بعد ترشيح الغنوشي للبرلمان عين "النهضة" على الحكومة.. فهل تنجح؟

تونس

بعد ترشيح الغنوشي للبرلمان عين "النهضة" على الحكومة.. فهل تنجح؟


13/11/2019

باتت رغبة حركة النّهضة الإخوانية التونسية واضحةً في السيطرة على السلطتين؛ التنفيذية والتشريعية، والالتفاف على كافّة مؤسّسات الدولة، بعد أن تمسّك مجلس شوراها بضرورة تعيين رئيس حكومة من داخلها، ورشّح زعيمها راشد الغنّوشي لرئاسة البرلمان في السنوات الخمس القادمة، وهي المرّة الأولى التي يسعى فيها الرجل إلى تولّي منصب رسمي في البلاد، منذ عودته من منفاه العام 2011، وهو ما وُصف برغبةٍ من مؤسسات الحركة لإتاحة فرصةٍ طالما سعى إليها الغنّوشي، وتتعلق بتولي مسؤولية عليا بعد مسار سياسي طويل امتد منذ تأسيس الحركة.

اقرأ أيضاً: هل تنجح حركة النهضة الإخوانية بالاستفراد بالمشهد السياسي التونسي؟‎
ولم يلعب الغنوشي (78 عاماً) أيّ دور في البرلمان أو السلطة التنفيذية، واكتفى منذ عودة الحركة إلى تونس، عقب سقوط نظام بن علي بقيادة "النهضة"، لكنّه أبدى في الانتخابات الأخيرة اهتمامه بالعمل الحكومي، وأعلن ترشّحه على رأس أهم دائرة انتخابية في تونس (تونس1)، فيما رُبط الأمر بخروجه من قيادة الحركة، التي يمنع قانونها الداخلي ترشّحه مرّة أخرى لرئاستها.
مجلس شورى حركة النهضة يتمسك بتعيين شخصية من داخل الحركة على رأس الحكومة

إحكام السيطرة على مؤسسات الدولة
وفي ظل المشهد السياسي المشوّش في تونس بعد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، تتمسّك حركة النهضة، بصفتها صاحبة المرتبة الأولى (52 مقعداً من إجمالي 217 مقعداً) بحقها في أن يكون البرلمان والحكومة من نصيبها، في وقتٍ ترفض كلّ الأحزاب التونسية المكونة للمشهد السياسي ذلك، وتبدي تخوّفها من أن تحكم الحركة سيطرتها على مفاصل الدولة، وفق ما أكّده المؤرخ الجامعي المختص في التاريخ السياسي المعاصر خالد عبيد.
وقال عبيد في تصريحه لـ"حفريات"، إنّ حركة النّهضة قد نجحت في السيطرة بصفةٍ كبيرةٍ على مفاصل الدولة، نتيجة سماح حكومة يوسف الشاهد بذلك، مقابل دعمها له لدى خلافه مع الرئيس التونسي الراحل الباجي قايد السبسي، وإبقائه في الحكم.

حركة النهضة ترشّح زعيمها راشد الغنّوشي لرئاسة البرلمان في السنوات الخمس القادمة

وأشار عبيد إلى أنّ حركة النهضة تعمل حالياً على السيطرة على كلّ آليات الحكم، وعلى كلّ مفاصل الدولة، "وهو ما يبدو واضحاً من خلال إصرارها على أن يكون رئيس الحكومة الجديدة شخصيةً من داخلها، ويعتقد أنّ ذلك محاولةً من الحركة لابتزاز باقي الأطراف السياسية لضمان النصيب الأوفر من الحقائب الوزارية، لتستكمل المؤسسات التي مازالت خارج سيطرتها".
وقد كشفت كواليس النقاشات السياسية وجود ثلاثة مرشحين لمنصب رئيس البرلمان إلى حدّ اللحظة، هم كل من راشد الغنّوشي عن حزب حركة النهضة، ورجل الأعمال رضا شرف الدين عن حزب قلب تونس صاحب المرتبة الثانية (38 مقعداً)، والسياسي غازي الشواشي عن  التيار الديمقراطي صاحب المرتبة الثالثة (22 مقعداً).
راشد الغنوشي يبحث عن الرئاسة التي سيفقدها داخل الحركة

برلمان فسيفسائي تحت قبضة "النّهضة"
هذا وأظهرت الانتخابات التشريعية التونسية استمرار نهج التصويت العقابي للمشاركين في الحكومات أو المؤسسات السياسية عقب ثورة 2011، حيث انحاز الناخب التونسي لأحزاب خارج المؤسسة السياسية إلى جانب الانحياز للمستقلين، وهو ما جعل حركة النّهضة تتحصل على 23.9٪ فقط من مقاعد البرلمان بإجمالي 52 مقعداً مقابل 89 مقعداً في انتخابات 2011 و69 مقعداً في 2014.

اقرأ أيضاً: النهضة ترشّح الغنوشي لهذا المنصب
هذه الوضعية التي رسمت برلماناً فسيفسائياً لا يتمتّع فيه أيّ حزبٍ بأغلبيةٍ مريحةٍ تمكنّه من تمرير قراراته ومواقفه، استوجب ضرورة تحالف الأحزاب المتقاربة لتكوّن أغلبية، وجعلت من حركة النّهضة برغم تراجع عدد مقاعدها وقاعدتها الانتخابية، تقود المشهد البرلماني، رغم الصعوبات المحتملة التي ستعقّد العمل النيابي خلال السنوات الخمس القادمة.

الأحزاب التونسية متخوّفة من أن تحكم النهضة سيطرتها على مفاصل الدولة

ويؤكّد رئيس المعهد المغاربي للدراسات الإستراتيجية، الطاهر شقروش، في حديثه لـ"حفريات"، أنّ رئاسة البرلمان مسألة حيوية بالنسبة لحركة النّهضة باعتباره مركز السلطة، ومصدرها، وأنّ الحركة مستعدة للتخلّي عن رئاسة الحكومة من أجل التوصل إلى اتّفاقٍ يمكنّها من منح الغنوشي هذا المنصب.
واعتبر شقروش أنّ راشد الغنّوشي يبحث عن رئاسة سيفقدها في الحركة؛ "لأنّ الحركة ستجري مؤتمرها قريباً، ولن يسمح قانونها الداخلي بتجديد رئاسته؛ أي إنّ هذه آخر عهدةٍ له، وفي حال خرج من قيادة الحركة سيخسر كل نفوذه، لذلك هو يسعى لرئاسة المجلس وقد يضحي بأيّ شيء في سبيل ذلك".
وأكد شقروش أنّ النهضة في الواقع ليست الحزب الفائز في الانتخابات باعتبار خسارتها لأكثر من مليون ناخبٍ، ولأنّها لم تتحصّل على الأغلبية النسبية، مشيراً إلى أنّها "ستواصل إيهام الرأي العام التونسي وخصومها السياسيين أنّها الفائز الأبرز".
وأوضح شقروش أنّ الحركة ستسيّر البرلمان إذا فازت برئاسته، عبر مواصلة الإيهام بالفوز، و"الحال أنّها لن تستطيع تكوين أغلبية نسبية (109 أصوات)، ولا الأغلبية المطلقة (117 صوتاً)"، موضحاً أنّ الغنّوشي مضطرٌّ لترأس البرلمان.

اقرأ أيضاً: انقسام في "النهضة" بين قيادة الحكومة أو الحكم من وراء ستار
تجدر الإشارة إلى أنّ الحركة غير قادرةٍ على تجميع أكثر من 78 مقعداً في حال تحالفت مع ائتلاف الكرامة (21 مقعداً) ذي التوجّه الإسلامي، وحزب الرحمة الذي يستند إلى مرجعية إسلامية هو الآخر (5 مقاعد)، في وقت تحتاج فيه إلى 109 أصوات على الأقل.

النهضة تعيش اضطراباً داخلياً
وإلى جانب العزلة التي تعيشها الحركة داخل وسطها المجتمعي، والسياسي، فإنّها تعيش خلافات داخلية، عطّلت بعض القرارات، وعقّدت مسار تشكيل الحكومة، فقد نشر القيادي عبد اللطيف المكي بعد انعقاد مجلس الشورى حول الشخصية التي ستقترحها النهضة لترأس الحكومة، تدوينةً مفادها أنّ ممارسة السياسة تقتضي أن تتحمل أخطاء غيرك من أعضاء الحزب، معلّقاً "تُحاسب على قرارات لم تكن موافقاً عليها".

شقروش: حركة النّهضة لم تفز في الواقع لكنها تحاول إيهام الرأي العام التونسي بالانتصار

ولمّح المكي إلى أنّه لم يكن موافقاً على بعض سياسات الحركة الإسلامية، لكنّه يُحاسب لأنّ "الناس لا تعرف كل الحقائق" مشيراً إلى أنّه من حقّ حركة النهضة تعيين رئيس للحكومة واقتراح أعضائها، وقال المكي إنّ 18 عضواً صوتوا بالرفض على قرار ترشيح راشد الغنّوشي لرئاسة البرلمان.
من جانبه، انتقد القيادي محمد بن سالم سابقاً ترشيح الغنّوشي لمنصب رئاسة الحكومة، وأبدى خشيته من طريقة حسم النهضة في الموضوع، آملاً أن تتم العملية بشكلٍ ديمقراطي، وقد شدّد مراراً على أنّ الغنوشي ليس الشخصية الأفضل لتولّي هذا المنصب، وأنّ مهمّته ستكون صعبةً إذا ما تولى الرئاسة.
كما اعتبر القيادي بالنهضة، لطفي زيتون، في حديثه لـ"حفريات"، أنّ الحركة "مالت خلال الحملة الانتخابية ميلاً خطيراً إلى أقصى اليمين، وعليها أن تعود إلى الوسط وأن تنخرط في التوافق من جديد"، داعياً إيّاها إلى ضرورة التوافق من أجل تعيين شخصيّةٍ سياسيّةٍ مقبولةٍ داخلياً وخارجياً، ولها قدرة على تأسيس مشروعٍ وطنيٍ جامع يساهم في أخلقة العمل السياسي.

اقرأ أيضاً: انتخابات تونس.. برلمان دون أغلبية وفوز منقوص لحركة النهضة الإخوانية
وقد أقرّ النائب عن الحركة، سليم بسباس، في تصريحه لـ"حفريات"، بعدم وجود إجماع حول شخص زعيمهم راشد الغنّوشي، لافتاً إلى وجود خلافات شخصيّة حوله، غير أنّ قرار ترشيحه لرئاسة البرلمان كان قراراً مؤسساتياً وجب احترامه.
ورجّح بسباس أن ينجح الغنوشي في ترؤس مجلس الشعب (البرلمان)؛ لأنّ قدراته ليست أقلّ من قدرات الذين سبقوه في هذا المنصب، ولأنّه نجح في قيادة حركة النّهضة بمختلف تشكلاتها لسنوات.
هذا ويخشى مراقبون من أن تعجّل المصادقة على الحكومة المقبلة بأغلبية هشة وتحالفات غير ثابتة، بسقوط الحكومة، خاصة في ظلّ ترقّب شعبي للنهوض بالاقتصاد وتقليل نسب البطالة المرتفعة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية