بايدن للعالم: أمريكا عادت.. هل من جديد؟

بايدن للعالم: أمريكا عادت.. هل من جديد؟


07/02/2021

في أوّل خطاب مهم حول السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي الجديد منذ توليه منصبه، قام الرئيس الأمريكي جو بايدن الخميس 4 شباط (فبراير) 2021م بإلقاء خطابه حول رؤيته للسياسة الخارجية بهدف "استعادة مكانة أمريكا في العالم".

 وفي وقت سابق الأربعاء 3 شباط (فبراير) قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض "جين ساكي" للصحافيين: إنّ السياسة الخارجية هي "الحبّ الأوّل" لبايدن، وكان بايدن مهتماً بشكل كبير بالسياسة الخارجية الأمريكية منذ أصبح عضواً في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ في أواخر حقبة تسعينيات القرن الماضي.  

بايدن مولع بالسياسة الخارجية منذ أصبح عضواً في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ

هذا يعني أنه الرئيس الأكثر خبرة في السياسة الخارجية في تاريخ أمريكا الحديث، فهو عضو في الكونغرس من 1973 حتى دخوله البيت الأبيض نائباً للرئيس باراك أوباما في 2008. وخلال وجوده في الكونغرس كان بايدن عضواً في لجان الخارجية والقضاء ومكافحة الاتجار بالمخدرات، وترأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ قبل الانتقال إلى البيت الأبيض وتولّي ملف العراق والعلاقة مع الأوروبيين نائباً للرئيس.

ويوصف بايدن بأنه وسطي التوجّه، وهو ابن المؤسسة الحزبية الديموقراطية التي بنى أسس سياستها الخارجية رؤساء بحجم فرانكلين روزفلت الذي قضى على النازية، وجيمي كارتر عرّاب اتفاق كامب ديفيد، وبيل كلينتون عرّاب اتفاق السلام في إيرلندا الشمالية وإسقاط ميلوسوفيتش.

وفي أوّل ردّة فعل أمريكية على الخطاب، ذكر المحلل السياسي "مايكل هيرش" في مقالة نُشرت في مجلة الفورين بوليسي، عقب الخطاب مباشرة 4 شباط (فبراير) 2021م، بعنوان "بايدن يقول إنّ أمريكا عادت": إنّ بايدن "عاد إلى السياسة الخارجية التقليدية، مع اندفاعة كبيرة من الشعبوية، وإنه مزج بين القديم والجديد في أوّل خطاب رئيسي له حول السياسة، داعياً إلى استعادة التعددية والتحالفات الأمريكية، وحول تصريحاته  "التي كانت توبيخاً إلى حدٍّ كبير للرئيس السابق دونالد ترامب، قال بايدن إنّ لديه رسالة واحدة للعالم: "أمريكا عادت... عادت الدبلوماسية إلى قلب سياستنا الخارجية". وقال أيضاً: يجب على العالم أن يأخذ التشجيع من نتيجة أعمال الشغب في الكابيتول في 6 كانون الثاني (يناير) التي أثارها ترامب، معلناً أنّ الأمريكيين ظهروا "أفضل استعداداً لتوحيد العالم في القتال للدفاع عن الديمقراطية، لأننا حاربنا من أجلها بأنفسنا".

وسبق أن ذكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض "جين ساكي" ‏أنّ خطاب بايدن لن يكون استعراضاً لرؤيته بشأن كلّ قضية من قضايا السياسة ‏الخارجية، وبالفعل هذا ما كان.

لكنّ موضوعات الخطاب لم تكن مفاجئة لي، فقد ثبت أنّ بايدن أعاد قراءة خطاب باراك أوباما بالسياسة الخارجية، خطاب ناعم الملمس وقوي وعميق العبارات، لكنه سام وقاتل في الوقت نفسه، وخطير التأثيرات، خطاب وُضع لخدمة أمريكا أوّلاً في العمق، وليس شعاراً فقط، كما فعل بفجاجة وغطرسة سلفه دونالد ترامب. 

لقد جاء الخطاب مباشراً ومركّزاً ضمن حزمة من القرارات الواضحة، التي أعتقد أنّ فترة حكم ‏الجمهوريين بزعامة دونالد ترامب قد ساهمت في صياغتها  وبلورتها، وكلّ ما فعله بايدن بخطابه ‏هو قلب ومخالفة سياسة سلفه ترامب، وليس فيها أيّ إبداع أو عمق إيديولوجي أو سياسي. إنه خطاب وُضع من أجل أن تعود أمريكا إلى قيادة العالم، الذي بدا مع ترامب أنه يفلت من بين يديها لمصلحة الصين وروسيا، وليس من أجل عيون الجوعى والمشرّدين واللاجئين والمستعمرين في العالم.  

اقرأ أيضاً: معهد إيطالي يقرأ ما هو أبعد من خطاب بايدن حول اليمن..ماذا قال؟

ولم يكن في الخطاب أيّ إضافات على المفاصل العامة لرؤية ومقاربات الديمقراطيين  الكلاسيكية، التي تميل للنظر إلى العالم كفضاء مفتوح تتنافس فيه الأطراف الفاعلة كافة، بلا غالب ولا مغلوب، وليس ضمن لعبة صفرية. عالم يتماشى مع سيرورة العولمة، وليس إعادة ضبطها واستيعابها والاستفادة منها، على عكس الجمهوريين الذين أعاقوا سيرورة العولمة وأغلقوا أبواب العالم، ثمّ جاءت جائحة كورونا وساعدتهم في هذا المجال.      

 وحسب توني أريند  البروفيسور في جامعة جورج تاون، فإنّ العالم، وفقاً لجو بايدن، يبدو في صورة أكثر تقليدية لدور أمريكا ومصالحها، وهو ما تأصّل في المؤسسات الدولية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية، ويقوم على أساس القيم الغربية المشتركة، إنه عالم التحالفات العالمية الذي تتزعم فيه أمريكا البلدان الحرّة في مواجهة التهديدات العابرة للدول.

يعد بايدن الرئيس الأكثر خبرة في السياسة الخارجية في تاريخ أمريكا الحديث

بينما كان العالم، وفقاً لسلفه دونالد ترامب، هو وطنية "أمريكا أوّلاً"، والتخلي عن الاتفاقات الدولية التي يعتقد أنها تمنح أمريكا صفقة غير عادلة. هو عالم أحادي، مُربك، قائم على المعاملات التجارية. هو أيضاً عالم شخصي، غير منتظم، تحدّده مشاعره الغريزية وعلاقاته بالقادة، ويحرّكه ما يراه على موقع تويتر.

ومن الملاحظ أنّ معظم أفكار الخطاب قد تمّ تسريبها سابقاً عبر تصريحات متفرقة للمسؤولين في الخارجية والبيت الأبيض، وقبل حوالي أسبوع من قيام بايدن بإلقائه، خاصة أنه تمّ تأجيله من الإثنين الماضي. على سبيل المثال؛ كان مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، قد صرّح سابقاً بأنّ الرئيس ‏جو بايدن سيعلن وقف دعم الولايات المتحدة للعمليات الحربية في اليمن، ‏وأنّ الرئيس الأمريكي سيعيّن مبعوثاً جديداً خاصاً باليمن، وهو ما حدث بالفعل، لكنّ وقف دعم العمليات في اليمن لن يشمل ‏تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.

‏ وتأتي هذه الخطوة بعد أن تعهّد بايدن خلال حملته الانتخابية بمنع استخدام الأسلحة الأمريكية في العمليات العسكرية في اليمن التي يشنّها التحالف العربي بقيادة السعودية.

الرئيس الجديد تجنّب بشكل غريب أيّ إشارة إلى إيران ودورها في اليمن

يُذكر أنّ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن كان قد أعلن سابقاً أنّ الإدارة الجديدة ‏في البيت الأبيض بقيادة بايدن تعتقد أنّ إجراءات السعودية في اليمن أدّت لوقوع ‏أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

دبلوماسية التهديد 

يُلاحظ أنّ خطاب بايدن لم يخلُ من لغة التهديد والوعيد، خاصّة تجاه أهمّ الأطراف السياسية الدولية في النظام العالمي اليوم، وهما الصين وروسيا، وفي الوقت نفسه تجنّب الحديث عن إيران!  

إنّ النقطة الرئيسة التي ركّزت عليها وسائل الإعلام في الخطاب هي إعلان الرئيس الأمريكي الدعوة إلى وقف الحرب في اليمن، وإنّ بلاده ستوقف دعمها للعمليات العسكرية في اليمن، بما في ذلك بيع الأسلحة والمعدات، لكنها ستستمرّ في دعم ومساعدة المملكة العربية السعودية في الدفاع عن سيادتها وأراضيها. وقد ساعدت الولايات المتحدة، بقيادة رئيسين سابقين لبايدن، السعودية في حربها في اليمن، ويعتبر هذا نأياً تامّاً عن سياسة سلفه دونالد ترامب، الذي عزّز الدعم الأمريكي للتحالف بقيادة السعودية، فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو تصنيف الولايات المتحدة للحوثيين تنظيماً إرهابياً.

أن يضع بايدن الصين وروسيا في سلة واحدة هدفاً للهجوم يُعتبر بادرة خطيرة جداً

في الوقت نفسه، فإنّ بايدن تجنّب بشكل غريب أيّ إشارة إلى إيران ودورها في اليمن! وهو ما يدفع للقول: إنّ هناك صفقة كبرى يجري الإعداد لها بين البلدين حول ملف إيران النووي. 

أمّا النقطة الأخرى التي تمّ التركيز عليها، فهي صيغة الوعيد والتهديد التي استخدمها بايدن ضدّ الرئيس الروسي بوتين، وضرورة وقف الأعمال العدائية الروسية، والإفراج عن  المعارض الروسي أليكسي نافالني، والوقوف في وجه "استبداد الصين، وانتهاكات حقوق الإنسان".

ويبدو أنّ هذه النقطة هي التي ستفجّر السياسة الخارجية الأمريكية، بل السياسة العالمية والنظام العالمي؛ فأن يضع بايدن الصين وروسيا في سلة واحدة هدفاً للهجوم، يُعتبر بادرة خطيرة جداً، ويضع علامات استفهام كبيرة حول ادّعاءات بايدن بالعودة إلى الدبلوماسية وبناء التحالفات. 

الصفحة الرئيسية