بحر غزة يفيض بالأسماك وصيادوه في شباك العطالة والاعتقال

بحر غزة يفيض بالأسماك وصيادوه في شباك العطالة والاعتقال


01/07/2020

ممارسة مهنة الصيد في مختلف دول العالم أمر سهل، والصيادون يصطادون كميات وفيرة من الأسماك دون أية منغصات، لكن في قطاع غزة الساحلي الأمر مختلف؛ فالصياد يخرج من منزله ليمارس مهنة الصيد، ولا يعلم إن كان سيعود إلى أبنائه سالماً أو ميتاً أو مصاباً، أو ربما يفقد القارب الذي يعدّ مصدر رزقه الوحيد. 

ويعاني الصيادون الفلسطينيون في قطاع غزة من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحقهم، منذ عام 2006، فلقمة عيشهم مغمّسة بالدم، وبالكاد يحصلون على مبلغ زهيد، فضلاً عن تقليص مساحة الصيد المسموح الإبحار بها من 20 ميلاً بحرياً إلى 3 أميال بحرية، بعيداً عن الشاطئ. 

نقيب الصيادين الفلسطينيين، نزار عياش، لـ "حفريات": "الصياد الفلسطيني يعيش حياة مأساوية؛ ويتعرض لمضايقات متكررة؛ حيث تمّ تقليص مساحة الصيد من 20 ميلاً بحرياً إلى 3 أميال بحرية

ورغم كافة المضايقات التي يتعرض لها الصيادون بشكل يومي في عرض البحر، إلا أنّهم يواصلون علمهم بالمهنة التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، للحفاظ عليها؛ كونها مصدر رزقهم الوحيد الذي يعيشون منه هم وعائلاتهم. 

يعاني الصيادون الفلسطينيون في قطاع غزة من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحقهم

ويأمل الصيادون في القطاع المحاصر، منذ ما يزيد عن ثلاثة عشر عاماً، بأن يمارسوا مهنتهم بحرية، دون أيّة معيقات، وبتوفير كافة مستلزمات الصيد التي يمنع الاحتلال الإسرائيلي إدخالها إلى القطاع منذ فرض الحصار.

غالب زغرة، واحد من آلاف الصيادين في قطاع غزة الذين يتعرضون لمضايقات مستمرة من قِبل الزوارق البحرية الإسرائيلية، يعمل بتلك المهنة منذ ما يزيد عن 25عامًا، وما يزال يمارس تلك المهنة التي ورثها عن والده، ولا يتقن غيرها. 

مهنة خطيرة 

يقول زغرة لـــ "حفريات"، وهو يعتلي قاربه القديم: "مهنة الصيد من أخطر المهن في قطاع غزة، فنحن معرضون للموت أو الاعتقال في أيّة لحظة، وفي كلّ يوم نتعرض لمضايقاتٍ، ورشّ بالمياه، وتمزيق الشِّباك، وتعطيل معدات الصيد، وذلك بذريعة أننا نتخطى المساحة المسموح لنا الإبحار بها، وهذا ادّعاء كاذب، فنحن نبتعد كثيراً عن تلك الحدود". 

مهنة الصيد من أخطر المهن في قطاع غزة

يضيف: "يهدف الاحتلال الإسرائيلي من خلال منعنا من ممارسة هذه المهنة إلى تجويعنا والضغط علينا، لكنّنا نتحدّاه بإرادتنا وإصرارنا على الحفاظ على مهنة الأجداد، فكافة الوسائل التي يتبعها، مثل: الاعتقال، وإطلاق الرصاص الحي، ومصادرة المراكب، وتمزيق الشِباك، لن تثنينا عن الاستمرار في هذه المهنة". 

ويشير إلى أنّهم كانوا يأملون بزيادة مساحة الصيد إلى 9 أميال بحرية، على الأقل، ليتمكنوا من اصطياد الأسماك الكبيرة التي تظهر في فصل الصيف لتحسين أوضاعهم المعيشية، لكنّ ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وإصراره على تقليص المساحة حال دون تحقيق ذلك. 

ويكمل: "المراكب التي نمتلكها قديمة جداً، ورثناها عن آبائنا وأجدادنا، ولا نستطيع شراء غيرها؛ لأنّ الاحتلال يمنع إدخال كافة معدات الصيد إلى القطاع، لذلك نضطر إلى إصلاحها بالمواد المتوفرة لدينا كي نستطيع الإبحار بها، لكنّها في الأعوام القادمة لن تكون صالحة للعمل".

تنكيل واعتقال

ويبيّن أنّه قبل ثلاثة أعوام، أثناء ممارسته لمهنة الصيد، "هاجمت الزوارق البحرية القارب الذي يعمل عليه، وتمّ إتلاف كافة معدات صيده، واعتقاله، ومكث داخل السجون الإسرائيلية ٦ أشهر دون توجيه تهمة محددة ضدّه". 

داخل ميناء الصيادين، غرب مدينة غزة، كان يجلس الصياد محمد الهسي (٥٥ عاماً)، وأمامه أعداد كبيرة من شِباك الصيد التي يحاول إصلاحها بعد أن مزقها الاحتلال أثناء الصيد، قبل عدة أيام. 

الاحتلال يمنع إدخال كافة معدات الصيد إلى القطاع

وأبلغ الهسي "حفريات" بأنّ "الاحتلال يحاول تنغيص حياة الصيادين في غزة، وعرقلة عملهم، لذلك يتعمّد تمزيق شِباك الصيد التي تعدّ أساس تلك المهنة، ومن دونها لا يستطيع الصياد صيد الأسماك، ويتمّ تعطيل أعماله إلى حين إصلاحها أو إيجاد بديل لها.

ويضيف "نظراً لعدم توفّر شِباك الصيد، بسبب منعها، نعمل على إصلاحها يدوياً باستخدام الخيوط "الترقيع"، حتى نستطيع استئناف الصيد، وفي بعض الأحيان لا نستطيع إصلاحها بسبب تمزيقها بشكل مستمر، فالاحتلال لا يرحمنا أبداً، ويحاول بشتى الطرق التنغيص علينا". 

مساحة ضيقة

ويوضح أنّه يعمل هو وأبناؤه الثلاثة في مهنة الصيد، التي تعدّ مصدر رزقهم الوحيد، وأنّه في بعض الأحيان لا يستطيع تأمين ثمن المحروقات التي يستهلكها القارب خلال الصيد، التي تتجاوز 400 دولار يومياً، وذلك نظراً لندرة الأسماك المتواجدة في المساحة الضيقة المسموح لهم الإبحار بها. 

ارتفاع أسعار قطع الغيار الخاصة بالمراكب

خضر الصعيدي (32 عاماً)، من سكان مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، غرب مدينة غزة، والذي فقد بصره بعد إصابته بطلق مطاطي من قِبل الزوارق الإسرائيلية قبل ثلاثة أعوام، ما جعله غير قادر على العمل لإطعام أبنائه، وتأمين العلاج لوالده المريض"، يقول لـ" حفريات": "مهنة الصيد مهنة أجدادي قبل تهجريهم من مدينة يافا، عام 1948، وأنا لا أعرف تلك المهنة، وأردت الحفاظ عليها رغم كافة المنغصات، ولكن الاحتلال الإسرائيلي لا يريد لنا أن نعيش بكرامة فتعرضت لإطلاق النار عدة مرات، وفي المرة الأخيرة فقدت بصري بشكل كامل بعد إطلاق رصاصة على وجهي". 

ويضيف وملامح الحزن تخطّ وجهه: "أنا أعشق البحر، ومنذ الصغر لم أفارقه يوماً واحداً، لكن بعد إصابتي لم أذهب إليه على الإطلاق، لأنّني لا أتحمّل سماع الأمواج وهي تتلاطم دون أن أستطيع رؤية البحر الذي يعني لي الكثير". 

حياة مأساوية

من جهته، يقول نقيب الصيادين الفلسطينيين، نزار عياش، لـ "حفريات": "الصياد الفلسطيني يعيش حياة مأساوية؛ فمنذ عام 2006 يتعرض لمضايقات متكررة؛ حيث تمّ تقليص مساحة الصيد من 20 ميلاً بحرياً إلى 3 أميال بحرية، وهذه المساحة لا توفر إلا القليل من الأسماك، نظراً إلى قربها من الشاطئ، والأسماك الثمينة توجد في المسافات البعيدة التي تزيد عن 15 ميلاً". 

الصياد خضر الصعيدي (32 عاماً)، من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، فقد بصره بعد إصابته بطلق مطاطي من قِبل الزوارق الإسرائيلية قبل ثلاثة أعوام

ويضيف: "رغم ضيق المسافة المسموح الإبحار بها، إلا أنّ الاحتلال يفرض قيوداً على الصيادين، ويلاحقهم بشكل متكرر؛ فمنذ ثلاث أعوام استشهد ١٠ من الصيادين، بعد إطلاق النار بشكل مباشر تجاه مراكبهم أثناء الإبحار، إضافة إلى اعتقال العشرات، وما يزال عدد منهم قيد الاعتقال، وإصابة ٣٢٠ آخرين منهم، ثلاثة فقدوا البصر، ومصادرة عشرات المراكب". 

 ويواصل حديثه: "بعد أن كان قطاع الصيد، ثاني أهم القطاعات الإنتاجية في قطاع غزة، ويتم توريد الأسماك إلى خارج القطاع، نحو الضفة الغربية والدول العربية، يتمّ الآن استيراد الأسماك من الخارج، لعدم توفر أنواع كافية منها، وبات عدد كبير من الصيادين يعتمدون على المساعدات والمنح الخارجية". 

 ارتفاع أسعار قطع الغيار

من القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الصيادين في غزة؛ تقييد إدخال المواد المتعلقة بمهنة الصيد ومنعه، وارتفاع أسعار قطع الغيار الخاصة بالمراكب، وعدم إدخال مراكب جديدة وأدوات تصنيعها، وذلك بحسب عياش.

ويبين أنّ القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الصيادين في القطاع تهدّد استمرار مهنة الصيد، وتجعل مصير العاملين فيها مجهولاً، إضافة إلى عدد من المهن المرتبطة بالصيد؛ مثل تجارة الأسماك، وتجارة معدات الصيد، ومهن أخرى مرتبطة بتلك المهنة؛ مثل بيع الأسماك بالأسواق، وتجارة معدات الصيد، وغيرها من المهن.

ويشير إلى أنّ العاملين في مهنة الصيد في قطاع غزة هم 4000 صياد، 85٪ منهم يعيشون تحت خطّ الفقر المدقع بعد، فيما بلغ عدد المراكب 1050 مركباً بأحجام مختلفة.

 ويشدّد عياش على ضرورة تطبيق القوانين الدولية، وتأمين الحماية والحضانة للصيادين من الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحقّهم، وتقييده لهم بمساحات ضيقة بالكاد يستطيعون فيها صيد كميات ضئيلة من الأسماك.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية