الوجه الآخر لأردوغان: سياسة التعطيش التركية تهدد مليون سوري

الوجه الآخر لأردوغان: سياسة التعطيش التركية تهدد مليون سوري


25/08/2020

"مع أوج انتشار الوباء العالمي "كوفيد-19"، في شمال شرق سوريا، وتقييد إرسال المساعدات الأممية، والطواقم الطبية المطلوبة، للحيلولة دون تفشي الفيروس التاجي في منطقة يعيش فيها مليون شخص؛ رفعت تركيا نسبة الموت في الحسكة، بسبب الجفاف المتعمد الذي وصلت إليه المدينة بعدما انقطعت المياه عنها".

تروي الصحفية السورية الكردية، لامار إركندي، جانباً من الوضع غير الإنساني الذي عاناه السوريون، مؤخراً، بعد قطع المياه عنهم، لمدة أكثر من أسبوعين؛ إذ تمّ غلق محطة المياه الوحيدة المسؤولة عن الضخّ "علوك"، والواقعة في ريف مدينة رأس العين، وهو الأمر الذي تكرّر في أقل من عام، أكثر من 8 مرات، وذلك منذ احتلال تركيا للمدينة، في تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي.

تاريخ النهب التركي في سوريا

وتضيف إركندي، في شهادتها لـ "حفريات": "الاعتداء التركي على المياه السورية يعود لأربعينيات القرن الماضي؛ حين احتجزت مياه نهرَي "أبو الذهب" و"قويق"، التي كانت تمدّ مدينة حلب بمياه الشرب، ناهيك عن الأنهار الصغيرة الأخرى التي كانت تروي حقول حلب الشرقية.

وبعد ذلك؛ قطعت مياه نهر الجقجق الذي كان ينبع من تركيا، ويتدفّق بمدن شرق الفرات في سوريا، حتى يصبّ في مدينة الحسكة، ما تسبّب في جفاف مجرى تلك الأنهار، بسبب السياسة التركية، وحجز المياه خلف سدّ بمدينة نصيبين التركية.

الاعتداء التركي على المياه السورية يعود لأربعينيات القرن الماضي؛ حين احتجزت أنقرة مياه نهري "أبو الذهب" و"قويق" التي كانت تمدّ مدينة حلب بمياه الشرب

وعليه؛ فإنّ أنقرة لم تختلف سياساتها الخارجية باتجاه الشمال السوري الذي تحتله، منذ أعوام قليلة، بحسب الصحفية السورية الكردية؛ بل إنّها تمعن في إذلال وقمع المدنيين من خلال قطع المياه عنهم، وتهديدهم في أهم مصدر مائي وشريان حيوي بالنسبة إليهم، في نهر الفرات، والأخير يأمّن حوالي 70% من احتياجات سوريا المائية؛ إذ إنّ مياه النهر في تراجع ونقص مستمرين، ولا تتسرب في مجراه سوى المياه الملوثة، نتيجة إجراءات الدولة التركية التي نجم عنها تدمير المشروعات الزراعية والكهربائية، كما أصبحت المياه شبه معدومة في مناطق مثل الرقة ودير الزور.

جفاف مجرى الأنهار، بسبب السياسة التركية

في أوائل الثمانينيات؛ نفّذت أنقرة مشروعاً في جنوب شرق الأناضول، عرف باسم (غاب)؛ حيث دشنت أكثر من 25 سداً على نهري دجلة والفرات، وأكثر من 25 محطة كهربائية. كما أقامت على نهر الفرات وحده أكبر سدّ ترابي، هو الرابع في العالم في ضخامته، والذي يحتجز القسم الأكبر من مياه نهر الفرات لصالح المشروعات التركية، التي دمّرت بدورها الاقتصادَين السوري والعراقي، باعتبارهما قائمين على الزراعة.

عسكرة المياه

تشكل الميلشيات المسلحة المدعومة من تركيا، شمال شرق سوريا، أطواقاً عديدة لحصار السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم ونفوذهم؛ إذ إنّها لا تعدم حيلة للضغط عليهم، وممارسة القمع ضدّهم، وقد تعدّدت أنشطتها العدوانية، وغير الإنسانية، للتنكيل بالأفراد والمدنيين على أساس الهوية، والذي تجاوز مسألة التوقيف العشوائي، أو التعذيب في الأقبية الأمنية والعسكرية، بدعوى ارتباطهم، مثلاً، بالإدارة الذاتية، وكذا قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، إلى قطع المياه عنهم؛ ما فاقم الصورة الدموية والمأساوية التي يعيش تحت وطأتها المدنيون.

اقرأ أيضاً: تعطيش الشمال السوري: إستراتيجية تركيا لمحاربة الأكراد

إنّها ليست المرة الأولى التي تخوض فيها تركيا حرب مياه ضدّ السوريين في تلك المنطقة، بواسطة ميلشياتها المحلية؛ لقد سبق أن نفّذت الأمر ذاته على خلفية محاولاتها الضغط على الإدارة الذاتية، لجهة تزويد المناطق التي تسيطر عليها فصائل أنقرة بالكهرباء، فمنذ احتلال القوات التركية لمدينة رأس العين، وصل عدد المرات التي انقطعت فيها المياه عن المواطنيين في الحسكة نحو 8 مرات، ما تسبّب في معاناة يومية، ولجوء البعض إلى حفر الآبار للحصول على المياه.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان؛ فإنّ "سلاح التعطيش يأتي في إطار الضغط المتكرر على السكان من جانب أنقرة، في مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية، وذلك للمرة الثامنة، منذ سيطرة القوات التركية على المحطة الواقعة بريف الحسكة الشمالي؛ حيث إنّه، في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) 2019، تمكّنت القوات التركية بواسطة الميليشيات المسلحة من السيطرة على مدينة رأس العين، ومحطة "علوك"، بشكل كامل".

تنديد أممي

ومن جهتها، دانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، قطع النظام التركي، والتنظيمات المسلحة التابعة له، مياه الشرب المغذية لمدينة الحسكة، والتجمعات السكانية التابعة لها، بينما رأت المنظمة الأممية؛ أنّ هذا الأمر إنما يعرض حياة أكثر من مليون شخص للخطر، لا سيما في الوقت الذي يبذل فيه العالم جهوداً للتصدي لفيروس كورونا قبل أن يتفشى هناك.

اقرأ أيضاً: من "التعطيش" إلى "الوطن الأزرق".. ماذا يريد أردوغان حقاً؟

وقال ممثل "اليونيسيف" في سوريا، فران إيكيثا: إنّ "محطة علوك للمياه تعرضت مجدداً للتعطيل؛ ما يجعله الحدث الأخير ضمن سلسلة استهداف مراكز تزويد المياه للبلدات، والمخيمات المجاورة، فالمحطة تمثل مصدر المياه الرئيس لمدينة الحسكة، والتجمعات السكانية التابعة لها"، ولفت إلى أنّ "الحصول على مصدر مياه آمن وموثوق به، وغير منقطع، مهمّ لضمان عدم لجوء الأطفال والعائلات إلى مصادر مياه غير آمنة".

وطالبت سوريا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بالتدخّل بشكل فوري لوقف "جريمة قطع تركيا مياه الشرب عن نحو مليون سوري في محافظة الحسكة شمال شرق البلاد".

وفي حديثه لـ "حفريات"، يقول روجهات حسن (اسم مستعار)، يقيم في مدينة الحسكة: إنّ تركيا "تستخدم حرب المياه كعقاب جماعي لسكان شمال وشرق سوريا؛ فبعد قطع مياه الفرات الذي أدّى إلى تقنين الكهرباء، حرمت تركيا وفصائلها مياه الشرب عن ميلون شخص".

ويضيف: "تعمد أنقرة إلى سياسة قطع المياه، طوال الوقت، بالتالي، فالأمر لا يبدو كما يروّج له مؤيدو الحكومة التركية، والمعارضة السورية، بأنّ قطع المياه سببه توقف محطة علوك وتعطيل الكهرباء عنها.

الصحفي السوري الكردي دارا بركات لـ"حفريات": ضاعف من معاناة السكان قدوم فصل الصيف، وارتفاع درجات الحرارة، من جهة، وانتشار فيروس كورونا في المنطقة، من جهة أخرى

لقد اضطر المدنيون، لمدة 22 يوماً، هي فترة انقطاع المياه عنهم، إلى التحايل على هذا الوضع وتلك المعاناة، خاصّة الأطفال، الذين اتجهوا بدورهم للبرك والآبار القريبة، التي لا تخرج منها إلا مياه ملوثة ومالحة، للحصول على المياه بسواعدهم. كما اضطر قاطنو المخيمات إلى شرب تلك المياه المختلطة وغير النظيفة".

يتفق والرأي ذاته الصحفي السوري الكردي، دارا بركات، الذي يرى أنّه "منذ بداية الاحتلال التركي لمنطقتي رأس العين وتل أبيض، في النصف الثاني من العام الماضي، لا يتوانى النظام التركي بواسطة بعض الفصائل العسكرية التابعة له عن قطع المياه، بين الحين والآخر، في مدينة الحسكة وريفها، من خلال وقف محطة الضخّ "علوك"، الواقعة شرق مدينة رأس العين، وقد ضاعف من معاناة السكان في هذه المدينة، مؤخراً، قدوم فصل الصيف، وارتفاع درجات الحرارة، من جهة، وانتشار فيروس كورونا في المنطقة، من جهة أخرى، الأمر الذي يتطلب الحصول على المياه، بصورة ملحّة.

بيد أنّ بركات يبدي استغرابه من غياب دور المنظمات الدولية والإنسانية، بشكل حاسم، خاصة أنّ "تعطيش المواطنين وحرمان المدنيين من المياه، من جانب دولة الاحتلال التركي، في الحسكة، يرقى إلى كونه جريمة حرب، وخرقاً للعهود والمواثيق الدولية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية