انتخابات المكتب التنفيذي لـ"النهضة": كيف أكلت الحركة أبناءها؟

انتخابات المكتب التنفيذي لـ"النهضة": كيف أكلت الحركة أبناءها؟


05/01/2021

نظمت حركة النهضة الخميس، 31 كانون الأول (ديسمبر) العام 2020، اجتماعاً لمجلس شورى الحركة، للتصويت على الأسماء المقترحة لعضوية المكتب التنفيذي، وجاءت نتائج التصويت، باختيار سبعة عشر عضواً، لم يأتِ من بينهم أغلب القيادات التي تحظى بدعم زعيم الحركة السيد راشد الغنوشي، في إشارة لكون تلك النتيجة تمثل خيبة هبوط أسهم الأخير، من ناحية، وتعكس عمق الأزمة والصراعات التي تضرب الحركة والتنظيم، من جهة أخرى.

تأتي هذه التطورات في سياق الخلافات العميقة التي ظهرت للعلن مؤخراً ودفعت البعض إلى الاستقالة من الحركة

تأتي قراءة نتائج انتخابات المكتب التنفيذي لحركة النهضة، في سياق الخلافات العميقة التي ظهرت للعلن في الآونة الأخيرة، ودفعت البعض إلى تقديم استقالاتهم، بينما عمد البعض الآخر إلى إعلان موقفه من التنظيم وقياداته، عبر تدوينات وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن توقيع مجموعة المائة لعريضة، طالبوا فيها رئيس الحركة راشد الغنوشي، بعدم الترشح لفترة ثالثة، والالتزام بنص الفصل الواحد والثلاثين من النظام الداخلي، ما يمنح المؤتمر الحادي عشر للحركة أهمية خاصة، كونه سيحدد اسم الرئيس القادم، الذي ينبغي أن يخلف الغنوشي.

النهضة تربك المشهد السياسي التونسي

الأزمة التي تعصف بوضعية حركة النهضة وإطارها التنظيمي، تأتي في ظل الأوضاع السياسية التي تعيش فيها تونس، حيث تمثل الحركة ضلعاً رئيساً فيها، كون زعيمها راشد الغنوشي، يمثل رئاسة البرلمان التونسي، أحد ركائز النظام السياسي التونسي، ويرى الأكاديمي التونسي، صلاح الدين العامري، أنّ "حزب حركة النهضة في تونس يعرف مرحلة حرجة وغير مسبوقة في مسيرته، وبدت معالم هذه الأزمة في الصراعات العلنيّة المتصاعدة مع كلّ يوم جديد".

 وتوزّعت مظاهر الأزمة، بحسب تصريحات العامري لـ"حفريات"، بين الاستقالات المتكرّرة لوجوه معروفة، وبيانات تنديد بقيادة الحركة، ممثلة في رئيسها راشد الغنوشي وبعض معاونيه، و"صارت قيادات تقليدية وتاريخية تعبّر في العلن عن عدم رضاها على الكيفية التي تُساس بها الحركة، وعن رفضها عديد الاختيارات والتوجهات التي تم إقرارها منذ انتخابات 2014".

نظم الغنوشي اجتماع تجديد المكتب التنفيذي للنهضة بعد أن كان حلّه سابقاً خوفاً من منافسيه

ويضيف العامري: ومن قيادات الصفّ الأول المتمرّدة، لطفي زيتون، وعبد اللطيف المكي، وزياد العذاري، ومحمد بن سالم وغيرهم، وقد تطوّرت الخلافات لتصبح تشقّقاً عموديّاً قسم الجسم المتماسك إلى جماعتين، وعُرف الفريق المعارض لزعيم الحركة وأتباعه بفريق المائة، ويقوده عبداللطيف المكّي وزير الصحّة السابق، وتدعمه أغلبيّة من الجيل الثاني والثالث ترفض التوريث، وأصبح التيار المعارض يجهر برفضه لهيمنة صقور القيادة الحالية للحركة، ولشخص الشيخ الغنوشي، ولخياراته السياسية وللعديد من قراراته، وعلى رأسها تمسكه بالرئاسة، وتوظيف المحاباة والقرابة والولاء في إدارة الحزب، ويلحّ هذا الفريق على تنظيم المؤتمر الحادي عشر، وعلى رفض ما رأى فيه مناورات ترمي الى التلاعب بالنظام الاساسي للحركة وبمؤسساتها، حتى تستمرّ هيمنة الغنوشي وحلقته الضيّقة.

صلاح الدين العامري: قيادات تقليدية وتاريخية صارت تعبّر علناً عن عدم رضاها على الكيفية التي تُساس بها الحركة

وبحسب العامري، فقد تم تنظيم اجتماع دعا إليه رئيس حركة النهضة، لتجديد مكتبها التنفيذي، بعد أن كان حلّه سابقاً، بسبب الحذر من منافسيه، وتفيد الأصداء أنّ الجلسة كانت متشنجة، وامتدت مداولاتها إلى الساعة الرابعة صباحاً، من يوم الجمعة 01 كانون الثاني (يناير) 2021، وأنّها انتهت بتزكية مجلس شورى النهضة لقائمة توافقيّة بلغ عدد أعضائها 17 عضواً.

ويعتبر هذا المكتب أعلى هيئة للقرار في هياكل الحزب، وأفرزت نتائج التصويت عن صعود قيادات من التيار المعارض للغنوشي، مثل: عبداللطيف المكي، مقابل سقوط قيادات محسوبة على زعيم الحركة، وفشلها في الحصول على العدد الكافي من الأصوات، وأبرزهم فتحي العيادي، رئيس مجلس الشورى سابقاً، ورفيق عبد السلام، صهر الغنوشي، وقيادات من الصف الأول مثل: رضا السعيدي، وأنور معروف، ورضا إدريس، ومحمد القوماني، وغيرهم. ويفسّر العارفون بالشأن السياسي التونسي، دعوة الغنوشي المفاجئة، لتشكيل مكتب تنفيذي، بمحاولته تأمين جبهة داخلية من الموالين له داخل المكتب التنفيذي الجديد، وبالخوف من الواقع السياسي المتحرّك، بعد اعتقال حليفه الأول نبيل القروي، رئيس حزب قلب تونس.

صعود المعارضة يهدد بالانقسام

بدأت تراجعات النهضة مع انتخابات العام 2014، حيث فقدت خلالها ثلث ناخبيها، وتواصلت مع انتخابات العام 2019، وفقدت فيها ثلثاً آخر، وأجمع المراقبون المهتمّون بالشأن التونسي، على أنّ مشاكل النهضة انعكست سلباً على كل الأحزاب التي تحالفت معها منذ العام 2011، ومنها الترويكا، ونداء تونس، وتحيا تونس، وأخيراً قلب تونس، وربما كان المطلوب من النهضة اليوم، هو إعادة الثقة داخليّاً وخارجيّاً، إذا أرادت ضمان استمرار وجودها الفاعل والإيجابي، ومن أهم الخطوات في هذا الاتجاه مراجعة خطها السياسي، واعتماد مسار واقعي ووطني بامتياز، تكون فيه مصلحة المواطن والوطن فوق كل اعتبار، والقطع مع التيارات الفوضويّة والفاسدة، وفصل السياسي عن الدعوي عمليّاً وليس دعائيّاً، وعدا ذلك سيتواصل سقوطها.

في هذا الإطار ترى رئيسة تحرير جريدة الصباح التونسية، آسيا العتروس، أنّ "نتائج اجتماع مجلس شوري حركة النهضة، لم تصادف ما خطط له الغنوشي، الذي كان يمني النفس بتطويق الأزمة الداخلية، التي تعصف بالحركة التي تعيش صراعاً، سرعان ما تطور إلى حرب علنية بين أجنحتها، لم يعد بالإمكان إنكارها، أو إخفاؤها، مع تواتر الاستقالات في صفوف قيادات الحركة، سواء بين قيادات الصفوف الأولى العائدة من المهجر، أو تلك التي مرت من السريّة إلى السجون، إلى عالم السياسة على مدى العقد الماضي"، موضحة لـ"حفريات" أنّ "نتائج اجتماعات مجلس شوري الحركة في الساعات الفاصلة بين السنة الماضية 2020، والسنة الجديدة 2021، حملت أكثر من رسالة، وأكثر من إشارة إلى أكثر من طرف، بشأن ما يمكن أن ينتظر الحركة ورئيسها، الذي بات يواجه تحديات غير مسبوقة".

الغنوشي استشعر الخطر فحاول تطويق الأزمة وإنهاء هذا التمرد الذي يبدو أنّه بات أشبه بكرة الثلج المتدحرجة

وتضيف العتروس: لا يبدو أنّ استقدام محمد الغرياني، العدو المفترض للحركة، باعتباره الأمين العام السابق للتجمع، وهو حزب النظام السابق للرئيس، زين العابدين بن علي، سوف يسعف الغنوشي في هذه المرحلة، أو يجنبه الخيارات الصعبة التي تنتظره، ومنها أن يعلن انسحابه من رئاسة الحركة، وينحني للعاصفة المستمرة تحت قبة مجلس نواب الشعب، مع عودة الأصوات المطالبة بسحب الثقة منه، على خلفية الصراع المستمر، والاتهامات التي تلاحق الحركة، بالتورّط في حماية المحرضين، وتجاهل خطاب العنف والتطرف، داخل مجلس نواب الشعب.

تضخم كرة الثلج

وبالعودة إلي شورى النهضة، فجر اليوم الأول من العام الجديد، فمن الواضح أنّ الانقسام بات على أشده داخل الحركة، بعد مبادرة مجموعة المئة، التي أعلنت رفضها لما يحدث، وبالتالي التمرد على زعيمها المتحكم في المشهد منذ عقود، ويبدو أنّ الغنوشي استشعر الخطر، فحاول تطويق الأزمة، وإنهاء هذا التمرد، الذي يبدو أنّه بات أشبه بكرة الثلج المتدحرجة.

وتقول العتروس إنّه "من المهم التذكير، أنّ الأزمة داخل الحركة، سبقت التلميح بالحفاظ على موقع الغنوشي داخلها، ولكنها استفحلت بعد ذلك، فليس سراً أنّ غضب عديد القيادات، وبينها محمد بن سالم، وعبد اللطيف المكي وغيرهما، بدأت مع الانتخابات التشريعية السابقة، واستشعارها محاولات الاقصاء والأبعاد، من قيادة الحركة"، مضيفة لــ"حفريات"، "وبالعودة إلى الدورة الـ47 لمجلس شورى حركة النهضة، لتزكية أعضاء المجلس التنفيذي الجديد، فقد مثّل التصويت صفعة للمقربين من الغنوشي، وبينهم وزير النقل السابق أنور معروف، ورئيس مجلس الشورى السابق فتحي العيادي، وبالطبع رفيق عبد السلام، وصعود المناوئين والمعارضين للشيخ، ممن وقعوا بيان المائة، الذي استهان به الغنوشي، ما يعني أنّ المصاعب ستتفاقم أمامه، وقد يجعل بقاءه في رئاسة البرلمان، خلال السنوات المتبقية من هذه العهدة، مسألة معقدة".

اقرأ أيضاً: أحد رموز بن علي في حضن الغنوشي.. هل تنتفض "النهضة"؟

ولعل فيما كشفه العربي القاسمي، في تدوينة حملها أسباب استقالته وانسحابه من الحركة، التي انضم إليها منذ سبعينيات القرن الماضي، ما يوضح الصورة، حيث اتهم الحركة التي نشأ فيها بــ"الخضوع للوبيات فاسدة وانتهازية، سخّرت الحركة لغير خدمة الوطن"، وهو اعتراف خطير، قد يعمق النزيف الحاصل داخل الحركة، ويدفع نحو مزيد من الاستقالات، وقد خلص القاسمي في اعترافاته إلى "أنّ النهضة نحرت أكبادها، وأكلت أولادها".

مراقبون: مشاكل النهضة انعكست سلباً على كل الأحزاب التي تحالفت معها منذ العام 2011

ويؤكد المحامي التونسي، حازم القصوري، لـ"حفريات" أنّ "نتائج انتخابات المكتب التنفيذي لحركة النهضة، لم تكن في صالح رئيسها، راشد الغنوشي، بعد استبعاد الشخصيات التي حظيت بدعم خاص منه، وخاصة صهره رفيق عبد السلام، ما ينذر بنهاية حكمه، أو الوصول نحو سيناريو الانقسام، الذي سيضرب جوانب وأركان التنظيم".

أكثر من ذلك، في تقدير الباحث في الشأن التونسي، يبدو في "توالي الاستقالات داخل حركة النهضة، وأهمها استقالة العربي القاسمي، الذي استفاض في شرح أسبابه، في رسالة مطوّلة، تعكس الفوضى والفساد داخل حركة النهضة، ما يعكس حجم الاحتقان الداخلي داخل الحركة، وانعدام المناخ الديمقراطي السليم، فضلاً عن الفساد المالي، وشبهة التربح التي تطال عديد القيادات".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية