بعد غضبها.. "النهضة" تهادن إلى حين مرور رياح الحكومة

بعد غضبها.. "النهضة" تهادن إلى حين مرور رياح الحكومة


28/07/2020

لم يكن مفاجئاً موقف حركة النهضة الإخوانية في تونس من الحكومة الجديدة، فقد جاءت مهادنتها للرئيس التونسي، وتهنئة رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي، متوقعة، لحين مرور رياح الحكومة العاصفة التي هزّت هيبة الحركة، ثمّ البحث عن سبل جديدة للمناكفة.

اقرأ أيضاً: قيس سعيد يتفقد القوات الخاصة ليلاً.. ما علاقة حركة النهضة؟

بيان حركة النهضة المنمّق أمس، لا يعني أنها أذعنت أو فقدت كافة أوراقها لإثارة القلق وتفجير المشكلات، لكنه يعكس أزمة كبيرة تحيط بالحركة من اتجاهات عدة.

الحركة دعت كلّ المكونات السياسية إلى التهدئة والحوار، وإلى الالتزام بنهج التوافق ودعم مقومات الوحدة الوطنية والاستقرار

وكانت الحركة الإخوانية أعلنت أمس، عقب اجتماع استثنائي لمكتبها التنفيذي برئاسة راشد الغنوشي، للتباحث في آخر المستجدات، عن تهنئتها المشيشي بالتكليف، ودعته إلى توسيع دائرة المشاورات مع الأحزاب والمنظمات الوطنية، ووضع برنامج وطني للإنقاذ، لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية والاجتماعية الصعبة.

 وكانت الحركة تحفظت عن إطلاق أيّ تعليق حول رئيس الحكومة الجديد لحين اجتماع المكتب التنفيذي، فيما هاجم حلفاء "النهضة" الاختيار، ووصفوه بأنّه ضرب عرض الحائط بترشيحات الأحزاب التونسية.

وجاء اختيار المشيشي من قبل الرئيس التونسي بعيداً عن التوقعات والترشيحات التي قدمتها الأحزاب التونسية للرئيس، فيما يُعدّ المشيشي ضمن دوائر ثقة سعيد، كما أنّه رجل قانون وأمن؛ أي إنّه قادر على مواجهة التحديات التي تواجه تونس.

ولم يأتِ اختيار المشيشي على هوى حركة النهضة؛ إذ سبق أن رفضت شخصه خلال تولّيه منصب وزير الداخلية في حكومة إلياس الفخفاخ، كما كانت تأمل في اختيار شخصية اقتصادية لمواجهة الأزمة الاقتصادية في البلاد.

وفق مبدأ المهادنة المنبثق من براغماتية جماعة الإخوان والتي تنبثق منها حركة النهضة، فقد كان خيار قبول الحكومة هو الأقرب

لقد أصبحت حركة النهضة بتسمية المشيشي أمام أمر واقع، لا يتيح لها سوى اختيارات محدودة، بين مهاجمة رئيس الحكومة المكلف تمهيداً لرفضه، ما يكلفها حلّ البرلمان الذي تملك الكتلة الأكبر فيه (54 نائباً)، أو أن تقبل على مضض التكليف للحفاظ على حقيبتها البرلمانية.

ووفق مبدأ المهادنة المنبثق من البراغماتية المعهودة عن جماعة الإخوان المسلمين، والتي تنبثق منها حركة النهضة، فقد كان الخيار الثاني هو الأقرب. وإمعاناً في المهادنة اختارت الحركة لغة رصينة تعكس الانفتاح والرغبة في التوافق، حيث دعت خلال بيانها الأخير، عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، كلّ مكونات الساحة السياسية إلى التهدئة والحوار، وإلى الالتزام بنهج التوافق ودعم مقومات الوحدة الوطنية والاستقرار.

ورأت الناشطة السياسية التونسية في جنيف، ريم بالخذيري، بيان النهضة فضفاضاً، وقالت لـ "حفريات": إنّ البيان يعكس تخبّطاً كبيراً أمام الواقعية السياسية الجديدة، إنّه بيان مخالف تماماً لتصريحات أعضاء مجلس شورى الحركة الذين يهدّدون   ويتوعّدون.

وتابعت: لغة البيان هي ترجمة لشخص الغنوشي فقط، الذي يعيش تحت محكّ موعد يوم الخميس، وضغط أعضاء الحركة من الداخل الذين باتوا لأول مرّة خارج السلطة التنفيذية.

محلل سياسي قال: إنّ تزامن لائحة سحب الثقة من الغنوشي مع تشكيل الحكومة يخدم سعيد ويؤزّم النهضة

ويعقد البرلمان التونسي جلسة بعد غد، يتحدّد خلالها مصير رئاسة الغنوشي للبرلمان، حيث سيصوّت فيها الأعضاء على لائحة لسحب الثقة من الغنوشي. تتطلب اللائحة موافقة 109 من أصل 217 نائباً في البرلمان التونسي، وكانت اللائحة قد جمعت توقيعات أكثر من 70 نائباً.

في غضون ذلك، يعلق المحلل السياسي التونسي المقيم في باريس، نزار الجليدي، على رصانة الحركة البادية قائلاً: الحركة أرادت المناورة منذ البداية حتى انقلبت الأوضاع عليها، وذلك لا يعني أنّ الحركة لن تراوغ مستقبلاً، ففيما يبدو خطابها الرسمي منمقاً، يهدّد 5 من أعضاء مجلس شورى الحركة بالحرب الأهلية.

وأضاف لـ"حفريات": هم لا يملكون أدوات الحرب، نعم لهم جيش خفي، وعصابات مدرّبة، لكنّ تونس لها أمل قوي بمساعدة من الجزائر وتنسيق دائم معها، إذ تُعدّ الجزائر أكبر سند استعلاماتياً لتونس، خصوصاً على الصعيد الليبي الذي تستقوي به حركة النهضة.

وقد انفجرت الأزمة السياسية في تونس على وقع التطورات في ليبيا، حيث سعت حركة النهضة إلى الاصطفاف خلف تركيا وحكومة الوفاق، فيما قاوم الرئيس التونسي ذلك.

اقرأ أيضاً: تونس.. خيارات صعبة أمام "النهضة" بعد تكليف المشيشي

ويرى الجليدي أنّ توقيت سحب الثقة وتزامنها مع تشكيل الحكومة الجديدة خدم الرئيس التونسي فيما عقّد الأمور أمام النهضة. وأوضح قائلاً: أتوقع أنّ الحكومة ستتشكل من الأحزاب التي ستصوّت على سحب الثقة من الغنوشي، أو من شخصيات تكنوقراط يتلاقى هواها السياسي مع تلك الأحزاب، وهذا سيحفز مزيداً من الكتل على التصويت لصالح سحب الثقة.

وتابع: حال تمّ سحب الثقة من الغنوشي ستصبح الحركة أمام مأزق تحديد موقفها من البرلمان والخيار بين 54 مقعداً مضموناً في البرلمان الحالي، أو المجازفة بانتخابات جديدة، أمّا في حال لم يتمّ سحب الثقة، فسيكون خيار الحركة أيسر، وستصبح أمام سبب إضافي للتمسّك بالبرلمان الحالي.

اقرأ أيضاً: هل تنجح أحزاب تونس في إخراج "النهضة" من الحكم؟

ولا يعني منح النهضة الثقة للبرلمان ضمان سيرورة سلسة للأحداث، بعدها، ولن يضمن عدم انقلاب الحركة والمتحالفين معها من الإسلاميين على الحكومة فيما بعد، أو وضع العراقيل في وجهها، إذ سبق أن منحت النهضة الثقة للفخفاخ، ثمّ أشهرت في وجهه دعاوى الفساد وتضارب المصالح، ما أدخل البلاد في أزمة سياسية جديدة. 

الصفحة الرئيسية