المستقبل الذي يخشاه الإخوان

المستقبل الذي يخشاه الإخوان


15/07/2021

عبدالعزيز الخميس

لئن كانت الانتفاضات العربية فرصة قفز الإخوان من خلالها إلى السلطة في أكثر من قطر عربي، إلا أن الوقائع الجديدة والتحولات العارمة التي تجري في العالم بشكل عام، والعالم العربي بشكل أكثر تخصيصا، بينت أن الإخوان أصبحوا اليوم أمام تحديات أكثر عسرا وفي مواجهة أسئلة لا قدرة لهم على تقديم أجوبة لها.

كان وصول الإخوان إلى السلطة بعد انطلاق الانتفاضات العربية من تونس، ناتجا عن تضافر عوامل عديدة ومتشابكة، دولية وإقليمية ومحلية، لا علاقة لها بجدارتهم بالحكم أو بالسلطة. بل إن الإخوان الذين تأخر نزولهم إلى الشوارع في تونس والقاهرة وطرابلس وغيرها أواخر العام 2010 وبداية 2011، اعتمدوا على مقولات دينية وهوياتية للقفز إلى سدة السلطة، وراهنوا أيضا على تحالفهم مع قوى غربية قَدّرتْ- خطأ- أن الاعتماد على "الإسلام المعتدل" يمكن أن يقي العالم شُرُورَ الإسلام المتطرف. لذلك لم يكن وصول الإخوان إلى السلطة في الأقطار العربية مجرد اختبار لصلوحية مقولاتهم فقط، بل قدم أيضا أمثلة حية على أنهم لا يرون في الحكم سوى أداة للتمكين، أي السيطرة على كل دواليب الدولة، من خلال "نشر رجالهم ونشر أفكارهم ثم تنفيذ أفكارهم" (مفيد هنا الإشارة إلى أن مراحل خطة التمكين التي اتبعت بدقة في أكثر من قطر عربي واردة في رسالة التعاليم لحسن البنا).

فشلت مقولات الإخوان في تحقيق ما تصبو إليه الشعوب تبعا لما يُعرفون به من فقر مدقع على مستوى البرامج، وتعطلت مشاريع التمكين نتيجة المقاومة المدنية والشعبية والنسوية، لكن فشل مقولات "الإسلام هو الحل" وتعثر التمكين الإخواني، لم يحولا دون تأكيد التعارض بين الطموحات الإخوانية في تأبيد بقائهم في الحكم، وبين تطلعات الشباب العربي وانتظاراته.

التعارض بين انتهازية الإخوان، وتطلعات الشعوب، وخاصة فئات الشباب، ناتج عن عوامل كثيرة متقاطعة.

أول العوامل هو أن التطورات التقنية الجديدة وانفتاح الشعوب العربية على العالم، أدت إلى تغيرات عميقة في توق الشباب إلى الحرية، وفي ذوائقهم وخياراتهم. أصبح الشباب العربي يرنو إلى تحقيق أهداف واضحة ومحددة، لا تخرج عن تلبية تطلعاته في الحرية الاقتصادية والاجتماعية والتنمية والحق في العمل وخلق الثروة، وكل ذلك أدى إلى أن الفئات الشابة لم تعد معنية كثيرا بـ"مَنْ يحكم" بقدر اهتمامها بـ"كيف يحكم" وماذا يحقق من نتائج على أرض الواقع.

حدث ذلك في ظرفية عالمية موسومة بتراجع السرديّات الكبرى (الماركسية والقومية والإسلاموية) وهو ما يصل بنا إلى العامل الثاني، حيث أن تراجع الأفكار الكبرى وطوباويتها وبحث الشباب في العالم بأسره عن أهداف محددة، يستعيض بها عن المقولات الفكرية والنظرية الجامدة، دفعت به إلى أن يشيح بنظره عن كل تلك الأفكار ويبحث عن النجاعة والنفعية وهو ما وجده في أشكال حكم متطورة توفق بين ثقافة المجتمعات المحلية المتشبعة بالتجارب المدمرة المحيطة بها والتي ترفض الخراب كسلم للمجهول، ومعاني الديمقراطية الواسعة غير المقيدة في مفهومها الغربي المحض، والليبرالية غير المتوحشة بما تتيحه من حريات وحث على الإبداع وخلق الثروة.

العامل الثالث المتصل بالعامل السابق هو أن الإخوان لا يمتلكون برامج اقتصادية واجتماعية ناجعة وعملية من شانها أن تصلح أعطاب السياسات الاقتصادية القديمة. عدم امتلاك الإخوان لبرامج اقتصادية واجتماعية يعود إلى اعتقادهم بأن شعارات من قبيل "الإسلام هو الحل" مازالت نافعة وسارية المفعول، ويعود أيضا إلى أن اهتمامهم منصبّ على الوصول إلى السلطة لتوجيه ذلك لاحقا إلى تطبيق الشريعة بكل ما تعنيه من ارتداد تاريخي نحو قرون ماضية. وإذا وضعنا في الاعتبار أن اهتمامات الأجيال الجديدة وتطلعاتها تقع في منطقة أخرى بعيدة عن ضيق أفق الإخوان، فإن ذلك يثبت أنهم بشكل عام، والقطبيون بشكل محدد، يمثلون حركات بلا مستقبل. وفضلا عن ذلك فإن تركيز الإخوان على السلطة، وتجارب الحكم السابقة زادا من تأكيد البون الشاسع الذي يفصلهم عن الشعوب وهمومها. قدمت تجارب الحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن والعراق وغيرها، دروسا بليغة عن محدودية قدرات الإسلامويين في الحكم. استلم هؤلاء دولا راسخة حتى وإن كانت محكومة بأنظمة استبدادية إلا أنهم حولوها إلى أنقاض دول وخراب اقتصادي وتوتر اجتماعي، هذا إن لم تصبح مهددة بالانقسام مثلما حصل في السودان.

بعد عشر سنوات من اندلاع الانتفاضات العربية في الكثير من الأقطار العربية، وبعد تعرف المواطن العربي على طرق حكم الإخوان، فإنه أصبح ممكنا الخروج بحقائق واقعية عن عجز الإسلامويين وقصورهم عن إنتاج البدائل التي تنفع الناس. الحقيقة الأولى التي أصبحت جلية أمام الجميع هو أن الإخوان يختصرون الديمقراطية في مظهرها الانتخابي، ويغفلون الأركان المهمة في الديمقراطية وهي المناخ السياسي السليم والإعلام الحر والقضاء المستقل والحريات الفردية والتعايش مع الآخر المختلف. الحقيقة الثانية التي يمكن استخلاصها من العشرية العربية الأخيرة، وحتى قبل ذلك في تجارب العراق والسودان مثلا، تتمثل في أن لا بديل اقتصادي عند الإسلامويين، سوى اجترار بعض المقولات العقيمة من نوع المالية الإسلامية والتي يستعيرونها من أدبيات الفقيه الشيعي محمد باقر الصدر، بل هم يصرون على إتباع مناويل تنمية قديمة ثار ضدها الشعوب. الحقيقة الثالثة هو أن الإخوان يعون جيدا فقرهم من الحلول والبدائل لذلك يحاولون تعويض ذلك باللعب على أوتار الحميّة الدينية ويركبون على كل حدث (الرسوم المسيئة للرسول أو أحداث الإسلاموفوبيا أو مقترحات حقوق المرأة المساواة في الميراث) ويقدمون أنفسهم باعتبارهم حصن دفاع عن الدين الإسلامي.

الوجه الآخر للقضية يتمثل في أن الإخوان لا يخفون عداء واضحا للدولة الوطنية، ولا يتورعون عن مهاجمة كل نظام وضع سياجا لحماية الدولة ومؤسساتها من التخريب، بوصفه "نظاما معاديا للإسلام" (أنظمة جمال حكم عبد الناصر والحبيب بورقيبة وحسني مبارك والحسن الثاني وغيرهم، واليوم مع عبدالفتاح السيسي وأنظمة دول الخليج العربي باستثناء قطر). والملمح الجديد أيضا أن الإخوان في مصر وفي بقية أقطار العالم العربي يهللون اليوم لتقدم مشروع سد النهضة في إثيوبيا رغم خطورته على الأمن القومي العربي وعلى مستقبل مصر، ذلك أنهم يساوون في تحليلهم بين العداء للنظام والعداء للدولة. والجديد الآخر أيضا أن حركة النهضة التونسية لم ترَ ضيرا في مطالبة الدولة بتعويضات طائلة لعناصرها وأنصارها عن سنوات "نضالهم" ضد حكم بن علي وبورقيبة، رغم الأزمة الاقتصادية والصحية المستفحلة التي تمر بها، والحال أن ذلك "النضال" كان إرهابا وتفجير نزل ومحاولات اغتيال.

كل هذه الملامح تتضافر مع غيرها مما أسلفنا ذكره، لتصنع حالة سياسية قوامها اتساع المسافة بين الإسلاميين والتحولات العارمة في المجتمعات العربية. مسافة يمكن تبيّنها بيسر في البون الشاسع بين اهتمامات الشباب العربي الذي انخرط بقوة في وسائل التواصل الاجتماعي ما أتاح له استلهام الكثير من الأفكار المتحررة والتطلعات الواقعية والطموحة في آن واحد، بحيث أصبح يقرأ الأحداث بروح تواقة للتغيير وتحقيق حريته الاقتصادية والاجتماعية والعيش الكريم.

ركن الإخوان إلى مقولاتهم المضللة، ودأبوا على خداع الناس بمنطلقاتهم الدينية وبمظلوميّتهم الدفينة وطُهريّتهم الكاذبة، لكن ذلك الخداع لم يعد يصلح اليوم لأن الوقائع الراهنة قدمت الدليل أن سنوات حكم الإخوان هي أردأ التجارب التي مرت على العالم العربي، بما أنتجته من تقويض للدولة وانهيار للاقتصاد وتراجع للحريات.

الثابت أن تجربة السنوات الأخيرة، على مرارتها وعسرها ومآلاتها المخيفة، كانت مفيدة للشعوب العربية في الوقوف على حقيقة الإسلاميين الذين لا يأبهون بالوطن أمام مصلحة الجماعة، والذين عرتهم الوقائع الجديدة وحكمت ببطلان ادعاءاتهم القائمة على إمكان تحقق "الإسلام الديمقراطي" أو "الإسلام الغربي" ذلك أن أحداثا كثيرة بددت كل مسافة ممكنة تفصلهم عن تنظيمات داعش أو القاعدة في مستوى المناهل والأدبيات. المثل العربي القائل "ليس بين القنافذ أملس" مفيد لدحض كل الفوارق بين تيارات "الإسلام الديمقراطي" وبين التنظيمات المتطرفة، لكن المهم في واقع اليوم هو أن انفتاح الشباب العربي على تجارب إنسانية حرة وناجعة سيفرضُ أفول التيارات الإخوانية التي لم يعد لها ما تقدم للشعوب العربية بعد أن بينت الوقائع زيف ادعاءاتها.

عن "سكاي نيوز عربية"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية