بعد الطلاق بين "نداء تونس" و"النهضة": هل للسبسي من يحالفه؟

تونس

بعد الطلاق بين "نداء تونس" و"النهضة": هل للسبسي من يحالفه؟


26/09/2018

بعد توافق دام قرابة خمسة أعوام، تصدّر خلالها الحزبان المشهد السياسي في تونس وتقلّدا زمام السلطة، أعلن رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي رسمياً فك ارتباط حزبه "نداء تونس" بـ "حركة النهضة" الإسلامية، وهو الارتباط الذي تصفه المعارضة بأنه توافق "مغشوش" مبني على المصالح الحزبية والشخصية، ولا يراعي مصلحة الوطن.

وقال السبسي، في حوار بثّ على قناة "الحوار" التونسية الخاصة، أول من أمس إنّ "علاقة التوافق التي تجمعه بحركة "النهضة"، انتهت بعد أن فضلت الأخيرة تكوين إئتلاف مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد".

ويأتي هذا الإعلان بعد أن فقد حزب نداء تونس أغلبيته البرلمانية وتزحزحت مرتبته إلى الكتلة الثالثة في مجلس نواب الشعب، مفسحاً المجال لكتلة حركة النهضة، تليها كتلة "الائتلاف الوطني" التي تكونت لمساندة يوسف الشاهد ودعم بقائه وحكومته في الحكم تحت عنوان "الاستقرار الحكومي"، وهو نفس المبدأ الذي أعلنته النهضة.

اقرأ أيضاً: السبسي ينهي التوافق مع النهضة... لماذا؟!

وبات واضحاً للعيان أنّ الباجي قائد السبسي قد أعلن بوضوح القطيعة مع رئيس حكومته وابن حزبه يوسف الشاهد، ودعاه إلى التقدم للبرلمان لنيل الثقة من جديد عن طريق التصويت، منتصراً لشقّ ابنه حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي للحزب.

رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي

ما مدى جدية إعلان السبسي؟

وعلق الأكاديمي والمحلل السياسي التونسي عبد اللطيف الحناشي على إعلان السبسي، وقال إنه "مسألة قاطعة"، بمعنى أنه وضّح نقطة أساسية وهو أنّ "النهضة هي التي طلبت القطيعة؛ أي إنها رفضت الانقياد وراء خياراته المتمثلة في تنحية الشاهد عن طريق تفعيل الفصل 99 من الدستور الذي يقتضي توفير عدد مناسب من النواب (73 نائباً) كي يدفعوا الشاهد إلى البرلمان للتصويت على نيل الثقة لإسقاطه برلمانياً".

"خطاب القطيعة" مع النهضة هو تحضير لانتخابات 2019 على أرضية أيديولوجية، ونداء تونس أمام 3 خيارات

وتابع الحناشي، في تصريح لـ "حفريات" أنّ "النهضة رفضت ذلك ربما، فسحبت البساط من خياره، فاعتبرَ ذلك نوعاً من "الخيانة" (لاّتفاق باريس)، وبالتالي فإنّ إنهاء التوافق هو عملية نهائية من قبله".

وقال الناطق الرسمي لحركة النهضة عماد الخميري في تصريح إعلامي، إنّ "حركة النهضة متمسكة بالتوافق باعتباره قيمة وطنية وقارباً للخروج من الأزمات الوطنية"، غير أنّ نظرة كليهما إلى التوافق لم تعد على القاعدة نفسها فيما يبدو. ففيما يرى قائد السبسي أنه تطبيق لخياراته وتوجهاته وموافقة عليها، فإنّ لحركة النهضة رؤية أخرى ترتكز على عنصرين: الانتخابات والاستقرار.

وأوضح الحناشي أنّ النهضة تنحو نحو التوافق، ولكن السؤال المطروح هو: مع من؟، "فإذا تم الاتفاق بخصوص الانتخابات، فإنّ وجهات النظر بخصوص الاستقرار مختلفة، ونداء تونس لم يعد معنياً بذلك؛ لأنه فقد كتلته الأغلبية في البرلمان، وتغيرت الخريطة تماماً، ولم يعد التوافق مع نداء تونس، بل مع كتلة الائتلاف الوطني المساندة ليوسف الشاهد، والتي صارت الكتلة الثانية في البرلمان".

من جديد.. "خطّان متوازيان لا يلتقيان"!

وفي قراءته للخطاب الذي اعتمده السبسي، شدد الحناشي على أنه "يُقرأ زمنياً في اتجاه المستقبل، بغض النظر عن الماضي، بمعنى أنه يؤسس مرحلة جديدة ستتضح ملامحها مع بداية السنة البرلمانية الجديدة".

حركة النهضة "خانت" المرزوقي سابقاً، وبالتالي فإنّ تخليها عن التوافق مع نداء تونس ليس الأول من نوعه

وأوضح الحناشي: "ثمة نقطة أساسية ورئيسة، وهي أنّ خطاب السبسي البارحة هو خطاب للمستقبل لا للحاضر، بمعنى أنه أعادنا إلى نقطة الصفر أي إلى نقطة الاحتقان الأيديولوجي. فهو يتحدث عن 2019 ويريد العودة إلى مرحلة ما قبل الانتخابات، لمّا أعلن أنّ نداء تونس وحركة النهضة خطان متوازيان لا يلتقيان، وهو ما مكنه حينها من الفوز في الانتخابات التشريعية والرئاسية، رغم أنه "خان" نداء تونس وتحالف مع النهضة، مع رفض قطاع واسع من نداء تونس لذلك، وقد كان هذا أحد عوامل انشطار الحزب".

رئيس الجمهورية السابق منصف المرزوقي

مغازلة وتذكير بماضي الخيانات

وأكد الحناشي أنّ "خطاب القطيعة" مع النهضة هو تحضير لانتخابات 2019 على أرضية أيديولوجية ودفع الشارع إلى استخدام "تصويت الضرورة". ثم إنّ خطابه هو "مغازلة للمنشقين عن نداء تونس بسبب تحالفه مع النهضة، كما أنه مغازلة غير مباشرة لرئيس الجمهورية السابق منصف المرزوقي، الذي يتجه له لأول مرة بصفته (الدكتور، والرئيس السابق) في حين أنه لم يذكره سابقاً بصفته، ولم يستقبله مرة في القصر، ولم تتم دعوته للمناسبات الرسمية".

ويعتبر الحناشي ذلك "تذكيراً لحركة النهضة بأنها "خانت" المرزوقي في فترة ما في الانتخابات الرئاسية الفارطة، وبالتالي فإنّ تخليها عن التوافق اليوم ليس الأول من نوعه. والنقطة الثانية هي بيان الـ82 الذي أصدره المنشقون عن "حراك تونس الإرادة"، الذي ركّز على أن الخلاف بينهم وبين المرزوقي، إنما سببه الولاء لقطر وتركيا وللنهضة. وبالتالي فإنّ هناك مغازلة ضمنية للمنشقين كي يكونوا في نفس المجرى مع نداء تونس".

هل باتت حركة النهضة في الزاوية دون غطاء علماني؟

ربما كانت حركة "النهضة" المستفيد الأكبر في تحالفاتها منذ تشرين الأول (أكتوبر) العام 2011، ذلك أنها سعت، بوصفها عنواناً للإسلام السياسي المرفوض محلياً وإقليمياً ودولياً، لتكوين تحالفات مع أحزاب علمانية وحداثية لإكساب نشاطها مشروعية، ولتظهر جدية في تبنيها لمقولات الدولة المدنية والحرية والديمقراطية، وغيرها من النقاط التي كانت محل انتقاد لاذع في سياساتها السابقة. كما أنها سعت لتوفر لنفسها غطاء ترسّخ به أقدامها في المشهد السياسي الوطني والدولي. أما اليوم، وفي ظل فكّ الشراكة من طرف واحد (نداء تونس)، فإنّ سؤالاً يطرح بشدة: هل باتت النهضة في العراء دون غطاء علماني؟

اقرأ أيضاً: الغنوشي يناور.. فهل تنقض "نداء تونس" وعودها وتتحالف مع "النهضة"؟

سؤال يجيب عنه الحناشي بـ"لا. ليس بعد"، ذلك أنها، في رأيه "انتقلت من غطاء نداء تونس القوي إلى مشروع آخر قائم على شخصيات أصلها من النداء (بزعامة الشاهد)، وهذا المشروع يمثل في الوقت الراهن أغلبية".

ويشير إلى "أنّ للشاهد قبولاً لدى الدوائر الخارجية (أوروبا وأمريكا أساساً) التي ماتزال تحتاج إلى حركة النهضة، ومازالت تريد الاستقرار وتريد للتجربة أن تنجح".

قوة النهضة من تفكك سواها

أما على المستوى السياسي، فإنّ حركة النهضة تستفيد بقوة من الفراغ السياسي، ومن الصراعات الأفقية داخل الأحزاب، ومن الانشقاقات المتعددة التي تعصف بجل الأحزاب لتبقى الكتلة الأقوى والأكثر تماسكاً. وفي هذا السياق يرى المحلل التونسي أنه "لا يمكن، في المشهد الحزبي الموجود الآن، لأي طرف حزبي أو سياسي أن يكون في الحكم دون موافقتها، هذا حسابياً طبعاً، باعتبار أنها تمثل الأغلبية، ولن يتغير الأمر إلاّ إذا تحالفت كتلة يوسف الشاهد مع قوى أخرى مثل الجبهة الشعبية وآفاق تونس، ولكنه أمر مستبعد لأنّ كل هذه المجموعات متنافرة فيما بينها ولا يجمعها الحد الأدنى".

ويضيف الحناشي أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل والجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي فقط ينادون بإسقاط الشاهد وحكومته، ولكن بعدما حصل في نداء تونس، حتى الاتحاد نفسه بدأ يتراجع نسبياً في خطابه، وحتى الإضراب العام الذي تمت برمجته مازال أجله بعيداً بما يعطي مجالاً للمفاوضات. فالنهضة إذاً ما تزال قوية، ولا وجود لطرف سياسي يمكن أن يشكل حكومة إلا بها"، وفق تقديره.

أزمة مزدوجة: سياسية وحزبية!

وفي استقراء لمستقبل المشهد السياسي التونسي المأزوم ذكّر الحناشي بأنّ التوافق الذي كان قائماً لم يعد موجوداً الآن، فقد كان قائماً على أساس حزبين قويين، أما اليوم فكتلة نداء تونس لم تعد تعدّ 86 نائباً والنهضة 69 نائباً.

ونوّه الحناشي إلى أنّ التوازن قد "اختلّ بفقدان نداء تونس للأغلبية البرلمانية لذلك اتجهت النهضة إلى يوسف الشاهد وكتلته، وقد تم تداول لقاء للشاهد بحركة النهضة في مونبليزير قبل يومين أو ثلاثة، إذاً فإنّ توافقاً جديداً سيصنع".

اقرأ أيضاً: "الغنوشي".. وجلباب "الإخوان"

وأكد أنّ الوضع السياسي الآن يحكمه المشهد الحزبي الذي يعيش أزمة مزدوجة عمودية وأفقية، "بمعنى أنّ كل الأحزاب عرفت انشقاقات باستثناء النهضة والجبهة الشعبية. وبالتالي فإنّ المستفيد الوحيد هو حركة النهضة التي بدت الرقم الأساسي في اللعبة السياسية حالياً، لكن هذه اللعبة لا يمكن أن تذهب بها بعيداً لأنها غير قادرة على ذلك، وهي أكثر من ذلك لا تريد أن تصل إلى تلك النقطة التي تسيطر فيها كلياً على المشهد، وقد قال الغنوشي يوماً إنّ النهضة ليست في الحكم ولكنها تحكم، وسبب ذلك أنّ للنهضة مشروعاً محدداً ولكنها تريد أن تبلغه على مراحل".

قال الغنوشي يوماً إنّ النهضة ليست في الحكم ولكنها تحكم

مشهد سياسي وحزبي جديد ورئيس بلا أدوار!

ويخلص الحناشي إلى أن "المشهد السياسي مرتبط بالمشهد الحزبي. ولما كان الثاني مأزوماً فإنّ الأول سيتأثر به بالضرورة. الآن مع الدورة الجديدة التي تنطلق في العاشر من الشهر المقبل سنرى مشهداً سياسياً جديداً ومشهداً حزبياً جديداً".

أما نداء تونس فيرى الحناشي بأنّ أمامه "ثلاث فرضيات: إما أن يندثر، أو أن يبقى أقلية، أو أن يتخلى حافظ قائد السبسي لتعود عناصر الحزب القديمة، وهي فرضية بعيدة جداً". بينما رئيس الجمهورية لم يعد له، حسب تقديره، أي دور "لأنه أساساً ظهر في ظل فراغ جعله يضخّم دوره دون أن يسمح له الدستور بكثير من الإجراءات التي قام بها. أما الآن فإن الهيبة والكاريزما لم تعد تعني شيئاً وتراجعت بشكل كبير".

الصفحة الرئيسية