"النهضة" تستغل سلاح الدين في مواجهة الرئيس التونسي

"النهضة" تستغل سلاح الدين في مواجهة الرئيس التونسي


13/04/2022

في محاولة لإنقاذ نفسها من السقوط المدوّي أمام الشارع التونسي، أخرجت حركة النهضة الإخوانية أقوى أسلحتها للحفاظ على وجودها، وهو استغلال الدين وتكفير الآخر، وهو ما بدا ظاهراً في تدوينة نشرها عضو المكتب التنفيذي بالحركة، ووزير الخارجية التونسية سابقاً، رفيق عبد السلام، على صفحته في فيسبوك، بتاريخ 6 نيسان (أبريل)، قال فيها: "يبدو أنّ قيس سعيّد يحيط نفسه بأكثر الكارهين للدين والمِلة".

ويعد رفيق عبد السلام، صهر راشد الغنوشي، صاحب الحظوة الكبيرة لدى مسؤول حركة النهضة، منذ أحداث كانون الثاني (يناير) 2011، ما ميّزه لدى جماعة الإخوان التونسية حتى شغل منصب وزير الخارجية في حكومة حمادي الجبالي.

أسّس رفيق عبد السلام، في 24 كانون الثاني (يناير) 2014، مؤسسة بحثية وهي مركز الدراسات الإستراتيجية والدبلوماسية، والذي ينشر من خلاله أفكار حركة النهضة، وجماعة الإخوان، بيد أنّ تصريحه الأخير أعاد للأذهان حقيقة حركة النهضة التونسية، التي ادّعى مؤسسها، راشد الغنوشي، عام 2016، أنّ حركته لن تقحم الدين في السياسة.

تصدير الدين في معركة النهضة رآه محللون الورقة الأخيرة، إذ لم يعد لديهم ما يخسرونه.

سرحان الناصري: ليس لدى "النهضة" ما يخسرونه

يقول سرحان الناصري، في تصريح لـ "حفريات": "لم يعد لديهم ما يخسرونه، مثل رقصة الديك المذبوح". موضحاً: "إلى جانب استقوائهم بالأجنبي وبمنظومة الإخوان المسلمين، نجدهم اليوم ينشرون ويبعثون رسائل خاصة لمعارضيهم، تعتمد خطاب التكفير والتحريض، وتنشره بين مؤيديهم، كما يعتمدون على خطاب ديني وكأنّهم الجهة الوحيدة الضامنة للدين وللإسلام، وهما منهم براء".

تواجه "النهضة" ضربات سياسية متتالية، بعد فشلها السياسي، ما أدّى بها إلى العودة لتوظيف الدين مرة أخرى لمواجهة تحديات تتضمّن إعادة النظر في دور الإسلام

يرى الناصري؛ أنّ حركة النهضة تحاول من خلال قيادييها المتواجدين في الخارج، مثل رفيق عبد السلام وماهر المذيوب، أن توجّه التهم، سواء للرئيس سعيّد أو أعضاء حكومته، وحتى الشخصيات السياسية الوطنية.

يشير الناصري إلى أنّه تعرّض شخصياً لحملة تشويه وتكفير، موضحاً: "جرى اتهامي بالإلحاد، ووظّفوا صفحات مأجورة ومموّلة لبثّ سمومهم واتهاماتهم وتأليب الرأي العام، ممّا صار يشكّل تهديداً مباشراً لي ولعائلتي".

يضيف الناصري: "ما تزال حركة النهضة تعتمد في خطابها على التوظيف الديني وتكفير معارضيهم، ولم تتعلّم الدرس من أن هذا لا يسمن ولا يغني من جوع، وأنه خطاب أجوف كاذب وغير ناجح، ولم يعتبروا من التجارب السابقة والفاشلة، كما حدث مع الإخوان في مصر واستفاقة الشعب المصري وردّ القوات المسلّحة الوطنية المصرية الذي كان مزلزلاً لصفوف الإخوان".

حديث عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة رفيق عبد السلام عن الدين، فيما يشبه تكفير الآخر، يذكّر بعام 2016؛ حين قررت حركة النهضة التخلي عن النشاط الدعوي والتركيز على العمل السياسي.

أزمة هوية في صفوف الحركة

الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي، حسام الحداد، يرى أنّ ذلك الخيار الذي لجأت إليه النهضة عام 2016، قد أشعل أزمة هوية في صفوف الحركة. مضيفاً: "الآن، تواجه الحركة ضربات سياسية متتالية، بعد فشلها السياسي، ما أدّى بها إلى العودة لتوظيف الدين مرة أخرى لمواجهة تحديات تتضمّن إعادة النظر في دور الإسلام، والتكيّف مع كونه قوة دافعة للتغيير الاجتماعي الاقتصادي، وكيفية توجيه صفوة أنصاره، والعمل في الوقت نفسه على اجتذاب قواعد انتخابية أوسع".

حسام الحداد: تدوينة عبد السلام تتناقض مع تصريحات الغنوشي

ويصف حسام الحداد، في تصريح لـ "حفريات"، تدوينة رفيق عبد السلام، أنّها تتناقض تماماً مع تصريح راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية، في افتتاح المؤتمر العاشر للحركة، في 20 أيار (مايو) 2016، حين قال: "حريصون على النأي بالدين عن المعارك السياسية وندعو إلى التحييد الكامل للمساجد عن خصومات السياسة والتوظيف الحزبي لتكون مجمّعة لا مفرّقة".

ويشير الحداد إلى أنّ مخالفة أعضاء النهضة لتلك التصريحات السابقة يدلّ على أنّ الحركة طوال الوقت تقوم بعمل مناورات؛ "ففي الداخل تظهر أنّها حركة محلية مدنية تخلّت عن مطلب تحقيق الشريعة وتريد أن تنسى ماضيها، فيما تسوّق في الخارج على أنّها حركة إسلامية. وهذه الازدواجية تتيح لها البقاء في دائرة المناورة وتحقيق اعتراف داخلي وخارجي بهوية متناقضة لحسابات تتعلق بالاستثمار السياسي والإعلامي، وهذا هو الخطاب الذي كان سائداً منذ 2016".

ويرى الحداد أنّه مع الخسائر المتتالية للحركة بسبب هذه الازدواجية وغيرها، سواء على المستوى السياسي العام أو على المستوى التنظيمي "العضوية"، تحاول الحركة الآن، وهذا ما توضحه تدوينة رفيق وغيره من قيادات الحركة، أن تعود كما كانت قبل هذا الإعلان، لجمع شتات عناصرها الذين تركوا الحركة عام 2016 بسبب الفصل بين الديني والدعوي.

يضيف الحداد: "هذا أولاً، وثانياً وجود قنوات حوار وتقارب مرة أخرى بين الحركة والجماعات والحركات السلفية في تونس وتكوين تحالف فيما بينهم لمواجهة قيس سعيّد من ناحية والتحالف الليبرالي من ناحية أخرى".

الحزبي التونسي سرحان الناصري لـ"حفريات": ما تزال حركة النهضة تعتمد في خطابها على التوظيف الديني وتكفير معارضيهم، وهو خطاب أجوف كاذب وغير ناجح

وينوه الحداد إلى أنّه "يجب علينا في الأخير أنّ نفهم أنّ حركة النهضة وجماعة الإخوان وتنظيمها الدولي لديهم رغبة كامنة في تسلّق سلّم الدين للوصول إلى السلطة والتمكين أكثر من كونها رغبة في خدمة الدين كقيم أخلاقية وتربوية".

مسعى حركة النهضة التونسية إلى إبراز ورقة الدين ربما يأخذنا إلى مخاوف أخرى، وهي تفعيل دور الجهاز السرّي للحركة، على شاكلة الجهاز السري المسلّح لجماعة الإخوان المصرية.

رفيق عبد السلام عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة وصهر راشد الغنوشي

وهو اتهام تواجهه بالفعل حركة النهضة، حول وجود جهاز سرّي تابع لها متخصص في الانقلابات وتنفيذ الاغتيالات السياسية لمعارضين وسياسيين؛ إذ قدّمت هيئة الدفاع عن اغتيال القياديَّين؛ محمد البراهمي وشكري بلعيد، اللذين قتلا بالرصاص عام 2013، وثائق تتضمن معلومات عن وجود جهاز سرّي للحركة متورط فى اغتيال المعارضين التونسيين.

ومع ترديد سردية رفض الدين أو الملّة من زاوية قيادات حركة النهضة، ربما سوف يواجه المخالف للحركة محاولات تطبيق حدّ الردة من البعض، وهي الأزمة التي عانى منها الإنسان العربي المعاصر الرافض للتطرف الديني، بداية باغتيال جماعة التكفير والهجرة لوزير الأوقاف المصري الشيخ الذهبي، ومروراً بمحاولة اغتيال الروائي المصري نجيب محفوظ، ثم اغتيال المفكر فرج فودة، وصولاً إلى اغتيال محمد البراهمي وشكري بلعيد.

وأكد رؤية "لم نعد ما نخسره" رئيس حزب "التحالف من أجل تونس"، سرحان الناصري؛ موضحاً أنّ حركة النهضة وقيادييها، سواء المباشرين أو المستقيلين منها مؤخراً، وحتى حلفائها من اليساريين، صاروا يلعبون آخر أوراقهم اليوم.

 

مواضيع ذات صلة:

قيادات "النهضة" الإخوانية أمام وحدة مكافحة الإرهاب.. حيثيات الإحالة وأدلة الإدانة

تونس: هل تفضي الاتهامات الموجهة لحركة النهضة الإخوانية إلى حلّها؟

الرئيس التونسي يصفع "النهضة".. فهل حان أوان الحساب؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية