بعد تأجيل الانتخابات الفلسطينية: ما الخيارات المتاحة أمام عباس؟

بعد تأجيل الانتخابات الفلسطينية: ما الخيارات المتاحة أمام عباس؟


06/05/2021

حالة من الغموض تلفّ المشهد السياسيّ الفلسطينيّ قبيل انطلاق الدعاية الانتخابية للانتخابات التشريعية المقبلة، بعد تأجيلها إلى أجل غير مسمى، في ظلّ عدم ردّ إسرائيل على طلب السلطة الفلسطينية بفتح مراكز اقتراع في المدينة المقدسية، وهو ما بدّد آمال وطموحات الفلسطينيين بانتخاب ممثليهم، للمرة الأولى منذ 15 عاماً.

وأعلن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، فجر الجمعة 30 نيسان (أبريل)؛ أنّ الانتخابات التشريعية التي كان من المقرر إجراؤها الشهر المقبل، أرجِئت إلى حين "ضمان" إجرائها في القدس الشرقية، مؤكداً أنّ إسرائيل ما تزال ترفض السماح للمقدسيين بالمشاركة في هذا الاستحقاق.

على الرئيس الفلسطيني أن يذهب إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية ببرنامج وطني يقوّي صمود الشعب الفلسطينيين، وهو ممرّ إجباريّ يجب السير به

وقال عباس، في ختام اجتماع للقيادة الفلسطينية، عقد برئاسته في رام الله بالضفة الغربية: "قرّرنا تأجيل موعد إجراء الانتخابات التشريعية إلى حين ضمان مشاركة القدس وأهلها في هذه الانتخابات، فلا تنازل عن القدس، ولا تنازل عن حقّ شعبنا في القدس في ممارسة حقّه الديمقراطي".

وبموجب مرسوم سابق، كان من المقرّر أن تجرَى الانتخابات على 3 مراحل خلال العام الجاري: تشريعية (برلمانية) (في 22 أيار (مايو))، ورئاسية (في 31 تموز (يوليو))، وانتخابات المجلس الوطني (في 31 آب (أغسطس) المقبل).

عبّر وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، عن خيبة أمله بتأجيل الانتخابات

وقالت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا؛ إنّها تشعر بخيبة أمل إزاء قرار عباس بتأجيل الانتخابات البرلمانية، وحثّته على تحديد موعد جديد على وجه السرعة.

وذكرت الدول الأربع، في بيان مشترك، في 30 نيسان (أبريل) الماضي: "ندعو السلطة الفلسطينية إلى تحديد موعد انتخابات جديد في أقرب وقت ممكن، وندعو إسرائيل إلى تسهيل إجراء مثل هذه الانتخابات في كلّ الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية وفق الاتفاقيات السابقة".

اقرأ أيضاً: محلّلون لـ "حفريات": لهذه الأسباب قام عباس بتأجيل الانتخابات الفلسطينية

ووصف مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، القرار بأنّه "مخيب للآمال بشدة"، وقال إنّه ينبغي إعلان موعد جديد للانتخابات "دون تأخير".

وعبّر وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، عن خيبة أمله بتأجيل الانتخابات التي وصفها بأنّها تأخرت كثيراً، داعياً إلى تحديد موعد جديد على وجه السرعة.

وأكّد رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية؛ إنّ قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية "مؤسف"، معتبراً أسبابه "غير مقنعة".

"تأجيل الانتخابات يعني إلغاؤها"

وأضاف هنية، في كلمة متلفزة نشرتها فضائية الأقصى، التابعة للحركة في 30 نيسان (أبريل) الماضي؛ أنّ "قرار تأجيل الانتخابات المؤسف، وضع الساحة الفلسطينية في منطقة تشبه الفراغ، وهناك قضايا كبيرة كان يجب معالجتها من خلال المؤسسات التي ستشكّل بعد الانتخابات"، مضيفاً: "تأجيل الانتخابات يعني إلغاؤها ومصادرة حقّ الفلسطينيين السياسي".

وأعلن عضو المكتب السياسي لـحماس، حسام بدران، في الأول من أيار (مايو) الجاري، أنّ الحركة بدأت التواصل مع أحزاب وقوائم انتخابية للتوصل إلى "خارطة طريق" لمنع سلب حق الفلسطينيين بالانتخابات.

وقال بدران: "الحركة بدأت التواصل مع الأحزاب والقوائم الانتخابية، من أجل الوصول إلى خارطة طريق قابلة للتطبيق لمنع سلب الشعب الفلسطيني حقّه بالانتخابات".

وأضاف: "حماس تحترم مكوّنات شعبنا، وتريد إجراء حوارات حقيقية مع الجميع، للوصول إلى إستراتيجية للتعامل مع المرحلة القادمة"، معتبراً أنّه "ما يزال هناك متّسع من الوقت لإجراء الانتخابات في القدس، والمقدسيون قادرون على انتزاع حقّهم".

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية؟

وأجمع ممثلو قوائم "مستقلّة"، مرشّحة للانتخابات التشريعية الفلسطينية في قطاع غزة، على رفض أيّ قرار يؤدي إلى "إلغاء العلمية الانتخابية أو تأجيلها".

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك، عقدته 28 قائمة مستقلة، في 29 نيسان (أبريل)، أمام مقرّ المجلس التشريعي بمدينة غزة.

ووفق لجنة الانتخابات المركزية، ترشّحت 36 قائمة لخوض الانتخابات التشريعية، من بينها قائمة حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة منذ نحو 15 عشر عاماً.

فرض الانتخابات بالأمر الواقع

ويرى مدير مركز "مسار" للدراسات، نهاد ابو غوش؛ أنّ "إجراء الانتخابات بالقدس هو مطلب استثنائي ونضالي لا يجب التنازل عنه تحت أيّ ظرف كان، حيث يصعب التوقع بموافقة إسرائيل على إجراء الانتخابات وتقديمها للفلسطينيين على طبق من ذهب"، مبيناً أنّ "الاحتلال منذ سنوات طويلة وهو يواصل تهويده لمدينة القدس، ويمنع إقامة أيّة فعاليات فلسطينية فيها، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اجتماعية، وحتّى الرياضية منها".

نهاد أبو غوش

ويضيف أبو غوش، لـ "حفريات": "بالإمكان تخطّي عقبة الاحتلال الاسرائيلي لإجراء الانتخابات بالقدس من خلال تحدّيه وفرضها بالأمر الواقع، عبر التصويت الجماهيري في الساحات والشوارع العامة، وذلك في ظلّ الأعداد المحدودة نسبياً التي يحقّ لها التصويت في تلك الانتخابات، الذين لا يتجاوز عددهم 6 آلاف مقدسي، وهم الذين يعيشون خارج حدود بلدية الاحتلال بالمدينة".

تأزيم الانقسام

وتابع: "اقتراح الرئيس الفلسطيني تشكيل حكومة وحدة وطنية كبديل عن عقد الانتخابات، يعني الهروب من إجراء هذا الاستحقاق الوطني"، مؤكداً أنّ "قرار تأجيل الانتخابات تم الإعلان عنه بشكل فردي من قبل رئيس السلطة، بمشاركة قوائم انتخابية صغيرة محسوبة ومؤيدة لحركة فتح، في حين أنّ غالبية القوائم الانتخابية أبدت رفضها ومعارضتها لتأجيل الانتخابات؛ حيث لن يسعف قرار تشكيل حكومة وحدة وطنية في إحداث أيّة تغييرات جذرية للأزمة الحالية، وهو نمط جديد لجأت إليه السلطة بحجة فتح المجال للمشاركة الأوسع في عملية اتخاذ القرار".

المحلل السياسي نهاد أبو غوش لـ "حفريات": "بالإمكان تخطّي عقبة الاحتلال لإجراء الانتخابات بالقدس من خلال فرضها بالأمر الواقع، عبر التصويت الجماهيري في الساحات والشوارع العامة

وأوضح: "قرار تأجيل الانتخابات لم يكن مقنعاً لجميع الأطراف، بذريعة عدم إمكانية إجرائها في مدينة القدس، لكن ما لم يتمّ ذكره في وسائل الإعلام؛ أنّ الأسباب الحقيقية للتأجيل تكمن من تخوّف حركة فتح من نتائج الانتخابات، وانخفاض حظوظها في حصولها على نسبة كافية لكسب مقاعد المجلس التشريعي، في مقابل حصول القوائم المنشقة عنها على نسب مرتفعة، بالتالي؛ فإنّ التأجيل يشكّل نكسة لكافة الجهود التي بذلت لضخّ دماء جديدة داخل النظام السياسي الفلسطيني".

ويخشى أبو غوش أن "يتسبّب تأجيل الانتخابات في تأزيم حالة الانقسام السائدة بين حركتَي فتح وحماس، في ظلّ وجود أطراف داخل الحركتين من مصلحتما أن يبقى الانقسام سائداً، من خلال محاولاتها ودفعها لتأجيل الانتخابات، وكذلك صبّ الزيت على النار لتأجيج وتوتير الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة".

الاحتلال لن يسمح

من جهته، يقول رئيس جامعة القدس المفتوحة في بيت لحم وأستاذ القضية الفلسطينية، د. أسعد العويوي، في حديثه لـ "حفريات": إنّ "الاحتلال الاسرائيلي لن يسمح الآن، ولا مستقبلاً، إجراء الانتخابات الفلسطينية بمدينة القدس المحتلة، في ظلّ الأوضاع الراهنة واعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لدولة الكيان، بالتالي، السماح للفلسطينيين بإجراء الانتخابات ترى فيه إسرائيل أنّه إجهاض للقرار الأمريكي، وانتقاص من حقّها في السيادة الكاملة على القدس المحتلة منذ عام 1967".

أسعد العويوي

وتابع: "الرئيس الفلسطيني لم يعلن إجراء الانتخابات الفلسطينية، إلا بعد تلقيه وعوداً أوروبية بإجرائها في كافة المناطق الفلسطينية، ومن بينها القدس المحتلة، إلا أنّ الأوروبيين صدموا بموقف الاحتلال الإسرائيلي الرافض لعقدها في القدس، وبذلك فإنّ إجراء الانتخابات من دون القدس من شأنه أن يضع السلطة الفلسطينية في دائرة الاتهام باعترافها بصفقة القرن، وبالتنازل عن العاصمة المستقبلية للدولة الفلسطينية".

اقرأ أيضاً: بسبب القدس: الانتخابات الفلسطينية في مهبّ الريح

ولفت العويوي؛ إلى أنّ "الوضع الفلسطيني الداخلي والإقليمي معقّد جداً، وهناك قرارات يتمّ اتّخاذها لا تكون في الاتجاه الصحيح، مثل قرار إجراء الانتخابات الفلسطينية؛ حيث كان الأجدر أن يتمّ إنهاء الانقسام والوصول إلى وحدة فلسطينية حقيقية تتفق على برنامج وطني مقاوم؛ إذ تكون الأطر السياسية قادرة على إثارة الشارع الفلسطيني بوجه الاحتلال ليقول له لا، وهو الأهمّ قبل إجراء أيّة انتخابات فلسطينية".

خطّ أحمر

وأكّد أنّ "الاحتلال الإسرائيلي هو أكبر سدّ حقيقي لمنع إجراء الانتخابات؛ إذ لا يريد أن يرى القدس والضفة وكافة المناطق الفلسطينية تشهد حالة من الوحدة والتواصل، ويريد الإبقاء على حالة العزلة والانقسام بين كافة المناطق الفلسطينية".

وعن السيناريوهات الحالية لخوض الانتخابات، بيّن العويوي أنّ "على الرئيس الفلسطيني أن يذهب إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية تجمع كافة القوى والفصائل الفلسطينية، مع العمل على تشكيل برنامج وطني يعمل على تقوية صمود الشعب الفلسطيني على الأرض، وهو ممرّ إجباريّ يجب السير به، تحديداً بعد عدم ممارسة حقّ شعبنا الفلسطيني في إجراء الانتخابات"، مشيراً إلى أنّ "المعركة الحقيقية الآن هي السيادة على القدس، وهي خطّ أحمر للمقدسيين وشعبنا، وفلسطين بدون القدس لا تساوي شيئاً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية