المسألة النيلية: 7 كتب تجعلك أكثر فهماً لقضية نهر النيل

المسألة النيلية: 7 كتب تجعلك أكثر فهماً لقضية نهر النيل


01/06/2021

محمد عبدالكريم

حظي نهر النيل بعدد وافر من الكتابات العربية والأجنبية التي ألقت الضوء على جوانب جغرافية وتاريخية وثقافية متنوعة للغاية من زاوية ارتباطات شعوب إقليم حوض النيل بالنهر. وتحاول القراءة الحالية استعراض مجموعة متنوعة من المؤلفات في تخصصات علمية مختلفة حظيت بذيوع كبير وإن لم تحظ بقدر كافٍ من التحليل والمحاورة والنقد رغم ارتباطها بصميم مسألة مصرية حيوية: وهي النيل والتعاون بين دول حوض النيل. ويتضح من المراجعات، الموجزة، الحاجة إلى جهود حثيثة لمتابعة مستجدات “أدبيات نهر النيل”، ومن ثم البناء عليها بمعارف أصيلة تتجاوز حالة راهنة غالبة إلى حد كبير من التقليد والنقل وفي أفضل الأحوال تحقيق إضافات بسيطة للغاية للمعارف القائمة.     

وتكشف المراجعات وجوب تعزيز العمل المؤسساتي في إنتاج دراسات وبحوث أصيلة تتعلق مباشرة بالمسألة النيلية، وتعزيز الجهود الفردية التي يقوم بها علماء ومتخصصون في تخصصات دقيقة للغاية لتحقيق نوع من “الاستدامة المعرفية” وتعزيز قدرات وخيارات وبدائل صانع القرار المصري.  

الريك، هاجاي: الصليب والنهر: إثيوبيا ومصر والنيل (2002)([1])

كتاب شهير، وبعنوان مثير للجدل من الوهلة الأولى، للمؤرخ الإسرائيلي هاجاي الريك المتخصص في شئون البحر الأحمر والقرن الأفريقي وقدم مجموعة بالغة الأهمية من الكتب والدراسات حول المنطقة رغم ما يعتريها من قراءات انتقائية وتوظيف “مضلل” لبعض الحقائق التاريخية وتقديم خلاصات صادمة تستحق اشتباكات بحثية عربية مفتقدة في واقع الأمر. 

ينطلق الكتاب من فرضية مفككة بشكل واضح وهي أن إثيوبيا قوة مسيحية تقع في مقابل مصر كقوة إسلامية؛ إذ يعتريها تعميم مألوف في الدراسات الأفريقية ذات صبغة “المركزية الأوروبية”، ونظرة مسطحة لفكرة الهوية لا تتسق مع دولة عريقة بحجم مصر التي احتضنت المسيحية بتفاعلات مباشرة منذ ظهورها وتمثل مكونًا بارزًا غير منقطع في هويتها وحضارتها، ودولة حديثة التكوين بحدودها الحالية مثل إثيوبيا التي توسعت استعماريًا في أقاليم إسلامية ووثنية داخل حدودها الحالية طوال قرون، وأبرزها ضم إقليم أوجادين الصومالي (الذي يبلغ ثلث مساحة إثيوبيا الحالية) في منتصف القرن الفائت، كما رصد “إلريك” نفسه في مؤلفات أخرى خاصة بتاريخ إثيوبيا والقرن الأفريقي.

وتتركز نقطة قوة الكتاب في استعراض التصورات المتبادلة بين إثيوبيا ومصر، وعصبها مسألة النيل. غير أنه يتبع تقسيمًا تاريخيًا يرتكز بالأساس على التأريخ الإثيوبي (مثل الفترة 1935-1942، وما ترتهن به من الوجود الإيطالي في القرن الأفريقي، والفترة 1959-1991 التي تنتهي بسقوط نظام منجستو هيلاميريام). ويتجاوز الريك حقيقة فكرة عراقة الدولة المصرية في “ترويض” نهر النيل واستغلاله منذ آلاف السنين ويحاول في كتابه تفسير ما يعتبره فشلًا في تعاون مصر وإثيوبيا في مواجهة تحديات نهر النيل على امتداد قرون، الأمر الذي يفتقر لجدية تاريخية ليس أقلها استخدام كلمة إثيوبيا مرادفًا للممالك الحبشية المتناثرة حتى القرن التاسع عشر بعد ضم ولاية الحبش التركية وربما منتصف القرن الفائت بعد ضم “الأوجادين” الصومالي.

وركزت الدراسة على البعد “الشرق أوسطي” لإثيوبيا التاريخية وتطورها في مقابل محورية مصر التي كانت مركز كل ما يخشاه “مسيحيو إثيوبيا” في الشرق الأوسط، فقد كانت مصر مركز الإسلام كدولة وسياسات، والدولة المحورية في نهر النيل التي تطلعت “للسيطرة على حوض النيل الأكبر”. كما أصبحت عاصمة الثورة العربية الحديثة “وهددت بتوحيد مسلمي القرن الأفريقي”. وفي فجوة هائلة في منهج الريك التاريخي يرى أنه منذ “حروب إثيوبيا في العصور الوسطى” مع سلطني إفات Ifat وعدل Adal (اللتان جاورتا جغرافيًا منابع النيل الأزرق وكانتا تشغلان مساحات معتبرة من إثيوبيا الحالية)، وجهد الخديوي إسماعيل المبكر لبناء امبراطورية أفريقية حتى جبهات التحرير الإريترية ذات النزعة العربية وحرب الأوجادين الصومالي فإن مصر كانت حاضرة دومًا، وتتجسد الفجوة التاريخية هنا في التعامل مع محيط “مملكة الحبشة” التاريخي (في الهضبة أو إقليم التيجراي وبدرجة أقل في إقليم الأمهرا) الواقع داخل حدود الدولة الإثيوبية الحديثة على أنه مناطق فارغة من الوجود السكاني والحضاري والعلاقات المبررة مع الحضارة العربية والإسلامية، مثل مقارنته بإريتريا التي تنتشر بها قبائل عربية متنوعة وتمثل اللغة العربية حتى الآن لغة شائعة بين قطاعات كبيرة من مواطنيها.

ووصولًا إلى العام 1991، قبل استقلال إريتريا بعامين، يلاحظ أن الإرث التاريخي للقلق المتبادل بين “البلدين” أعاق فكرة تحفيز الجهود المصرية- الإثيوبية للوصول إلى تفاهم حول مسألة النيل. وأن التاريخ المشترك والطويل ومتعدد الأوجه يرسل “رسائل مزدوجة” تزيد من تعقيد الصلات بينهما.

ساندستورم، إميل وآخرون (محررون): الأراضي والسياسة المائية في حوض نهر النيل: التحديات والاستثمارات الجديدة (2016)([2])

تناول هذا الكتاب التعقيدات الطارئة في ديناميات السياسة المائية ومحور المياه- الأرض- الطاقة في حوض نهر النيل. وتضع الدراسات التي يتضمنها الكتاب تعقيدات هذا المحور داخل سياق جيوسياسي جديد وكبير لحوض لا تتوفر فيه “هيمنة مائية”، لاسيما مع تدهور مكانة مصر في التأثير في العلاقات المائية في الحوض والأخذ في الاعتبار –حسب مؤلفو الكتاب وقتها- الدور الجديد الذي لعبه السودان بمنأى عن الدعم التاريخي لمصر، والترتيبات المؤسساتية- القانونية الجديدة.

وقدم المحللون الثلاثة في الفصل الافتتاحي للكتاب مراجعة تاريخية ممتازة وموجزة للجغرافيا السياسية لحوض النيل. بينما تناول الفصل الثاني “اتفاقات” استغلال الأراضي الكبيرة في خمسة دول هي مصر وإثيوبيا والسودان وجنوب السودان وأوغندا، ويحلل الفصل على نحو خاص الاستثمارات المصرية في دول أعلي النيل معتبرًا إياها استراتيجية مصرية لتحقيق نفوذ جيوسياسي على النهر، متجاهلًا انتشار هذا النمط بالفعل ودخول دول عديدة فيها منذ عقود بالفعل، إلى جانب صغر المساحات التي تستغلها مصر مقارنة بدول أخرى من خارج دول حوض نهر النيل.

وفي الفصلين الرابع والخامس تمت مناقشة الاستثمارات الخليجية العربية الزراعية في عدة دول من دول حوض النيل، على خلفية تناول للديناميات التاريخية المعقدة لدور هذه الدول الخليجية في السياسة المائية بحوض النيل وفي تطوير الموارد الزراعية والمائية بدوله، ويتناول الفصل ما يعده دورًا للدول الخليجية في الحفاظ على هيمنة النظامين المصري والسوداني داخل حوض النيل. وتناول الفصل الخامس نموذج الاستثمارات القطرية في السودان، وتجربتها الفاشلة إجمالًا.

وتناولت الفصول المتبقية (6-11) قضايا مشابهة في دول أخرى مثل أوغندا، واختتم بتوجيه الاهتمام في الفصل الختامي لمسائل الهويات الوطنية، ومقارنة الهويات المائية في مصر وإثيوبيا، وكيف أن الماء أصبح (لدى إثيوبيا بشكل خاص) أيديولوجيا وطنية ذات دور كبير في حشد الجماعات المختلفة بمرور الوقت.  

نجم، عبدالعظيم (محرر): نهر النيل (2017)([3])

مجلد هام قدم من خلاله مجموعة من العلماء المصريين معلومات محدثة وشاملة حول جوانب عديدة لنهر النيل. وتناولت فصول الكتاب المختلفة (الواقعة في حوالي 750 صفحة) الجوانب العديدة للنهر من زاوية رؤية مصرية تعبر عن الاهتمام العميق بالمسألة. وجاء الجزء الأول من الكتاب في أربعة فصول عن السد العالي بأسوان، ورصد الفصل الافتتاحي (الذي كتبه نادر نور الدين محمد) ما وصف بسيرة نهر النيل ورجلته من المنبع حتى المصب، وقدم عبد العظيم نجم وآخرون دراسة مهمة حول العمر المتوقع لخزان السد العالي بأسوان باستخدام محاكاة رقمية لبحيرة النوبا، عززت بفصل تالٍ عن مقاربة استشعار عن بعد بالأقمار الصناعية لتقدير عمر خزان السد العالي.

أما الجزء الثاني من الكتاب فقد جاء في سبعة فصول بعنوان نهر النيل من أسوان إلى المصب قدمت خلاله دراسات علمية مهمة حول حالة النهر وتقييم جودة مياهه في مناطق متفرقة من مسار النيل بامتداد الدولة المصرية، وتطبيق تقنيات متطورة لاستخلاص نتائج محددة عن حالة النهر، ثم فصل أخير يتناول كيفية تحقيق استقرار ديناميكي للمنطقة الساحلية عند مصب رشيد.

أما الجزء الثالث، الذي جاء في ثلاثة فصول، فقد تناول النظام البيئي والأسماك والمصايد، وأبرز النظام البيئي والتنوع الحيوي في بحيرة ناصر كدراسة حالة للمسألة في حوض النيل؛ وأثر جودة المياه على النظم البيئية لنهر النيل، والأسماك والمصايد في حوض النيل.

وانتقل الجزء الرابع من الكتاب، بفصوله الأربعة، إلى تناول التحديات والفرص في أعالي النيل ومقاربة الاتجاهات الحديثة وتقلبات سقوط الأمطار في حوض النيل الأزرق الأعلى، وإنتاجية الزراعة القائمة على الري بالأمطار، ثم فصل هام (لعلاء الدين الظواهري وهشام بخيت) عن آثار المشروعات العملاقة في أعالي النيل (لاسيما النيلين الأبيض والأزرق والنيل الرئيسي وصولًا لبحيرة ناصر) على موارد المياه المصرية، وأوضحت الدراسة أن أهم تأثيرات هذه المشروعات هو نقص المياه الواصلة لأكثر مناطق نهر النيل جفافًا في مصر، وأن مثل هذا النقص سيقود إلى التأثير السلبي على جميع الأنشطة البيئية في مصر (أو ما يعرف بأثر بيئي كلي total environmental impact)، وتشمل هذه التأثيرات المحاصيل والانتاج السمكي ودخل المزارعين، والأراضي المستصلحة مستقبلًا وحاليًا (وعمليات التنمية الأخرى)، وملوحة التربة، وزيادة ملوحة المياه، ومآخذ معالجة المياه، والترع والرياحات الرئيسة، وعدم التوازن البيئي.   

ويتناول الجزء الخامس (فصلان فقط) التغير المناخي وتأثيراته في حوض النيل وقدرة دوله على التكيف مع هذه التأثيرات. ويتناول الجزء السادس السياسة المائية والجوانب القانونية للأنهار الدولية والتطبيق على حالة نهر النيل. بينما يقدم الجزء السابع خلاصات وتوصيات مفصلة للغاية ومهمة صاغها عبد العزيز نجم.    

سمعان، مينا مايكل: لعبة تنمية النيل: صراع أم مكاسب للجميع([4])

ينطلق الكتاب من مقاربة وقوع مسألة كيفية التعامل عالميًا مع قضايا أحواض الأنهار الدولية transboundary river basins (التي يبلغ عددها 276 في العالم) في سياق التغير المناخي الحالي، والتي تغطي نحو نصف مساحة الكرة الأرضية ويقطنها ثلثا سكانها. ويمثل النيل حالة مثالية لطبيعة التنافس على التنمية في دول الحوض لاختلافها جميعًا في المناطق المناخية، وبينما تتوفر لإثيوبيا وأوغندا أمطار غزيرة لا تقارن ببقية دول الحوض، فإن مصر والسودان يعتمدان بالكامل على مياه النيل. ويؤكد سمعان أن مصر ثد عوضت موقفها “الضعيف” وفق الجغرافيا السياسية للحوض بحقيقة كونها أقوى دوله وحيازتها قوة جوية قادرة على تدمير أي سد قبل اكتماله “بغارة جوية”، وقدرة كبيرة على توفير الأمن الغذائي لسكانها.

وتتناول الدراسة مسألة التنمية في حوض النيل في سياق تاريخي يبدأه من الفصل الثالث بفصل عن التنافس على التنمية في الحوض في “الحقبة الاستعمارية” لاسيما من منتصف القرن التاسع عشر ويركز أغلب مناقشاته فيه على دور مصر في التنمية واستغلال نهر النيل.  ثم ينتقل في الفصل الرابع إلى تناول نفس المسألة (تنمية النيل) في ظل “الحرب الباردة” وبداية المشروعات القومية الضخمة لاستغلال مياه نهر النيل وأبرزها السد العالي بأسوان، ومشروع قناة جونجلي ثم محاولة تطبيق مشروع تانا- بييلس Tana-Beles وتكوين مجموعة الأوندوجو Undugu Group.  وتوصل في ملاحظة ختامية بالفصل إلى أن سياقات الحرب الباردة جعلت من مصالح دولتا المصب ودول المنابع أقل توافقًا، وسيادة حالة عدم الثقة. وأنه في مثل هذا المناخ فإن جهود العمل الجماعي التي أثارتها أزمات بيئية خطيرة مثل الأمطار بالغة الغزارة في الفترة 1961-1964 وموجة الجفاف الحاد في الفترة 1983-1985 لم تتجاوز حد المشاركة في المعلومات والمساعدات الفنية. وأن سقوط الاتحاد السوفيتي وما تلاه من تداعي نظام منجستو هيلاميريام قد تغير سياق اللعبة تمامًا بشكل بالغ العمق.

وتناول الفصل الخامس فشل دول حوض النيل في بناء مؤسسة للتعاون بين دول الحوض بشكل مؤسساتي في سياق ما بعد الحرب الباردة، ورصد الفصل الاتفاقات الثنائية بين دول الحوض في الفترة 1991-1993 وتيكونايل TECCONILE وظهور مبادرة حوض النيل في سياق تحديات حرب الخليج ثم محاولة اغتيار الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، ومشروع توشكى، والسدود الإثيوبية الصغيرة مثل تيكيزي Tekeze ومشروع تانا بيليس. وخصص آخر نقطة في الفصل لتداعي التعاون الإقليمي في حوض النيل وسبب هذا الفشل. ورصد أنه رغم وجود تعاون ممتاز بين أوغندا وإثيوبيا من جهة مع مصر منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي (بتوقيعهما على مذكرة لتبادل المعلومات 1991، وعلى إطار عمل 1993)، ورد مصر الإيجابي (بالموافقة على تشييد توسعة لمحطة طاقة كييرا-نالوبال Kiira-Nalubale في أوغندا وتمرير تطبيق مشروع ري صغير في إثيوبيا على النيل الأزرق)، فإن المواقف السياسية (كثل دعم السودان لحركات التحرير ضد منجستو)، وتصاعد التوتر بين مصر والسودان على خلفية حرب الخليج ونزاع مثلث حلايب زادت من تعقيد الحلول التعاونية في حوض النيل، حسب سمعان. ويلخص مخرجات ما بعد الحرب الباردة بأنه قادت إلى توازن في القدرات بين دول الحوض عند المصب أو عند منابع النهر بحيث لم تظل مصر والسودان، حسب المؤلف، المستخدمان الوحيدان لمياه النهر؛ الأمر الذي عمق الفجوة في مصالح دول حوض النيل.

ابتو، وسينو وديسو، شيمليس بيهيلو: سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل الأزرق (2019)([5])

كتاب ألفه متخصصان في الموارد المائية، وعلوم الأرض والبيئة بالولايات المتحدة، وينطلق الكتاب من فرضية أن النمو السكاني يفرض ضغوطًا على الأراضي والموارد المائية والبيئة، وأن إزالة الغابات وفقدان التربة والتصحر والتغير المناخي تمثل تحديات بيئية خطيرة في منطقة حوض النيل التي يتوقع أن يصل عدد سكانها في العام 2045 إلى 700 مليون نسمة مقارنة بنحو 450 مليون نسمة (2019)، وأن مشروعات التحكم في المياه في الحوض تشمل نقل المياه إلى خارجه وربما مبدأ “مبادلة المياه” water trading. وأن مشروع سد النهضة يجسد العوامل لضاغطة الحالية في حوض النيل مع احتمال اندلاع صراعات إثنية بعيدة المدى داخل إثيوبيا وبينها وبين دول الحوض (السودان ومصر في حالة النيل الأزرق)، لاسيما أن النظام السياسي والدستور الإثيوبيين قائمين على بناء فيدرالي إثني إقليمي مع وجود حق دستوري بالانفصال، وهو الأمر الذي يخلق قضايا متصلة بحقوق المياه داخليًا كما هو الحال في لصراعات الإثنية داخل إثيوبيا على الحدود والأراضي. وسيقود السد إلى صراع إثني بسبب عدم التقاسم العادل لمكاسب المياه “العابرة للإثنيات”، واقتصاد بناء السد، وتشغيله والمخرجات الاقتصادية المرتبطة بذلك.

ويمثل الكتاب أهمية في إيجاز مقارنات متنوعة بين دول “حوض النيل الأزرق” من جوانب متعددة مثل تصوراتها لحقوق المياه، وأنماط ملكية الأراضي، واستعراضه الموجز لهيدرولوجية الحوض. ويمثل الفصل الخامس أهمية كبيرة من جهة تكثيف تناوله لأهمية موقع سد النهضة والسمات التقنية لاختياره مثل وقوعه عن أدنى نقاط سريان النيل الأزرق داخل الأراضي الإثيوبية، وأن الموقع يعظم الاستفادة من حجم التدفقات المائية وتخزينها، كما يخدم موقع السد ما تعلنه إثيوبيا من استهداف تصديرها للكهرباء إلى السودان ومصر. ويلاحظ الباحثان المتخصصان عدم وجود دراسة جيولوجية مفصلة عن موقع السد، وأنه مع اكتمال 70% من السد منذ العام 2018 (حسب رصدهما) فإنه لا يمكن إصلاح مشكلاته الجيولوجية جذريًا واقتصار ذلك على معالجات (سطحية) لخفض أية خطورة تتعلق بالسمات الجيولوجية للموقع. 

أما بخصوص الاعتبارات البيئية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية فإن قرار إثيوبيا الأحادي بإقامة السد لم يباغت فحسب “بناء القوة الإقليمية”، بل أثار تأثيرات بيئية واعتبارات اجتماعية- سياسية داخل إثيوبيا مثل النمو السكاني والتنمية الاقتصادية وحقوق المياه والترسيب أو تغيير نظام سريان النهر والتغير المناخي. وفي محصلة خطيرة يلاحظا الباحثان أنه رغم ادعاء الحكومة الإثيوبية أن موقع السد حدد للتعبير عن رغبتها في التعاون، فإنه يعبر في واقع الأمر عن التأثير السلبي للسياسات الإثنية (وما يرتبط من اعتبار الوضع الدستوري الخاص للمناطق التي بها مشروعات كبرى في البناء الفيدرالي الإثني وتقييد مساعي الانفصال) ويمثل تهديدًا خطيرًا لمشروع السد من الناحية الأمنية لقربه من الحدود الدولية.   

جوزيف أوانجي: مياه النيل: استقصاء من الفضاء (2020)([6])

تقوم فكرة هذا الكتاب على استخدام التقنيات الاحصائية المتطورة وأحدث تكنولوجيات الأقمار الصناعية متعددة المهام ونماذج المسطحات وإعادة تحليل منتجاتها. ويمثل-حسب مؤلفه- أول استقصاء شامل للتغيرات في حيازات compartments “المياه المخزنة” بحوض نهر النيل؛ من جهة تأثير السطح ورطوبة التربة والمياه الجوفية وارتباطها بتغير/ تباين المناخ والآثار البشرية، ومن جهة أخرى تؤكد الدراسة على الحاجة إلى استخدام عادل لمياه حوض النيل من قبل دوله جميعًا، والنأي عن معاهدات النيل “البالية” التي وقعتها بريطانيا ومصر والسودان وتمنع حسب تصوره استخدام النيل من قبل ثمانية دول.

وينقسم الكتاب إلى عشرة فصول قصيرة يستهلهما بفصلين تمهيديين عن موارد المياه الجارية في العالم وحوض نهر النيل وتحدياته. ويبدأ في الفصل الثالث في تناول استقصاء مياه النيل من الفضاء يتكشف فيه تغيرات تخزين المياه وتقنيات قياسها من الفضاء، ومنتجات الاستشعار البصري وقصيرة الموجات عن بعد. ويلاحظ أن الاستشعار الفضائي عن بعد وتطبيقاته في مراقبة الموارد المائية، لاسيما ما يعرف باسم GRACE مجالًا ذو أهمية متزايدة وأن المعلومات التي جمعها وفقًا لهذه التقنية تحتاج لجهد كبير لتفهمها وتظل بحاجة لفترات زمنية محددة لإمكان عقد المقارنات والقياسات ذات الطبيعة المعقدة لدراسات الدورة الهيدرولوجية والتغير/ التباين المناخي.

ويفتتح القسم الثاني (الذي جاء بعنوان أعالي النهر: النيلين الأبيض والأزرق) بفصل عن بحيرة فيكتوريا، ويقدم قياسات موجزة لأهم سماتها المناخية والمائية والطبوغرافية والسكانية (وإن اعتمد في بعض الاحصاءات على أرقام قديمة لاسيما لتناول سكان “حوض بحيرة فيكتوريا” التي تعود للعام 1999، وما ذكره في موضع آخر من عدد سكان دول حوض النيل بأنه يتجاوز 300 مليون نسمة في حين أن الرقم يتجاوز حاليًا 450 مليون نسمة).

أما الفصل العاشر والأخير من الكتاب فيكتسب أهمية خاصة لتناوله ما يعرف “بجفاف الرطوبة الجوية” Hydrometeorological Drought وأثره على النيل، لاسيما في ضوء هشاشة وضعف استجابة دول منطقة القرن الأفريقي الكبير لأية موجة جفاف تضرب الإقليم، وكذلك اعتماد الإقليم ككل بشكل كبير على الزراعة على مياه الأمطار، وهو الأمر الذي يعرفه الباحث “بالجفاف الزراعي” agricultural drought ذو التأثيرات المتنوعة على السكان في الإقليم. وقد وجدت النتائج التي توصل لها الباحث في دراسته تغيرات كبيرة على المدى البعيد وسقوط الأمطار العقدي decadal وفق التقديرات الشهرية المعتمدة في الفترة 1979-2014، وأن تغيرات سقوط الأمطار على المدى البعيد بين 1980 و2010 أشارت لتغيرات إيجابية على السودان (وبدرجة أقل إثيوبيا وتنزانيا) فيما أظهرت التغيرات في الفترة 2002-2014 اتجاهات مناقضة تمامًا في هذين الإقليمين.

فيلين، ويلينج: حقوق مياه النيل، وجهة نظر القانون الدولي (2020)([7]).

كتاب مهم في موضوعه، يتناول كيف يمكن للقانون الدولي أن يسهم في إرساء إطار قانوني ومؤسساتي للتعاون بين دول حوض النيل، ويقدم الكتاب من أجل هذه الغاية تقييم قانوني شامل للقوانين التعاهدية الحاكمة لاستخدام وإدارة مياه النيل، على خلفية الإطار القانوني الدولي الحالي المحدد لاتفاقات المجاري المائية. وعلى هذا الأساس يقيم الكتاب اتفاق 2010 حول إطار التعاون في حوض نهر النيل Nile River Basin Cooperative Framework، والذي لم يدخل حيز التطبيق، ويقدم توصيات بتعديلات للتوفيق بين مصالح جميع الدول الأعضاء في حوض النيل ويجعل الاتفاق متسقًا مع مبادئ القانون الدولي للمياه. وبناء على هذه التوصيات يعالج الكتاب مسألة تطبيق جوهر مبدأ القانون الدولي الخاص بالمياه وهو “الاستخدام المنصف والمعقول” equitable and reasonable utilization، ويظهر كيف يمكن استخدامه كمرجع لدول الحوض للقيام بتنظيم استخدام مياه النيل. كما استهدف الكتاب إلقاء رؤية شاملة على الموضوع من وجهة نظر القانون الدولي بالتطبيق على نهر النيل، مع التركيز على اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية 1997 ((United Nations Watercourses Convention، ويفصل الكتاب –مما يضفى عليه أهمية بالغة للمعنيين في المرحلة المقبلة- كيف وإلى أي حد يمكن للمبدأ المذكور أن يقدم إطارًا مفهوميًا لتنظيم استغلال المياه. ومن ثم فإن تركيزه انصب على عملية تطبيق المبدأ عمليًا، إلى جانب العوامل التي يجب أخذها في الاعتبار عند تحديد ما يشكل الاستخدام المنصف والمعقول للمياه في كل دولة من دول حوض النيل.

وخصص “فيلين” الجزء الأول من الكتاب (في أربعة فصول كاملة) لتناول الأطر النظرية لقنون المياه الدولي وتطوره، ومبادئه الجوهرية، والتزاماته الاجرائية، واستعراض الاتفاقات الدولية حول موارد المياه الجارية الدولية، مستعرضًا بشكل بارز الاتفاقات الإقليمية ومفوضيات الأنهار الدولية وسبل تنظيمها وعملها على سبيل المقارنة المفيدة لدول حوض النيل.

ويخصص الجزء الثاني من الكتاب (خمسة فصول) عن نهر النيل ومنطقة تجمع الأمطار به، ويفصل في هذه المسألة الحديث من النواحي المناخية والسكانية والتنموية والعلاقات السياسية بين دول حوض النيل. ويكرس الفصل السادس لمسألة مهمة وهي نظام المعاهدات Treaty Regime لنهر النيل بادئًا إياه بنبذة تاريخية تعود للبروتوكول الإنجليزي الإيطالي للعام 1891 حتى الاتفاق المصري السوداني 1959. ويقدم في الفصل السابع رصدًا لمبادرات التعاون الإقليمي بدءًا من هيدروميت Hydromet (1967)، وصولًا لمبادرة حوض النيل القائمة حاليًا. وتوصل فيه لخلاصة أن قيام المبادرة في حد ذاته نجاحًا لتوفيرها عمقًا تعاونيًا جديدًا وشمولها جميع دول حوض النيل، وأنها نجحت –حسب المؤلف- في مأسسة التعاون سواء على مستوى حوض النيل ككل أم على مستوى الحوضين الفرعيين بالنيل. وخصص الفصل الثامن لإطار تعاون حوض نهر النيل وتناوله من كافة جوانبه القانونية والفنية ومسائل الحقوق والالتزامات وتسوية النزاعات.

واختتم “فيلين” مؤلفه بالفصل العاشر بتقديم رؤية مستقبلية  للوصول لإطار قانوني ومؤسساتي للتعاون بين دول حوض النيل، تقوم على تبني مقررات “اتفاقية المجاري المائية” بالأمم المتحدة التي تؤكد على أهمية مأسسة التعاون بين دول حوض النهر في شكل مفوضيات أنهار أو منظمات نهرية أخرى من أجل الإدارة المستدامة للمجاري المائية.  

عن "مركز الإنذار المبكر"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية