الهالوين: احتفالية الفزع والفرح!

المعتقدات والأديان

الهالوين: احتفالية الفزع والفرح!


30/10/2017

 في ليلةِ الـ 31 من أكتوبر من كلّ عام، يحتفلُ الملايينُ حول العالم بالهالوين (Halloween) أو "عيد القدّيسين" حسبَ التّقاليد المسيحيّة، وهي احتفاليةٌ دينيةٌ في جذورها، يقدّمها بعض معارضي الاحتفالية في العالم العربي باعتبارها مناسبة لـ"عبدة الشيطان"، وتمنع السلطات وفقاً لذلك السماح، رسمياً، بإقامة هذه الاحتفالات.
يعمد المحتفلون بالهالوين إلى ارتداء ملابس غريبة ومخيفة، حيثُ يتنكّرون بأزياء سحرةٍ أو حيوانات، ويرفعون المشاعل مستخدمين لصنعها ثمرة القرع أو اليقطين، لِما يوحي به شكلُها من رعبٍ وفزع، باتّخاذه شكلاً قريباً من شكل الجمجمة، يطردون بها الأرواحَ الشّريرة، حسبَ المعتقدِ الأسطوريّ لهذهِ الاحتفاليّة.
كما يجوبُ الأطفالُ الشّوارعَ حاملينَ أكياساً، طارقينَ أبوابَ المنازل طلباً للحلوى، وهذا طقسٌ يسمّى بـ "خدعةٍ أم حلوى؟" (?Trick or Treat)؛ إذ إنّ إحدى الأساطيرِ تقولُ: بأنّ مَن يرفضُ تقديمَ الحلوى للأطفالِ سوفَ تطاردهُ تلكَ الأرواحُ الشّريرةُ وتصيبُه بالأذى.

أصل الأسطورة
المعلوماتُ حولَ تاريخيّةِ احتفاليّة الهالوين وبدايتِها متضاربة، كما تتداخلُ في تفسيرها الأساطير، ومعظمُها تعيدُ أصلَها إلى ما قبلَ ظهورِ المسيحيّة، وتربطُها باحتفاليّةٍ كانَ يقيمُها الشّعبُ السّلتي أو الكلت (Celtes) في أوروبا الغربيّة "بلاد الغال قديماً، بريطانيا وإيرلندا" أواخرَ العصرِ البرونزيّ؛ أي حوالَي عام 1500 قبل الميلاد، يستقبلونَ فيهِ فصلَ الخريفِ وتساقطِ أوراقِ الأشجار، تبعًا لمعتقداتهم الدينيّة.
كانتْ ليلةُ الـ 31 من أكتوبرَ بالنّسبةِ لهؤلاء هي رأسُ السّنة "ليلةُ الموتِ والحياة" التّي يأتي فيها إلهُ الموت "سامان" برفقةِ الأرواح، بحثاً عنْ أجساد حيّة – بشريّة أو حيوانيّة - ليسكنوها، فيقيمُ الكهنةُ احتفاليّةً يُشعلونَ خلالها ناراً ضخمة، وينطلقونَ إلى البيوتِ ليوزّعوا على سكّانها مِن هذه "النّار المقدّسة" التّي سوفَ تطردُ - في اعتقادهم – الأرواح.

يعمد المحتفلون بالهالوين إلى ارتداء ملابس غريبة ومخيفة، حيثُ يتنكّرون بأزياء سحرة أو حيوانات، ويرفعون المشاعل

كانوا ينيرونَ طريقهم مُستخدمينَ مشاعلَ مصنوعةً مِن ثمرةِ "اللّفت" التي يُفرغونها مِن محتواها ويحفرونها لتبدو على شكلِ وجهِ شخص، ويشعلونَ في جوفِها الشّحم، كما إنّهم يجمعونَ مِن العائلاتِ القرابينَ لإرضاءِ إلهِ الموت، وأحياناً تكونُ هذه القرابينُ بشريّة!
وحولَ استخدامِ الكهنةِ لثمرةِ "اللّفت" تقولُ الأسطورةُ: إنّ شخصاً إيرلندياً اسمهُ "جاك" لم يحترمْ قُدسيّةَ هذهِ اللّيلة، ولم يحتفلْ بها، قد وصلَ إلى درجةٍ مِن السُّكرِ أدّتْ بهِ إلى الموت، فرفضتِ الملائكةُ استقبالَ روحهِ في النّعيم ورفضَ الشّيطانُ استقبالَها في الجحيم، وهكذا ظلتْ روحهُ معلّقةً وتائهة، فاستعانَ "جاك" بثمرةِ "اللّفت" كمشعلٍ ينيرُ بهِ طريقَ روحهِ التّائهة، وصارتْ هذه الثّمرةُ رمزاً لإنارة الطّريق أمامَ الأرواح الهائمة، والتي تُسّمى في عددٍ مِن البلدانِ اليومَ بـ (Jack-o-lantern) أي "فانوس جاك".
رعب الأسطورة وبهجة الاحتفال.. والرفض

خلالَ ما يعرفُ بـ "مجاعةِ البطاطا الإيرلندية" في القرن التّاسع عشر، هاجرَ مئاتُ الآلافِ مِن الإيرلنديين، إلى عددٍ من الدول، وكانَ منهُم نحو 700 ألف شخص هاجروا إلى الولاياتِ المتّحدةِ الأمريكية، حاملين معهُم عاداتِهم وتقاليدَهُم وطقوسَهُم.

الأوّلُ مِن نوفمبرَ هو اليومُ الذي تحتفلُ فيهِ الولاياتُ المتّحدة بـ"عيد القدّيسين"، فالمهاجرونَ كانوا يحتفلونَ بقدومِ الخريفِ، ويطردونَ الأرواحَ، ويشعلونَ ثمارَ "اليقطين" – هذا لأنَّ اللّفتَ لمْ يكنْ متواجداً كفايةً في الأرضِ الجديدة – ويرتدونَ أزياءَهُم المرعبة، وفي ذاتِ الوقتِ كانتِ احتفالاتُ المُضيفينَ بـ"عيد القديسين" قائمة.
النّاس كلّهم يحتفلون، في الشّوارع والبيوتِ والكنائسِ والمقابر، لقد ارتسمت الفُسيفساءُ مع الزّمن، صارَ الهالوين هو نفسُه عيد القدّيسين، الجميعُ يحتفلُ في هذه الليلة، واتّسعتْ رقعةُ البلدانِ المحتفلة، حتّى كادتْ تشملُ جميعَ أنحاءِ العالم، لاسيّما بلداننا العربية، رغم الاعتراضات والرفضِ الدائمِ للاحتفال بهذه المناسبة، سواء مِن قِبل المسؤولينَ أو رجالِ الدِّينِ أو مِن قِبل شرائحَ في المجتمعِ.

الهالوين هو نفسُه عيد القدّيسين، الجميعُ يحتفلُ في هذه الليلة، واتّسعتْ رقعة الاحتفال لتشمل أنحاء العالم

في الأردنّ يجري، رسمياً، رفض إقامةِ الاحتفالاتِ بالهالوين، حتّى أصبحَ الأمرُ روتينياً، ليسَ مِن قِبل الشرائح عينِها مِن المجتمعِ فحسب؛ بل مِن قِبل الجهات المختصة، والمبرراتُ تكادُ تتباينُ رغمَ اتّفاقها على الرّفض، فهناك مَن يرفضُ لأنّه يرى بأنَّ مثلَ هذه الاحتفالاتِ عاداتٌ دخيلةٌ على المجتمعِ الأردنيّ، ممّا يستدعي – حسبَ اعتقادهِ – عدَم تقبُّلها. وهناكَ مَن يعتقدُ بأنَّ الهالوين مرتبطٌ بما يُسمّى "عبادة الشيطان" وهذا الاعتقادُ في الحقيقةِ خوفٌ مِن مظهرٍ غريب، وربطٌ غير واقعيّ، أكثرُ منهُ اقتناعاً بالفكرةِ الّتي بُنيَ عليها الرّفض، إذْ إنَّ الهالوين لا يمتُّ بصلةٍ مِن قريبٍ ولا مِن بعيدٍ لِما يسمّى "عبادة الشيطان" أسطورياً أو تاريخياً أو واقعياً.

لماذا الهالوين؟
ربّما سيبدو الأمرُ غريباً لو تحدّثنَا الآنَ عن "الرّاديو"!، هذا الاختراعُ الّذي لا يكادُ يخلو منهُ بيتٌ أو مركبة ، لقد تمّ اختراعُ "الرّاديو" إبّانَ الحربِ العالميةِ الأولى لغاياتٍ حربيةٍ وقتالية، والسّؤال: هل نرفضُ استخدامَ الرّاديو لسماعِ أغنيّةٍ أو مقطوعةٍ موسيقيّةٍ أو خبرٍ يهمّنا، لأنّ الرّاديو تاريخياً كانَ أداةَ حربٍ وقتال؟
أصبح الهالوين مناسبةً ترفيهيّةً ينتظرها العالم، رجالاً ونساءً، أطفالاً، تجّاراً، صانعي أفلام. الجميعُ ينتظرها، غير عابئين بالأساطيرِ والأرواحِ والميثولوجيا والقرابين، احتفالاً بالحياةِ لا الموت، بابتسامةِ طفلٍ يرتدي زيّ حيوانٍ يحبّهُ، يطرقُ بابَ جارهم الطّيب ليأخذَ حصّتهُ مِن الحلوى والفرح، ثمّ يهرولُ بها إلى أبويهِ اللذين صَبَغا وجهَيهِمَا بالأَمل.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية