المصممة العالمية لمى حوراني: المجوهرات رسالة حب تعانق الجسد والروح

المصممة العالمية لمى حوراني: المجوهرات رسالة حب تعانق الجسد والروح


24/12/2018

أجري الحوار: عاصف الخالدي


انطلاقاً من الأردن قبل عشرين عاماً، تستمر المصممة الأردنية والعالمية لمى حوراني في مسيرتها بتصميم المجوهرات، متنقلةً بين قارات العالم، من أمريكا الجنوبية، فأوروبا، وحتى اليابان، عارضةً قطع مجوهراتها الجميلة، التي تجاوزت كونها ثمينة، لتعبر عن هوية عالميةٍ إنسانية وجماليةٍ ومشتركة، ورسالة حب تعانق الجسد والروح.

حوراني، التي بدأت مسيرتها في غاليري "رؤى"، الذي تشرف عليه والدتها الفنانة سعاد عيساوي، ترى في تصميم المجوهرات أبعاداً فردية وحميميةً خاصة، وأن تاريخ المجوهرات مرتبط بأنماط الأفراد وتاريخهم الشخصي، لذلك يتجاوز هذا الفن الترف، إلى أبعادٍ وآفاقٍ أكثر عمقاً واتساعاً. من خلال تركيز الفنانة على العناصر التاريخية في تصاميمها، وكذلك الطبيعية، والمتعلقة باللغات والهويات. واستخدامها كرموزٍ روحانية وثقافية تميز تصاميمها.

اقرأ أيضاً: آدم حنين.. فنان تشكيلي يحول منزله إلى متحف

حوراني، التي درست تخصص الأحجار الكريمة وتصميم المجوهرات في إيطاليا، حازت على درجة الماجستير في هذا الفن من مدينة ميلانو، كما طافت معارضها الفنية مدناً عديدةً حول العالم، كباريس وبرشلونة والكثير من العواصم العربية والعالمية. ولمى فضلاً عن ذلك كله ابنة عائلة إبداعية، فوالدها الفنان والباحث هاني حوراني له باع طويل في السياسة والكفاح المدني والتشكيل والفن وبخاصة التصوير الضوئي، ووالدتها سعاد عيساوي فنانة وواحدة من صنّاع الفن والتشكيل وإثارة السجال في الأردن والعالم العربي، وشقيقتها فرح مصممة أزياء خلّاقة على نطاق واسع.

"حفريات" حاورت لمى حوراني، التي ترى في تصميم المجوهرات فناً يرتبط بالحياة الفنية وبناء الجسور الثقافية مع العالم.

هنا نص الحوار:

*لماذا اختارت لمى حوراني فن تصميم المجوهرات، ما الذي يجعل هذا الفن مميزاً في الأساس؟

- المجوهرات من أكثر الاشياء حميمية، ترافق المرء وتنتقل من جيل لجيل، تلامس الجلد والجسد والروح، وتعيش لحظاتٍ مهمة في الحياة مع مرتديها،  كما أن كثيراً من الناس يؤمنون بإيجابية المجوهرات وحمايتها لهم، فهم يرتدون قطعة من المجوهرات ترافقهم خلال تجارب حياتهم، ويوجد أناس يشعرون بالأمان والحماية والطمأنينة عند أرتدائهم لها.

حوراني: أربط التاريخ مع الحاضر والمستقبل وأحاول أن أركز على الجوانب الثقافية والفنية في المجوهرات

شخصياً، أتعامل مع فن المجوهرات كفن للتصميم والجمال. فنٌ يرتبط بالحياة الفنية وبناء الجسور الثقافية مع العالم، إنه عبارة عن سرد  قصصٍ عن الشعوب، فن ورواية، فن وتراث، أستعمله كوسيلة لوصل ثقافاتٍ وحضاراتٍ مختلفةٍ من العالم، لتمثيل الوطن العربي، ولإيصال رسالة فنية،  كوسيله للتفاهم والحب، وأرى أن تصميم المجوهرات مدرسة فنية متكاملة.

بالطبع، كل فنانٍ يختار نمط عمله، هناك فنانون يختارون أن يكونوا تجاريين، وآخرون يحبون المهنة ويتعمقون فيها،  شخصياً أربط التاريخ مع الحاضر والمستقبل. وأربط الأجيال الجديدة بتاريخهم وحضارتهم، أحاول أن أركز على الجوانب الثقافية والفنية في المجوهرات.

*من أين تستقين إلهامك الفني وعناصر تصاميمك المميزة، وهل لحياتك الخاصة وعائلتك تأثير على أسلوب تصاميمك الفنية؟

لعبت عائلتي دوراً مهماً في حياتي المهنية، وخصوصاً والدتي سعاد عيساوي،  التي افتتحت أول جاليري فنون خاص في الأردن قبل 28 عاماً، ومن خلال الجاليري كنت محاطة دائماً بالفنانين والمثقفين ومحبي الفنون. وأصبح عندي مخزون فني ساعدني جداً على مدى السنين. وكذلك نظرتهم وتشجيعم لي كانا عاملينِ مهمينِ جداً في مسيرتي الفنية. ودراستي للفنون الجميلة وتخصصي بعد ذلك في الأحجار الكريمة وتصميم المجوهرات في إيطاليا وكذلك الماجستير في التصميم الصناعي من مدينة ميلانو بإيطاليا.

لقد عشت وتنقلت في العديد من أنحاء العالم. وسافرت كثيراً حاملةً الفضول الثقافي والفني منذ الصغر مع هوس وشغف بالتعلم. أذهب إلى المتاحف لأدرس التاريخ والجيولوجيا. وهذا انعكس على مجوهراتي بطريقة معاصرة. حيث أحكي قصة حضارات مختلفة وأدمجها مع حضارتي العربية، وهذا هو أسلوبي الخاص والمميز. وهو ما يميز أعمالي، فعند رؤية العمل، ربما يغرف المتلقون أنه للمى حوراني دون النظر إلى الاسم.

لمى حوراني بصحبة تصاميمها المميزة

*كيف تصفين لنا تصميم المجوهرات كفن يمكن له أن يلقى قبولاً اجتماعياً وفنياً لدى مختلف الطبقات، خصوصاً أنك تملكين  تجربةً خاصة في دمج المجتمع الأنثوي الأردني ضمن إبداعات هذا الفن؟

إلهامي الفني والعناصر التي أستعملها في تصميمي، هي من التراث والكنوز الحضارية والثقافية الماضية، أعيد خلقها وصياغتها من جديد لتكون معاصرة، بدأت بالرسوم البدائية كرسوم الكهوف، والسبب أنني كنت أريد لغة خاصة بي، تصل ما بين كل أنحاء العالم، ليس لها أي طابع عرقيٍ أو دينيٍ أو لغويٍ غير مشترك ولا كوني، هي لغة فنية خاصة بحته نقية، يعبر بها الإنسان عن شخصيته وحياته بطريقة طفولية وفطرية وبدائية، وهذا ما لفت نظري بهذه الرسوم لأستخدمها.

حوراني: تطويع المعدن ليمنح الجمال يحتاج إلى الثقة بالنفس والصدق مع الذات والأهداف ووجود رسالةٍ إنسانية

كما أني أحاول حمل رسالةٍ ثقافيةٍ مهمة بالنسبة لي، لتتخطى حدود جغرافية ثقافية تاريخية الخ.. ولهذا تعمقت في هذه تعمقت في الرسوم، وأعدت خلق هذه الرموز، واشتغلت على رموزي الخاصة بي، أو رسومي الخاصة البدائية، التي ترمز للوحدة والتعبير النفسي الفني الحر، والتواصل الإنساني في جميع أنحاء العالم.

بعد ذلك انتقلت من الرموز، إلى البحث في الجيولوجيا والتاريخ الإنساني، والحضارات المختلفة، وأشتغل على مجموعاتي التي هي عبارة عن دمج ثقافي بين حضارتين أو بلدين، لتعطي تأثيراً مختلفاً وجميلاً، وأجد النتائج  جميلةً جداً وبصورةٍ مستمرة.

اقرأ أيضاً: آدم حنين.. فنان تشكيلي يحول منزله إلى متحف

من زاويةٍ أخرى، دخلت مجوهراتي متاحف مهمة حول العالم،  وجاليريات مهمة.  واقتنتها الكثير من سيدات المجتمع والنساء المؤثرات في العالم، وكذلك العديد من الرجال  المؤثرين قادة وملهمين في مجالاتهم. المجوهرات تترك انطباعاً هو الذي يكسر الحاجز، ويكمن في أن المجوهرات توضع على الجسد، وليس على الحائط، هي أكثر حميمية، وأكثر دفئاً.

من تصاميم لمى حوراني، وعلاقة المجوهرات مع الجسد والطبيعة والنمط الفردي

أيضاً، يتأثر العديد من  الناس حين يعرفون القصة وراء تصميم كل واحدةٍ من مجوهراتي.  وحين يعرفون أنني من الأردن، ولدي هوية ثقافية مميزة، وعندي رسالةٌ ثقافية قوية، فيصبحون زبائن دائمين ومشجعين، وبطبيعة الحال، يحب الناس أن يكونوا جزءاً من قصة، ومجوهراتي تحكي وتروي قصص تصميمها وما تحمله معها من تاريخ ثقافي وحضاري متنوع..  من قصة الأردن إلى البيرو فاليابان، ومنها لفرنسا، والباسك بإسبانيا، كل مجموعة لها طابع ثقافي مهم جداً،  ولها قصة نادرة في تصميم المجوهرات، أو ماركات المجوهرات.

اقرأ أيضاً: صالونات الفن في السّعودية.. تحفظ الموروث الغنائي

أما في الأردن، أصبح هناك الكثير من المواهب المحلية، وهناك تشجيع  وحماس لدعم هذه المواهب. وهناك إقبال على شراء التصاميم المحلية، والمحلية كما أرى منتجربتي، هي مفتاح انتقالٍ للعالمية، هذا ما حصل مع مجوهراتي مثلاً.  كانت طريق وعرة وصعبة أحياناً، ولكنها كانت طريقاً ممتعة جداً مليئة بالتفاؤل والعزم والتصميم والإرادة والشغف واليقين على الاستمرار. وكان علي كفنانة أردنية أن أخترق أسواق العالم وأكون موجودة بغض النظر عما الناس من امرأة أردنية أو عربية، وكيف ينظرون إلينا بشكل عام.

*وصف الناقد الفني المغربي المعروف فريد الزاهي في مقال له تجربتك، بأنها بصمة عربية على وجه العالم، كما وصف أعمالك بنجوم ترصع سماء الفن، وتحدث كذلك عن تطويعك للمادة أو المعدن أو القطعة النفيسة، من أجل الجمال، السؤال الآن، وهو سؤال فني أزلي منذ مايكل أنجلو وحتى يومنا هذا: كيف تصف لمى حوراني استنطاقها أو تطويعها للمادة حتى تنتج لنا عملاً يكون بحد ذاته مثالاً على الجمال والإيحاء؟

أبذل جهداً كبيراً في البعد الفني والابداعي، العملية التصميمية الإبداعية تأخذ معظم الوقت حتى أصل إلى الرسم الأولي أو السكتش، ثم تأتي سلسلة إجراءاتٍ طويلة للوصول إلى قطعة مجوهرات مثالية، تصميم القطعة يأخد الكثير من الوقت. لأنه يضم منظوراً إخراجياً ومخزوناً ثقافياً، ويتطلب هذا  نظرهً فنية متمكنة لإنجاز العمل.

حوراني:  بدأت تصاميم بالرسوم البدائية كرسوم الكهوف، لأنني أردت لغة عالمية مشتركة، طفولية ونقية وجميلة

والمجوهرات تاريخياً ترتبط بالمكانة الاجتماعية عند الشعوب. وهي في وقتنا الحالي تعبير عن النفس، عن الهوية الشخصية للإنسان، عن الذوق والأسلوب والنمط،  كل إنسان  له هدف من ارتداء المجوهرات، هناك من يرتدونها لأسبابٍ عاطفية، لأنهم ورثوها أو حصلوا عليها أمهاتهم أو جداتهم. فيتعلقون بها عاطفياً، وهناك من يرتدونها بسبب معتقداتهم الخاصة، ويعتبرونها  لحماية الذات، ويتفاءلون بها، ويشعرون بالراحة. وهناك أناس يرتدونها للأناقة والموضة والجمال.

أظن أنّ مفتاح تطويع المادة واستخراج ما فيها من جمال، لتصبح قطعة مجوهراتٍ مثلاً، يكمن في الصدق مع الذات والتعمق فيها. أذكر أنني حين بدأت مسيرتي قبل عشرين عاماً، لم تكن هناك نماذج ناجحة كثيرة في هذا المجال، تساهم في تمهيد الطريق. فبدأت شق طريقي لوحدي، من خلال نظرتي الخاصة، الشيء الوحيد الذي ساعدني في كل الأوقات هي أنني كنت صادقة جداً مع نفسي ومع رسالتي وطموحي. كنت واضحةً في مسيرتي خلال العشرين سنة السابقة، ومؤمنة بأنّ الجمال والاستنطاق، يمثلان رسالة ثقافية مهمة بالنسبة لي، وأنني أمثل الوطن العربي والعالم. وهذا شيء مهم جداً.

تتميز أعمال حوراني بمحاكاة المشاعر والتعبير عنها بأبسط وأجمل الطرق

ولربما تمثل الجمال في البصمة الخاصة التي جهدت لأضفيها على أعمالي، فعند رؤية أحدها، تستنتج بأنه لا يحمل طابعاً واحداً، عربي أو ربما إقليمي، فهو طابع عالمي، ومن خلاله أمثل نفسي، لقد عشت في مناطق مختلفةٍ من العالم، ونصف حياتي خارج الأردن تقريباً، أعتز بأردنيتي وأعتز كذلك أنني ابنة هذا العالم، وأحب أن أكون جزءاً منه. وأحمل حبي لبلدي وأهلي وأحمل فضولي الثقافي الذي يحملني بدوره إلى الكثير من المناطق في العالم.

*ما آخر نشاطاتك ومعارضك، وهل من طموحاتٍ قادمة تلوح في أفق تجربتك الفنية؟

السنة القادمة  2019، سوف تكون حافلة بالمعارض في شنغهاي وفرنسا، في البحرين والقاهرة، كما سأحتفل في الأردن، بمناسبة مرور عشرين عاماً على تجربتي الفنية. كما سيتم إصدار  كتابٍ عن تجربتي ومسيرتي الفنية وطريقة عملي، والايحاءات البصرية التي أثّرت بي ومجموعاتي الجديدة.

اقرأ أيضاً: أم الزين بن شيخة: كيف للفنّ أن يقاوم ثقافة الموت؟

أما مشاريعي القادمة، فتتجلى في أن أركز وأقوّي مجوهراتي، وأقدمها بطريقة واضحة ومختلفة عن عملي في معدن الفضة تحديداً، وسأحاول العمل بالموازاة، بين خطين مختلفين في طرق تصميم المجوهرات، مع الحفاظ على هوية كل منها بشكلٍ مستقل.

الصفحة الرئيسية