الوجه الآخر لكارثة المخيمات السورية في الشتاء

الوجه الآخر لكارثة المخيمات السورية في الشتاء


19/01/2021

عبدالله سليمان علي

لا يمرّ الشتاء في سوريا من دون أن يترك بصمته على حياة مئات الآلاف من النازحين الموزعين على مخيمات بدائية في أنحاء البلاد كافّة. حزام من البؤس باتت هذه الخيام البدائية تشكله على هامش الأزمة السورية الممتدة منذ العام 2011 أو في قلبها. 

هناك لا يعيش السوريون النازحون على "الحديدة" التي تشير إلى النقطة صفر في سوء المعيشة وعدم توافر متطلباتها الضرورية، بل انزلقوا بعيداً تحت هذا المستوى، حتى لم يجدوا من يتلقفهم سوى مستنقعات الوحل التي تكونت من اتحاد تراب وطنهم مع مطر السماء. 

وصار "اللعب في الوحل" هو وسيلتهم المفضلة للسخرية من الواقع المرّ الذي وصلوا إليه في غياب أي جهات محلية أو إقليمية مستعدة لبذل أدنى حد من الجهود من أجل تحسين أوضاعهم أو تقديم ما قد يقيهم موجات البرد والصقيع.

"كارثة إنسانية" وقعت في مخيمات شمال غربي سوريا بعد يومين فقط من هطول الأمطار. مئات العائلات تشردت بفعل استمرار الهطولات المطرية خلال الـ48 ساعة، وتضرر أكثر من 100 مخيم في تلك البقعة التي تؤوي مئات آلاف النازحين، في حين حاولت فرق الإنقاذ فتح ممرات مائية لتصريف المياه في العديد من المخيمات في دركوش وخربة الجوز وسرمدا ومعرة مصرين ومناطق أخرى، بحسب "المرصد السوري لحقوق الانسان".

وقد رصد ارتفاع عدد الخيام الغارقة والمتضررة بشكل كبير إلى أكثر من 400 خيمة ضمن عشرات المخيمات التي تؤوي نازحين من مناطق متفرقة، نتيجة الأمطار الغزيرة التي شهدتها المنطقة خلال الساعات الفائتة، يذكر منها، مخيمات دير حسان وسرمدا والدانا وأطمة وأم جرن وكفرعروق وكللي وقاح ومعرشورين وزردنا والحلزونة وطيبة وكفريحمول والضياء وتل الضمان وبابسقا والآباء والنور وحلب الشهباء وباتبو ومخيمات أخرى شمال إدلب وغرب حلب، ومخيم حلب قرب دركوش، ومخيمات خربة الجوز وأهل العز.

وأشار "المرصد السوري" إلى أن سكان مخيمات حربنوش وتجمع الفردوس والشيخ بحر في ريف إدلب، وجهوا نداء استغاثة إلى المنظمات الإنسانية والإغاثية، بعد أن أغرقت السيول التي شكلتها الأمطار عدداً من خيامهم، وألحقت الضرر بالعديد منها، وتشرد سكانها، في ظل استمرار هطول الأمطار الغزيرة.

وناشد "المرصد السوري" في ظل عكوف المؤسسات الانسانية عن تقديم الخدمات، ضرورة توجيه الدعم الكافي للنازحين، من مواد تدفئة وألبسة ومواد غذائية وطبية، والوقوف الى جانبهم في مواجهة العوامل الطبيعية التي تعصف بحياتهم الكارثية مع دخول فصل الشتاء من كل عام.

لكن "اللعب بالوحل" انتقل من كونه وسيلة للسخرية من الواقع المأسوي إلى كونه طريقة ممنهجة يتبعها أطراف عدة من أجل توظيف مأساة النازحين وتضخيمها لتحقيق أهداف مادية وسياسية معينة. وتأتي "هيئة تحرير الشام" على رأس قائمة الأطراف التي يُخشى استغلالهم المآسي والكوارث الانسانية التي تصيب مخيمات النازحين من أجل تحقيق مصالح ذاتية.

وتهدف "الهيئة" أولاً وقبل كل شيء، إلى استغلال الواقع المزري الذي تعيش فيه المخيمات من أجل تعميق الفجوة بين سكان المخيمات من جهة و"العالم الخارجي" من جهة ثانية لتعزيز فكرة أن الجميع قد تخلى عنهم وغير مستعد لتقديم خدمات إليهم من أجل خلق التربة الخصبة التي يسهل غرس بذار الأفكار المتطرفة فيها وبالتالي ضمان وجود حاضنة جاهزة لمدّ "الهيئة" بأعداد جديدة من الأنصار والمقاتلين عند الحاجة.

وثمة تنافس حقيقي يدور بين "الهيئة" وباقي الفصائل المسلحة لاستقطاب سكان المخيمات وإقناعهم بموالاة هذا الطرف أو ذاك من خلال المساهمة في تعبئة معسكرات التدريب العسكري بعناصر جديدة لا تجد بديلاً عن واقع البرد والوحل سوى الارتزاق على جبهات القتال المختلفة.

وتكون المخيمات عادة هي الوجهة الأولى التي يقصدها بعض الدعاة ورجال الدين للإعلان عن أي دورة تدريبية جديدة لمصلحة هذا الفصيل أو ذاك بحسب موقعه على خرائط السيطرة الموزعة بين "هيئة تحرير الشام" أو القوات التركية والموالية لها. وغالباً ما تتكلل جهود هؤلاء في سحب مئات الشبان من مستنقعات الوحل إلى معسكرات التجنيد.

وثمة هدف آخر لا يقل خطورة عن سابقه، تتنافس "هيئة تحرير الشام" وباقي الفصائل على تحقيقه، كلٌّ لمصلحته، وهو تضخيم معاناة النازحين جراء بعض الظروف الطبيعية أو العسكرية وتركيز التغطية الإعلامية على بعض الصور واللقطات المؤثرة إنسانياً لتصديرها إلى الخارج بغية تحقيق غايات لا تمت إلى الإنسانية بصلة.

ووجهت إلى "هيئة تحرير الشام" اتهامات بأنها تسعى من خلال نشاط أذرعها الإعلامية والشرعية إلى استغلال مآسي مخيمات النازحين من أجل مضاعفة حصتها من أموال الدعم بذريعة أنها الجهة التي تعمل على التخفيف عن هؤلاء.

وقال مراسل "الجيش الوطني"، وهو الجيش الذي شكلته تركيا في العام 2018 من مزيج من فصائل إسلامية و"إخوانية"، أن "الأذرع الشرعية والإعلامية لتنظيم هيئة تحرير الشام تستغلّ مقاطع الفيديو عن المخيّمات لأجل عرضها على الداعمين واستجلاب أموال ضخمة إلى المحرر ثم سرقته أو سرقة أغلبه". ويقصد بـ "المحرر" المناطق الخارجية عن سيطرة الحكومة السورية والتي يخضع جزء منها لسيطرة "هيئة تحرير الشام" وجزء آخر لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا.

ووجّه مراسل "الجيش الوطني" عبر قناته على تلغرام تحذيراً "إلى جميع أهالي الخير في الداخل والخارج بعدم إعطاء الصدقات والتبرّعات لأي شخص قبل التأكد من عدم تبعيّته للتنظيم". 

ويعكس ذلك مدى احتدام التنافس بين "الهيئةط وباقي الفصائل على اقتسام كعكعة المساعدات وأموال الزكاة والصدقات التي قد يتبرع بها بعض "المحسنين" لأسباب إنسانية خالصة بدافع التخفيف من معاناة النازحين والوقوف معهم في محنة الشتاء، من دون أن يدور في خلدهم أن هذه الأموال ستنتهي في صناديق مقفلة تحت إشراف فصائل مسلحة. وربما يندفع البعض الآخر إلى تقديم التبرعات وهو يدرك تماماً المآل الأخير لأمواله، ولكنه لا يجد فرقاً بين دعم المدنيين أو دعم المسلحين. 

وبحسب بعض الخبراء، فإن معظم أموال المساعدات والتبرعات تنتهي في يد "هيئة تحرير الشام" التي تستخدم جزءاً منها لإسكات بعض المخيمات فيما يدخل الجزء الأكبر منها في موازنتها الخاصة بتمويل ودعم نشاطاتها العسكرية والأمنية.

وأشار هؤلاء إلى أن سبب "عكوف المؤسسات الانسانية" عن تقديم المساعدة، كما أشار "المرصد السوريط، هو أن "الهيئة" اشترطت أن تكون لها نسبة 60 في المئة من أية إغاثة قبل الحصول على موافقتها لإدخالها إلى المخيمات.

عن "النهار" العربي


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية