الورطة التركية في إدلب

الورطة التركية في إدلب


01/03/2020

رانيا مصطفى

بات التصعيد سمةً أساسية لمنطقة خفض التصعيد الرابعة؛ استعادت فصائل المعارضة، الجهادية والمعتدلة، سيطرتها على مدينة سراقب الإستراتيجية، بدعم مباشر من القوات التركية المحتشدة في المنطقة، وبالتالي قطعت على النظام سيطرته على الطريق الدولي أم – 5، بعد أن بدأ بإرسال ورشات الصيانة لافتتاحه. وكان ردّ النظام والروس استهدافَ مبنى لجنود أتراك، وقتل 33 منهم وجرح  32 آخرين.

لم تقدم أنقرة للفصائل الدعم للدفاع عن سراقب ومعرة النعمان الشهر الماضي، ومعظم المناطق السابقة تم تسليمها، بعد مقاومة هزيلة من مقاتليها المحليين الذين لا يملكون السلاح؛ أي أن روسيا وقوات النظام السوري قد تجاوزتا خطوط اتفاق سوتشي سبتمبر 2018، دون اعتراض حقيقي من الأتراك.

كانت أنقرة تأمل في تمسّك موسكو باتفاقاتها مع حليفتها، وفتح الطرق وتسيير دوريات مشتركة روسية تركية، وبمشاركة الفصائل المحسوبة عليها، وتأمين منطقة آمنة واسعة، وأن تضمن دورها في سوريا، في ما يتعلق بمناطق نفوذها في ريف حلب وشرق الفرات، وفي إدلب أيضاً.

أجّلت أنقرة التصعيد، واكتفت بالتهديد، وأمهلت النظام حتى آخر فبراير للانسحاب إلى ما وراء نقاط مراقبتها؛ هي بذلك أعطت فرصة لروسيا وقوات النظام وداعميه للتقدم والسيطرة على مدن إستراتيجية على الطريق الدولي في جنوب شرقي إدلب، والتوسع غرباً لتأمين هذه المناطق ومحاصرة جسر الشغور والمناطق المحيطة بها على الطريق الدولي الثاني حلب – اللاذقية.

أملت نقرة في تفادي التصعيد الأخير، مراهنةً على موقف أميركي وغربي داعم لها؛ استنجدت بواشنطن وبشركائها في حلف الناتو، ولم تحصل سوى على دعم كلامي باستمرار الدعم.

واستخدمت ورقة اللاجئين لتهديد الأوروبيين بالتحرك لوقف الهجوم الروسي في إدلب، فهي على وشك فتح حدودها مع اليونان وبلغاريا أمام أعداد كبيرة من اللاجئين المتواجدين في تركيا، جمّعتهم لهذا الغرض، ودون أن تفتح حدودها مع سوريا، حتى الآن، أمام المدنيين الفارين من القصف والمعارك على بلداتهم في إدلب، كونها لا قدرة لها على استيعاب المزيد من اللاجئين.

تسعى تركيا إلى دور إقليمي، تنافس فيه دولاً عظمى؛ فصعود دور تركيا في المنطقة خلال العقدين الماضيين كان يعتمد على سياسة تصفير المشاكل، وبناء علاقات شراكة اقتصادية مع العالم العربي والإسلامي؛ وبقدر ما كانت ناجحة في زيادة نمو الاقتصاد التركي وقتها، تركت تحفظات لدى الاتحاد الأوروبي حول انضمامها إليه، ولدى حلف شمال الأطلسي، وتركيا عضو فيه منذ 1952.

انقلاب الموقف التركي على حليفه، النظام السوري، بعد اندلاع الاحتجاجات السورية ربيع 2011، ومراهنة الأتراك على استلام المعارضة الحكم بقيادة الإخوان المسلمين، هو ما أدى بتركيا إلى الانتقال إلى سياسة التدخل، وانتهى بها اليوم إلى تدخل عسكري بقواتها على الأراضي السورية.

هناك مغامرتان خطيرتان يقوم بهما حزب العدالة والتنمية التركي قد تؤديان إلى الإطاحة به في حال فشلهما؛ الأولى تتعلق بسياسة التوسع في التدخلات العسكرية، ليشمل ليبيا إضافة إلى سوريا، وربط المصيرين ببعضهما البعض، مع تشابه الأدوات، واختلاف الظروف، ففشل تركيا في سوريا سيعني انكسارها في ليبيا أيضاً، وهو سبب يدفع أنقرة إلى التصعيد الأخير في إدلب.

والثانية تتعلق بسياسة اللعب على حبلي المعسكرين الغربي والشرقي، وابتزاز أحدهما بالآخر لتحقيق مكاسب؛ فأنقرة تفاخر بامتلاكها منظومتي الدفاع الجوي، الغربية والشرقية، المتعارضتين أصلاً، دون القدرة على تشغيل أي منهما في وجه الأخرى في سوريا.

كان هدف روسيا من التحالف مع تركيا في سوريا واضحاً، وهو استعادة السيطرة على مناطق المعارضة تباعاً، وباتفاقات مع الأتراك، وكانت تركيا مرغمة على القبول بتلك الاتفاقات تحت تهديد الحاجة إلى حماية أمنها القومي من الخطر الكردي، والذي كانت الولايات المتحدة والتحالف الدولي يدعمانه.

اليوم تركيا متخوفة من خسارة مناطق نفوذها المحققة في عفرين وجرابلس و”نبع السلام” شرقي الفرات، في حال خسارة نفوذها في إدلب.

وحتى الآن لا مؤشرات على دعم واشنطن أو الاتحاد الأوروبي لتركيا؛ الجميع، رغم إدانتهم لمجازر النظام السوري، راضون عن سيطرة روسيا على مناطق إدلب، وما لا يرغبون فيه هو مشاركة الميليشيات الإيرانية في المعركة.

ترفض إسرائيل ودول عربية أيضاً أي دور لإيران وتركيا في سوريا، وتستعد دول الخليج العربي لملء الفراغ بعد انسحابهما، عن طريق تمويل استثمارات إعادة الإعمار، ومن هنا يتم تنسيق عالٍ مع روسيا بشأن ذلك.

كما أن روسيا تحتفظ بورقة دعم الأكراد للتحرك ضد تركيا شرق الفرات، حيث قامت مؤخراً بالتنسيق مع حزب العمال الكردستاني حول ذلك.

في حين أن مصير سوريا مرتبط بتوافقات أميركية – روسية، قد تنتهي بانسحاب أميركي لمصلحة الروس، إذا قبل الروس بالشروط الأميركية الثلاثة حول محاربة الإرهاب وتقليص النفوذ الإيراني، والبدء بمرحلة انتقالية وفق القرار الدولي 2254.

تخشى أنقرة حصول هكذا توافق يخرجها وإيران من المعادلة السورية؛ فيما تعتقد موسكو أنها تقترب من فرض أجندتها على المجتمع الدولي مع إكمال سيطرتها على إدلب.

وهذا يعني أن أنقرة باتت محاصرة اليوم، ومهددة بخسارة نفوذها في سوريا، وبالتالي هي مضطرة إلى اتخاذ قرار التصعيد إلى أقصاه، حيث استنفدت محاولات تجنّبه.

مع ذلك تترك أنقرة الباب موارباً أمام اتفاق ممكن مع روسيا، حيث ما زالت توجه اتهاماتها للنظام وحده، دون التعرض لروسيا، إلا بلهجة مخففة وعاتبة.

في حين أن الروس، الذين بدورهم قدموا العزاء للأتراك بمقتل جنودهم في إدلب، يراهنون أيضاً على إمكانية حصول تفاهمات، لكنها تحتاج إلى استمرار معارك كسر العظم الجارية الآن، ولا أظنها ستدوم طويلاً.

ولم تحسم موسكو موافقتها على اللقاء الرباعي في إسطنبول في الخامس من الشهر الجاري، والذي سيضم تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا؛ فهي تريد من هذه القمة أن تدعم توافقاً جديداً مع أنقرة، على أساس خرائط جديدة اقترحتها حول انكفاء تركيا إلى منطقة آمنة شمال الطريق الدولي أم – 4 بعرض 30 كم، وفتح الطرق الدولية تحت السيطرة الروسية والنظام.

ما سيحدد ماهية اتفاق اللحظة الأخيرة هو الموقف الغربي، والأوروبي تحديداً، الذي ما زال غير واثق من رغبته في دعم تركيا، رغم تخوّفاته من مخاطر تدفق المزيد من اللاجئين إلى أوروبا.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية