بعد مهاجمة الحرس الثوري السفينة الإسرائيلية: كيف سيكون الرد؟

بعد مهاجمة الحرس الثوري السفينة الإسرائيلية: كيف سيكون الرد؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
05/08/2021

ترجمة: إسماعيل حسن

الإيرانيون مجدداً يضربون سفناً بملكية إسرائيلية، ردّاً على نشاط سلاح الجوّ الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، وعلى ما يبدو فإنّ قائد سلاح الجوّ في الحرس الثوري الإيراني، أمير علي زادة، قد تسلّم من قيادة إيران الموافقة على المهاجمة بالطائرات المسيّرة في حالة حدوث عملية إسرائيلية ضدّ أيّ هدف إيراني، ثلاث هجمات حدثت في سوريا خلال أسبوع، أصيب في إحداها ضابط في قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، كان هذا كافياً لأمير زاده لتنفيذ هجوم بالطائرات المسيّرة، ردّاً على ذلك، وكان المبرّر للعملية الإيرانية أيضاً "هجوم السايبر"، الذي نسب لإسرائيل، والذي عطّل حركة القطارات في إيران، الشهر الماضي، فتسبّب بإصابة ومقتل شخصيات رفيعة في الحرس الثوري، ذات حساسية في سوريا، ما دفع إيران إلى المزيد من تنفيذ الهجمات.

اقرأ أيضاً: أردوغان الكاره والشاتم لإسرائيل وللشعب اليهودي يغازل الرئيس

 وهكذا نجد أنفسنا في ذروة معركة بحريّة تصاب فيها سفن إسرائيلية، هذه المعركة بدأت بسرّيّة ثم انتقلت، رويداً رويداً، إلى مستويات علنيّة أكثر، وعلى مدار السنة الأخيرة بدأت تظهر أنباء عن وجودها أكثر فأكثر، فعندما يكون الوقت مناسباً تستخدم إيران سياسة الغموض إلى أقصى حدّ؛ ففي الأسبوع الماضي وجّهت الاتهامات إلى الحرس الثوري الإيراني بهجوم على سفينة "ميرسر ستريت" أمام شواطئ عُمان، قتل فيه مواطن بريطاني وآخر روماني.

عدة احتمالات

 هناك عدة احتمالات لطبيعة الهجوم، من بينها؛ أنّ الإيرانيين هاجموا السفينة المملوكة إسرائيلياً عبر تقديم خدمات انتقامية لحزب الله، وربما استخدموا طائرة دون طيار لضرب السفينة، أو زوارق سريعة مطلقة من البحر، أو متفجرات مثبتة على جدران السفن، فجّروها عن بعد، أو ألغاماً بحرية موضوعة على ممرات ملاحية دولية، لكنّ الاحتمال الأكبر أنّهم أطلقوا طائرات دون طيّار من على بعد مئات الأميال قبالة سواحلهم، لكنّ هذه العمليات تتطلب قدرات استخباراتية متقدمة، لتحديد موقع السفينة وحساب مسارها الدقيق ومتى تطير طائرات دون طيار، وإمكانية اصطدامها بالمتفجرات الموجودة على السفينة، وهناك احتمال أنّ الإيرانيين لم يطلقوا الطائرات المسيّرة الهجومية من أراضيهم أو من اليمن أو عُمان، بل من سفينة إيرانية أكبر تبحر في المنطقة، وهذا يرسل إنذاراً إيرانياً بتغيير قواعد اللعبة أمام إسرائيل.

لقد أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أنّ بلاده غير مسؤولة عن مهاجمة السفينة، التي  فيها ملكية جزئية لشركة تعود لرجل أعمال إسرائيلي، وردّاً على ذلك، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت؛ إنّ سلوك إيران الأزعر خطير، ليس على إسرائيل فقط، بل يمسّ بمصالح عالمية، مثل حرية الملاحة والتجارة الدولية، وتشير أقواله إلى استغلال إسرائيل هجوم إيران ومقتل المواطنين الأوروبيين لشنّ حملة دبلوماسية ضدّ إيران، كما أكّد أنّ إيرن تحاول بشكل جبان التهرّب من المسؤولية عن الحادثة، وهي تنفي ذلك، وأقول هنا بشكل مؤكّد أنّ إيران هي التي نفّذت الهجوم، وثمّة دلائل استخبارية على ذلك، ومعلومات أجهزة المخابرات في إسرائيل والغرب، تشير إلى أنّ الأمر يتعلق بعملية لسلاح الجو التابع لحرس الثورة الإيراني.

في السنوات الأخيرة وسّعت إسرائيل حدود المواجهة مع إيران إلى الساحة البحرية، وذلك بعد أن فهمت أنّها ملزمة بأن توقف تهريب النفط إلى لبنان وسوريا

 في المقابل، تثير حادثة الهجوم على السفينة الإسرائيلية في بحر عُمان تساؤلات حول تنامي الحملة البحرية التي تخوضها إيران، لا سيما أنّها بصدد إنشاء ما تراها معادلة أمام إسرائيل، عقب زيادة هجماتها ضدّ المواقع الإيرانية في سوريا، في حين أنّ المحور الذي تقوده إيران يقف وراء الهجوم الذي جاء لمحاولة تحذير إسرائيل من استمرار الهجمات في سوريا، وكأنّ إيران تقول إنّ استهداف الحوثيين في اليمن والميليشيات الموالية لإيران بالعراق وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، كلّها تشكّل جبهات مقاومة لإيران، ومن المثير للاهتمام أنّ إيران تقدّم الهجوم على أنّه هجوم على جبهة المقاومة، وليس على نفسها فقط، في ضوء أنّ قدراتها في مجال الطائرات بدون طيار كبيرة.

الحرب مستمرة

 لذلك ستستمر هذه المواجهة مع إسرائيل، لأنّ الإيرانيين دشنوا خطّ أنابيب نفط تحسباً لاحتمال القتال في هذه المنطقة وإغلاق المصريين الطريق أمام سفنهم، في وقت يبدو فيه أنّ مهاجمة السفينة الإسرائيلية تعني أنّ الحرب مستمرة، ليثير ذلك المخاوف من تصعيد المواجهة البحرية المباشرة مع إيران، ورغم التقدير بأنّه لا توجد فرصة لأن يؤدي هذا التطور لنشوب معركة بحرية متجددة، مع العلم أنّ إسرائيل ارتكبت خطأً في المعركة البحرية السابقة، وبدأت الحملة بلطف شديد مع عمليات سرّية للغاية، ثم انتقلت إلى الثرثرة التي لم تكن في مصلحتها، ومع زعم أنّ الهجوم الإيراني على السفينة ليس في حاجة إلى معلومات استخباراتية معقّدة أو قدرة فتاكة، والاصطدام بطائرة بدون طيار على متن سفينة ليس بالأمر الصعب، وربما ارتكب المهاجمون الإيرانيون خطأً، ولعلّهم لم يقصدوا قتل أفراد الطاقم وإلحاق الضرر بهيكل السفينة، لذلك لا يعدّ الردّ الإيراني حنكة أو قدرة على ردع إسرائيل، فالتوقيت الذي حدثت فيه هذه الأمور مهمّ، إذ سيؤدي الرئيس الجديد لإيران، إبراهيم رئيسي، اليمين هذا الأسبوع، ومن المتوقع أن يؤثر ذلك في طبيعة إدارة المفاوضات مع الدول العظمى حول الاتفاق النووي الجديد، واحتمالية التوقيع على هذا الاتفاق غير واضحة تماماً.

 تريد إسرائيل أن تعرض إيران كعقبة أمام المجتمع الدولي، هذا لا يعني أنّ عملية عسكرية، ردّاً على خطوة إيران، قد تمّ إهمالها، في السابق مرّت أسابيع إلى أن ردّت إسرائيل على عمليات نفِّذت ضدّها، ويمكن التخمين بأن تكون هناك عملية على الصعيدَين، السياسي والعسكري، هذه المرة أيضاً، وقد يجد بينيت، الذي يلاحقه نتنياهو باستمرار، صعوبة في اجتياز الاستفزاز الإيراني دون أيّ ردّ.

اقرأ أيضاً: كيف سيتخلص الأسد من الوجود الإيراني فى سوريا؟

 الهجمات الإيرانية، حتى الآن، تسير بشكل محدود، في ظلّ رغبة بإصدار الإشارة وليس لتفاقم النزاع إلى مواجهة مفتوحة، لكن عندما تصبح المعركة كردّ علني، وتسرّب الإدارة الجديدة في واشنطن لوسائل الإعلام الأمريكية معلومات تدّعي فيها أنّ إسرائيل هي التي هاجمت، فسنخرج عن حدود السرّية؛ لذلك لا تتاح مجالات النفي وتصبح المعركة علنية، وليست مجدية لإسرائيل بالضرورة، المعركة البحرية ضدّ السفن التجارية، ولا تجدي نفعاً لإسرائيل، بل تعرقل سير النشاط التجاري لأصحاب السفن الإسرائيليين في أرجاء العالم، لكن تجب العودة إلى قواعد المعركة ما بين المعارك، تلك القواعد الأساسية كمعركة سرّية مع مجالات نفي للطرفين، وبهذه الطريقة تتوسع حرية العمل، ويمنع ذلك التصعيد.

الهجوم تمّ بمساعدة الحرس الثوري

 القناعات الإسرائيلية تزداد بأنّ الهجوم على السفينة المملوكة لإسرائيل في بحر العرب تمّ بمساعدة الحرس الثوري الإيراني، في عملية مخطط لها وتشير لقدرات استخباراتية متقدمة، وهذا يؤكد أنّ إسرائيل أمام تطور جديد يشير لتشديد الخطّ ضدّ العمليات المتبادلة، فالهدف من الهجوم الإسرائيلي في سوريا هو منع الشحنات التي كانت تهدف إلى تسليم بطاريات صواريخ دفاع جوي لحزب الله في لبنان، ووسائل إنتاج صواريخ دقيقة، ويحتمل أنّ الشحنة وصلت من إيران أو شمال سوريا إلى مستودعات تقع في منطقة مطار الضبعة، وأن يكون عناصر حزب الله قتلوا في الهجوم ما دفع الحزب إلى التفكير بالانتقام من إسرائيل بلجوئه للحرس الثوري، أما على صعيد الردّ العسكري الإسرائيلي، فسيستغرق وقتاً لجمع المزيد من المعلومات الاستخباراتية قبل العملية والاستعداد لها.

التقديرات العسكرية الإسرائيلية تشير إلى أنّ إيران ستواصل تثبيت نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ثم نشر وسائل قتالية لمساحات عمل طويلة، كالصواريخ والطائرات المسيّرة الهجومية

لكن لفهم ما حدث فإنّه من المهم ذكر بعض الحقائق، أهمها؛ أنّ القوى التابعة لإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن وفي أفغانستان وباكستان، كلّها تعدّ عناصر مقاومة تابعة للحرس الثوري، فاحتمالات الحرب، أو اللجوء لتصعيد عسكري في الفترة القريبة القادمة تظل قائمة. وهناك اعتقاد في إسرائيل أنّ الردع الإسرائيلي يتجه نحو العداء من مواجهة واسعة النطاق وحرب شاملة، ومع ذلك ثمة تقدير بأنّ المواجهة قد تقع في الساحة الشمالية، وكذلك حيال غزة، يدور الحديث عن تقدير مشابه لتقدير الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن.

 في الساحة الشمالية في سوريا ولبنان تتعاظم الإمكانية الكامنة للتهديد، في ضوء تفكّك لبنان وتواصل الانقسام في سوريا، وبحسب الاحتمالات الإسرائيلية، يعتقد أنّ الوضع يسمح للإيرانيين بتعميق دورهم في هذه الدول المحاذية لإسرائيل، وبناء آلة حرب تقوم على أساس قدرات هجومية دقيقة في عمق الأراضي الإسرائيلية.

في السنوات الأخيرة وسّعت إسرائيل حدود المواجهة مع إيران إلى الساحة البحرية، وذلك بعد أن فهمت أنّها ملزمة بأن توقف تهريب النفط إلى لبنان وسوريا، والذي ينفّذ في الخفاء، وبواسطته يتمّ تبييض أموال الإرهاب التي تنقل إلى حزب الله، وإلى جانب الكفاح الاقتصادي كانت أيضاً حالات لأعمال ناجحة، وذلك لإحباط تهريب وسائل تكنولوجية ووسائل قتالية متطورة، في المرة الأولى لهذا النوع من عمليات إيران البحرية، أدّى الهجوم إلى قتلى من بريطانيا، لكنّ المنفعة التي استمدّها الإيرانيون من هذه العملية ليست واضحة. حين تكون الصلة الإسرائيلية هنا واهية، سفينة بملكية رجال أعمال يابانيين وشركة بريطانية تشغل السفينة، في القيادة السياسية والأمنية يعملون على استغلال هذا الحدث كرافعة دبلوماسية لتشديد الضغط على إيران، ولا يستبعدون حدوث محاولة لإنتاج تحالفات عسكرية لحماية مصالح غربية في قلب البحر.

 رد عسكري إسرائيلي محتمل

في إسرائيل ليسوا واثقين على الإطلاق في أنّ الإيرانيين أرادوا موت اثنين من رجال الطاقم، مهما يكن من أمر، في جهاز الأمن لا يتجاهلون بند النية لإيران، وفي سلسلة من الأحداث التي تتواصل منذ بضعة أشهر، التقدير هو أنّ هذه الفرصة أيضاً من المعقول الافتراض أنّ إسرائيل لن تفوّتها؛ فإلى جانب الأعمال التي تنفَّذ على المستوى الدبلوماسي، إلا أنّ هناك احتمالية عالية جداً لأن يحدث، في الفترة القريبة القادمة، ردّ عسكريّ بهدف التحديد للإيرانيين، بأنّه حتى عندما تكون الصلة بإسرائيل هزيلة فإنّ الفرصة ستستغل لأجل جباية ثمن منهم، هدفه نقل رسالة بأنّ إسرائيل لن تمرّ مرور الكرام على مثل هذه المحاولات، ومع ذلك، فهم على المستوى السياسي والأمني، فهموا ذلك، ويفضّلون هذه المرة أن تكون إشارة الثمن دولية أيضاً، وليست فقط من جانب إسرائيل.

اقرأ أيضاً: لماذا تسعى إسرائيل إلى التقرّب من النظام السوري؟

تقديرات عسكرية إسرائيلية تشير إلى أنّ إيران ستواصل تثبيت نفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ثم نشر وسائل قتالية لمساحات عمل طويلة، كالصواريخ والطائرات المسيّرة الهجومية، وكذلك في تفعيل ميليشيات محلية في كلّ واحدة من الدول المذكورة، وفي كلّ ما يتعلق بسوريا يرى الإسرائيليون أنّ على إسرائيل الاعتراف بأنّها ستبقى منقسمة، وأنّه طالما بقي الأسد في الحكم فلن يكون ممكناً دحر إيران وفروعها عن أراضي الدولة، ويعتقدون أيضاً أنّ ثمة أهمية لمواصلة الهجمات المنسوبة لسلاح الجوّ في إطار المعركة بين الحروب، في سوريا وفي أماكن أخرى، وأنّ إسرائيل مطالَبة بمواصلة هذا النشاط بشكل ثابت، إلى جانب النشاط العسكري، كما أنّ على إسرائيل أن تصمّم سياسة لدحر إيران عن سوريا من خلال أوجه تعاون دولية، فالإيرانيون بعملياتهم الأخيرة فتحوا حسابات مع اليابانيين والبريطانيين، وفي إسرائيل يسعون الآن لاستغلال الفرصة لتوحيد دول مختلفة ضدّ إيران، لكن، في هذه اللحظة على الأقل، يبدو أنّ العالم غير مكترث لمواجهة إيران.

مصدر الترجمة عن العبرية:

https://www.maariv.co.il/journalists/Article-856458



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية