المصالحة التركية السعودية تبدأ من القاهرة... كيف تزامنت التفاهمات بعد ذروة الصراعات؟

المصالحة التركية السعودية تبدأ من القاهرة... كيف تزامنت التفاهمات بعد ذروة الصراعات؟


11/05/2021

لم يكن خبر بدء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو زيارة إلى السعودية مفاجئاً من حيث الخطوة، لكنه جاء مفاجئاً من حيث التوقيت، أو أسرع ممّا توقع مراقبون، ففيما تمهد أنقرة منذ شهور، وتحديداً منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، بعد مصالحة العلا لتحسين العلاقات مع المملكة، وحديثها المتواتر عن الخسائر التي تسببت فيها المقاطعة الشعبية السعودية للاقتصاد التركي المأزوم، إلا أنه كان متوقعاً أن تتأخر خطواتها شهوراً، إلى حين إتمام المصالحة مع القاهرة. 

وقد دأبت أنقرة على فتح جبهات عدة في آنٍ واحد، ولكنها لم تتخلَّ عن استراتيجيتها وهي تحاول إغلاقها، أو التهدئة من أجل مرحلة جديدة من التواجد في المنطقة، إنها تستبدل الصراع الذي لم يجنِ على تركيا سوى أزمات اقتصادية متراكمة، وفشل في تحقيق أهدافه، إلى تفاهم.

 

يؤكد مراقبون التداخل الشديد بين الملفين، أي المصالحة التركية المصرية والسعودية، في ظل اصطفاف الدولتين العربيتين في المحور ذاته في كثير من القضايا

ومن ثم تزامنت جهود المصالحة مع القاهرة والسعودية، مع مراعاة أنّ حجم الخلافات بين تركيا وكلٍّ منهما ليس واحداً، فقد توترت العلاقات بين أنقرة والرياض منذ العام 2018، بعد مقتل خاشقجي، وعلى خلفية الدعم التركي لقطر في وجه المقاطعة الخليجية، إلا أنّ عمق توتر العلاقات بين أنقرة والقاهرة يعود إلى العام 2013، مع عداء وحرب إعلامية بين الدولتين على مدار تلك الأعوام.

لذا كان منطقياً أن تقفز المصالحة أو تحسين العلاقات التركية - السعودية قفزة أكبر من نظيرتها المصرية، على الرغم من أنّ المشاورات وخطوط الاتصال مفتوحة في المحور الأخير "تركيا ومصر"، قبل الأولى "تركيا والسعودية".

إقرأ أيضاّ: هل تمتد المصالحة المصرية التركية إلى السعودية؟

وعقب يومين من ختام أول زيارة لوفد رسمي يترأسه نائب وزير الخارجية التركي إلى مصر، طار وزير الخارجية التركي نفسه إلى الرياض في زيارة هي الأولى منذ أعوام، وتستمر يومين، لمناقشة "قضايا المنطقة"، بحسب البيان المقتضب الصادر عن الخارجية التركية.

أمّا مستوى التمثيل المماثل في الزيارات، أي زيارة وزير الخارجية التركي إلى القاهرة، فهو أمر يجري الترتيب له، وربما يتجاوز وزير الخارجية التركي إلى عدد من المسؤولين الآخرين، خصوصاً أنّ بوادر الجولة الأولى التمهيدية على طريق المصالحة في القاهرة كانت مبشرة. 

ويؤكد مراقبون التداخل الشديد بين الملفين، أي المصالحة التركية المصرية والسعودية، في ظل اصطفاف الدولتين العربيتين في المحور ذاته في كثير من القضايا، والشراكة الاستراتيجية بينهما، وكونهما من الدول ذات الثقل والتأثير في الملفات الدولية، فضلاً عن تشابك المصالح التركية مع كل منهما. 

إقرأ أيضاً: إخوان مصر وتركيا.. هل يتعظ الآخرون؟

لذا فإنّ المصالحة التركية مع مصر مهدت الطريق لتحسين العلاقات مع السعودية، ومن قبل ذلك مصالحة العلا في كانون الثاني (يناير) الماضي. وتعتبر تلك المصالحة نقطة الانطلاق أو صافرة البدء للمصالحات والتفاهمات المتواترة والتي كانت حتمية الحدوث في ظل تصاعد الأوضاع والمواجهات في المنطقة على مدار الأعوام الماضية، على نحو مرهق ويفشل في تحقيق أهداف أي من الدول المتصارعة.

يؤكد مراقبون التداخل الشديد بين الملفين، أي المصالحة التركية المصرية والسعودية، في ظل اصطفاف الدولتين العربيتين في المحور ذاته في كثير من القضايا

يبدو أنّ دول المنطقة أدركت أخيراً أنّ المواجهات فيما بينها استنزافية في المقام الأول، فبدأت تتجه إلى تجربة طور جديد من التفاهمات، فقطر تتحسن علاقتها مع السعودية ومصر، وتركيا كذلك، والسعودية تبدأ حواراً مع إيران.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في زيارة إلى السعودية

ويبرز ملف تقسيم المياه شرق المتوسط كدافع رئيسي للمصالحة التركية مع مصر، بينما يأتي الملف الاقتصادي كدافع رئيسي لتحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية. 

وقد أطلقت السعودية مقاطعة شبه رسمية للمنتجات التركية في أوقات عدة، كان آخرها في شباط (فبراير) الماضي، عقب تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدّتها حملة المقاطعة تستهدف المملكة. 

وتحتل السعودية المركز الـ15 في قائمة أكبر أسواق الصادرات التركية، فقد بلغت مبيعاتها التي يتصدرها السجاد والمنسوجات والكيماويات والحبوب والأثاث والصلب 1.91 مليار دولار في الأشهر الـ8 الأولى من العام 2020، وهذا يمثل انخفاضاً بنسبة 17% عن عام 2019، حيث وصل هذا المؤشر في حينه إلى  2.3 مليار دولار، بحسب موقع "روسيا اليوم".

إقرأ أيضاً: مصر وتركيا والخطط الوهمية لأردوغان

وهددت المقاطعة قطاعات بأكملها، مثل قطاع التعدين، وخلال اجتماع ترويجي للمؤتمر الـ6 للأحجار الطبيعية عبر الإنترنت، قال رئيس مجلس المصدرين الأتراك "TIM" إسماعيل غل: "مشاكلنا معروفة العام الحالي، السعودية سوق مهم لصادراتنا في قطاع الأحجار الطبيعية، ونعتبر مقاطعة المنتجات التركية في السعودية من بين أهم العوامل المؤثرة في عملنا هذا العام".

وأضاف في نيسان (إبريل) الماضي: "نعلم جميعاً أنّ القضية سياسية، ومع الأسف يتم استخدام التجارة أداة لأغراض سياسية، في حين أنه من دور السياسة تسهيل التجارة وإنشاء منصات كي يكسب الطرفان، لكن في هذه الحالة يحدث العكس".

وأشار غل، بحسب ما أورده موقع "روسيا اليوم"، إلى أنهم يبذلون قصارى جهودهم لتنمية قطاع التعدين وتطويره، مؤكداً أنّ بلاده صدرت في عام 2019 الأحجار الطبيعية بقيمة بلغت 1.86 مليار دولار.

وإلى جانب الملف الاقتصادي، تبرز أهمية المصالحة التركية السعودية في إطار تشكيل التحالفات الدولية والإقليمية الجديدة في المنطقة.

وفي إطار توتر العلاقات التركية الأمريكية بعد وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الحكم، تبحث أنقرة عن علاقات وتحالفات جديدة.

من جانبه، قال الباحث التركي هشام جوناي: إنّ زيارة أوغلو إلى الرياض الإثنين تأتي ضمن "سياسة الانفتاح" التي تبديها أنقرة في عدة ملفات، من بينها الملفات العالقة مع اليونان ومصر والعراق.

ويقول جوناي في تصريحات لموقع "الحرّة": "إلى جانب الانفتاح ورغبة أنقرة في تسوية علاقتها مع الرياض، تأتي قضية الفلسطينيين في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. ربما ستسهل الظروف الحالية مهام تركيا في إقناع الرأي العام التركي والعالمي في التوجه نحو السعودية". 

ويتابع الباحث التركي: "لا سيّما أنّ هذه الزيارة لها أبعاد ترتبط بمصالح العالم الإسلامي ومستقبل القدس".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية