتفكيراً، في مواجهة السلفيين النّصيين الذين يجعلون منها فتنة وشؤماً ومعين غواية لا ينضب!

اقرأ أيضاً: قصة امرأة من السويداء وقفت في وجه داعش وهي مصابة!

الصفحة الرئيسية