"بلومبيرغ": إجراءات الرئيس التونسي تشير إلى تحولات إقليمية أوسع

"بلومبيرغ": إجراءات الرئيس التونسي تشير إلى تحولات إقليمية أوسع


27/07/2021


ذكر تحليل نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، أمس، أنّ الأوضاع الحالية التي تشهدها تونس في أعقاب الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد إنما تشير إلى "تحولات إقليمية أوسع نطاقاً"، على حد تعبير الوكالة.

وعلى الرغم من أنّ ديناميات المشهد في تونس ما تزال تحمل احتمالات متعددة أو غير واضحة المعالم بالكامل، فإنّ القراءة الأولية لما حدث هذا الأسبوع تُبيّن أنّ حركة النهضة الإخوانية تلقت ضربة شعبية وسياسية قوية، من خلال تصاعد الغضب الشعبي ضد أدائها الاقتصادي والسياسي؛ خصوصاً وأنها بقيت "في قمة 10 حكومات تونسية متعاقبة على الأقل منذ عام 2011"، كما يفيد تحليل "بلومبيرغ".

واتخذ الرئيس التونسي سعيّد إجراءات في وقت متأخر من يوم الأحد بعد أن تظاهر حشد كبير من الشباب في العاصمة تونس ومدن أخرى للمطالبة بإسقاط الحكومة، مكيلين لها الاتهامات بأنها سبب المصاعب الناجمة عن جائحة فيروس كورونامن جانبه قال سعيد إن إقالته لرئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميده أشغال مجلس النواب إنما يهدف إلى "الحفاظ على وحدة الوطن وأمنه واستقلاله، وضمان سير الدولة بشكل طبيعي". وحذر من أنه "لا نريد إراقة دماء" ولكن "من يطلق رصاصة فإنّ القوات المسلحة ستواجهه بعدة رصاصات".

انكشاف حقيقة تجربة "الإخوان" في تونس

أضافت "بلومبيرغ": "مع ذلك، لا يوجد ملجأ قانوني لمنتقدي الخطوات التي اتخذها الرئيس التونسي، لأن تونس لم تعيّن بعد محكمة دستورية موعودة". وتابعت الشبكة الأمريكية: "كما أنّ سلوك سعيد له تداعيات على جيران تونس. قد يتردد صدى مصير الإسلاميين في تونس في أماكن أخرى بالمنطقة، بما في ذلك ليبيا، التي تُجرى فيها انتخابات في وقت لاحق من هذا العام".

 

"بلومبيرغ": سلوك سعيد له تداعيات على جيران تونس. قد يتردد صدى مصير الإسلاميين في تونس في أماكن أخرى بالمنطقة، بما في ذلك ليبيا، التي تُجرى فيها انتخابات نهاية العام

 

وفي سياق الإضاءة على انكشاف حقيقة تجربة الإخوان المسلمين في تونس، قال تحليل شبكة "بلومبيرغ" إن موقع "حزب النهضة" في قمة 10 حكومات تونسية متعاقبة على الأقل منذ عام 2011 أو بالقرب منه جعله هدفاً لغضب التونسيين. ونقلت الشبكة الأمريكية عن الناشطة التونسية خلود السايح البالغة من العمر 25 عاماً قولها: "هذا النظام الحاكم، وخاصة حزب النهضة، ساهم في تجويعنا وإفقارنا، بل إنه فشل في توفير لقاحات لمكافحة فيروس كورونا". وأردفت بالقول: "انتهت اللعبة بالنسبة لهم جميعاً. عليهم المغادرة".

منع خطر وشيك

من جانب آخر، ولدى سؤال قناة "بي بي سي العربية" أمس المحامي في القانون الدولي من باريس، الدكتور مجيد بودن، عن تعليق أشغال البرلمان التونسي، قال إنّ هذا إجراء متعارف عليه في الدول، فمثلاً عُلّقت أعمال مجلس العموم البريطاني (البرلمان) لمدة شهر أو أكثر في خضم اشتداد تداعيات أزمة بريكست. وفي حالة تونس، يضيف الخبير القانوني، فإن البرلمان كان أحد أسباب الحالة الصعبة في تونس، ما يعني انتفاء وجود خرق دستوري في قرارات الرئيس سعيد، وفق رأيه، "بل محاولة من الرئيس لأنْ ترجع الأمور إلى نصابها".

يأتي دور سعيّد في تجاذبات السلطة في بلده في وقت حرج؛ حيث تحاول تونس الحصول على دعم جديد من صندوق النقد الدولي. وحسب "بلومبيرغ" فقد تقلص الاقتصاد التونسي بنسبة 3٪ في الربع الأول من 2021 ، وسجل 8.6٪ في 2020، وفق البنك المركزي التونسي. وفي وقت سابق من هذا الشهر، خفضت وكالة فيتش الائتمانية تصنيف تونس السيادي إلى B- من، مستشهدة بما قالت إنه مخاطر سيولة مالية وخارجية متزايدة في غياب برنامج جديد لصندوق النقد الدولي.

 

موقف الجيش التونسي الحازم والداعم للرئاسة، سيجعل حركة النهضة في موقف أكثر حرجاً، في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضدها، وتحميلها المسؤولية الأكبر عن هشاشة الأوضاع وتفاقمها في تونس

 

وألقى اتحاد الشغل التونسي القوي، والذي غالباً ما يُنظر إليه على أنه عائق أمام الخطط الاقتصادية الأوسع بحسب "بلومبيرغ"، دعمه للرئيس قائلاً إنه سعى إلى منع "خطر وشيك" وإعادة الحياة إلى طبيعتها. وقد برز دعم اتحاد الشغل للرئيس، في شكل غير مباشر، من خلال بيانه أمس الذي أبدى فيه هذا الدعم؛ برغم دعوته لسعيد بـ"عدم التوسع في التدابير الاستثنائية".

سيناريوهات

من هنا، إذا قُدّر لإجراءات الرئيس التونسي أن تأخذ مسارها إلى الإمام وتحظى بمزيد من الدعم المحلي والدولي، وهو مرجّح، فإن هذا السيناريو من المتوقع أن يتجه بالبلاد إلى الخروج من مرحلة "الانسداد السياسي" الذي عاشته في السنوات الماضية. ولعل ذلك ما ألمح إليه وزير الخارجية التونسي، عثمان الجرندي، في مكالمته الهاتفية أمس مع الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، إذ أكد الجرندي أنّ "القرارات الرئاسية الأخيرة جاءت في ضوء ما شهده الوضع الداخلي من حالة انسداد". وبدا من المكالمة الهاتفية وتصريحات الأمين العام للجامعة أنّ ثمة تأييداً في الجامعة للقرارات والإجراءات التي اتخذها الرئيس التونسي. أي بعبارة أخرى، فإن هذا السيناريو قد يشكّل تحولاً في الأوضاع في تونس، سيكون له تداعيات سلبية على جماعة "الإخوان المسلمين" في ليبيا، وعلى الوجود التركي في ليبيا الداعم للجماعة. وبحسب هذا السيناريو سيقوم الرئيس بتعيين حكومة جديدة تقوم بمسؤولياتها الإنقاذية المحددة. ووفقاً للخبير القانوني الدكتور مجيد بودن في حديثه لـ"بي بي سي العربية" فإنّ إمساك الرئيس التونسي بالنيابة العمومية إنما أراد من خلاله تأكيد أنه سيقوم بالتحقيقات اللازمة تحت مسؤوليته، وذلك لإرساء عدالة مستقلة من شأنها إنقاذ البلاد، بحسب قوله. وتابع: إجراءات سعيد الأخيرة هي عملية جراحية لوباء طال عهده في تونس، وهي محاولة لأنْ تعمل مؤسسات الدولة وتتوحد السلطة التنفيذية، وهو مطلب متكرر لتونس من قبل صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية.

وقد تلجأ حركة النهضة الإخوانية إلى تأجيج الشارع التونسي من خلال دعوته للخروج إلى الشوارع (نموذج الرئيس التركي أردوغان) بهدف خلط الأوراق وإثارة الفوضى وربما الاقتتال بين التونسيين؛ من أجل ممارسة الضغط على الرئاسة عبر وسائل العنف وإثارة مخاوف التونسيين من حرب أهلية. ومع أنّ هذا السيناريو غير مستبعد، خصوصاً وأنّ السؤال الأبرز على لسان التونسيين الآن: "ماذا ستفعل النهضة"؟!، فإنّ موقف الجيش التونسي الحازم بهذا الشأن والداعم للرئاسة، سيجعل حركة النهضة في موقف أكثر حرجاً، في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية ضدها، وتحميلها المسؤولية الأكبر عن هشاشة الأوضاع وتفاقمها في تونس على المستويات الصحية والاقتصادية والسياسية، وعدم تحقيقها أي نقلة إيجابية في أوضاعهم المعيشية والحياتية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية