بعد الإعلان الأخير لحفتر: ما هي مآلات الصراع في ليبيا؟

ليبيا

بعد الإعلان الأخير لحفتر: ما هي مآلات الصراع في ليبيا؟


03/05/2020

لم تكن الكلمة التي بثها التلفزيون الليبي للمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، في 27 نيسان (أبريل) الجاري مباغتة، في ظل السياق الإقليمي والمحلي، الذي تصاعدت فيه الأحداث السياسية والميدانية، مؤخراً؛ إذ سبقتها بثلاثة أيام كلمة تلفزيونية مماثلة، طلب فيها من الشعب "تفويضاً" للمؤسسة التي يراها الأجدر على قيادة المرحلة الانتقالية، ومن ثم، خرج إعلانه الأخير بتجميد "اتفاق الصخيرات"، الموقع في العام 2015، الأمر الذي سيترتب عليه، بصورة مباشرة، تعطيل كافة القنوات السياسية التي تشكلت على إثر هذا الاتفاق، وتقدم "الجيش الوطني" لقيادة الأمور.
تفويض الشعب
وعقب إعلان حفتر تجميد العمل بالاتفاق السياسي، الذي وقع في مدينة الصخيرات المغربية، برعاية الأمم المتحدة، تفاوتت ردود الفعل المحلية، الشعبية والرسمية، وكذا، الإقليمية والدولية، حيث شهدت المدن الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني الليبي خروج مجموعات من مؤيديه في مدينة بنغازي، شرق ليبيا، لجهة تأييد الخطوة التي قام بها، كما أعلن المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان ليبيا، في بيان له، تفويض الجيش في إدارة شؤون البلاد مرحلياً لإنقاذ كل الليبيين.

وأصدر مجلس أعيان مدينة الزنتان، جنوب غربي ليبيا، تأييده للجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، وتفويضه لتسيير أمور البلاد.

وصف عقيلة صالح تركيا بأنّها تعمل على نشر ديكتاتوريتها الفاشية في ليبيا، بينما تسعى إلى تدمير منطقة الشرق الأوسط

وبحسب بيان أصدره المجلس، فقد ألمح إلى فشل مشروع الصخيرات السياسي، وارتماء قياداته في حضن الميليشيات، ومن ثم، فتح الباب الليبي على مصراعيه لعودة المحتل، وتمكينهم من ثروات ليبيا، في استهانة منهم بدماء آلاف الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل استقلال الدولة، مما دفعه إلى المطالبة بإسقاط المجلس الرئاسي وسحب الاعتراف به.
واعتبر المجلس في البيان ذاته، أنّ هذا التفويض يأتي باعتباره محاولة أخيرة لإنقاذ البلاد من الحروب والصراعات، ووقف ما تتعرض له من إرهاب وتدخل خارجي سافر، منذ عقد من الزمان، كما أعلن عن تأييده لعملية الكرامة التي تقاتل التنظيمات الإرهابية، وعليه، فقد فوض القوات المسلحة الليبية بإعداد دستور للبلاد يتوافق عليه الليبيون، والذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية، تمارس من خلالها كافة مكونات الشعب الليبي حقها في التعبير.
الجيش الوطني في مواجهة الميلشيات
وكان الجيش الوطني الليبي أطلق عملية الكرامة، قبل نحو خمسة أعوام، بهدف تصفية التنظيمات المسلحة، والتخلص من الميلشيات الإرهابية، التي توغلت في الأراضي الليبية، وقد شهدت العملية العسكرية محطات عدة؛ أبرزها، تحرير منطقة الهلال النفطي، والسيطرة الكاملة عليها، العام 2018، وتحرير بنغازي قبلها بنحو عام، والتي تعد أكبر مدن الشرق الليبي، فضلاً عن مدينة غريان ذات الأهمية الإستراتيجية.


ويضاف إلى ذلك، محاولات الجيش الوطني الليبي استعادة العاصمة الليبية من قبضة الميليشيات الإرهابية الموالية لحكومة فايز السراج، والمدعومة من النظام التركي، حيث بلغ عدد الذين وصلوا إلى الأراضي الليبية نحو 5300 عنصر، في حين بلغ عدد الذين وصلوا للمعسكرات التركية، بهدف تلقي التدريب نحو 2100، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

اقرأ أيضاً: ليبيا: بعد تفويض حفتر.. هل تواصل تركيا إرسال المرتزقة والأسلحة؟
وتنتمي هذه العناصر إلى الفصائل المسلحة الموجودة في سوريا، وقد شكلتها أنقرة، في العام 2016، وتحديداً، تنظيم "أحرار الشرقية"، المنحدر من جبهة النصرة، والأخيرة، تنضوي تحت ولاية تنظيم القاعدة، وتتمركز مواقعها في دير الزور، وباقي مناطق شرق سوريا.
إنذار بفشل "اتفاق الصخيرات"
ولئن كان اتفاق الصخيرات الذي تم إنجازه، قبل خمسة أعوام، قد نص على تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية، واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية، وتأسيس مجلس أعلى للدولة يكون له صفة تشريعية، إلا أنّ المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، كان قد نشر دراسة بعنوان: "دعم الاستقرار في ليبيا.. تحديات إنجاز وتطبيق اتفاق الصخيرات"، وصف فيها الاتفاق بـ"الهش"، وحدد مجموعة من العناصر والمحددات التي يرى أنها ستسفر عن فشله.

اقرأ أيضاً: كيف تتواطأ حركة النهضة الإخوانية مع مشروع أردوغان في ليبيا؟
إذ ترى الدراسة أنّ تطبيق الاتفاق عملية صعبة، حيث يعد أحد أوجه القصور في الاتفاق، هو أنه لم يحدد بشكل دقيق ما المقصود بمصطلحات من بينها "وقف إطلاق النار" و"الإجراءات الأمنية"، كما أنّ الإجراءات الأمنية اللازمة لإعادة الاستقرار والأمن في طرابلس، وباقي المدن الأخرى، سينجم عنها الانتقال من احتكار الميليشيات للقوة المسلحة إلى إنشاء قوة متكاملة ومحايدة في العاصمة الليبية، تكون نواة لجيش نظامي يتوسع تدريجياً.
أنقرة ترسل المرتزقة وتدعم الإرهابيين
وفي مطلع العام الحالي، أعلن رئيس مجلس النواب الليبي، المستشار عقيلة صالح، في القاهرة، أثناء حضوره جلسة في البرلمان المصري، بأنّ "اتفاق الصخيرات" لم يعد له وجود في ظل الممارسات التي يقوم بها فايز السراج، حيث تواجه ليبيا هجمة شرسة وتدخلاً سافراً من بعض الأطراف وفي مقدمتها تركيا.


ووصف تركيا بأنها تعمل على نشر ديكتاتوريتها الفاشية في ليبيا، بينما تسعى إلى تدمير منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط، كما اعتبر توقيع مذكرتي التفاهم بين السراج أردوغان، يورط ليبيا والمنطقة في توترات كبيرة.
وفي السياق ذاته، أكد المستشار أحمد حافظ، الناطق الرسمي بلسان الخارجية المصرية، تمسك القاهرة بالحل السياسي في ليبيا، ومبدأ البحث عن تسوية سياسية للصراع، على الرغم من وجود خلافات بين الأطراف الليبية.
وشدد المتحدث في بيانه، على أنّ مصر تسعى لتحقيق الاستقرار على الساحة الليبية مع الحفاظ على وحدة وسلامة أراضي ليبيا، وذلك في إطار تعاونها الدائم مع الدول المهتمة بمصير الشعب الليبي، كما هاجمت الخارجية المصرية التيارات الإرهابية المختلفة المدعومة من تركيا، مؤكدة أنه "لا مجال للدخول معها في مفاوضات حول مستقبل ليبيا".

الخارجية المصرية: البحث عن حل سياسي لا يعني أن يؤدي إلى التهاون في مواجهة التيارات المتطرفة في ليبيا

وبحسب الناطق بلسان الخارجية المصرية، فإنّ البحث عن حل سياسي لا يعني ولا يجب أن يؤدي إلى التهاون في مواجهة التيارات المتطرفة الإرهابية في ليبيا، المدعومة من تركيا أو الدخول معها في مفاوضات حول مستقبل ليبيا، كما لفت إلى تقدير مصر لما حققه الجيش الليبي من استقرار نسبي في الأراضي الليبية، مما أدى إلى تراجع العمليات الإرهابية، وهو ما يعني انحسار الخطر الإرهابي الذي ينطلق من ليبيا ليهدد دول جواره القريبة والبعيدة.
وإلى ذلك، يرى الباحث المصري، رامي شفيق، أنّ ظهور المشير حفتر، في لقائه المتلفز وهو يعلن قبوله تفويض الشعب الليبي وإسقاط اتفاق الصخيرات، المقرر منذ العام 2015، يعد أمراً منطقياً، بل ومتسقاً مع تطور الأحداث السياسية والعسكرية على مسرح العمليات داخل طرابلس، وتعمق التدخلات التركية لصالح حكومة الوفاق، ونشاطها العسكري؛ إذ إنّ الصمت وعدم الانتقال لتحرك سياسي وعسكري بعد كل ذلك يعد خطيئة إستراتيجية، حسب توصيفه، بينما لا تتحملها الـأوضاع في ليبيا، من جهة، وكذا، رؤى وتصورات دول الجوار التي تعد داخل المواجهة المباشرة مع التدخلات التركية في العمق الليبي، أمام الفصائل المسلحة والتنظيمات الإرهابية، ومجموعات الإخوان المسلمين المتصلة بحكومة راشد الغنوشي في تونس.


ويضيف لـ"حفريات": "تسعى هذه الفصائل نحو تدشين رابط عضوي يتسق مع الجغرافيا السياسية التي تربط الحدود التونسية بليبيا، بهدف إيجاد ممر آمن  للأسلحة التركية داخل الأراضي الليبية، بيد أنّ الرؤى الإستراتيجية للرئيس التونسي، قيس سعيّد، لا تبدو واضحة تماماً للعيان إذ إنها تتمايل نحو الأطراف كافة، بغية حصد أقصى درجات المصلحة السياسية، الأمر الذي سيترتب عليه الفشل الحتمي".
وعلى الجهة المقابلة، يؤكد الباحث المصري، أنّ الموقف المصري يرقب تطورات الأحداث، بدقة، ويقيس ضرورة ودرجة التدخل المطلوبين بناء على الرصد المستمر، من دون الانزلاق للمواجهة المباشرة التي يفضل دوماً أن يكون صاحب القرار فيها، ويحدد توقيتاتها وضرورتها وعمقها، وربما، ذلك هو ما عبرت عنه الخارجية المصرية في تعقيبها الرسمي على حديث المشير حفتر، وتشديدها على ضرورة مواجهة التنظيمات الإرهابية، والدعوة إلى الحل السياسي الذي يتفق عليه دول الجوار.


انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية