المقامرة القطرية في تركيا

المقامرة القطرية في تركيا


26/10/2018

نيرڤانا محمود

لو كتبت قبل شهور قليلة أن تركيا على عتبة أزمه اقتصادية كبيرة لكذبني العديد من المتابعين العرب؛ وإن أضفت أن قطر قد تضطر إلى مساعده حليفها التركي لاتهمني البعض بالهلوسة.

لقد نجحت ماكينة الإعلام التركية في إقناع العديد في عالمنا العربي بأن الاقتصاد التركي قوي وثابت. ولكن ما لا يعرفه البعض، أن الاقتصاد التركي تغير عبر السنوات الماضية، وأصبح مختلفا تماما عن الصورة الوردية التي استقرت في أذهان محبي أردوغان.

هوس الرئيس التركي بالمشاريع المعمارية والاستهلاكية، التي مول معظمها بقروض ضخمة، أدى إلى تضخم الدين العام لتركيا إلى أكثر من 350 مليون دولار. كما ارتفع التضخم في تركيا إلى أكثر من 15.9 في المئة.

كان يمكن لتركيا أن تحد من التدهور برفع سعر الفائدة، لكن الرئيس التركي رفض أن ينصت لخبراء الاقتصاد وأصر على التحكم في عمل البنك المركزي التركي وخصوصا بعد أن عين زوج ابنته وزيرا للاقتصاد.

كل هذا أدى إلى تزايد مخاوف المستثمرين وهبوط العملة التركية.

تزامنت مشاكل تركيا الاقتصادية بمشاكل قيادتها السياسية، فلقد اتهمت الحكومة التركية قسا أميركيا بالتجسس والتعامل مع جماعه غولن المحظورة في تركيا. رفضت تركيا طلب الرئيس الأميركي الإفراج عن القس مما جعل الرئيس ترامب يستشيط غضبا ويفرض عقوبات اقتصادية على تركيا. هذه العقوبات أدت إلى زيادة التدهور في الليرة التركية وفقدانها لنسبة كبيرة من قيمتها.

كعادة كل الإسلاميين، قام الرئيس التركي بخلط الأوراق، منكرا مشاكل بلاده الاقتصادية، وأعلن أن تركيا تواجه حربا اقتصادية. لم يكتف الرئيس التركي بهذا فقط بل ساوى بين اقتصاد بلاده والآذان مدعيا أن الهجوم على الاقتصاد التركي كالهجوم على الآذان، وكأن الآذان لا يرفع إلا في تركيا ولا يوجد مسلمون إلا أتباعه.

اعتقد بعض المراقبين أن قطر ستنأى بنفسها بعيدا عن التقلبات الاقتصادية التركية والحرب بين رئيسها والرئيس الأميركي ترامب.

ولكن قطر قررت عكس ذلك، فبعد زيارة لأميرها لأنقرة، أعلنت قطر نيتها دعم تركيا بخمسة عشر مليار دولار.

القرار القطري ليس مستغربا على الاطلاق. فالقيادة القطرية في الحقيقة هي جزء لا يتجزأ من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي يراهن على الرئيس التركي ونظامه كنصير وقائد.

منذ زمن بعيد، اختارت الدوحة إتباع الأيدولوجية الإسلاموية على حساب العقلانية، وأصبح من الصعب عليها التراجع الآن حتى لو كان الثمن مواجهة محتمله مع الرئيس الأميركي ترامب الحليف الغربي الأكبر للنظام القطري.

ولكن، بالرغم من أن القرار القطري كان متوقعا، فهذا لا يعني أنه قرار صائب وذلك لسبيبين رئيسيين:

أولا قطر ما زالت تحتاج الولايات المتحدة:

منذ بداية الأزمة القطرية الخليجية في العام الماضي، عولت القيادة في الدوحة على الولايات المتحدة لكي تكون الوسيط لحل الأزمة. جندت الدوحة عشرات الأقلام للدفاع عن نظامها في واشنطن وتصويره كحليف مطيع للولايات المتحدة.

جاء الخلاف التركي الأميركي ليكسر هذه الصورة الوديعة لقطر.

قد تسكت القيادة الأميركية مؤقتا عن هذا التلاعب القطري، ولكن الولايات المتحدة تستطيع أن تخنق قطر، ليس فقط سياسيا ولكن أيضا اقتصاديا، إن أرادت. فالبنوك القطرية في وضع هش منذ بداية الأزمة الخليجية إذ اضطر البنك المركزي القطري لضخ 20 مليار دولار في البنوك المحلية منذ بداية الأزمة، كما أن قطر تحتاج إلى المزيد من الأموال لتغطية تكاليف كأس العالم 2022.

ثانيا، الاستثمار في تركيا مقامرة لا تحمد عقباها.

قد تبدو المليارات القطرية حلا سحريا لأزمة الليرة التركية، ولكنها في الواقع ليست إلا مقامرة بأموال الشعب القطري.

ليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها تركيا أزمه اقتصادية حادة. ففي عام 2001 واجهت الدولة التركية أزمة مشابهة ولكنها تغلبت عليها باتخاذ تدابير اقتصادية متزنة بمساعدة خبراء اقتصاديين مستقلين.

أما في الأزمة الحالية، فلقد فضل الرئيس التركي أهل الثقة على أهل الخبرة ورفض كل الاقتراحات المتزنة لإصلاح اقتصاده كرفع سعر الفائدة أو اللجوء إلى مساعدة صندوق النقد الدولي مما هز ثقة المستثمرين في اقتصاد بلاده وخفض التصنيف الائتماني التركي.

حول أردوغان وأنصاره الاقتصاد التركي إلى جرة مثقوبة لا يمكن ملؤها.

حتى لو جمع كل الإسلاميين أموالهم وذهبهم وحولوه إلى ليرة تركية فلن تفلح جهودهم في إصلاح ما أفسدته الغطرسة والفساد.

قد يستغرب البعض الحديث عن الفساد في تركيا، لكن الفساد والمحسوبية والرشى استشرت في تركيا وخصوصا في عهد الرئيس أردوغان.

باختصار انقلب الكفيل التركي إلى رضيع يعتمد اعتمادا شبه كلي على المال القطري وأصبح الحضن التركي مليئا بأشواك ستدمي الأيدي القطرية لسنين عدة.

عن "الحرة"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية