المستقبل في عيون مبدعين عرب: عندما نغير ما بأنفسنا يتغير العالم

المستقبل في عيون مبدعين عرب: عندما نغير ما بأنفسنا يتغير العالم


13/03/2019

قال الناقد المصري د. صلاح فضل إنّ أوطاننا في هذا الوقت تطرح علينا سؤالاً: ماذا تنتظرون في المستقبل، متابعاً: أليس من حقنا أن نعيد حلم الحرية والديمقراطية، أم أنه قد كتب علينا أن نظل في آخر الصفوف؟
وجاءت تساؤلات فضل في ندوة أدارها عن السرد العربي؛ على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورة اليوبيل الذهبي.

السارد بحاجة للحرية كي يكتب، فهو في مواجهة مع الذات والعالم، مع أنه لا يوجد كتاب يمكن أن يغير العالم

وأشار فضل إلى أنّه مجرد قارئ للمبدعين الكبار، يقوم بدور الخادم حيناً، والكاهن حامل المفتاح، والوسيط أحياناً أخرى، متصوراً أنّ هناك ثلاث قضايا حول نسائم ربيع ما لبث أن تحوّل إلى بحار من الدماء والتمزق، قائلاً: "هذه الثورات أجهضت في مهدها، وقفز عليها من سرقها وسرق منها أمل بقية الشعوب".
وطرح فضل أمراً آخر يتصل بالصراع في أوروبا وأمريكا الذي يؤسس له اليمين بين حرية الرأسمالية المتوحشة، وبين ما تبقى من ميزان العدل بين الشعوب؟
وتابع فضل، في ضوء ذلك: "أتصور أنّ رواية كلّ من مبدعينا ونقادنا لا بدّ من أن تداعبها تلك الثورات المتتالية، والإيقاع السريع لعالمنا، الذي ينتقل كلّ يوم من حال إلى حال؟

على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورة اليوبيل الذهبي

التغيير مسألة وجودية وليست سياسية
الروائي الليبي إبراهيم الكوني، أجاب عن تسأولات فضل، معتقداً أنّها أسئلة تثير قضية كانت تؤرق الجنس البشري، وهي العدالة، موضحاً أنّه، ولهذا السبب، كلمة تغيير حينما تطلق في عالمنا العربي المؤدلج مباشرة، تقف إلى جانب قضية التغيير في البعد السياسي.
وأضاف الكوني؛ التغيير مسألة وجودية وليست سياسية، لا سيما عندما نحتكم إلى الآية التي تقول: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾؛ التي اختزلت البعدين الحركي والسياسي، والوجودي الذي ننتمي إليه جميعاً.

اقرأ أيضاً: هل انتهى زمن الرواية؟
ويرى الكوني؛ أنّنا عندما نكتب لا نكتب في سبيل السعادة أو الهرب، لكننا نكتب في سبيل الحقيقة، وأن أيّة حقيقة لا ترجو منا إن لم نغير ما بأنفسنا، وتغيير ما بالنفس لا يتأتى بأن نفتعل خصومة مع العالم؛ لأنّ العالم انعكاس لنا، وليس العكس، "ولهذا نهزم عندما نذهب لتغيير ما بالعالم؛ لذلك لا بدّ من أن نحتكم لأنفسنا ونغيّر ما بأنفسنا".
وأحال الكوني إلى فلسفة سبينوزا، قائلاً إنّها تتلخص في جملة واحدة، "تشبثوا بتلابيب الطبيعة"؛ فعندما يحيلنا إلى الطبيعة، ذلك أنّ الطبيعة الوحيدة التي تحيلنا لأنفسنا، وتستطيع أن تجرّدنا من الهواء، ولهذا السبب اختلقت تقنيات الحاجة الروحية، مثل اليوغا.
وأشار الكوني إلى أنّنا لن نستطيع أن نكسب الحرب مع العالم؛ لأنّ العالم عندما ينازعه ما هو ملك له؛ الذي هو الحرب والجسد، يهزمنا، لكننا عندما نغير ما بأنفسنا يتغير العالم.

الروائي الليبي إبراهيم الكوني

السرد العربي الآن وغداً
الكاتب المغربي أنيس الرافعي، سمى ما جرى تحوّلاً وليس تغييراً، قائلاً: "السرد العربي الآن وغداً، أراه في إطار هذه الصدفة العمياء، التي تؤدي إلى حصول الكاتب على الاستعارة، التي يواجه بها العالم، استعارة البئر، والدلو، والحبل، والعطش"، مستكملاً: "تحوّل السرد أولاً يتطلب منا حفر البئر، البئر طبقات من الكتابة، الدلو هو الذي يؤدي دائماً إلى تطور السرد، وهو اللغة، الدلو الذي نغرف به اللغة، الحبل هو الأسلوب، هل نجدّد في كلّ مرة؛ هل نغيّر الحبل الذي ننزل به دلو للبئر، العطش، فهل نجدّد العطش؟ هل نجدّد القراءة؟".

اقرأ أيضاً: الحداثة وما بعدها في الرواية العربية المعاصرة
وطرح الرافعي سؤالاً: ماذا يمكننا، في إطار التحوّل، أن نستبدل؟ أم علينا أن نغير طريقه نظرنا؟ في السرد ليس علينا أن نحفر البئر من الأعلى؛ بل أن نحفره من الأسفل.

السارد يحتاج إلى الحرية
الكاتب والروائي السوداني حمور زيادة، يعتقد أنّ قضية الديمقراطية والحرية والتغيير، بالنسبة إلى السارد، هي قضية شخصية، موضحاً: "بلا ديمقراطية، وبلا حرية، كلّ كاتب منا مهدَّد أن يموت أمام فوهات البنادق، ويهتف قبل أن ينطلق الرصاص لصدره".
وأضاف زيادة: "أريد الحرية، أنا كاتب أفريقي، أسود، مسلم، عربي، أنا في القاع تماماً؛ لذلك أنا أريد الحرية في كلّ العالم حتى ترتقي درجتي قليلاً".

اقرأ أيضاً: الرواية يمكنها أن تصلح ما أفسدته السياسة
وأضاف أنّ السارد يحتاج إلى الحرية كي يستطيع الكتابة، وأنه يرى أنّ الكتابة مواجهة مع الذات والعالم، موضحاً أنّه لا يوجد كتاب يمكن أن يغير العالم، فلا يقرأ أحد كتاباً ثم يتغير في يوم وليلة، لكن في النهاية الفنّ كسرد، يرتقي بالروح، يطورها، بما يمكن أن يغير هذا الواقع إلى شكل أجمل.

الكاتب والروائي السوداني حمور زيادة

الاحتفال بالذات
الكاتبة والروائية المصرية مي التلمساني، قالت إنها بدأت الكتابة "سنة تسعين"، وعندما فكرت ماذا تقول عن السرد العربي، فكرت، كأيّ كاتب تسعيني أصيل، وهو الاحتفال بالذات.

صلاح فضل يشير إلى الصراع في أوروبا وأمريكا الذي يؤسس له اليمين بين حرية الرأسمالية المتوحشة وبين العدل

وترى التلمساني أنّ الجيل ترك بصمة مهمة، وإن لم نستطع الحديث عن ملامح عامه تجمعهم، فكلّ منهم لديه طموحه الخاص في الكتابة، إنّما تجمعهم اللحظة التاريخية.
وتشير التلمساني إلى أنّ "جيل التسعينيات لم يهتم بتحرّي فكرة الكتابة عن موضوع تاريخي؛ فرضوى عاشور، حين كتبت كان التاريخ موضوع الكتابة، لكنّ جيل التسعينيات لم يفعل ذلك"، مضيفة أنّها كتبت عن أمّ فقدت ابنتها لحظة الولادة، وهي تجربة ذاتية، تقول عنها: "كتبتها لأنّه لم يكن أمامي إلا الجنون أو الانتحار، فالطفلة ولدت ميتة، وكنت أريد تسميتها دنيازاد، وهو العنوان الذي اخترته للرواية".

اقرأ أيضاً: هل أسهمت الرواية في انحسار القصة القصيرة؟
وتستكمل التلمساني؛ أنّها عندما أحبت أن تكتب أول رواية لها لم تنظر لوضع المرأة للكتابة عنه؛ بل بدأت من مسألة خاصة، وطوّرتها؛ حيث باستطاعتها أن تقول عنها إنّها تجربة لم تكتب في السرد العربي قبل ذلك، وهي حالة الأم التي فقدت طفلها يوم ولادتها، لافتة إلى أنّها لا تستطيع تكرار التجربة نفسها؛ بل يجب أن تتحرك للنص الثاني ومنه للثالث والرابع، فالكاتب الذي نجحت وصلته الأولى يكررها، لكن بالنسبة إليها؛ كيف تحكي حواديت مختلفة، بأدوات مختلفة، مكررة "إنني شخص يحاول تثوير ما حوله من خلال مجريات الكتابة، فكرة التحول والتغيير وتثوير الكتابة يجب أن تأتي من طموح الكاتب".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية