باسم التعويضات نهبت "النهضة" مليارات من مال التوانسة

باسم التعويضات نهبت "النهضة" مليارات من مال التوانسة


07/08/2021

بينما كان الشعب التونسيّ يعاني تردّي الأوضاع الصحية والاقتصادية، التي زادتها جائحة كورونا وطأةً، نظّمت مجموعة من الإخوان، بقيادة الرجل الثاني في حركة النهضة، عبد الكريم الهاروني، وقفة احتجاجية أمام مقرّ الحكومة، للمطالبة بصرف الدفعات المتبقية من التعويضات المقررة للمتضررين من نظام الحكم، منذ الاستقلال وحتى عام 2011، ولم يشارك في الوقفة سوى الإسلاميين.

وتثير قضية التعويضات حفيظة الشعب التونسي؛ فمنذ عام 2011، عقب إطاحة نظام بن علي، خضعت القضية إلى منطق المنفعة والغنيمة، وتحوّلت من التصالح مع الماضي والانتقال بالبلاد إلى مرحلة وفاق اجتماعي وحكم ديمقراطي، إلى استبدال فساد الماضي بفساد الواصلين حديثاً إلى السلطة من الإخوان المسلمين في حركة النهضة.

قضية التعويضات

لم تكن دعوة رئيس مجلس الشورى في حركة النهضة، عبد الكريم الهاروني، لرئيس الحكومة السابق، هشام المشيشي، بتفعيل صندوق الكرامة لتعويض ضحايا الاستبداد قبيل من ذكرى عيد الاستقلال، في 25 تموز (يوليو) الماضي، مجرّد حلقة أخرى في مسلسل استنزاف المالية التونسية فقط، بل كشفت الإخفاق السياسي الكبير للرجل الثاني في الحركة في قراءة الموقف السياسي المأزوم، وتصاعد الغضب الشعبي جراء عجز الحكومة عن مواجهة تداعيات جائحة كورونا، ما جعل الدعوة بمثابة صبّ النار على زيت الغضب الشعبي نحو النهضة، قبل أن تأتي قرارات الرئيس قيس سعيّد، في ذكرى الاستقلال، لتخلّص البلاد من هيمنة الحركة.

البرلماني التونسي سالم لبيض

ورأى البرلماني التونسي، سالم لبيض، في مقال نشره على موقع "العربي الجديد"، قبل صدور قرارات الرئيس بأربعة أيام فقط؛ أنّ؛ "خطبة الهاروني، التي تضمّنت دعوة إلى تفعيل صندوق الكرامة لتعويض ضحايا نظامَي بورقيبة وبن علي، في ظلّ الظروف القاسية في البلاد، أنتجت حركة احتجاجية – افتراضية حادّة وعامة شملت مختلف الشرائح الاجتماعية والنخبوية، ضدّ حركة النهضة الإسلامية، بلغت حدّ الدعوة إلى اعتماد ذلك التاريخ موعداً للنزول إلى الشوارع، وإسقاط الحزب الإسلامي من الحكم، وتغيير النظام السياسي برمّته".

في 2013، كتب القيادي السابق في النهضة، أبو يعرب المرزوقي، أنّ حكم"النهضة" أصبح عملية غزو، يردّ فساداً سابقاً بفساد من جنسه، فتحوّل الحكم إلى توزيع مغانم

وما لم يدركه الرجل الثاني في حركة النهضة تنبأ به البرلماني لبيض؛ إذ خرجت جموع التونسيين الغاضبة، في 24 من الشهر الماضي، في احتجاجات واسعة بعدد من مدن البلاد ضدّ حركة النهضة، واقتحمت عدّة مقرات لها، ما دفع الرئيس قيس سعيّد للاستجابة للإرادة الشعبية وفق ما خوّله الدستور، واتّخذ إجراءاته، التي تضمّنت؛ تجميد عمل البرلمان لمدة شهر، ورفع الحصانة عن أعضائه، وتولي السلطة التنفيذية، وإقالة هشام المشيشي من رئاسة الحكومة، وغيرها من الإجراءات.

تمكين الإخوان

وأثارت قضية التعويضات سخطاً كبيراً في الشارع التونسي، الذي رأى فيها حجة من الإخوان للاستيلاء على أموال الشعب، وتمكين أنفسهم من الوظائف العمومية، بحجة التعويض عن الضرر الذي لحق بهم، رغم أنّه لم يقتصر على الإسلاميين؛ بل شمل جميع القوى السياسية، وطال الشعب نفسه عبر عقود من الإخفاق والفساد، كانت السبب في قيام ثورة 2011 في المقام الأول.

السياسي والبرلماني السابق منجي الحرباوي

وبرزت قضية التعويضات عقب سقوط نظام بن علي؛ حيث اتخذ الإخوان من قضية العفو التشريعي العام والعدالة الانتقالية مدخلاً للإثراء على حساب طموحات الثوّار في تونس وآمالهم، ولخّص البرلماني سالم لبيض، في مقاله، جهود النهضة في ذلك؛ سابق الإسلاميون في تونس الزمن، منذ 2011، من خلال أغلبيتهم القارّة في المجالس التشريعية وتوليهم الحكومات أو المشاركة فيها أو إسنادها، بسنّ قوانين العدالة الانتقالية ومختلف نصوصها الترتيبية، ويستثنى من ذلك المرسوم عدد 1 لعام 2011، المتعلّق بالعفو العام الذي وقّعه الوزير الأول الأسبق محمد الغنوشي.

اقرأ أيضاً: الإخوان والعنف... هل يتكرر سيناريو مصر في تونس؟

وذكر لبيض؛ أنّ من أهم تلك التشريعات؛ القانون عدد 4 لعام 2012، المتعلّق بأحكام استثنائية للانتداب في القطاع العمومي، والأمر عدد 833 لعام 2012 في كيفية تطبيق أحكام ذلك القانون، والأمر عدد 3256 لعام 2012 المتعلق بضبط إجراءات العودة إلى العمل وتسوية الوضعية الإدارية للأعوان العموميين المنتفعين بالعفو العام.

وأكّد أنّ؛ "تلك النصوص مكّنت كلّ الإسلاميين، النهضاويين والسلفيين، بمن في ذلك من شارك في عملية سليمان الإرهابية، عام 2007، من التمتع بالعفو العام ومبدأَي العودة إلى العمل أو الانتداب المباشر في الوظيفة العمومية".

وقال البرلماني السابق عن "نداء تونس"، منجي الحرباوي؛ إنّ أعوام حكم الترويكا في تونس (2011 - 2014)، التي هيمنت فيها حركة النهضة على السلطات الثلاث في البلاد، شهدت العديد من الكوارث الإدارية والقانونية؛ عبر مخالفات جسيمة ارتكبتها النهضة، مكّنت بها أنصارها من الحصول على تعويضات مالية كبيرة، وتعيينات واسعة في الوظائف العمومية، دون استناد إلى قوانين أو اتباع إجراءات إدارية.

البرلماني السابق منجي الحرباوي، لـ "حفريات": شهدت أعوام حكم الترويكا التي هيمنت فيها حركة النهضة على البلاد العديد من الكوارث الإدارية والقانونية والمالية.

وتابع الحرباوي، في حديثه لـ "حفريات"؛ استغلت الحركة قانون العفو التشريعي العام في منح منتسبيها تعويضات مالية كبيرة، وأحدثت صندوقاً وحساباً خاصاً في الخزينة العامة بالمخالفة للإجراءات القانونية، باسم "حساب جبر الضرر لضحايا الاستبداد المتمتعين بالعفو العام"، دون نشر رسمي لهذا الإجراء، ما يعني أنّه لم يكتسب القوة التنفيذية القانونية.

وبحسب حديث الحرباوي؛ فقد عيّنت حركة النهضة، استناداً إلى قانون شرّعته برقم (4) لعام 2014، نصّ على "انتداب فرد من كل عائلة تعرضت للاستبداد ومشمولة بالعفو التشريعي العام، للعمل في الوظيفة العمومية" عيّنت شبابها في وظائف عمومية في مخالفة للقانون، ومكّنت أُسَر الإخوان في المؤسسات العامة، عبر تعيين فردين أو ثلاثة أو أكثر، إلى حدّ 11 فرداً من عائلة واحدة موالية لهم، بدلاً من توزيع هذه الوظائف على الأسر الفقيرة للمساهمة في تحسين أوضاعهم.

منطق الغنيمة

وعام 2013، كتب المفكّر التونسي والقيادي السابق في حركة النهضة، أبو يعرب المرزوقي، عن حكم حركة النهضة؛ أنّ حكمها أصبح عملية غزو، يردّ فساداً سابقاً بفساد من جنسه، فتحوّل الحكم إلى توزيع مغانم في الحكومة وأجهزتها والإدارات وتوابعها.

اقرأ أيضاً: الأمين العام للتيار الشعبي لـ "حفريات: التونسيون سيقتلعون الإخوان وعصاباتهم

وأشار رئيس الهيئة العامة للمقاومين وشهداء وجرحى الثورة والعمليّات الإرهابية، ورئيس لجنة التصرّف في صندوق الكرامة وردّ الاعتبار لضحايا الاستبداد، عبد الرزاق الكيلاني، في حوار سابق له على إذاعة "شمس إف إم"، إلى أنّه يجب تأمين 3 مليارات دينار (830 مليار دولار تقريباً) لجبر الضرر للضحايا، في حين بلغت موازنة البلاد لعام 2020 مبلغ 47.227 مليار دينار، أي ما يوازي 1.4% من موازنة الدولة، بينما بلغ دعم الوقود الذي يؤثر في حياة 11.69 مليون تونسي مبلغ 1.88 مليار دينار.

ولهذا أثارت مطالب النهضة بتفعيل صندوق الكرامة غضباً شعبياً واسعاً، الذي رأى في ذلك نهباً للمال العام بينما بلغت نسبة الفقر في البلاد 15.2% وفق تقديرات المعهد الوطني للإحصاء.

الصحفية بثينة عبد العزيز

وترى الصحفية، بثينة عبد العزيز، أنّ كلمة تعويضات أثارت حساسية واسعة في الشارع التونسي؛ كونها مستندة إلى أسس أيديولوجية ومنفعة سياسية، وليست مبنية على قانون منظم يعالج القضية بشكل عادل، وهي الآفة التي طبعت المشهد السياسي التونسي منذ عام 2011.

وأردفت لـ "حفريات"؛ صُرفت تعويضات، عام 2011، تفوق مليارات الدنانير، ووضع ذلك أساس مشروع للمطالبين هذا العام بمليارات أخرى باسم التعويض، رغم أنّ الظروف الاقتصادية باتت أصعب بكثير ممّا كانت عليه عام 2011.

اقرأ أيضاً: حركة النهضة الإخوانية تغير موقفها من قرارات الرئيس التونسي.. ما الجديد؟

ولفتت الصحفية التونسية إلى تناقض المطالبين بالتعويضات باسم الظلم، خصوصاً من حركة النهضة؛ ففي الوقت الذي تحمّسوا فيه للتعويضات، وعقدوا مؤتمرات وشرعوا قوانين لصالحهم، لم يذكر أحدهم أنّ مفجّر الثورة، البوعزيزي، حرق نفسه من أجل الأزمة المعيشية والاقتصادية، التي طالت معظم الشعب، وبدلاً من معالجة هذه الأزمات بادروا إلى تحصيل الثروات والمناصب باسم كرامة المناضلين.

ولم يكن ملف التعويضات سوى أحد أوجه الفساد التي مارستها حركة النهضة لتمكين أنصارها من الدولة التونسية، والعجيب في الأمر أنّ الحركة، التي استندت إلى عقود الاستبداد السابقة لتحصيل المكاسب، كانت هي من بادرت إلى إعادة إحياء رموز الحكم السابق، والتحالف معهم للهيمنة على البلاد.

وترجم الشعب التونسي غضبه من فساد الحركة وسعيها للتمكين بتأييده لقرارات الرئيس قيس سعيّد، التي صدرت في 25 من الشهر الماضي، وبلغت نسبة التأييد بين التونسيين 87%، وفق استطلاع أجرته شركة "إمرود" للاستطلاعات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية