بدعة تظاهرات كورونا: من يتحمل مسؤولية مسيرات الإسكندرية؟

يروي شمس الدين المنبجي (ت 785هـ) أنّ الناس بدمشق اجتمعوا -كما في الاستسقاء- في موضع واحد للدعاء أثناء الطاعون الكبير (749هـ)، لكن بعد دعائهم واجتماعهم انتشر الطاعون كالنار في الهشيم، وقضى الآلافُ جراء ذلك!
وعلق ابن حجر في كتابه "بذل الماعون في فضل الطاعون" على المنبجي بقوله: "ووقع هذا في زماننا، حين وقع أول الطاعون بالقاهرة، في السابع والعشرين من شهر ربيع الآخر، سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة (833هـ)، فكان عدد من يموت بها دون الأربعين، فخرجوا إلى الصحراء، في الرابع من جمادى الأولى، بعد أن نودي فيهم بصيام ثلاثة أيام، كما في الاستسقاء، واجتمعوا ودعوا وأقاموا ساعة ورجعوا. فما انسلخ الشهر حتى صار عدد من يموت في كل يوم بالقاهرة فوق الألف ثم تزايد"!

هل يعيد التاريخ نفسه؟

في واقعة مشابهة، فوجئ المصريون يوم الإثنين الماضي بخروج المئات من أهالي محافظة الإسكندرية في مسيرات حاشدة وهم يكبرون تكبيرات العيد من أجل أن يرفع الله تعالى فيروس كورونا عنهم!
ورغم إجراءات الحكومة المصرية لمنع التجمّعات وتعليمات وزارة الصحة للوقاية من العدوى، فقد خرجت تلك التظاهرات متحدية قرارات المنع، وهي تلقي المضادات الحيوية في الهواء في إشارة إلى الالتجاء فقط إلى دعاء السماء ورفضها لدعاوى الوقاية التي يطلقها الإعلام، في وقتٍ كانت سجلت فيه السلطات الصحية المصرية 39 إصابة و5 وفيات جديدة بالفيروس في نفس هذا اليوم.

خرج المئات من أهالي الإسكندرية بمسيرات حاشدة وهم يكبرون تكبيرات العيد ليرفع الله تعالى فيروس كورونا عنهم!

كانت البداية مما كتبه الإعلامي الإخواني معتز مطر على حسابه الرسمي بموقع "تويتر" ودعوته للخروج إلى النوافذ في توقيت واحد للدعاء بتكبيرات العيد؛ لعلّ الله يزيح الغمة، وتوافق ذلك مع دعوات لجماعة الإخوان أطلقوها منذ أيام دعوا فيها العناصر المنتمية لهم بمختلف محافظات مصر، إلى دعوة المواطنين بعدم الاستجابة لمطالب الحكومة بالبقاء في المنازل والنزول إلى الشوارع.
عقب تلك الدعوات تسلل مجهولون إلى مساجد الإسكندرية، وصدحوا في مكبرات الصوت داعين الناس إلى الخروج في مسيرات بمختلف الشوارع، أو الخروج إلى شرفات المنازل والشبابيك وترديد صيحات التكبير والدعاء مع السائرين في الطرقات، وفق ما نشرته صحيفة "أهل مصر".

اقرأ أيضاً: الإخوان وكورونا: تديين للفيروس وجمع الزكاة لصالح الجماعة
المواطنون الذين خرجوا في مسيرات وغيرهم ممن كانوا في الشرفات، كان دافعهم الخوف من تفشي فيروس كورونا، ولذلك لجأوا بحسن نية إلى ترديد الأدعية والتكبير والتهليل من أجل أن يرفع الله تعالى هذا الوباء؛ إلا أنّ عناصر الإخوان استغلوا هذا ليشعلوا النيران كعادتهم، وفق نفس الصحيفة.

ترييف أم مد إسلاموي جديد؟

لأسباب كثيرة يمكن تبرير خروج الجماهير في منطقة كبيرة مثل محافظة الإسكندرية، لكن أهمها على الإطلاق هو حالة الترييف للمدن التي تمت في مصر خلال العقد الأخير، ويمكن أن نرجع ذلك إلى خطأ سلطة السادات ومن بعده حسني مبارك في دعم الإسلام البعيد عن السياسة والمحايد لها، ومن هنا تم الترك عن عمد وبقصد واضح لتيارات مثل (السلفية المدخلية)، التي لو بحثت منهجياً في قيادات داعش المؤسسين ومنهم أبو أحمد الكويتي، وأبو خطاب التونسي (تم إعدامه لأنه كفّر أبو بكر البغدادي)، وغيرهم لوجدتهم مرّوا عليهم، وتربّوا على أيدي مشايخهم.

اقرأ أيضاً: هل كشفت "كورونا" أنساقنا الثقافية والمعرفية المغلقة؟
هؤلاء المشايخ تُركت لهم المنابر والزوايا والمساجد عن قصد، فلعبوا في هوامش المدن وفي عقول الطبقات الفقيرة والدنيا من المجتمع، الذين لا يراهم أحد، فأخرجوا لنا إسلاماً جديداً (إسلام الضواحي الفقيرة)، أو ما يطلق عليه (الإسلام الشعبي)، وهو إسلام عاطفي، يصدّق الشائعات، ويؤمن بنظريات المؤامرات، وهو ناقم طوال الوقت على الدولة وإن لم يعلن ذلك، لأنّه يرى أنه لا يشارك لا في السلطة ولا في تقسيم الثروة، التي يراها كل يوم في سيارات المشاهير، وملايين اللاعبين، وملاهي الفنانين.

كانت البداية من الإعلامي الإخواني معتز مطر بدعوته للخروج إلى النوافذ في توقيت واحد للدعاء بتكبيرات العيد

أما الباحث التراثي د. حسام علوان فكتب قائلاً: إن أول من نبّه إلى الخطورة من ترييف المدن الجغرافي جمال حمدان، وتحققت رؤيته (النبوءة) في أقل من أربعة عقود نتيجة لخروج المصريين سعياً للرزق، مدفوعين بفعل سياسي خاطئ ، وكل منهم لديه حلم امتلاك أرض أو شقة في الحضَر، وكان أن تحققت أمانيهم، فتغيرت دون رجعة خريطة مصر الاجتماعية تماماً، وظهرت بوادر الترييف والعشوائيات نتيجة للكثرة العددية للوافدين الجدد.
يرى آخرون، ومنهم الباحث محمود الطباخ، أنّ فترة السبعينيات ساهمت فى وجود الجماعات السلفية بالمحافظة، حتى أنها شهدت أكبر حالة من المد السلفي، حتى أصبحت مركز حزب النور الرئيسي.
كما شهدت الإسكندرية حزب الله، وهو تنظيم جهادي نشأ في السبعينيات من القرن الماضي، وكذلك حزب التحرير، وهي تعتبر في الوقت ذاته أحد المراكز الرئيسية لجماعة الإخوان.

اقرأ أيضاً: مفكر فرنسي: كورونا على خطى الإرهاب.. هذا ما فعله
يقول مصدر أمني، رفض ذكر اسمه،  في تصريح لـ"حفريات"، إنّ المكتب الإداري لجماعة الإخوان بالإسكندرية هو  المتسبب في مثل تلك الأحداث، وهو ناشط في العمل السري رغم كل الضربات التي تلقاها في الآونة الأخيرة.

مساجد في قبضة التيار الإسلاموي

يحيل البعض سبباً آخر وهو أنه لا تزال المئات من المساجد في قبضة التيار الإسلاموي، ووفق ما ورد في صحيفة "فيتو" المصرية يوم الثلاثاء 21 أيار (مايو) 2019 فإنّ منطقة المنتزه بالإسكندرية هي الأبرز من حيث سيطرة السلفيين على المساجد، حيث يتواجد فيها عدد من رموز الدعوة السلفية، أبرزهم ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، ويتواجد السلفيون في مساجد الخلفاء الراشدين بأبو سليمان، والإيمان، والحمد، وخورشيد، والتوحيد، والمراغي، والصالحين، وعبادالرحمن، والرحيق المختوم في منطقة العصافرة، وأبوبكر الصديق في المعمورة، فضلاً عن العديد من الزوايا وجميعها تقع في نفس الدائرة.

تسلل مجهولون إلى مساجد الإسكندرية وصدحوا في مكبرات الصوت داعين الناس إلى الخروج في مسيرات بمختلف الشوارع

ويعتبر السلفيون أنّ غرب المحافظة مثل مناطق الورديان والقباري.. والهانوفيل والبيطاش وأبو يوسف والكيلو 21 ، المعقل الأساسي لهم بالمحافظة، كما تبرز مناطق كنج مريوط، والبيطاش والهانوفيل بالعجمي، والكيلو 21، على المشارف الغربية للمحافظة، وقرى الجزائر وخالد بن الوليد، كأهم مناطق تمركز الدعوة السلفية غرب المدينة، في مقابل مساجد بعينها بأحياء شرق ووسط كمنصات لإطلاق الفكر المتشدد، أهمها الخلفاء الراشدين.
كما يعتبر مسجد التوحيد فى قرية فلسطين بمنطقة العوايد شرق الإسكندرية، أحد أهم المنصات السلفية، إذ يشهد تنظيم جلسات لعبدالمنعم الشحات، المتحدث باسم الدعوة السلفية، تحت عنوان مجالس العلم، لنشر الأفكار السلفية، ومسجد عباد الرحمن فى منطقة أبي سليمان كأحد أهم المساجد التي تبث الفكر السلفي عبر الشيخ أحمد فريد، عضو المجلس الرئاسي للدعوة السلفية.

تتغاضى السلطات المصرية عن معهد الفرقان للعلوم الشرعية التابع للدعوة السلفية ويتجاوز عدد أفرعه الخمسين بمختلف المحافظات

من ناحية أخرى تتغاضى السلطات المصرية عن معهد الفرقان للعلوم الشرعية والتابع للدعوة السلفية وهو من أشهر معاهد العلوم الشرعية، وقد وصل عدد أفرع هذا المعهد في محافظات مصر إلى أكثر من 50 فرعاً.
يعلق د.خالد منتصر في صفحته بالفيسبوك على ما جرى في الإسكندرية بقوله: الإسكندرية التي جمعت كل أطياف الدنيا، وكانت جدارية بشرية بألوان كل البشر، وضمت في رحمها المعطاء ضربات فرشاة سيف وانلي وألوانه وظلاله، وألحان عود سيد درويش وأنغامه وأناشيده، وأطياف وصور يوسف شاهين ورقصه وجنونه، وعنفوان قلم كفافيس وقافيته وأشعاره، عقِّم الرحم وتولت الأمعاء بكل قيئها وفضلاتها وغثائها إنجاب أشباه البشر الذين سمموا آبار الحياة، وصادروا البراح الاسكندراني، وحولوها إلى زنزانة لا تتسع إلا لبازارات السلفية والإخوان وبوتيكات اللحى المشعثة والجلاليب القصيرة، حلم الإسكندر صار كابوساً، حين كسونا عظام فلاسفة الاسكندرية بلحم أتباع برهامي.