النساء الجهاديات: المرأة صانعة للإرهاب أم ضحية له؟

النساء الجهاديات: المرأة صانعة للإرهاب أم ضحية له؟

النساء الجهاديات: المرأة صانعة للإرهاب أم ضحية له؟


06/03/2024

يتركّزُ السّجال في ما يتعلق بقضايا المرأة العربية والمسلمة، في عصرنا الحالي، على حقوقها الضائعة، وغالباً ما يتمّ النّظر إلى هذه الحقوق في سياق السّلطة الأبوية، أو كون المرأة "ضلعاً أعوج" في مجتمع ذكوري، أو كياناً ينزع للمساواة وتحصيل حرياته العامة والخاصة من منظورٍ نسويّ، غير أنّ هذه الآراء والمنظورات المختلفة، لم تبرّر نزوع المرأة للتّحول إلى كائن أقلّ حرّية في المجتمعات العربية، من خلال ما يعرف بظاهرة "النساء الجهاديات".

وسواء انخرطت امرأةٌ ما في "الجهاد" بإرادتها أو رغماً عنها تحت ظروفٍ معينة، فإنّ معظم النّساء فاجأن العالم باتخاذهنّ خطوةً كبيرةً إلى الوراء؛ فكثيرون سمعوا بـ "أم البراء"، و"أم القعقاع"، وغيرهما من نساءٍ حملن السّلاح ثم خضن القتال أو انتشر نشاطهنّ الدّعوي والتجنيديّ لأخريات في بلدان ما يُسمّى "الربيع العربي".

اقرأ أيضاً: الجهاديات في تونس

الظاهرة، أنتجت تحليلاتٍ عدّة، وسبّبتْ نتائج مختلفة، بعضُها كارثيّ؛ إذ إنَّ دورَ المرأة في تشكيل ما يعرف بـ"الأسر الجهادية" وتأثيرها على من حولها، بوصفها الوحدة الأساسية في المجتمع، جعلَ المعاناة التي تنتجُ عن التّشدد والإرهاب المنتشرَين باسم "الجهاد" تنتقلُ اجتماعياً من هؤلاء النساء إلى الأشخاص المرتبطين بهنّ.

سؤالان يُطرحان على طاولة التحقيق بشأن هذه الظاهرة:

الأول: لماذا تُقدّمُ "الجهاديات" على أنهنّ خطيرات على المجتمع وضحايا في آنٍ معاً؟

الثاني: كيف تنتقلُ النساء من كونهنّ ضحايا للقمع الرّمزي والمجتمعي والأيديولوجي وأحياناً الديني، ليصبحنَ أداةً مباشرةً في يد هذا القمع؟

تقودُ محاولة تعريف "المرأة الجهادية" إلى النّظر في الظروف البيئية التي تأتي منها

"الجهاديات".. كيف بدأن؟

تقودُ محاولة تعريف "المرأة الجهادية" إلى النّظر في الظروف البيئية التي تأتي منها، خصوصاً أنّ الأسباب السياسية والدينية متوفرةٌ بصورةٍ شبه دائمةٍ، ومنذ عقود، منْ أجل تحويل بعض النّساء إلى "جهاديات". لكن، ومن ناحيةٍ تاريخية إسلامية، اقتُصر دور المرأة ضمن مصطلح الجهاد، في القدرة على الذهاب إلى رحلتي الحجّ والعمرة، أما شرعياً؛ ففرض الإسلامُ الحرب والقتال على الرجال فقط، وفقاً لما يرد في الآية من سورة الأنفال:

  "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ".

في مطلع القرن العشرين سبقت دعوات تحرير المرأة في العالم العربي أية دعوةٍ لإدماجها المرأة في نشاطٍ ديني ودعوي

ومن خلال هذه الآية، يرى المشرعون أنّ كلمة "المؤمنين" اقتصرت على الرجال في حال الجهاد، وأنه لا يجوز للمرأة أنْ تجاهد. غير أنّ بعضهم يختلف مع هذا التشريع، فيعود إلى سيرة الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلّم، ومشاركة النساء في غزواته ولو في مجرد إعداد الطعام وتطبيب الجرحى، ويقولون إنّه: "يجوز للمرأة أنْ تجاهد في حال طلبَ منها زوجها أو وليّها ذلك؛ لأن الجهاد يصبح مباحاً في حالِ وقعَ ضمنَ طاعة وليّ الأمر أو الزوج" بحسب ما يرد في كتاب "بدائع الصنائع" للكاساني.

وربما أنّ رأي الكاساني في كتابه، يمكن أنْ يشيرَ إلى علاقة المرأة بالجماعات الإسلامويّة والجهادية في وقتنا الحالي، ويعد ضرورياً تتبّع تطوّر دور المرأة في هذه الجماعات. فبدايةً، ومنذ نشأة جماعات مثل جماعة الإخوان المسلمين في عام 1927، ثم ظهور تصوراتٍ أصولية وسلفية للدّين، يريد صانعو هذه التصورات للمجتمعات العربية أنْ تعيش من خلالها، لم يكن هنالك دورٌ كبيرٌ للمرأة في الجماعات الإسلامية، بل إنّ دعوات تحرير المرأة التي انطلقت من مصر وسوريا وفلسطين والعراق، سبقت أية دعوةٍ لإدماج المرأة في نشاطٍ سياسيّ دينيّ ودعويّ، من خلال كتابات الشيخ محمد عبده مثلاً، وظهور ناشطاتٍ مثل "هدى شعراوي" مطلع عشرينيات القرن الماضي.

اقرأ أيضاً: "جيل" الحظ العاثر في الجزائر: أبناء "جهاديي" الجبال

وفي مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، أخذت هذه الدعوات بالتراجع أمام تأسيس جماعاتٍ تبشّر بالصحوة والمجتمع الإسلاميين، فبعد حركة الإخوان المسلمين في مصر، أسسّ شيخ فلسطيني هو تقي الدين النبهاني، "حزب التحرير" وكان من أوائل الأحزاب التي تدعو إلى "مجتمعٍ إسلامي" تكون المرأة فيه مساويةً للرجل من حيث الإنسانية، لكنّ "دورها يختلف عن دور الرجل".

كتاب "بدائع الصنائع" للكاساني

ووفقاً لكتاب "نظام الإسلام" الذي ألّفه النبهاني، فإنّ "أدوار المرأة تختلف عن أدوار الرجل في المجتمع الإسلامي، ويجب ألا تكون مساويةً له ضمن المجتمع، فمثلاً في شؤون السفر والخروج من البيت والمعاملات، تعود القرارات إلى الرجل، وكذلك في شأن عملها الذي يفضّل ألا يتجاوز أعمال البيت".

اقرأ أيضاً:الجماعات الجهادية...هل هي شكل جديد للاستعمار؟

ومن أهم ما طرحه النبهاني في كتابه، الذي شكل تأثيراً كبيراً على سياسات حزبه، وانسحب على الكثير من الجماعات الإسلامية والأحزاب الدينية في العالم العربي لاحقاً، هو عدم الإيمان "بالديموقراطية كمنتج غربيٍ يقود للتخريب، ويقود المرأة للمطالبة بالتحرر من سلطة الرجل في الدين، وهو ما يعد فساداً صريحاً".

وغير بعيدٍ عن حزب التحرير، تأتي الحركات السلفية التي انتشرت في العالم العربي منذ منتصف القرن الماضي، كالسّلفية "الوهابية" في أرض الحجاز وفي الخليج، و"العلميّة" في الأردن وسوريا، و"الوطنيّة" في المغرب، و"الإصلاحيّة" في مصر، والتي تعتمد جميعها على فكرة "استعادة السّنة والقرآن وسيرة السّلف الصالح"، من أجل تجاوز أزمات الأمة الإسلامية على جميع الصعد.

كتاب "نظام الإسلام" للنبهاني

ويتشابه العديدُ من شيوخ الدّعوات السلفية، كـ "الألباني" و"ابن باز"، في النّظرة إلى حقوق المرأة في الإسلام "فهي تقتصر على الاحتشام وطاعة وليّ الأمر وعمل الخير وخدمة الزوج، وعدم الالتفات إلى البدع، ومنع التدخل في السياسة". كما يرى الألباني من خلال قراءته في كتاب "حقوق الجنس اللطيف" لمحمد رشيد رضا.

اقرأ أيضاً: "الجهاديون الصغار" - هل تصلح الدولة ما أفسدته الأسر المتطرفة؟

ويرى شيوخ السّلفية عموماً، أنّ المرأة يمكن أنْ تكون "وسيلةً لجمع الأموال وإفساد الشباب إنْ هي خرجتْ عن نهج الإسلام وعملت في أعمالٍ لا تليق بالمرأة، واتّبعت أفكاراً غربية أو تدخلت في شؤون الرجال كالسياسة".

وعلى النقيض من هذه الأفكار، تأتي جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة تعدّ أكثر براغماتيةً وتغلغلاً في البيئة الاجتماعية العربية ومكوناتها ما بين الرجل والمرأة. حيثُ يقولُ واحدٌ من أشهر المؤثرين في أفكار الجماعة، وهو سيد قطب، أنّ "الرجل والمرأة يتشاركان في بناء الأسرة الإسلامية كنواةٍ للمجتمع الإسلامي، لكن للرجال حقّ القوامة على النساء... أمّا في حال تساوت المرأة مع الرجل في القدرات والحال، فإنّ من واجبها مراقبة كلّ ما يجري حولها في المجتمع ما يمكن أنْ يسبب خطراً على المجتمع والدين".

أسهمت أفكار جماعات وأحزاب إسلامية كحزب التحرير وجماعة الإخوان في دخول المرأة إلى السياسة والعمل الجماعي مما مهد لدخولها الجهاد

ويضيف في كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام"؛ أنّ "المرأة لها حقوق العمل والكسب تحت مظلة قوامة الرجل". وهو يكتفي بهذا الحدّ محاولاً جعل حق رعاية الأسرة وتربيتها أولوية للمرأة، مقابل حق الرجل في القوامة. ويستقي، قطب، أفكاره من مؤسس الجماعة، حسن البنا، الذي كان صاحب رؤية أبعد، تتمثل في "ضرورةِ مشاركة المرأة في العمل العام"، وهو ما أنتج فرعاً داخلياً في جماعة الإخوان، يعرف باسم "الأخوات المسلمات" الذي برزَ منه في نشاط الجماعة الحركية أسماء مثل لبيبة أحمد، وزينب الغزالي. ممن شاركنَ في النشاط داخل صفوف الجماعة كتنظيم المظاهرات، ومناقشة أفكار الجماعة، وأعمال لوجستية أخرى تدعو للجامعة، دون حمل السلاح. وهو وما انسحب على نشاط الجماعة في مختلف البلدان العربية.

اقرأ أيضاً: الجهادية.. حين يلتقي الدين بالسياسة

كل هذه الأفكار، أسهمتْ في تأسيس دخول المرأة إلى الجماعات الإسلامية، تحتَ مظلّة الرجل غالباً، مما ضمن دوراً للنساء في حراك هذه الجماعات، واختلفت أدوارهنّ بحسب الظروف والبلد، لكنهنّ أصبحن جزءاً من أيديولوجيا دينية سياسية. ما سهّلَ تحولهنّ، لاحقاً، إلى السلفية الجهادية.

كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" لسيد قطب

السلفية الجهادية، اختزلت في رواياتها العديد من الأفكار المذكورة سابقاً، مضيفةً إليها على أيدي منظّرين معروفين، مثل "أبو محمد المقدسي"، أنه "يجب على المرأة الجهاد بوصفها شريكةً للرجل في الإسلام وفي الدفاع عنه" وفقاً لكتاب "المرأة والسياسة من منظور الحركات الإسلامية" لمؤلفه حسن أبو هنية. مما شكل بدايةً لتطوّر دور النساء إلى "جهاديات".

ازدهار "الجهاد" وانضمام النساء

في سبعينيات القرن الماضي، شاركت المرأة في أعمالٍ حزبية وجماعية مختلفة؛ من أجل التحرر عموماً، ومن أجل قضاياها النسوية والتحررية خصوصاً، وفي أطر مختلفة حول العالم، ماركسية وقومية وثقافية وغيرها. أما في العالم العربي، فشاركت المرأة الجزائرية والفلسطينية في النضال المسلّح، وسجنت أو قتلت أحياناً. وشهدت أحزابٌ مثل "حزب العمال الكردستاني" تجارب نسائية في هذا المجال، لتأتي فيما بعد السلفية الجهادية، وتؤسس لمشاركة المرأة في "الجهاد".

اقرأ أيضاً: امرأة تفجر نفسها وسط العاصمة تونس

الاحتكاك الأول للنساء على مناطق التّماس بين من يسمَّون "الجهاديين" وأعدائهم، كان في أفغانستان، خلال الثمانينيات، حيث تمكّنَ العديدُ من "المجاهدين" العرب، من جلب نسائهم وعائلاتهم معهم، أثناء أدوارهم في القتال ضدّ روسيا هناك. وربما شكّلت تفجيرات عمان الإرهابية، عام 2005، ظهور "امرأة جهادية" كانت تنوي تفجير نفسها في أحد فنادق العاصمة الأردنية، وهي ساجدة الريشاوي.

في أفغانستان تمكّنَ العديدُ من "المجاهدين" العرب، من جلب نسائهم وعائلاتهم معهم

وفي هذا الشأن، يرى الباحث المصري والمتخصص في شؤون الجماعات المتشددة، مصطفى زهران، أنّ البداية الحقيقية للنساء الجهاديات "جاءت متأخرة عن مرحلة الجهاد في أفغانستان؛ حيث استمرّ الجهاديون، ومن ثم تنظيم القاعدة، بعدم الرغبة في إقحام المرأة ضمن الأعمال الجهادية حتى وقتٍ متأخرٍ من ظهور القاعدة".

زهران:  تتحكم النظرة الشرقية للمرأة كثيراً بتموضعها في العمل الجهادي، وهو ما يفسر استحواذ الجهاديات الغربيات على انطلاقة الجهاد النسوي

ويضيف في حديثه لـ"حفريات": "تعدّ رسالة زوجة الشيخ أيمن الظواهري، عام 2009 حاثّةً النساء فيها بألا يخرجنَ إلى ساحات الجهاد دون محرم كي لا يشكّلنَ عقبةً للجهاديين، وموضحةً إمكانية أنْ يكون لهنّ أدوار ثانوية تدعم الجهاد في صورته الشمولية؛ أكبرَ شاهد ودليل على رغبة القاعدة في إشراك المرأة في هذا المضمار، وهي رؤية يوافقها عليها الظواهري نفسه".

ويرى زهران أنّ "التطور السريع لِما يُعرفُ بالحالة الجهادية، بعد حرب العراق، وظهور "الربيع العربي"، وتعاظم الخصومة التي أبدتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيّون من جهة، ومن ثمّ الأنظمة العربية والإسلامية من جهةٍ أخرى ضد الظاهرة، والتضييق على من يسمّون "الجهاديين"، كل ذلك أدّى إلى ضرورة إشراك المرأة في الجهاد، لتلعب دوراً مع الرجل، يجعل أداء هذه التنظيمات أكثر فعالية".

اقرأ أيضاً: معلومات لا تعرفها عن أول انتحارية تونسية

ويتابع: "ربما كانت النظرة الشرقية للمرأة تتحكم كثيراً بتموضعها في العمل "الجهادي"، وهو ما يفسر بعد ذلك استحواذ الجهاديات الغربيات على الانطلاقة الأولى للدور النسوي الجهادي. مثلما يتضح مع المقاتلات القوقازيات اللواتي انتشرن بشكلٍ كبير ٍفي العراق. وكانت أغلبيتهن متأثرات بأقارب ينتمون للجماعات الجهادية، ممّا يقود إلى أنّ الدّافع الأول للمشاركة النسوية في العمل الجهادي، إنما كانت رغبة في ثأر النساء لذويهنَّ الذين لقوا حتفهم على أيدي خصومهم أيا كانوا، من قوى وأنظمة غربية أو طاغوتية، بحد زعم أولئك النسوة".

ومع دخول ما يسمّى "الربيع العربي" وظهور تنظيماتٍ إرهابيةٍ متشددة، أبرزها تنظيم داعش الإرهابي، بدأت معادلة النساء الجهاديات تتطور وتتفاقم، وتصبح أكثر رعباً وألماً في آن معاً.

مع دخول ما يسمّى "الربيع العربي" بدأت معادلة النساء الجهاديات تتطور وتتفاقم

مجرمات وضحايا

في كتاب "عاشقات الشهادة"، لمؤلفيه الأردنيين؛ حسن هنية ومحمد أبو رمان، يؤكد الباحثان أنّ "الجماعات المتشددة في الدول العربية، ظلتْ تعمل بمكوناتٍ ذكورية، ولم تمنح النساء أي دورٍ قتاليٍ أو فاعلٍ في صفوفها قبل ظهور تنظيمَي "القاعدة" و"داعش". ويذكر الكتاب أيضاً؛ "أنّ توسّع ما عرف بالدولة الإسلامية في سوريا والعراق، استلزم مشاركة النّساء في أعمال ما سُمّي "الدولة الإسلامية" فشاركت النّساء في نظام الحسبة والمراقبة على النساء "الشرطة النسائية" كما شاركن في بعض الأعمال القضائية والدعائية لصالح التنظيم، ومن ثمّ في بعض العمليات الانتحارية". وكانت واحدة من أشهر تلك الحوادث، تفجير امرأة نفسها بصحبة طفلها في  مدينة الموصل العراقية في  تموز (يوليو) عام 2017.

اقرأ أيضاً: داعش يخطف النساء من جديد.. أين؟!

يبدو أنّ سيطرة "داعش" على مناطق جغرافية واسعة في سوريا والعراق، خلال الفترة ما بين عامي 2013 و2017، أسهم في انخراط النساء طوعاً أو قسراً ضمن صفوف التنظيم، حيث قمنَ بأعمالٍ عديدة، وتعرضنَ كذلك إلى صنوفٍ مختلفةٍ من القمع والخطر الدائم على حياتهن.

وفي هذا السياق، يرى زهران أنّ "تنظيم داعش في تحوّله من تنظيمٍ إلى شكل الدولة، لم يضع أمام الداعشيات خياراً واحداً، إنما وَضَعهن أمام خيارات عدة، ابتداءً من أنْ تختار المرأة أنْ تكون زوجة لجهادي مقاتل، وما يحظى به هذا المقاتل من مكانة عالية شرعياً وميدانياً، مروراً بالقيام بأدوار حيوية في الفضاء المجتمعي الجديد لما يسمى دولة الخلافة؛ من إدارة شؤون التربية العلمية والدينية للفتيات وأبناء المقاتلين والمجاهدين، وأعمال الطب وتقديم الرعاية الصحية للمجاهدين وذويهم، وما يتعلق بشؤون المرأة كافة، إضافةً إلى وضع تصوّرات لشكل عمل المرأة في فضائها الجديد، فيما يبقى العمل القتالي والجهادي آخر أدوارها".

اقرأ أيضاً: نساء داعش يثرن القلق في أوروبا

وجود النساء، المسلمات خصوصاً، في مجتمعاتٍ مسلمة، ومنهنّ من كنّ بعيداتٍ عن نقاط التّماس مع التنظيم، مثل من عرفن باسم "الجهاديات التونسيات" مثلاً، وأخرياتٍ ممن عرفن إعلامياً، باسم "مجاهدات النكاح"، اللواتي أتين من بلادٍ مختلفة غربية، وأخرى عربية، دون أنْ تتم ممارسة عمليات إجبارٍ عموماً من أجل انضمامهن إلى "الجهاد" فهل يمكن اعتبارهنّ ضحايا؟

تشير آراء عديدة، إلى أنّ عمليات تضليلٍ تتعلق بالتدين، وتمسّ مختلف الطبقات الاجتماعية فقيرةً كانت أم لا، متعلمةً أم لا؛ لعبتْ دوراً كبيراً في انضمام النساء من مختلف دول العالم العربي والغربي إلى "الجهاد" وهو ما يراه أبو رمان وهنية، حيث يشير الباحثان في كتابيهما إلى أنّ: الاستبداد السياسي الذي توضّح أثناء الربيع العربي بشكلٍ جلي، لعب دوراً في ذلك؟ إضافةً إلى أحلام الدولة الإسلامية الخيالية التي جذبت جهادياتٍ عربياتٍ وغربيات، والمتعلقة بحياةٍ جديدة أحياناً، وبتأمين الزواج وحياةٍ إسلاميةٍ أفضل للنساء، أحياناً أخرى، وحصل ذلك ضمن ما سمي بـ "جهاد النكاح".

اقرأ أيضاً: هادي يحمد يكشف لـ "حفريات" تفاصيل نكاح الجهاد وشروط زواج السبايا في داعش

لعلّ فكرة تكوين أسرةٍ جهادية، تطمحُ إلى حياةٍ مستقرةٍ وأقل استبداداً، سواء على الأرض أو في الجنة! ذهبت أدراج الرياح؛ بسبب ما تعرّضتْ له النّساء من استغلالٍ جنسيٍ، وعملياتٍ غير إنسانية، جرى فيها تبادل النساء بين رجال التنظيم، وتزويجهنّ مراتٍ عديدة من رجالٍ مختلفين، في شكلٍ يشبه التجارة بهنّ، مما جعل تسمية "جهاد النكاح" رائجة.

وكانت تقارير مختلفة، عبر الأعوام الماضية، قد أشارت إلى انتهاكاتٍ بحق النساء سواء كنّ مسلماتٍ أم لا، "داعشيات" أم لا، في الأراضي التي سيطر عليها التنظيم الإرهابي، ففي بداية عام 2017، قال تقرير لـ "دويتشة فيله" إنّ "مقاتلين من تنظيم "داعش" يحتجزون نساءً وفتياتٍ عربيات سنّياتٍ في المناطق الخاضعة لسيطرتهم في العراق، بشكل تعسفي، وأنّهم يسيئون معاملتهن ويعذبوهن ويتزوجوهن قسراً". بينما يوضح تقرير منشور في موقع "أخبار الآن"، كيف أنّ "تنظيم داعش يوظف المرأة كأداة للحرب النفسية، فالاغتصاب هو السلاح الأكثر شيوعاً لترويع النساء، والسيطرة على المجتمعات أثناء الحروب، عبر استغلال العاطفة الخاصة، التي تبديها المجتمعات العربية لشرف المرأة، وحرصها على حمايتها ورعايتها. وفي أراضٍ يسيطر عليها التنظيم، تكثر  حالات الاغتصاب والزواج القسري لفتيات بعناصر من داعش". وتشير تقارير إعلامية إلى أنّ بعض الأهالي، يوافقون على تزويج بناتهم، إمّا طمعاً بالمال، أو لأنهم من مؤيدي داعش، بينما هناك من يضطرون للموافقة، خشيةً من انتقام التنظيم.

 

 

الظاهرة والأرقام بين الواقع والخيال

للباحث الأردني المتخصّص في شؤون الإرهاب، الدكتور سعود الشرفات، رأيٌ خاص، حيث يرى أنّ تسمية "ظاهرة" يجب ألا ترتبط بما يعرف بـ "النساء الجهاديات". ويقول في تصريحه الخاص بـ"حفريات": "هل هذه جهادية نسويةٌ، إذا أخذنا الموضوع في سياق العلاقات الدولية، أم إنه مجرد تحوّل؟".

ويوضح الشرفات "تحوّل دور بعض النساء، من كونهنّ تابعاتٍ، غالباً، إلى سلطة الزوج والأب، إلى تابعاتٍ لسلطة التنظيم لا أكثر، ليس تحولاً حراً، ولا تحولاً عميقاً يمكن إحالته ليصبح ظاهرة، إنما تبدّل أدوار، تظل فيه المرأة مجرد "تابعة"".

الشرفات: لا تعد النساء الجهاديات ظاهرة في سياق تبعيّتهن لسلطة الرجل، بل مجرد تحوّل في تبعيّتهن للرجل وخطاباته

وبسؤاله عن الأرقام المتعلقة بجهاد النساء في التنظيمات الإرهابية، خلال الأعوام الثلاث الأخيرة على الأقل، علّق الشرفات: "من الصحيح أنّ نسبة النساء من العدد الكلي الإجمالي لعدد المقاتلين الارهابيين الأجانب في سوريا والعراق يبلغ (20-30%) وفقاً لـ "تقرير لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن –الأمم المتحدة" في 2015، لكنّ أعمالهنّ ظلّت تقتصرُ على الإنجاب ورعاية الأطفال، وأعمالٍ لوجستية أخرى، دون أيّ مشاركة فعالة فيما يعرف بالجهاد".

ويضيف: "هناك الكثير من الرطانة والتهويل والتحليل الرغائبي والسّطحي لخطر هذا التحول في وضع النساء، ويتمّ التحذير من خطره مستقبلاً وكأنه ظاهرة منفصلة عن ظاهرة الإرهاب "الذكورية" وهذا ما يجب أخذه بعين الاعتبار".

اقرأ أيضاً: هذه أخطر نساء داعش

وعن المستقبل، وعن إمكانية تحول النساء الجهاديات إلى ظاهرة، وفيما إذا كان الاستبداد والفقر وسيطرة التنظيمات على الأرض سيسهم في هذا الأمر؟ يرى الباحثان، زهران والشرفات، أنّ الأمر "ممكن"، منوهين إلى أنّ تركيبة اجتماعية معقدة، قد تتشكل من تبعية للرجل، ولسلطة التشدد الديني، ولضعفٍ في التعليم والتثقيف، الأمر الذي قد يؤدي إلى وجود نساءٍ جهاديات أو إرهابيات.

وياستدعاء لغة الأرقام، يمكن تتبّعُ بعض أعداد هؤلاء النساء عموماً، خصوصاً في العالم العربي، إذ يشير تقرير موسع على موقع "combating terrorism center"، نشر في أيار (مايو) عام 2018، إلى وجود 124 امرأة من تركيا، و39 من المغرب، و31 من مصر، و15 من سوريا، و4 من العراق، وأعداد أخرى من دولٍ عربية وأوروبية، لنساء تركنَ بلادهن، أو بقين فيها، ومارسن ما يعرف بـ"جهاد النكاح".

تحول النساء إلى "الجهاد" جعلها عرضةً للتحول إلى أي شكلٍ من أشكال الإرهاب

كما يشير التقرير إلى إنجاب العديد منهنّ للأطفال، وتحوّل بعضهنّ إلى جهادياتٍ وفق منظور تنظيم داعش الإرهابي، إضافةً إلى اختفاء بعضهنّ، وعودة أخرياتٍ إلى بلادهن، بعد أنْ كوّنّ أسرة وخلقنَ معضلات اجتماعية جديدة في بلادهنّ، بسبب هذه الأسر. ويشير التقرير، أيضاً، إلى أنّ أعمار هؤلاء النساء تقع بين سنّيّ السادسة عشرة والأربعين، ممّا يكشف أنّ معظمهنّ شابات.

رابط التقرير: Jihadi Brides

وفي تقريرٍ آخر، ضمن دراسةٍ أجرتها جامعة "kings college" في لندن، يظهر دورٌ آخرُ  للنساء خارج إطار الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي؛ حيث إنّ التقرير الذي يذكر وجود ما لا يقل عن "4651" امرأة نشطن في التنظيم الإرهابي ودعمنَ عملياته الإرهابية لوجستياً بين عامي 2013 و2018، وأنّ كثيراً من النساء تمّ القبض عليهنّ بتهمة الانتماء للتنظيم في بلادهن، مثلما حصل في المغرب عام 2016، وفي تونس أيضاً، وفقاً لما نقلته صحيفة "الغارديان" بتاريخ 23 تموز (يوليو) عام 2018.

اقرأ أيضاً: مأزق المؤسسات الدينية في مواجهة الظاهرة الجهادية

ربما لا توجد أرقامٌ متفق عليها بشأن نساءٍ عربيات غادرن بلادهنّ وبيوتهنّ ثم انضممنَ للتنظيم الإرهابي، عدا عن الصعوبة الكبيرة في إمكانية لقاءٍ أيٍّ منهن، للحديث عن تجربتها في ظل التنظيم، والصعوبة الكامنة كذلك في توصيف الظاهرة التي تقول عنها الباحثة المغربية آمال قرماوي، التي التقت بنساء خضن تجربة الجهاد، ضمن كتابها "النساء والإرهاب"، أنّها عبارة عن "تورط للمرأة في المجتمع بخطابات الرجل التي يفرضها عليها، مما يجعلها ضحية الإرهاب التي وجدت نفسها مكرهة على تحمّل عبئه بسبب توّرط أحد أفراد أسرتها في شبكات الجماعات المتطرفة، إضافةً إلى التحولات الاقتصادية والفكرية الطارئة التي تكون المرأة ضحيةً لها كذلك".

وبناءً على ما سبق، يكمن جواب السؤال الأول، في التحقيق، حول تحول النساء إلى "الجهاد" في تركيبة المجتمع وظهور الحركات والجماعات الإسلاموية التي فرضت تبعيةً أكبر على المرأة وأدمجتها في السياسة المتشددة للعمل الجماعي في هذه الجماعات أحياناً، مما جعلها عرضةً للتحول إلى أي شكلٍ من أشكال الإرهاب في حال تحول العمل الجماعي تحت إطار التشدد إلى الإرهاب، وهو ما ظهر جلياً من خلال مسيرة الجهاد في أفغانستان وحتى داعش.

أما كون المرأة أداة في يد الإرهاب وضحيةً له أيضاً، فيتّضح مدى القهر الذي تتعرض إليه المرأة العربية، خارج أطر حقوقها الإنسانية، ومدى تبعية قراراتها اليومية والمصيرية، إلى الرجل، سواء كان وليّ أمر أم زوجاً، أم تابعاً لأحد التنظيمات الإرهابية، ممّا يقود بصورة تلقائية إلى أنْ تتحوّل إلى "جهادية" وهذا لا ينفي انضمام بعض النّساء للجهاد بإرادتهن، في حال توفرت هذه الإرادة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية