بماذا يحلم فنانو الراب في غزة؟ وما حكايتهم مع القمع؟ ‎

فلسطين

بماذا يحلم فنانو الراب في غزة؟ وما حكايتهم مع القمع؟ ‎


24/12/2018

بعيداً عن الضوضاء، في ركن قصيّ داخل منزله الكائن بمدينة جباليا، شمال قطاع غزة، يحاول إيجاد الكلمات المناسبة، على إيقاعات موسيقى "الراب"، و"الهيب هوب"، لتعبّر عن واقع القطاع وقضاياه الاجتماعية والسياسية بأسلوب ناقد.

توجه عدد من شباب غزة إلى هذا الفنّ لإيصال أصواتهم وهموم أقرانهم إلى العالم الخارجي

محمد لافي (26 عاماً)، واحد من هؤلاء الشباب في غزة أرادوا إعلاء أصواتهم، والتعبير عن همومهم وهموم الآخرين، ومناصرة قضاياهم من خلال فنّ "الراب"، الذي يعدّ من الفنون الغربية التي ظهرت في السبعينيات الماضية، في الولايات المتحدة الأمريكية، وانتشر في أرجاء العالم حتى أصبح وسيلة فنية تمكّن الأجيال الصاعدة من التعبير عن آرائها.
في هذا السياق، توجّه "الرابر لافي"، هو وعدد من الشبان الذي لم يحصلوا على فرص عمل، بعد تخرجهم من الجامعات، إلى هذا الفنّ لإعلاء أصواتهم إلى العالم الخارجي، من خلال إنتاج عدد من الأغاني التي يكتبون كلماتها.

محمد لافي

بداية "شغب"
العام 2011؛ كانت بداية لافي مع فنّ "الراب"، معتمداً على نفسه، من خلال متابعة كلّ جديد عبر مواقع الإنترنت، حتى أتقن الفنّ الذي أحبّه، وأنتج عدداً من الأغاني.

اقرأ أيضاً: الحصار في غزة يسجن عقول الأدباء ويقتل إبداعاتهم
يقول "الرابر" الغزّيّ، إنّه في بداية الأمر، لم ينشر أغانيه للعامة، واكتفى بأن يكون جمهوره من عائلته وأصدقائه، مضيفاً في حديثه مع "حفريات": "كنت أكتب الكلمات، وأسجّل الأغاني، وأحتفظ بها، ولكن بعد إعجابهم بأدائي، أقنعوني بأن أنشرها".
كان ذلك في العام 2017؛ بعد أن أتقن محمد "الراب"، كما يقول، واستخدم لغة الشارع "للحديث عن تصرفات المسؤولين واستغلال مناصبهم لمصالحهم الشخصية"، وكان جلّ تركيزه على هموم ومعاناة شباب غزة، التي كانت "نتاج الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس".

اقرأ أيضاً: غزة: هل سلب الإنترنت الأجيال الجديدة صحبة الكتاب؟
يؤكد لافي أنّه تطرق لكل ما يخطر في باله، بكلّ صراحة، و"دون خوف من أيّة جهة كانت"، وهذا ما جعله يحقق نجاحاً كبيراً، وأصبح له جمهور واسع، بفضل تركيزه على قضايا "لا يتجرأ أحد على التطرق إليها والحديث عنها"، على حد قوله، وأطلق على نفسه اسم "شغب".
"بكفي"؛ أوّل عمل فني ناقد أنتجه الشاب العشريني، انتقد من خلاله "المسؤولين الذين يستغلون المساعدات والدعم الخارجي المخصص للفقراء، ويجنون من خلاله أموالاً كثيرة"؛ وبعد هذا العمل أشعل مواقع التواصل الاجتماعي، بعمل جديد أطلق عليه اسم "حقّك"، كان، كما يقول، شرارة انطلاق حراك "جباليا الشعبي"، الذي كان بمثابة ثورة سياسية ضد انقطاع التيار الكهربائي عن المواطنين، وعدم انقطاعها عن بيوت المسؤولين.
محمود سلمان وزميله في فريق "انتفاضة"

مضايقات وتكميم أفواه
وبعد نجاح الحراك وانتشار أغنية "حقك" عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ أقدم جهاز الأمن الداخلي التابع لحركة حماس على اعتقال لافي، وتعرض للتعذيب البدني والنفسي، واتهم بـ"التخابر مع الاحتلال الإسرائيلي والمؤامرة على الشعب الفلسطيني".

بدأ لافي معتمداً على نفسه بمتابعة كلّ جديد عبر مواقع الإنترنت حتى أتقن الفنّ الذي أحبّه

وبعد الإفراج عنه؛ اعتقل 5 مرات، وتعرض مرة أخرى للتعذيب البدني، بسبب أعماله الفنية ومنشوراته التي لاقت صدى كبيراً عبر حسابه الشخصي على فيس بوك، الناقدة للوضع القائم في قطاع غزة والمسؤولين.
الملاحقة الأمنية والاعتقال المتكرر للرابر الغزي ومنعه من إقامة حفلات" راب" في غزة، والدفاع عن المقهورين والمظلومين، من الأسباب التي أوقفته عن الغناء مؤقتاً، ما دفعه للتفكير بمغادرة غزة، وممارسة الفنّ الذي يعشقه خارج حدود الوطن.
وعن ذلك يقول: "لم أكن أتوقع، في يوم من الأيام، أن أغادر غزة، لكنّ الظروف أقوى مني، فلم أعد قادراً على ممارسة فنّ "الراب"، بعد المضايقات التي تعرضت لها، لذلك قرّرت الهجرة كي أمارس هوايتي بكل حرية"، مشيراً إلى أنّه فور خروجه من غزة سوف يتحدث عن كافة القضايا التي لم يستطيع الحديث عنها حالياً.
انتفاضة
محمود سلمان؛ شاب آخر من قطاع غزة، أعجب بالحماس والحرية المطلقة بفنّ "الراب"، والإيقاعات المستخدمة به؛ ففي العام 2009، قرّر أيضاً سلوك هذا الطريق للتعبير عن القضايا المختلفة، وربما السياسية، بطريقة جديدة.

محمود سلمان
ميول الرابر سلمان نحو كتابة وإلقاء الأبيات العشرية، كان دافعاً قوياً لإتقانه "ثقافة الراب" بشكل سريع دون الخضوع لدورات تدريبية، فكان يدوّن كافة الأحداث التي يشاهدها في حياته اليومية على مدونته الشخصية، ومن ثم يحاكي تلك الأحداث بأغنية من تألفيه.

الملاحقة الأمنية والاعتقال المتكرر دفعت كثيراً من هواة هذا الفن لمغادرة غزة أو التفكير بذلك

استمرّ سلمان (27 عاماً)، على هذه الحال لعدة أعوام، حتى أسّس مع صديقيه محمود وفرج الله، فريقاً خاصاً بهم حمل اسم "انتفاضة"؛ وعن ذلك يقول: "أردنا اختيار اسم يعبّر عن واقع غزة، ويدل على الاستمرارية وعدم التوقف، فلاحظنا أنّ الانتفاضة أكثر شيء دائم في فلسطين ولا ينتهي، فأردنا تسمية فريقنا بهذا الاسم".
وتابع حديثه لـ "حفريات" بقوله: "وجدت ضالتي بفنّ "الراب"؛ فهو فنّ بسيط يوفر مساحة واسعة من التعبير دون أي حواجز، تحدثنا عن القضايا الاجتماعية والإنسانية والسياسية، وانتقدنا الواقع، وحققنا نجاحات كبيرة، رغم عدم التقبّل في بداية الأمر، فكان كثيرون يرفضون هذا الفنّ كونه "ثقافة غربية"".
ملاحقات متكررة
ويوضح سلمان؛ أنّهم رغم النجاح الكبير الذي حققوه في فترة ومنية وجيزة، إلا أنّهم يتعرضون إلى مضايقات من قبل الجهة التي تحكم قطاع غزة، والمتمثلة في التشديد على اختيار الكلمات المستخدمة في الأغاني، ومنعهم من إقامة حفلات في الأماكن العامة والمتنزهات، إضافة إلى الملاحقة الأمنية، واعتقال الشبان الذين يتحدثون عن الحريات، وينتقدون الحكومة في أعمالهم الفنية.

اقرأ أيضاً: الإعاقة الحركية لا تمنع ممارسة الكاراتيه في غزة
وبحسب سلمان؛ فإنّ هناك عدداً من الشباب في قطاع غزة اتجهوا نحو "الراب"، و"استطاعوا التأثير في المجتمع، وتركوا أثراً رائعاً لدى المستمعين في غزة وخارجها"، مضيفاً "المضايقات الحكومية والتشديد، والملاحقة المتكررة للشبان الذين ينتقدون الواقع السياسي، جعلتهم يتركون القطاع، لممارسة فنّ "الراب" بحرية، وهناك من اعتزل الفن ليعيش بكرامة".

إبراهيم غنيم، المعروف باسم "mc Gaza" (يمين)
ومن أهمّ الأعمال التي أنتجها فريق "انتفاضة"، أغنية "مش محتاج تصحى"؛ حيث تم من خلالها "تسليط الضوء على الواسطة والمحسوبية في قطاع غزة للحصول على فرصة عمل، وإعطاء الأولوية لأبناء المسؤولين وأقاربهم".
إبراهيم غنيم، المعروف باسم "mc Gaza"، من أشهر مُغني الراب في غزة، أنتج عدداً من أغاني الراب، التي كان آخرها "كلاكيت آخر مرة"؛ التي تتحدث عن معاناة المواطنين في قطاع غزة؛ بسبب الانقسام وعدم تحقيق المصالحة، منذ ما يزيد على 12 عاماً.
وتطرّق غنيم، في حديثه لـ"حفريات"، إلى مسيرته الفنية، التي تناول فيها عدداً من القضايا، أهمها هموم الشباب والانقسام وتداعياته، ما استقطب عدداً كبيراً من المتابعين، سواء في غزة، أو خارجها.

اقرأ أيضاً: 17 لاعباً من غزة يغيّرون قواعد كرة القدم
وكحال كثيرين، بسبب الظروف التي حرمت عشرات الفنانين من الوصول إلى مكان أفضل، خاصة "مغني الراب"، والتشديد عليهم، ومنعهم من إقامة حفلات في الأماكن العامة، ترك غنيم غزة متوجهاً على تونس، "علّه يحقق ما لم يحققه في وطنه"، كما يقول.
إشكالية التضييق والفن
يقول الناقد الفني الفلسطيني، مصطفى النبيه، إنّ: "فنّ "الراب" يمثل الإيقاع السريع ورؤية الشباب وأسلوبهم الناقد، وهو فنّ جميل، وجزء من الفنون الشبابية التي تتيح التعبير عن واقع الشباب المرير بلغة نقدية، لذلك توجه إليه الكثير من شباب غزة، فنجحوا في ذلك وكان لأعمالهم صدىً واسع".

اقرأ أيضاً: مهن موسمية تنعش جيوب الغزيين العاطلين عن العمل
وأشار النبيه في حديثه لـ "حفريات" إلى المعيقات التي يواجهها مغنو الراب في قطاع غزة، "التي تتمثل في التشديد على الكلمات المستخدمة، ومنعهم من إقامة حفلات في الأماكن العامة، فهناك قيود على كلّ شيء جديد، فالإنسان لا يحبّ التغيير والحكومات تخشى من التغيير؛ لأنه يؤثر على الكراسي، وهذا ما يحدث في غزة".
وفيما يخصّ هجرة بعض "مغني الراب" من القطاع، علّق قائلاً: "الحرمان والقيود ألدّ أعداء الإبداع والحرية، وفنّ "الراب" بشكل خاص، فالإنسان دوماً يبحث عن الأمان والاستقرار، ومن الطبيعي إذا لم يجدها أن يترك وطنه؛ لذلك فضّل عدد منهم ملاحقة أحلامهم خارج غزة، وآخرون يستعدون للحاق بهم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية