المقاطعة العربية لقطر: الرهانات الخاسرة وفرص الإسلام السياسي الضائعة

المقاطعة العربية لقطر: الرهانات الخاسرة وفرص الإسلام السياسي الضائعة


06/06/2020

منذ المقاطعة العربية لقطر التي أكملت عامها الثالث، فإنّ الدوحة تبدو سلّماً يصعد عليه طرفا الصراع الآخران، الممثلان في تركيا وإيران، لجهة تحقيق أهدافهما التوسعية في المنطقة؛ إذ يجري توظيف الصراع القائم والمحتدم من جانب الدولتين الأخيرتين لحساب مصلحتهما المباشرة، وتمرير أغراضهما السياسية والإقليمية، حيث تمكنت أنقرة من تدشين قاعدة عسكرية في قطر، ومن ثم، إيجاد موطئ قدم لكيان عسكري وأمني في الخليج، فضلاً عن توقيع اتفاقية عسكرية بين البلدين، قبل أعوام قليلة.

 

قطر في خدمة نفوذ أردوغان
وتنص الاتفاقية العسكرية الموقعة بين البلدين في أحد بنودها، على أنّه يحق للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن يستخدم القوات الجوية والبرية والبحرية التركية في قطر للترويج لأفكاره ومصالحه الشخصية في منطقة الخليج العربي وما وراءه، من خلال استخدام "القوة التي يوفرها له ثاني أكبر جيش في حلف الناتو"، بحسب موقع "نورديك مونيتور"، وهو موقع مراقبة، مقره السويد.

افتتاح القاعدة العسكرية في شمال قطر شهد حضوراً قوياً لنحو 33 شركة تركية، تعمل في مجالي الدفاع والأمن البحري

ولا يتعين إغفال خطورة الدور الذي تمارسه قناة "الجزيرة" القطرية وأخواتها الكثيرات من منصات إعلامية وتحريضية التي تستهدف الإساءة لدول المقاطعة، خاصة، مصر، حيث تستضيف عدداً من قيادات وعناصر جماعة الإخوان، المطلوبين قضائياً على خلفية قضايا إرهاب وعنف، كما تحشد أدواتها للترويج للأهداف الإيرانية والتركية في عدد من دول المنطقة، لا سيما سوريا وليبيا واليمن.
وتشير وكالة أنباء "رويترز"، إلى أنّ افتتاح القاعدة العسكرية في شمال قطر، شهد حضوراً قوياً لنحو 33 شركة تركية، تعمل في مجالي الدفاع والأمن البحري، كما وقعت الدوحة على العديد من صفقات الأسلحة، ومن بينها، شراء زوارق قوات خاصة، حيث وصل عدد القوات التركية الموجودة في قطر نحو ثلاثة آلاف عنصر، كما ذكرت وسائل إعلام محلية تركية.

 

قطر في عزلة إقليمية.. ماذا بعد؟
اللافت أنّ الاستغلال التركي لقطر، يتجاوز استنزاف الموارد المالية وثرواتها، ويصل إلى مستويات قصوى في مجالات أخرى حيوية، تعكس حجم الاستغلال لا الشراكة أو التعاون أو التدريب المتبادل بين البلدين ونقل الخبرات، وهو ما يمكن اختباره بسهولة من خلال المرور على مجموعة من الحقائق والأخبار المتداولة، ودلالتها المباشرة؛ فقد قامت شركة "أسيلسان" التركية، المتخصصة في الصناعات العسكرية والإلكترونية، قبل عامين تقريباً، بإجراء تجارب لمنظومة أسلحتها المحلية الحديثة، في صحراء الدوحة، بهدف تسويقها، الأمر الذي قابله معارضون قطريون بالسخرية والغضب الشعبي، نتيجة تجاوزات تركيا وتنامي وجود عسكريين لها، وعدّوه انتهاكاً لسيادة بلادهم التي يزعم أميرها بأنه يحافظ عليها من تدخلات دول المقاطعة.

اقرأ أيضاً: في الذكرى الثالثة لمقاطعة قطر: الأسباب والتداعيات
وتزامن مع هذا التقارب المضطرد بين قطر وأنقرة، تعاون آخر مع الحليف الإيراني الذي سعت إليه؛ حيث تم الإعلان عن زيارة لوفد من القوة البحرية للحرس الثوري الإيراني إلى الدوحة، في العام 2018، برئاسة نائب قائد القوة البحرية في الحرس الثوري، العميد علي رضا تـنكسيري، وذلك بهدف المشاركة في مؤتمر لقادة القوات البحرية في غرب آسيا.
وتعد زيارة وفد الحرس الثوري الإيراني إلى الدوحة، بدعوى المشاركة في مؤتمر لقادة القوات البحرية في الشرق الأوسط "ديمدكس 2018"، مجرد غطاء لتعاون أكبر يجمعهما؛ إذ صرح نائب قائد القوة البحرية للحرس لوكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، بأنّ الظروف مهيأة، أكثر من أي وقت مضى، لما وصفه بـ"تنمية التعاون" مع قطر، كما أنّ مشاركة إيران في الدورات الثلاث للمعرض تعني الدعم الإيراني للدوحة، وبالتالي، يعد التعاون الثنائي بين البلدين أمراً قائماً ومشتركاً، في مجال الدفاع الساحلي، وخفر السواحل، والمشاركة في المناورات العسكرية.

 

أرصدة مفقودة!
وإلى ذلك، تشير بيانات رسمية، صادرة عن مصرف قطر المركزي، إلى أنّ إجمالي قيمة السندات واجبة السداد على قطر، بلغت حتى نهاية الشهر الماضي قرابة 83.725 مليار ريال.
وعلى إثر ارتفاع النفقات الجارية وتباطؤ نمو الإيرادات، اضطرت قطر إلى الحصول على سيولة مالية لسداد الالتزامات المالية، خاصة المرتبطة بتنظيم مونديال 2022، وكذا، بناء المنشآت والبنى التحتية، ما دفعها إلى تمويلها عبر الاقتراض المباشر أو إصدار أدوات الديْن.

معهد أمريكي: قطر تتخذ من التبرع للمساجد في فرنسا غطاءً لجهة التستر على النشاط المثير للقلق في دعم التطرف

وبحسب أرقام مصرف قطر المركزي، فإنّ الدوحة تواجه استحقاق دفع سندات واجبة السداد، في العام 2020، بقيمة إجمالية تصل لنحو 5.8 مليار ريال، وترتفع قيمة السندات واجبة السداد اعتباراً من 2021.
جاء قرار المقاطعة العربية لقطر كمحصلة نهائية لسلوكها العدائي تجاه استقرار عدد من الدول العربية، حيث تعمد إلى دعم أفراد وجماعات غالبا ما توصف وتصنف قصائيا تحت  الإرهاب في كثير من الدول ، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والحوثيين في اليمن، وكلاهما يلعب أدواراً تحريضية تزعزع من أمن المنطقة، واستقرار بلدانهم وحكوماتهم، ناهيك عن تأييدها لإيران في مواجهة دول الخليج، الأمر الذي مازالت تصر عليه الدوحة ولا تسعى إلى تعديله، بل تتبنى سياساته كاملة، وتتكشف حقائقه يومياً.

 

أرقام وحقائق وشهادات
ومن جانبها، كشفت جوديث بيرجمان، الباحثة السياسية، في معهد "جيتستون" الأمريكي للدراسات، أنّ قطر نشطت في عمليات تمويل مساجد داخل أوروبا، مثل، فرنسا، وسويسرا، والسويد، بهدف تغلغل "الإمارة الصغيرة"، حسب وصفها، في البلاد، لافتة إلى دورها الموازي في تمويل جماعة الإخوان، المصنفة في عدد من الدول كتنظيم إرهابي.

اقرأ أيضاً: كيف حاولت قطر إعادة تموضعها إقليمياً بعد المقاطعة؟.. إذاعة فرنسية تجيب
وأوضح المعهد الأمريكي، بأنّ قطر "إنما تتخذ من التبرع للمساجد في فرنسا غطاءً، لجهة نشاطها المثير للجدل في دعم التطرف في البلد الذي عانى من هجمات إرهابية، خلال السنوات الماضية"، الأمر الذي يثير القلق والريبة على استقرار الديمقراطيات الأوروبية.
كما لفت المعهد، في تقرير سابق، إلى أنّ الدوحة نشطت خلال العقود الماضية باعتبارها الداعم الأول لجماعة الإخوان، وإيران، وتنظيم النصرة، وطالبان، وغيرهم، حسبما تذكر، وهو الأمر الذي دعمته من خلال الكشف عن شهادة لموظف سابق في جمعية "قطر الخيرية"، إذ قال الموظف في شهادته إنّ "المنظمة تضطلع بدور كبير في دعم وتمويل الجماعات المتطرفة".

 

 

إذاً، كانت المجموعة الرباعية العربية لمكافحة الإرهاب (مصر والسعودية والإمارات والبحرين)، قد فرضت سياسة المقاطعة ضد قطر، بهدف الضغط على الأخيرة لوقف دعمها للجماعات المتطرفة، سواء بشكل مادي أو تقديم الغطاء الأيدولوجي، وذلك من خلال المنصات الإعلامية، وكذا، الجمعيات الخيرية والتنموية التي تقوم بجمع تبرعات مالية، يتم ضخها للتنظيمات المتطرفة؛ مثل، جبهة النصرة وأحرار الشام في سوريا، كما كشفت منظمات أممية وتحقيقات صحفية عديدة، وهو ما ينطبق على مؤسسة الشيخ ثاني بن عبد الله آل ثاني للخدمات الإنسانية التي تعرف باسم (راف).

 

 

اقرأ أيضاً: بعد 3 أعوام على المقاطعة.. هذه خسائر قطر الاقتصادية
وتعد مؤسسة "راف" ضمن منظمات المجتمع المدني التابعة لقطر، وتعمل في مجال الإغاثة والتنمية، محلياً وعالمياً، ومن بين الأعضاء المؤسسين لها، عبد الرحمن بن عمير النعيمي، الذي سبق وسجن في عهد أمير قطر السابق، حمد بن خليفة، ثم ما لبث أن تولى مهام عديدة في عهد أمير قطر تميم بن حمد، عندما تحول موقعه من معارض للنظام إلى مؤيد، وقد عمل في بداياته وحتى العام 2009 ضمن الهيئة الأكاديمية، في جامعة الدوحة، كما رأس اتحاد الكرة القطري.
النعيمي الذي أوكلت له مهام جمع الأموال والتبرعات لصالح الجمعيات الخيرية القطرية، ومن بينها مؤسسة "قطر الخيرية"، كشفت وزارة الخزانة في الولايات المتحدة بأنّه "متهم بتمويل الإرهاب وتقديم الأموال والدعم المادي والاتصالات إلى تنظيم متطرفة من خلال الشركات التابعة له في سوريا والعراق والصومال واليمن لأكثر من عقد من الزمان".
وأوضحت وزارة الخزانة أنّ النعيمي "أرسل أكثر من 2 مليون دولار شهرياً إلى تنظيم متطرف في العراق، كما أنّه متهم بتوفير 600 ألف دولار لممثلي تنظيم متطرف في سوريا، و250 ألف دولار لحركة الشباب في الصومال".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية