ايران وتحدي نطنز

ايران وتحدي نطنز


05/07/2020

حسن فحص

يبدو ان التفجير الذي وقع في منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم التي تعتبر الاهم في اطار البرنامج النووي الايراني، لن يكون حدثاً عرضياً اذا ما ثبت انه نتيجة لعمل مدبر بفعل فاعل، وهو كما يظهر من سياق التصريحات التي صدرت عن الجهات الايرانية المعنية ومن التكتم الذي فرضه الموقف المعلن لمجلس الامن القومي الذي تحفظ على حيثيات التحقيق الذي اجراه نظرا لبعض التفاصيل الامنية التي لا يمكن الكشف عنها. 

واذا ما كان التفجير بفعل عناصر استطاعت اختراق المنظومة الامنية المفروضة على هذه المنشأة وعلى مثيلاتها، او بفعل عمل عدائي من قبل الولايات المتحدة الامريكية او اسرائيل، فان الحادث يفرض على القيادة الايرانية نمطا جديدا من الرد يختلف عن الردود السابقة التي كانت تصدر عنها جراء اعتداءات استهدفت مواقع وشخصيات ذات ثقل في المنظومة الايرانية الامنية والعسكرية والنووية، ان كان في عملية اغتيال العلماء النوويين او الهجمات السايبرية على منشآت اخرى (فردو) او اغتيال قائد قوة القدس في حرس الثورة الجنرال قاسم سليماني. لا بل يفرض عليها نمطا جديدا من التعامل  يتمايز عن سياسة ضبط النفس او السكوت عن الاعتداءات التي تتعرض لها مواقع قواتها على الاراضي السورية والعراقية من الطيران الاسرائيلي والامريكي، على الرغم من ان الفاعل مازال واضح المعالم لا يتردد في الاعلان عن نفسه وعن مسؤوليته عن هذه العمليات. 

الجدل الايراني الداخلي الذي بدأت اصواته بالارتفاع، يعتقد بان هذه العملية حتى وان كانت بفعل مجموعات داخلية، الا انها توصل الى متهم رئيس لا يتردد في اعلان مواقفه الرافضة لاي نشاط نووي ايراني، وهذا الطرف ليس سوى  واشنطن وتل ابيب بالتكافل والتضامن. تجاسر هذين الطرفين على رعاية مثل هذا الاعتداء هو نتيجة طبيعية لتهاون الايراني في الرد الحاسم على الاعتداءات السابقة التي تعرضت لها القوات الايرانية في سوريا والعراق، اذ كان من المفترض بطهران ان تقابل هذه الاعتداءات برد حاسم ورادع يقطع الطريق على وضع طهران في موقف حرج ومحرج. وعليه فان الرد  المطلوب على هذا الاعتداء الجديد يجب ان يكون بمستوى وحجم وخطورة هذا الاعتداء بحيث يكون حاسما، اما في حال السكوت، وهو المرحج من سياق تعامل مجلس الامن القومي مع الحدث، فانه سيشكل مؤشراً على ضعف الموقف الايراني ويرفع من مستوى القلق الداخلي حول ما يدعيه النظام من قدرته في الرد  على الاعتداءات الخارجية، خاصة وان التفجير الاخير يعيد فتح الأعين على تفجير حدث قبل ايام في منشأة بارتشين شرق طهران وقيل حينها انه نتيجة تسرب في الغاز ادى الى تفجر مجموعة من الخزانات في الموقع، وامكانية ان يكون هذا الحادث ايضا نتيجة عمل تخريبي قد "يفضح" مدى انكشاف المنظومة الامنية المولجة حماية هذه المواقع وعجزها عن توفير الحماية لها امام الاختراقات المعادية.  

قبل اسبوع تحدث المرشد للنظام الايراني علي خامنئي عن السنن الالهية التي تؤكد ان الولايات المتحدة الامريكية وسلطتها تسير نحو الافول. وحسب الجدل داخل النخب الايرانية ايضا، فإن هذه السنن بدأت تظهر على ملامح الازمات المتعلقة بالملف النووي، اذ تستعيد هذه النخب المرحلة التي سبقت تبني طهران خيار الذهاب الى المفاوضات مع المجتمع الدولي عبر مجموعة دول 5+1، خصوصا لجهة الحملة الاعلامية التي تقودها تل ابيب على هذا البرنامج حاليا والتي تعيد الى الذاكرة الحملة التي سبق ان شنتها بقيادة بنيامين نتنياهو في كل المحافل الدولية، وكأن التاريخ يعيد نفسه، خصوصا بعد القرار الاخير الذي اصدره مجلس حكام الوكالة الدولية والذي اتهم طهران بانها تعرقل عملية وصول المفتشين الى اكثر من موقع يشتبه بانه استخدم لبعض الانشطة النووية. بالاضافة الى عودة تل ابيب الى اعتماد سياسة الكشف عن وثائق سرية تتعلق بانشطة نووية غير معلنة لايران بعيدا عن أعين المجتمع الدولي ومؤسساته المعنية. 

وقد يكون من غير الصعب الربط بين التطورات الدولية المتعلقة بالاتفاق النووي الايراني وما شهدته ايران من اعتداءات على بعض المواقع النووية (بارتشين ونطنز)، فهذا التطور يأتي بعد سقوط المساعي الامريكية لتمرير قرار في مجلس الامن يفرض تمديدا على حظر بيع الاسلحة لايران بعد تاريخ 18 تشرين الاول اكتوبر المقبل 2020 حسب ما نص عليه الاتفاق النووي واكد قرار مجلس الامن رقم 2231، اذ جاءت نتيجة التصويب بواقع 14 صوتا معارضا وتاكيد الاعضاء الدائمين غير الدائمين على ضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي.

مسارعة الصحافي الاسرائيلي ادي كوهين ومعه هيئة الاذاعة البريطانية BBC  القسم الفارسي للاعلان عن حادث التفجير وتأكيد الاذاعة انها تلقت الخبر قبل ساعتين من حدوثه، والاعلان عن مجموعة تطلق على نفسها اسم "نمور الوطن" تبني هذا التفجير، قد يسهل من ناحية على النظام الايراني توجيه اصابع الاتهام لاسرائيل وامريكا التي تدعم جماعات تخريبية معادية، الا انه يعقد الامور عليه من ناحية اخرى، لانه في ظل تحديد المعتدي، فانه سيكون امام تحدي الرد الذي من المفترض ان يكون رادعا وبحجم خطورة الاعتداء، من اجل الحفاظ على الصورة الردعية للنظام التي حاول تكريسها من خلال اسقاط الطائرة الامريكية المسيرة MQ-4 غلوبال هوك قبل سنة فوق مضيق هرمز، وعبر استهداف قاعدتي الحرير في اربيل وعين الاسد في الانبار العراقيتين ردا على اغتيال الجنرال قاسم سليماني. 

فهل طهران على استعداد للدخول في مغامرة عسكرية نتيجة الذهاب الى خيار الرد المباشر، ام انها ستفضل الذهاب الى خيار التمويه كما يوحي تعاطي المجلس الاعلى للامن القومي الذي لجأ الى تأجيل الكشف عن المعلومات وصنفها بالسرية، ومحاولة توظيف هذا الحادث في اطار تعزيز اوراق ايران على طاولة التفاوض اذا ما كانت الاجواء تسمح بذلك خصوصا اذا ما استخدمت ورقة الرد على الوجود الامريكي عشية الانتخابات الرئاسية التي تفرض مشهدا معقدا امام الرئيس دونالد ترمب وامكانية عودته الى البيت الابيض. 

عن "المدن" اللبنانية 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية