بعد مقتل قاسم سليماني.. المنطقة على صفيح ساخن!

بعد مقتل قاسم سليماني.. المنطقة على صفيح ساخن!


04/01/2020

بغارة جوية خاطفة، قصفت صواريخ أمريكية عن طريق طائرة مسيَّرة (من دون طيار)، فجر أمس الجمعة، موكب قاسم سليماني (62 عاماً)، قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، وأبو مهدي المهندس، نائب القائد العام لميليشيا الحشد الشعبي، في محيط مطار بغداد، وذلك بعد يومين، فقط، من استهداف ميليشيات الحشد الشعبي العراقي، السفارة الأمريكية في بغداد واقتحام المنطقة الخضراء، لتنتهي بذلك حياة أشهر جنرال إيراني معروف إعلاميّاً، فقد كان قائد "فيلق القدس"، الجهاز المسؤول عن العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، كما كان سليماني رجل إيران الأول في العراق، فضلاً عن إدراجه رسميّاً على قائمة الإرهاب، كونه أحد أهم المطلوبين عالمياً.


أنْهَت الغارة الأمريكية حياة سليماني، لكنها تُعدُّ بمثابة بداية جديدة لموجة، بل موجات متتالية من الإرهاب الإيراني في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ ليس من اليسير أن يمرّ مقتل جنرال إيران القوي، وقائد ميليشات ومهندس عمليات إيران في كلٍّ من سوريا ولبنان والعراق واليمن، مرور الكرام؛ خصوصاً أنّ مقتله جاء عن طريق صواريخ أمريكية، الأمر الذي يعدُّه ملالي إيران ثأراً واجب التنفيذ، ليس لكون سليماني "جندياً شهيداً من جنود ولاية الفقيه!"، أو لكونه "جنرال السلام!"، على حدّ وصف التلفزيون الإيراني الحكومي؛ بل لأنّ مقتله جاء من خلال ضربة أمريكية اخترقت صميم جمهورية ولاية الفقيه، فأهدرَت الكيان الإيراني العسكري، واغتالت جنرالَها القويَّ ذا الشهرة العريضة عالمياً، ورجلها المخطِّط في عدد من البلدان العربية التي تتغلغل فيها الأذرُع والميليشيات الإيرانية منذ أعوام، الأمر الذي دفع أمير حاتمي، وزير الدفاع الإيراني، إلى التصريح علانية بأنّ دولته ستنتقم "انتقاماً ساحقاً للاغتيال الجائر لسليماني"، مضيفاً "سننتقم من جميع المتورطين والمسؤولين عن اغتياله"!

يمثّل مقتل سليماني منعطفاً خطيراً في صراعات الشرق الأوسط، فقد  تشهد المنطقة، تداعيات خطيرة سياسية وعسكرية واقتصادية

مقتل سليماني أفقَد المسؤولين الإيرانيين اتزانهم بشكل مثير للانتباه؛ فلم يكن يدور في خلدهم أن تكون نهايته بتلك الطريقة وبأيدٍ أمريكية، وأين؟ في العراق! البلد الذي استباحت جمهورية الملالي حُرمته، وأعملَت فيه ميليشيات الحشد الشعبي التابعة لها، لذلك جاءت الضربة الأمريكية في الصميم؛ لأنها لم تكتفِ بتصفية سليماني فقط؛ بل بتصفية أبو مهدي المهندس معه، وقد كان يتولّى رسمياً نائب رئيس الحشد الشعبي، لكنّه يعدّ على نطاق واسع قائده الفعلي ومهندس عملياته، وكانت الولايات المتحدة قد أدرجت اسمه على قائمتها السوداء، لذلك جاءت الضربة قاضية على اتّزان المسؤولين الإيرانيين؛ إذ ليس من اليسير السيطرة على ما تبقّى لديهم من ثبات انفعالي بعد ما حدث، وفي بلدٍ يخططون للانقضاض على مقوّماته، والسيطرة عليه بكل الطرق كما لو كان العراق المحافظة رقم 32 الإيرانية!

اقرأ أيضاً: قاسم سليماني وأبومهدي المهندس.. غياب الضرورة
وزارة الدفاع الأمريكية تدرك أنّ إيران تخطط للردّ على تصفية سليماني في العراق، لكن المؤكد كذلك أنّ مسؤولي الجيش الأمريكي مستعدون للأمر، لذلك أرسلت الولايات المتحدة؛ تحسُّباً للانتقام الإيراني المنتَظَر، عدداً من جنود الفرقة 82 المحمولة جوّاً، المعروفة باسم قوات التدخل السريع، والتي ستُضاف إلى ما يقرب من 14 ألف عسكري أمريكي نُشِروا في المنطقة خلال الأشهر الستة الماضية بسبب الممارسات والاستفزازات الإيرانية، وهو ما يشير إلى أنّ المنطقة ستشهد، تبعاً لذلك، تداعيات خطيرة، سياسية وعسكرية واقتصادية، ما دفع القيادة المركزية الأمريكية المسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط إلى إعلان حالة النفير العام والإنذار القصوى.

اقرأ أيضاً: مقتل سليماني استدراج حرب أم تعديل في قواعد الاشتباك؟
لكن، وعلى الرغم من الغضب الإيراني العارم لمقتل سليماني ورفاقه، فإنّ الأرجح أنّ إيران لن تدخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة، على الأقل حاليّاً؛ لأن تلك المواجهة لن تكون في مصلحتها بأي حالٍ من الأحوال، وهو ما سيدفع الجمهورية الإسلامية إلى التخطيط للانتقام بشكل غير مباشر عن طريق أذرعها وعناصرها في البلدان العربية ولاسيما في العراق، التي تنظر إليها إيران كامتداد جغرافي لن تتنازل عنه بسهولة، وربما لن يتوقف الأمر عند ذلك، فقد تنفذ عمليات إرهابية من خلال ميليشياتها المنتشرة في البلدان العربية وقد تكون السعودية هدفاً لها هي الأخرى، وهو ما يؤذِن بشتاء ساخن قد تمتدّ سخونته إلى الصيف المقبل، حتى إنّ خامنئي صرّح بعد تلقّيه خبر مقتل سليماني قائلاً: إنّ مقتله "يشعرنا بالمرارة، وسيضاعف الحافز لمقاومة الولايات المتحدة وإسرائيل!"، ولعلّ أحد أسباب ذلك أنّ الولايات المتحدة لا تملك إستراتيجية واضحة للتعامل مع إيران، على الرغم مما تسبّبه الممارسات والسياسات الإيرانية من توتُّر عنيف في منطقة الشرق الأوسط عموماً، والمنطقة العربية خصوصاً!

إيران لن تدخل بمواجهة عسكرية مباشرة مع أمريكا حاليّاً؛ لكنها ستخطط للانتقام بشكل غير مباشر عن طريق أذرعها بالبلدان العربية

إنّ مقتل سليماني يمثّل، لا شكّ، منعطفاً خطيراً في صراعات الشرق الأوسط، الأمر الذي دفع نائباً ديمقراطياً بارزاً هو إليوت إنغل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، للقول: إنّه مقتله يشكل "تصعيداً خطيراً لنزاعنا مع إيران مع عواقب لا يمكن التكهن بها"، وهو أمر سليم تماماً ينبغي أن تعمل له الدول العربية ألف حساب، وتُدرِجه على أجنداتها القادمة في صعيد إستراتيجيات العلاقات المشتركة والفاعلة بالشرق الأوسط، المنكوب بمثل تلك الحوادث والقضايا، بسبب عدم اتخاذ قرارات مشترَكة فيما بين الدول العربية، وتغلغل الطائفية وجماعات الإسلام السياسي في المحيط العربي/ الإسلامي، وهو ما يؤكد ضرورة القضاء على الأسباب التي تدفع إلى تشرذم القوى العربية المختلفة، ووجوب اتحادها وتطهير محيطها من الداخل والخارج للقضاء على تلك الأسباب ولو بالتدريج والمناورة، مع القضاء المبرم على أية ظروف سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية، تنمو في جنباتها شجرة المذهبية والطائفية، وحركات الإسلام السياسي والإرهاب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية