بالفيديو.. سلفي يروي خيبات الجهاد مع "النصرة"

الإرهاب

بالفيديو.. سلفي يروي خيبات الجهاد مع "النصرة"


14/01/2018

شهدت خريطة الحركات السلفية الجهادية تطوراً لافتاً، أعقب ثورات "الربيع العربي" تمخّض عنه صعود الإسلام السياسي للحكم في مصر وتونس؛ ومن ثم، تنامي نشاط المجموعات المسلحة إقليمياً، وتعد حركة "حازمون" العمود الفقري التي انتصبت عليها عملية تجنيد وسفر العديد من الشباب المصري الذين يُقدَّر عددهم بالمئات إلى سورية وليبيا، للالتحاق بالتنظيمات المسلحة والجهادية.

إغراءات "الربيع الجهادي"

تأسست الكثير من الجماعات الإسلامية المسلحة بمصر في ظل حكم ورعاية جماعة الإخوان، خاصة مع إعلان الرئيس الإخواني محمد مرسي الجهاد في سورية العام 2013 أثناء الاحتفال بذكرى أكتوبر التي حضرها طارق الزمر، أحد العقول المدبرة والمشاركة في اغتيال الرئيس السادات، فضلاً عن قيادات من الجماعة الإسلامية، التي قامت بحوادث اغتيال وتفجيرات في القاهرة خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وساهمت في خلق موجات عنف شديدة، فضلاً عن دور عدد من مشايخ التيار السلفي، كالشيخ محمد عبد المقصود، الذي دعا للجهاد بعبارات صريحة وحرض ضد كل من سوف يخرج على محمد مرسي ووصفهم بـ "الخوارج"، وهو يدخل ضمن الشحن الديني الذي حشده الإعلام التابع لجماعة الإخوان والتيار الإسلامي وقتها بوجه عام، في عدة قضايا سياسية ومجتمعية ودينية.

هذا المتغير الجديد الذي جرى توظيفه إلى "ربيع جهادي"، تستفيد منه التنظيمات المسلحة، هو ما أغرى (أحمد) بالتغيير، وهو الذي بدأ حياته سلفياً، يتناوب على الدروس الدينية وخطب الجمعة للشيخ السلفي محمد عبد المقصود، في مساجد القاهرة التي كان يحضر إليها، مثل؛ مسجد أنصار الإسلام، في حي شبرا، وهو من أوائل المساجد التي ارتبطت بالشيخ عبد المقصود، منذ تسعينيات القرن الماضي، ومسجد عماد راغب بمدينة 6 أكتوبر.

الشيخ محمد عبد المقصود، دعا للجهاد بعبارات صريحة وحرض ضد كل من سوف يخرج على محمد مرسي ووصفهم بـ "الخوارج"

عندما جاءت ثورة يناير بأحداثها وتطوراتها حصل تصدع في فكر  (أحمد) نتيجة "تخاذل" التيار السلفي، بحسب رأيه، عن دعم وتأييد الحراك السياسي العام 2011، أو الخروج لقيادة الأحداث وتعبئة وحشد الجماهير بغية تطبيق الشريعة فوراً من دون تردد وتلكؤ، فيما اعتبر ذلك الأمر "مخالفة شرعية" وتبعية لما وصفه بـ"الطاغوت" ومؤسساته، وزاد عليه رفضه الارتماء السلفي والتهافت على القبول بـ"الحكم الوضعي"، للقبول بشروط العملية السياسية الديمقراطية؛ مثل: الانتخابات والبرلمان وتقديم ولاية المرأة والمسيحي في أمور التشريع، فضلاً عن تعطيل أحكام الشريعة.

الهجرة إلى "دار الجهاد"

كان (أحمد) أحد الذين لمعت في أذهانهم، في خضم تحولات "الربيع العربي"، فكرة الجهاد وإقامة شرع الله واستعادة الحكم الاسلامي وإمكانية تحقيق الحلم القديم بالخلافة الإسلامية، وبالتالي، لم يتردد قبل خمس سنوات في السفر أو "الهجرة" إلى دار الجهاد في الشام، كما يصف تجربته في حديثه لـ"حفريات"، وتخليص الأمة المسلمة من "الحكم النصيري الكافر"، حيث انضم لـ"جبهة النصرة".

شاب مصري من عائلة ثرية تخرّج من جامعة نيويورك، ودرس التسويق، ثم أصبح مديراً في أحد مصانع والده الكبيرة بمنطقة صناعية شهيرة في القاهرة، يتقن عدة لغات أجنبية كالفرنسية والإنجليزية، يمارس رياضة الكرة الطائرة، ويجيد استخدام البنادق في الصيد، كأحد هواياته المتعددة التي يمارسها بانتظام في أحد نوادي القاهرة المعروفة.

في إحدى ضواحي القاهرة الجديدة وداخل منزل تتعدد طوابقه وتحيطه مساحات خضراء مزروعة، يتوسطها حمام سباحة صغير، شرع في الحديث مباشرة عن ملابسات سفره، وأسباب عودته ومآلات تجربته.

ابحث دائماً عن "الإخوان"!

"ذهبت بغية الشهادة ونصرة الشعب السوري وتحرير المساجد، التي أغلقها الأسد، حتى نتمكن بعد ذلك من دعوة المواطنين للحكم في ظل الخلافة الإسلامية التي نشرع في تحقيقها"، هكذا يروي أحمد (32 عاماً)، الأسباب المباشرة والهدف وراء سفره إلى سورية، حيث كانت مصر قد وقعت حينها في قبضة حكم جماعة الإخوان المسلمين، بينما أخذت تتصدع الجبهة الداخلية السورية تحت وطأة الحرب الأهلية والمعارك المستمرة بين قوات النظام والعناصر المسلحة في "الثورة"، فعززت تصميمه، كما يقول، روايات أصدقاء له داخل سورية عما يفعله بهم نظام الأسد، فضلاً عن صور القتلى من الأطفال والنساء والنازحين.

تعود خلفية أحمد الإسلامية، كما يقول، إلى حلقات الدروس لبعض مشايخ التيار السلفي بمساجد القاهرة، ثم انضمامه في مرحلة لاحقة، إلى إحدى أسر جماعة الإخوان المسلمين، لوقت لم يطل؛ حيث فصله مسؤول الأسرة بعد القبض عليه، في مظاهرة للجماعة دون إبلاغه، فخالف بذلك الشروط التنظيمية التي لا تسمح له بالمشاركة في نشاط دون مراجعة التنظيم.

"المهم جماعة إسلامية"

وعن طريق شخص (لم يذكر اسمه) ينتمي إلى مجموعة "حازمون"، المرتبطة بالشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل داخل مصر، أفصح عن نيته الالتحاق بإحدى الجبهات الإسلامية في سورية دون أن يحدد له فصيلاً بعينه، "المهم جماعة إسلامية" كما يقول، فلم يكن يعرف "جبهة النصرة" أو غيرها، وفي اللحظة التي وجد فيها نفسه بريف إدلب داخل مخفر القوات المسلحة، التابع للجبهة تعرف على التنظيم وأفكاره واستمع إلى الخطب الحماسية والدروس الدينية وكيفية الإعداد للمعارك، والطاعة الواجبة للأمير بدون تردد أو تخاذل ورفض، فضلاً عن ضرورة الجهاد؛ ومنذ تلك اللحظة عرف أنه لن يعود إلى وطنه الأصلي، لكن سيكمل الجهاد متى وأينما قرروا له.

قبل حصوله على تأشيرة سياحية للذهاب إلى تركيا، وهي الطريقة التي يتم تدبيرها للسفر كحيلة للتعمية عن هدف الرحلة وعدم انكشاف غرضها أو تسلل الشك من عناصر الأمن تجاهه، كان مايزال ينتظر جواز مروره إلى الانضمام للجبهة، وقبولهم له ضمن زمرة المجاهدين، حتى حصل على ما يعرف لدى التنظيمات الجهادية بـ"الإجازة الشرعية"، التي حظي بها عن طريق أحد رجال التنظيم الموثوق به لديهم لتبدأ رحلته؛ حيث كان ينتظره أحد المهربين للعبور به إلى ريف إدلب مباشرة عن طريق مدينة أنطاكية، إحدى المدن التركية التي تتقاطع مع الحدود السورية.

بعد ليلتين قضاهما في أحد فنادق تركيا، تسلمه المهرب المكلف بمرافقته الذي كان يعرف بوصوله عن طريق الوسيط بالقاهرة وبالترتيب مع التنظيم في سورية، فأعطاه ملابس عسكرية (زيه التنظيمي)، واقتاده في سيارته للعبور به من بين الحقول الحدودية، بالاتفاق مع حرس الحدود ليجد نفسه في ريف إدلب، حيث تفقدا المناطق المحررة وشاهدا مواقع العمليات والاشتباكات مع الجيش السوري، حتى وصلا إلى المخفر الذي تقيم فيه عناصر الجبهة.

أول شيء تنامى إلى علمه من تعليمات أنه سوف يبقى بإدلب فترة للتدريب على السلاح؛ حيث كان يقطع مسافة 2 كيلو من معسكر التدريب إلى المخفر، الذي يقيمون فيه كل يوم، حيث يتمكن من المشاركة في عمليات بسيطة، يذهب بعدها إلى مواقع قتالية أشد صعوبة، مثل حلب، فاشترى بنفسه كلاشينكوف بـ1500 دولار وتدرب عليه من خلال عناصر مسؤولة عن توفيره داخل التنظيم.

صدمة "أبو عبادة"

قرر أبو عبادة، الكنية التي اشتقها أحمد لنفسه بين عناصر تنظيم جبهة النصرة، التوقف عن التدخين قبل أسابيع من سفره، ثم ما لبث أن عاد إلى سيرته الأولى منذ عودته، يقول: "اصطدمت بأفكار وممارسات تخالف عقائدي، منذ وصلت سورية، وتصادف أنها كانت قبل يومين من انتهاء شهر رمضان أو أكثر قليلاً، فوجدتهم مفطرين بحجة أنهم في جهاد ومشقة، ثم جاء وقت البيعة لأمير المهاجرين الذي ننتسب له باعتبارنا أجانب من خارج سورية، ويفرض على المبايعين الولاء والطاعة المطلقة لكل أوامر الأمير واستكمال الجهاد والقتال في مناطق أخرى قد تكون من بينها بلدك".

ويتابع قائلاً: "اصطدمت مرة أخرى بأحكام تكفيرية أوجبت قتل العلويين والشيعة والدروز بنسائهم وأطفالهم وكل الرافضين للحكم الإسلامي، بالإضافة إلى عمليات تفجير كل مراكز الاقتراع ومقار مجالس النواب التي يصفونها بمجالس الطواغيت، حتى أنهم كانوا يعتبرون حكم الإخوان في مصر وقتها من الطاغوت".

رفض (أحمد) بيعة أمير المهاجرين، فيما كانوا يحاولون إثناءه عن ذلك عدة مرات، مرددين عليه حديث الرسول: "من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية"، فجاء شرطهم الأخير، أنه لن يحق له أو لغيره العودة لبلده إلا بأمر الأمير الذي قد يطلب منه البقاء أو الجهاد في بلد آخر، ما جعله عازماً أكثر على العودة.

اشترك في عمليتين يقول إنه لم يطلق النار في واحدة منهما؛ الأولى كانت لتأمين أحد الجنود المنشقين عن الجيش السوري، والثانية، كانت لقتل "شيخ الشبيحة" الذين يعملون لحساب النظام السوري، بقرية اسمها "حارم" التابعة لمحافظة إدلب، وهي منطقة جبلية تأجل اقتحامها عدة مرات، بسبب كثرة السلاح ونفوذ الشبيحة فيها، وخشية سكانها من التعاون مع عناصر المعارضة.

يشير إلى مفارقة وضعتها فيه العملية الثانية لتدبير اغتيال شيخ الشبيحة، وذلك أثناء ذهاب الرجل لخطابة وإمامة المصلين يوم الجمعة! حيث إنه الميعاد الوحيد المضمون فيه ظهوره وخروجه من منزله الآمن لاستهدافه.

شرح خطة العملية كما تم الإعداد لها، حيث كان المقرر تمركز مجموعة فوق الجبال، وكان هو من بينهم لتأمين الاشتباك على الأرض، من عناصر التنظيم أثناء تنفيذ عملية اغتياله وبمعاونة سكان القرية الذين تمكنوا من تجنيدهم.

يقول أبو عبادة: "يعتمد التنظيم على المجاهدين الأجانب، بوجه خاص، في صفوفهم لتنفيذ العمليات الانتحارية، بالإضافة إلى المجندين المنشقين من جيش النظام البعثي، كما اعتمد تدريبنا مجاهد من روسيا سبق وانضم لأحد التنظيمات الجهادية هناك يملك على إثرها خبرات تنظيمية وعسكرية كبيرة".

ويذكر أن هدف العمليات الانتحارية جذب مزيد من الموارد للتنظيم، التي تعتمد في جانب منها على "الغنائم" بحسب توصيف التنظيم لها، من مخازن السلاح والذخيرة التي تستولي عليها العناصر المسلحة أثناء مهاجمة قواعد قوات الأسد، بالإضافة إلى التبرعات التي تصلهم سواء من المساجد في البلاد الإسلامية، أو المنظمات الإسلامية الخيرية في كل دول العالم العربي والغربي، على حد سواء.

ويضيف، السلاح يتم تخزينه بكثرة، وعلى عكس المتصور عن التنظيم؛ فهو يحافظ على المقاتلين في صفوفه، ولا يذهب بهم جميعاً إلى القتال أو تنفيذ عمليات تفجيرية، حيث طلب أكثر من مرة الاشتراك في عمليات قتالية بمناطق أشد غير الموجود فيها، لكن طلبه كان يُقابل بالرفض. ويؤكد أن "العمليات التفجيرية والانتحارية هي فقط عمليات نوعية للبقاء والحفاظ على الموارد؛ لأنهم يعتبرون الفرصة المواتية للتنظيم ستكون بعد سقوط الأسد، وبالتالي، من سيكون بحوزته سلاح أكثر وصفوفه متماسكة سوف يصل للحكم أسرع".

العودة إلى القاهرة

"يقتلون الناس بدون حق أو فقه أو علم".. كلمات وضعت حدوداً فاصلة، في عقل الشاب الثلاثيني، عمن يستوجب قتله ومن يترك آمناً؛ فهو يرفض قتل المدنيين لكنّ الضباط المشتركين في قتل المعارضة ينبغي قتالهم"، كما يقول. ثم يعرج على حادث له دلالة تعرض له قبل سفره إلى سورية حين طلب منه شخص ما السفر إلى سيناء حيث قال له بنص حديثه دون تصرف: "في كلام كتير قادم في سيناء ونحتاج إلى مخلصين أمثالك"، لكنه رفض أن يذهب ويقاتل ضد جنود مصريين، لم يبادروا بحمل السلاح ضد أحد، بحسب ما أفاد،  مبيناً أن الحالة السورية تختلف عن المصرية.

قصة أخيرة استوقفته قبل أن ينهي حديثه، كانت عن شاب سوري، التقاه في المخفر، روى له لقاءه بشيخ ملتحٍ من سكان ريف إدلب أثناء عودته من المعسكر، الذي يبعد عن المكان الذي يقيمون فيه بنحو 2 كيلومتر، وكان كلامه بالنسبة له ملغزاً وغير مفهوم، وحاول أن يستوضح معه ما قاله الشيخ ولم يفهمه عقله عندما ردد أمامه محذراً: "إياكم والخوارج" فسأله الشاب "من تقصد؟، فأوضح: "أصحاب الرايات السود"، ثم تركه ومضى.

في تسلسل درامي آخر تخللته بعض المخاطر على الحدود السورية التركية، في طريق عودته، بصحبة مهرب التنظيم، وهو شاب سوري يدرس الهندسة، تعاونا معاً بهدف الهروب والتملص من قبضة "النصرة"، قُبض عليهما من أمن الحدود التركية وضُبطت الملابس التي كانت بحوزتهما وتم تمزيقها، ثم تُركا فعادا بين الأحراش الجبلية والمزارع؛ حيث اختبآ بينها لساعات، حتى توارت عنهما العيون، وتمكنا من دخول أنطاكية، ومنها إلى مطار أتاتورك الدولي في اسطنبول، التي كانت محطة وصوله عند قدومه، حتى وجد نفسه في الطائرة على الخطوط الجوية المصرية عائداً إلى القاهرة.

الفيديو:

 

 

الصفحة الرئيسية