المشاهد العربي يطوي مرحلة "الغفلة الإعلامية" لقناة الجزيرة

قناة الجزيرة

المشاهد العربي يطوي مرحلة "الغفلة الإعلامية" لقناة الجزيرة


05/11/2017

يقال إنّ الحصان الوحيد في الميدان يكسب السباق دوماً، لعلّ هذه المقولة أكثر ما تصدق على قناة الجزيرة القطرية؛ حيث ظلت سنوات بدون منافس في ميدانها حتى ظهور قناة العربية التي بدأت البث في 3 آذار (مارس) 2003، وقنوات منافسة أخرى مثل BBC العربية التي تأخر ظهورها حتى 11 آذار (مارس) 2008.

تمكنت الجزيرة في تلك المرحلة من "الغفلة الإعلامية" مع شعارها البراق "الرأي والرأي الآخر" من استقطاب المشاهد العربي بدغدغة عواطفه بمشهد مختلف؛ مستغلة توقه لصوت "آخر" خارج الإعلام الرسمي العربي الذي لم يحسن التكيف مع الإعلام الجديد المفتوح الفضاء، واستفادت من فترة تغريدها "الوحيد" في بداياتها من محطات بارزة منها تغطية عملية ثعلب الصحراء في العراق العام 1998، و11 سبتمبر 2001، وأخيراً  "الربيع العربي".

ظلت قناة الجزيرة سنوات بدون منافس في ميدانها عقب ظهورها المفاجئ في العام 1996، كأول قناة فضائية إخبارية عربية تبث على مدار الساعة

لكن مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر؛ ففي كلمته بمناسبة الذكرى 21 لانطلاق القناة يوم 1 تشرين الأول (نوفمبر) 2017 أشار مدير الجزيرة الإخبارية الإخواني ياسر أبو هلالة -في كلمته "المرتبكة" التي كال فيها المديح للمشروع التنويري لقناة "التواقين إلى الحرية والكرامة"- إشارة عابرة إلى أنّها "الأكثر انتشاراً ومصداقية" دون أن يسند هذه "المعلومة" بأي إحصائيات كعادة القناة في سنوات سابقة!
ففي 10 حزيران (يونيو) 2013 نشرت الجزيرة خبراً يفيد بتصدر القناة جميع القنوات ووسائل الإعلام في نسبة المشاهدة في المنطقة، وبأنّها ظلت المصدر الأول لتلقي الأخبار، وفق المؤشر العربي الذي أصدره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي يديره عزمي بشارة من الدوحة.
وبتاريخ 24 كانون الأول (ديسمبر) 2014 نشر موقع الجزيرة أنّ قناتها الإخبارية حافظت على المرتبة الأولى عربياً من حيث عدد المشاهدين للقنوات الإخبارية العربية للعام 2014، بمعدل مشاهدين بلغ 23 مليوناً يومياً منذ بداية العام إلى أيلول (سبتمبر) 2014.

 تمكنت "الجزيرة" من استقطاب المشاهد العربي بدغدغة عواطفه بمشهد مختلف؛ مستغلة توقه لصوت "آخر" خارج الإعلام الرسمي العربي الذي لم يحسن التكيف مع الإعلام الجديد المفتوح الفضاء

وقد جاءت هذه النتائج في دراستين منفصلتين قامت بهما شركتا الأبحاث الدوليتان المستقلتان "إبسوس" و"سيغما" للفترة بين كانون الثاني (يناير) وأيلول (سبتمبر) من ذلك العام، ووفقاً للدراستين أيضاً، استحوذت "الجزيرة الإخبارية" على حوالي 42.17% من حصة سوق الأخبار التي تشاهَد على مختلف القنوات بما فيها القنوات الترفيهية.
لكن الملاحظ أنّ الجزيرة كفّت بعد ذلك عن الإشارة إلى إحصائيات المشاهدة هذه؛ لتخرج في 27 آذار (مارس) 2016، بخبر تعلن فيه تسريح 500 موظف من موظفيها، أو أكثر من 10% من طاقم العاملين، وذلك على لسان القائم بأعمال مدير عام شبكة الجزيرة الإعلامية مصطفى سواق الذي أكد أنّ هذه الخطوة تأتي "ضمن مبادرة لتطوير القوى العاملة فيها وتعزيز قدرتها على مواكبة التطور المتسارع الذي تشهده الساحة الإعلامية".

كفّت قناة الجزيرة في السنوات الأخيرة عن الإشارة إلى إحصائيات نسب مشاهدة القنوات العربية التي كانت تتصدرها فيما مضى

لم تستطع "الجزيرة" الهروب من حقيقة فقدانها لمصداقيتها وبريقها بين المشاهدين العرب الذين اكتشفوا أكذوبة "الاحتراف والمصداقية" بعد أن تبينوا تحولها إلى غرفة عمليات للتحريض على الكراهية والعنف، وانحيازها المفضوح للإسلام السياسي؛ فأصبحت تقتصر على آراء الأشخاص الذين يتحدثون باسم جماعة الإخوان المسلمين أو المتعاطفين معهم. وهذه التوجهات المشبوهة وغيرها أشار إليها الدكتور وليد عبد الحي في محاضرة له بمجمع اللغة العربية الأردني حملت عنوان  "لغة الخطاب السياسي: المشكلة والحل" بتاريخ 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، من خلال أطروحة دكتوراة أُجريت بجامعة ممفيس العام 2011 حللت مضمون أربعة برامج للقناة هي: الاتجاه المعاكس، بلا حدود، أكثر من رأي، والشريعة والحياة، وتوصلت إلى أنّ الجزيرة تسعى إلى تكريس فكرة استحالة تحقيق الوحدة العربية، وتحويل تدريجي للصراع العربي الصهيوني إلى صراع حدود، وتعزيز الذهنية القدرية الدينية، وخلص الباحث إلى أنّ الجزيرة تسعى لاستبدال أو إحلال أفكار سياسية بأخرى من خلال التسلل للمنظومة المعرفية للمتلقي، وتحديداً الترويج للإسلام السياسي "تبين لي قبل ثلاث سنوات من اندلاع الربيع العربي أن قناة الجزيرة تعد المسرح السياسي لحركة الإخوان المسلمين".

وبسبب هذا التوجه المفضوح لم تفقد الجزيرة المشاهدين فحسب؛ بل العديد من إعلامييها البارزين في السنوات الأخيرة، وكشفت رئيسة التحرير السابقة لموقع "الدوحة نيوز" القطري فيكتوريا سكوت، على حسابها بـ"تويتر"، وفق ما نشر موقع BBC  في 3 تشرين الثاني 2017، أن إدارة تحرير الموقع الإخباري الناطق بالإنجليزية والأشهر في قطر، لم تستطع الاستمرار في عملها بسبب "التنكيل بالصحفيين وتدخّل السلطات القطرية مراراً لمنع نشر تحقيقات وأخبار تتعلق بالمجتمع القطري"؛ بل وصل الأمر، وفق قولها، إلى "حجب الموقع في قطر في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

كشف تقرير لمؤسسة "ماروك متري" العام 2014 استمرار انخفاض نسبة مشاهدة قناة الجزيرة الإخبارية في المغرب للسنة الثانية على التوالي

فلم يكن مستغرباً ردة فعل مذيع الجزيرة تجاه الفنان القطري المعروف علي عبد الستار، الذي عبر في مقابلة معه قبيل مباراة اليابان أمام السعودية بتصفيات كأس العالم في 5 أيلول (سبتمبر) 2017، عن تشجيعه للمنتخب السعودي، ليعلق المذيع ممتعضاً "علي عبد الستار مازال يحب السعودية ويحب يسمع سواليفهم".
وفي كتابه "نهاية عصر الجزيرة" الصادر العام 2015 يقول الدكتور حمد العيسى "لم أكن أتصور مطلقاً أنني سأعد وأترجم كتاباً يهجو قناة الجزيرة.. قناة الرأي والرأي الآخر.. كما توهمنا وصدقنا لبعض الوقت. ولكن أحياناً لا بد مما ليس منه بد، خاصة بعدما انكشف الوجه الحقيقي القبيح للجزيرة أخيراً؛ أي تحديداً خلال الربيع العربي وثبت أنها ليست سوى أداة ووسيلة ذكية لتحقيق أهداف "العك" الخارجي القطري أي ما يفترض أن يسمى بالسياسة الخارجية القطرية".
ويتابع "نظراً لأني مثل ملايين غيري تعرضنا للخداع والتضليل، وجدت أن من واجبي أولا كمثقف وثانياً كباحث مترجم توضيح حقيقة هذه القناة المشبوهة للجمهور العربي عبر ترجمة بعض أهم ما قرأته عنها باللغة الإنجليزية من معلومات قد تكون غير متوفرة بالعربية".
ونشر موقع Fanack الهولندي في 26 نيسان (إبريل) 2016 تقريراً رأى فيه أن قناة الجزيرة باتت تفقد بريقها، وهو ما أكدته أرقام "إبسوس" في شهر أيار (مايو) 2017، التي أفادت أن أكثر القنوات الإخبارية مشاهدة داخل مصر كانت سكاي نيوز، ثم قناة أكسترا نيوز في المركز الثاني، وبالنسبة لـ "الجزيرة" فقد حلت ثالثاً على مستوى القنوات الإخبارية وفي المركز49 بين إجمالي القنوات.

 كشفت دراسة أنّ الجزيرة تسعى لاستبدال أو إحلال أفكار سياسية بأخرى من خلال التسلل للمنظومة المعرفية للمتلقي وتحديداً الترويج للإسلام السياسي

وأكد موقع المغرب 24 بتاريخ 30 أيار (مايو) 2014 استمرار انخفاض  نسبة مشاهدة قناة الجزيرة الإخبارية في المغرب للسنة الثانية على التوالي، حيث كشف تقرير لمؤسسة "ماروك متري"، حول نسبة مشاهدة القنوات في المغرب، أنّ القناة القطرية أصبحت تحتل المرتبة السابعة، من حيث نسب مشاهدة القنوات الأجنبية في المغرب، بعد أن كانت تحتل المرتبة الرابعة في العام 2013  والثانية في العام 2012.
وفي استفتاء "ساوث بانك ميديا غروب" عبر تويتر وفق ما نشرت جريدة عكاظ بتاريخ 9 تموز (يوليو) 2017 احتلت "العربية" المركز الأول للقنوات الأكثر مشاهدة في الوطن العربي تليها قنوات الجزيرة وسكاي نيوز والحرة.
يقول الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام لينكولن "يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت"؛ هذا ما يشهد به تراجع شعبية قناة الجزيرة وفق الإحصائيات التي طالما تباهت بها القناة في زمن مضى، في مشهد خير ما يعبر عنه المسرح نصف الفارغ من الجمهور الذي عقدت فيه القناة احتفالها الأخير بمناسبة الذكرى 21 لتأسيسها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية