انفتاح إخوان المغرب على التصوف.. ما سرّ هذا الانقلاب؟

انفتاح إخوان المغرب على التصوف.. ما سرّ هذا الانقلاب؟

انفتاح إخوان المغرب على التصوف.. ما سرّ هذا الانقلاب؟


01/08/2023

لم تكن الحركات الإسلامية الإخوانية في المغرب تنخرط في الاشتغال على التصوف بالندوات والمقالات والمتابعات، وذلك بحكم تربيتها الإيديولوجية التي جعلتها تتعامل معه منذ عقود من منظور نقدي صرف.

ومَن يطالع صحف وإصدارات إخوان المغرب، وخاصة حركة "التوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتنمية"، يتأكد من غلبة التعامل النقدي مع التصوف بشكل عام، ومن ذلك صوفية المغرب، تماشياً مع تعامل إخوان المنطقة العربية بشكل عام، ومايزال المتتبع يتذكر كيف تعاملت هذه الجماعات مع مضامين تقرير معهد "راند" الأمريكي في العام 2007 على الخصوص ضمن تقارير أخرى؛ إذ وصفته الأقلام الإخوانية بأنه يدعو إلى "الإسلام الأمريكي" (اصطلاح صدر عن سيد قطب)؛ لأنه يدافع عن التصوف الإسلامي، ضد الجماعات الإسلامية، في الفترة نفسها التي كان فيه التقرير نفسه وتقارير أخرى، تروج فيه الإدارة الأمريكية وتمهد لتأييد صعود "المسلمين الديمقراطيين"، والمقصود بهم حينها الحركات الإخوانية، وهو ما تحقق عملياً بعد سنوات قليلة بعد ذلك.

عاينا انفتاح الباحثين والمراكز البحثية الإخوانية على إصدارات مفكرين كانوا إلى وقت قريب ينتمون إلى طرق صوفية

جرت عدة تطورات بين تلك الحقبة والسنوات الأخيرة، وخاصة ما جرى بعد منعطف حزيران (يونيو) 2013 الذي كان فاتحة إغلاق المشروع الإخواني في المنطقة، على الأقل الإغلاق السياسي والانتخابي، ومن نتائج ذلك، وفي إطار مواجهة هذه المتغيرات، انحراط إخوان المغرب في تنظيم مؤتمر وطني حول التصوف، ومن ذلك أنّ حركة "التوحيد والإصلاح" الإخوانية سوف تنظم ندوة وطنية في موضوع "التصوف في المغرب وسؤال الإصلاح" بمدينة فاس بتاريخ 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، حيث اشتغل المشاركون على ثلاثة محاور: "التصوف: المفهوم والوظائف"، "واقع التصوف المغربي: رهانات الإصلاح والتنمية"، "التصوف المغربي: أعلام ومشاريع"، مع مشاركة ستة عشر باحثاً، بعضهم من أتباع المشروع الإخواني، والبعض الآخر من الفاعلين والباحثين الذين ينهلون من مرجعية صوفية، ولا علاقة لهم بالمرجعية الإسلاموية. وحسب الورقة التعريفية المصاحبة للندوة، والتي نشرتها المنابر الإخوانية، فإنّ "الندوة تهدف إلى التعريف بأعلام التصوف في المغرب وإسهاماتهم في حركة الإصلاح الاجتماعي والسياسي والعلمي بالمغرب عبر التاريخ"، وكانت هذه سابقة إخوانية حينها.

إقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: تزوير وشبهات إرهاب وفضيحة مالية وغضب شعبي

عاينا كذلك انفتاح الباحثين والمراكز البحثية الإخوانية على إصدارات مفكرين كانوا إلى وقت قريب ينتمون إلى طرق صوفية، ومنهم المفكر المغربي طه عبد الرحمن، والذي اشتهر منذ ثلاثة عقود تقريباً، وخاصة عند صدور كتابه "العمل الديني وتجديد العقل" بتوجيه انتقادات مباشرة إلى ظاهرة "الصحوة الإسلامية (اصطلح عليها في الكتاب "اليقظة الدينية")، ولأنّه كان حينها منتمياً إلى إحدى الطرق الصوفية، فقد كانت تعليمات قيادة الحركة الإخوانية سالفة الذكر للأعضاء بعدم قراءة أعماله وأخذ مسافة منها، والأمر نفسه مع أخذ مسافة من أعمال مفكرين مشارقة، ولكن جرت تطورات لاحقاً، وخاصة التطورات التي كشفت عنها أحداث "الفوضى الخلاقة" [2011 ــ 2013]، جعلت الحركة الإخوانية نفسها، بمراكزها البحثية، وخاصة المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، تنفتح على المفكر نفسه وتروج لأعماله بشكل مغاير لمواقف الماضي.

         يتعذر فصل هذا التحول النسبي لإخوان المغرب من التصوف عن النزعة البراغماتية التي تميز المشروع الإخواني

فما الذي جرى لكي ينقلب إخوان المغرب فجأة على مواقف الماضي؟ وهل الأمر جاء بناءً على قناعة؟ وبالتالي يُحيل على مراجعات أم أنه يندرج في سياق التوسط بين الموقف النقدي السابق الذي نجده عند السلفيين أيضاً، وموقف آخر أكثر انفتاحاً على المرجعية الصوفية التي تختلف أساساً مع الإسلاموية، في المرجعية والعمل والأهداف.

لا يمكن فصل هذا التحول النسبي في مواقف إخوان المغرب من التصوف عن النزعة البراغماتية التي تميز المشروع الإخواني، وإمكانية تقلبه في المواقف من النقيض إلى النقيض حفاظاً على مصالحه ومصالح مشروعه، أما أن تكون هذه المواقف معبرة عن مراجعات حقيقية، فهذا معطى يصعب المصادقة عليه؛ لأنّ الحديث يتعلق بمرجعية إخوانية من أدبيات تعادي التصوف بشكل عام، واتضح هذا العداء بشكل مباشر بعد تباين مواقف صوفية المنطقة ومواقف الإسلاموية من أحداث "الفوضى الخلاقة".

إقرأ أيضاً: بعد النكسة.. بنكيران يدق آخر مسمار في نعش "إخوان المغرب"

ففي الحالة المغربية مثلاً، تميزت تلك الفوضى بدعوة العاهل المغربي إلى تعديل دستوري عبر بوابة استفتاء شعبي، بما تطلب خروج أغلب الفاعلين في المجالات السياسية والفكرية والاقتصادية والدينية وغيرها، للإعلان عن مواقفهم من التعديل الدستوري، بين تأييده أو الاعتراض عليه، وتميز موقف صوفية المغرب حينها بخروج إحدى أهم الطرق الصوفية في مسيرة شعبية تدعو إلى التصويت لصالح التعديل الدستوري، مساهمة في قطع الطريق على موقف بعض المعارضين، ومنهم جماعة "العدل والإحسان" الداعية إلى "إقامة الخلافة على منهاج النبوة".

الانفتاح النسبي لإخوان المغرب على التصوف ليس مؤسساً على مراجعات حقيقية لأنّ من شأنها نسف مشروعهم برمّته

وجرت المسيرة التاريخية للطريقة المعنية، وهي الطريقة القادرية البودشيشية، في مسيرة نظمت يوم 26 حزيران (يونيو) 2011، وقد تحدثت وكالة المغرب الرسمية للأنباء آنذاك عن مشاركة حوالي 300 ألف من أتباع الطريقة، فيما اعتبر مفاجأة من عدة جوانب: الأول خروج طريقة صوفية بموقف سياسي واضح ضد بعض المتربصين بالدولة الوطنية، والثاني المساهمة في قطع الطريق وأخذ مسافة نقدية من الإسلاميين الذي استفادوا حينها من نتائج الاستحقاقات الانتخابية، وخاصة الاستحقاقات التشريعية، قبل إزاحتهم رسمياً بعد مرور عقد من تلك الأحداث.

بالعودة إلى أسباب انفتاح إخوان المغرب على الخطاب الصوفي، فيمكن استحضار أسباب أخرى، لا تخرج عن تأثير الهواجس السياسية التي تميز المشروع الإخواني بشكل عام، وهي الهواجس التي تفسر انقلاب إخوان المغرب في تعاملهم مع أعمال طه عبد الرحمن، ليس بسبب ابتعاد هذا الأخير عن الطريقة الصوفية التي كان ينتمي إليها وحسب، حتى إنه لم يعد يذكر التصوف قط في أعماله منذ العام 2012، أي سنة بعد اندلاع أحداث "الفوضى والخلاقة"، ولكن لسبب آخر أكثر وجاهة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتلك الهواجس السياسية ويؤكد براغماتية المشروع الإخواني الذي لديه قابلية توظيف كل ما هو صالح للتوظيف من أجل خدمة مشروع الإيديولوجي.

إقرأ أيضاً: تقرير الحالة الدينية في المغرب: تباين أداء الإسلاموية والطرق الصوفية والمؤسسات الدينية

والمقصود هنا أنّ طه عبد الرحمن الذي كان ينتقد الإسلاميين في أعماله السابقة، منذ العام 1989 تاريخ صدور كتابه "العمل الديني وتجديد العقل"، حتى العام 2012 تاريخ صدور كتابه "روح الدين" الذي تضمن فصلاً نقدياً ضد الإسلاموية، لم يُصدر كتاباً ينتقد فيه الإسلام السياسي والإسلاميين المعنيين بالمشاركة السياسية منذ عقد تقريباً، ومقابل ذلك، سوف يؤلف كتاباً في نهاية 2018 عنوانه "ثغور المرابطة" (2018)، يكشف فيه لأول مرة عن مواقف سياسية مباشرة ضد أنظمة عربية، بخلاف مواقفه السابقة، التي كانت نظرية ولم يكن يسمي فيها نظاماً ما أو دولة أو مؤسسة، وإنما يتحدث في أمور فكرية مجردة، وقد وصل الأمر في هذا الكتاب إلى أنه دافع بشكل علني وصريح عن المحور التركي ـ القطري، وبالنتيجة، كانت مواقفه السياسية الواردة في ذلك الكتاب، تتقاطع بشكل كبير مع مواقف إخوان المغرب وإخوان المنطقة. ومن نتائج صدور الكتاب أنه بعد سنتين بعد صدوره، سوف تمنح تركيا مؤلفه جائزة نجيب فاضل للثقافة، نسخة 2020، خاصة أنّ تركيا كانت الدولة الإسلامية الوحيدة التي حظيت بإشادة المؤلف في الكتاب.

كانت هذه المواقف النقدية فرصة لكي تشرع الأقلام البحثية الإخوانية في الدعاية لهذا الكتاب، سواء تعلق الأمر بالأقلام البحثية التابعة لحركة "التوحيد والإصلاح" أو الأقلام البحثية التابعة لجماعة "العدل والإحسان"، بالرغم من أنّ أغلب الأقلام نفسها التي تحدثت عن هذا الكتاب لم يسبق لها أن تحدثت عن أعمال المؤلف نفسه، وليس صدفة أن ينشر أحد الباحثين من المَجَرّة الإخوانية عرضاً مطولاً في حلقتين، صدر في موقع لندني تابع لمحور قطر ــ تركيا، بعنوان "ثغور المرابطة: أحوال الأمة من زاوية نظر فيلسوف"، وقد سبق للباحث نفسه أن وصف مؤلف الكتاب في سلسلة مقالات بأنه من "المفكرين الإسلاميين"، بينما لم يكن يصفه كذلك قبل العام 2012 عندما كان يصدر الكتب التي تنتقد الإسلاموية، وهذا غيض من فيض التعامل الانتهازي الذي يُميز الأقلام الإخوانية في المجال الفكري.

وفي هذا السياق إذن، يجب استحضار أسباب الانفتاح النسبي لإخوان المغرب على التصوف؛ أي إنه ليس مؤسساً على مراجعات حقيقية؛ لأنّه من شأن أي مراجعات إسلاموية حقيقية أن تنسف المشروع برمّته، بقدر ما يتعلق بتعامل انتقائي، لأغراض إيديولوجية وسياسية، تخدم المشروع الإخواني أولاً وأخيراً.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية