بماذا يختلف التوتر التركي-الأمريكي الحالي عن غيره؟

تركيا وأمريكا

بماذا يختلف التوتر التركي-الأمريكي الحالي عن غيره؟


07/05/2019

يُوصَف التوتر الذي تشهده العلاقات التركية-الأمريكية بصفتين أساسيتين؛ أولهما أنه توتر لا يقتصر على الجانب السياسي فقط، بل يشمل أيضاً جوانب إستراتيجية وقيمية، تركت أثرها، في المحصلة، على مكانة تركيا الإقليمية؛ فهي تعاني أصعب عُزلة عن محيطها الإقليمي، وخصومها، ومنافسوها أكثر من أصدقائها وحلفائها. وثانيهما، أنّ هذا التوتر لم تشهد مثله العلاقات بين واشنطن وأنقرة منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وعلى الرغم من الاتصالات المستمرة بين المسؤولين من البلدين لحل أو أحتواء التحديات الحالية؛ مثل قرار الرئيس رجب طيب أردوغان شراء منظومة صواريخ S-400  من روسيا، أو إقامة المنطقة الأمنية في شمال سوريا، إلا أنّ الأسس والمفاهيم والمصالح التي قامت عليها العلاقة المتميزة بين البلدين واستمرت لعقود خلال الحرب الباردة، انحسرت أهميتها بشكل جذري، بحسب تحليل للباحث هشام ملحم، نشره الموقع الإلكتروني لـ "معهد دول الخليج العربية في واشنطن"؛ ما يعني أنّ تمنيات بعض المسؤولين والمحللين في واشنطن، وربما في أنقرة، حول إمكانية إعادة الحياة للتحالف القديم، هي بمعظمها تمنيات.

اقرأ أيضاً: هل ينجح العراق في وضع حدٍّ لتجاوزات تركيا؟
ويشير ملحم إلى أنه خلال السنوات الماضية نجح أردوغان بإقامة علاقات شخصية، وحتى حميمة بعض الشيء، مع الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، الذي كان يجري مكالمات هاتفية دورية معه. ولكن العلاقة بينهما تدهورت لأسباب عديدة، أبرزها رغبة الرئيس التركي بدور أمريكي يلبي المصالح التركية في سوريا، وبسبب ازدياد أوتوقراطية أردوغان ضد معارضيه في الداخل. كما أقام أردوغان علاقات إيجابية مع الرئيس دونالد ترامب، وإنْ أصابها الفتور مؤخراً.

نجح أردوغان بإقامة علاقات شخصية مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما

مساران متناقضان وسوابق نادرة

وخلال الحرب الباردة، عندما كان الاتحاد السوفياتي العدو الذي عزز الروابط بين الحلفاء، والذي كانت له حدود برية مع تركيا، كانت العلاقات بين واشنطن وأنقرة وثيقة للغاية، وإن تعرضت لنكسة مهمة في 1974 حين غزت تركيا شمال جزيرة قبرص، ما أدى إلى فرض الكونغرس الأمريكي لعقوبات عسكرية كانت الأولى من نوعها آنذاك.
ولقد بدأت الفجوة تتسع بين البلدين إثر أسباب وعوامل عديدة منها:
1. انهيار الاتحاد السوفياتي.

اقرأ أيضاً: حكومة السراج تطلب بشكل رسمي دعماً عسكرياً تركياً
2.  بروز ظاهرة أردوغان بأبعادها الإسلاموية، وممارساتها الأوتوقراطية، وخاصة في السنوات القليلة الماضية. هذا الأمر، برأي هشام ملحم، وضع البلدين على مسارين متناقضين. وفي السنوات الماضية تعرضت تركيا الحليف القديم لأمريكا إلى انتقادات قوية في الكونغرس من الحزبين، ومن الصحافة الأمريكية، وفي المجتمع الأمريكي ككل، بسبب سياستها في سوريا، وقمعها المتزايد للمعارضة السياسية ولحريات التعبير والصحافة. ويتابع ملحم بأنه للمرة الأولى منذ عقود تجد تركيا نفسها، تفتقر إلى أصدقاء حقيقيين في واشنطن، باستثناء شركات اللوبي والعلاقات العامة. ونادراً ما نرى مشرِّعاً أمريكياً في مجلسي النواب والشيوخ يتبرع بالدفاع عن العلاقات، التي لم تَعُد حميمة أو خاصة، بين الولايات المتحدة وتركيا. وللمرة الأولى، يتحدث محللون وخبراء ومسؤولون سابقون في واشنطن عن انسحاب تركيا من حلف "الناتو"، أو حتى يدعون إلى طردها منه. وإذا أصر أردوغان على صفقة الصواريخ الروسية، عندها لن تبقى مسألة عضوية تركيا في "الناتو" مجرد مسألة نظرية فحسب.
عزلة تركيا عن محيطها الإقليمي
ويلفت تحليل "معهد دول الخليج العربية في واشنطن" إلى أنّ الخلافات الحادة الراهنة بين تركيا من جهة، وسوريا وإسرائيل والسعودية من جهة أخرى، يبين مدى عزلة تركيا عن محيطها الإقليمي. كما أنه عند النظر إلى هذه العزلة من منظور استياء الدول الأوروبية من ازدياد تسلط أردوغان وقمعه للحريات السياسية والصحفية في البلاد، وخاصة في أعقاب الانقلاب العسكري الفاشل في 2016، نرى أن عزلة تركيا قد وصلت إلى مستويات غير معهودة.

 

محاولات لحل الخلافات
في الأيام الماضية، كثّف المسؤولون الأمريكيون والأتراك من اتصالاتهم؛ لمحاولة معالجة أزمتي المنطقة الآمنة في شمال سوريا، ومنظومة الصواريخ الروسية. وفي هذا السياق أجرى مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، اتصالاً هاتفياً بنظيره التركي، إبراهيم كالين، تركز على منظومة الصواريخ. وكانت واشنطن قد علّقت تسليم تركيا طائرات من طراز (إف-35)، وهي الطائرة المقاتلة الأكثر تقدماً في الترسانة الأمريكية، كما علّقت مشاركة تركيا بإنتاج هذه الطائرة؛ وفقاً للاتفاق الموقع بين البلدين. كما قام المبعوث الأمريكي لمتابعة الأزمة في سوريا، جيمس جيفري، ومسؤولون آخرون بزيارة تركيا قبل أيام، حيث اجتمعوا بمسؤولين من بينهم إبراهيم كالين، ووزير الدفاع، خلوصي آكار، ونائب وزير الخارجية، سادات أونال، حيث تركزت محادثاتهم على المنطقة الآمنة في شمال سوريا. وكانت تركيا قد انتقدت بشدة في السنوات الماضية العلاقة العسكرية المتنامية بين القوات الأمريكية في سوريا و"قوات سوريا الديمقراطية"، وهي التنظيم المسلح الذي يشكل الأكراد عموده الفقري، والذي قاد القتال ضد تنظيم "داعش" في سوريا. وترى تركيا أن قوات وحدات حماية الشعب الكردية تشكل الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه كل من تركيا (والولايات المتحدة) تنظيماً إرهابياً. ولا تزال نقطة الخلاف الرئيسية بين الطرفين هي، حجم القوات التركية التي ستنتشر في المنطقة الآمنة في الشمال السوري؛ حيث تدعو واشنطن إلى  نشر قوات محدودة لتقليص فرص المواجهة بين الجيش التركي وحلفائها في قوات سوريا الديمقراطية، بينما يدفع أردوغان لانتشار عسكري تركي مكثف أكثر.

اقرأ أيضاً: حكومة السرّاج تقر.. تركيا تؤجج الصراع في ليبيا
ويرى الباحث المختص بالشؤون التركية في مجلس العلاقات الخارجية، ستيفن كوك، في حوار خاص لـ "معهد دول الخليج العربية في واشنطن"، أنّ "الولايات المتحدة وتركيا إما بعيدون جداً، أو قريبون جداً، للتوصل إلى اتفاق حول المنطقة الآمنة". ويضيف "من الواضح أنّ واشنطن وأنقرة لا يوافقان على المنطقة الآمنة، ولكن الأتراك غير قادرين على القيام بغزو مماثل لغزوهم لعفرين، ولذلك من المتوقع أن يواصل جيمس جيفري المفاوضات لتفادي بروز وضع محرج لا يؤدي إلى اتفاق، ويتسبب بغزو تركي".

 


وفي ما يتعلق بالتطورات الميدانية في إدلب وعفرين حالياً، يرى مراقبون، بحسب "إندبندنت عربية" أنّ التصعيد التركي في عفرين سببه فشل مشاورات آستانة، ومحاولة للفت الأنظار إلى المنطقة بعد تصعيد النظام السوري والقوات الروسية في إدلب وحماة. أما القوات الكردية، فتؤكد أنّ التصعيد من جانبها هو بسبب محاولة تركيا بناء جدار عازل حول عفرين لاقتطاعها من سوريا، وفقاً لـ"إندبندنت عربية".

 

لم تشهد العلاقات بين واشنطن وأنقرة توتراً كهذا منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة في أعقاب الحرب العالمية الأولى

وحول صواريخ S-400 الروسية، يرى ستيفن كوك أنّ هناك "جهوداً ضخمة تبذلها إدارة الرئيس ترامب لايضاح نقطة أساسية لتركيا؛ وهي أنها لا يمكن أن تحصل على طائرات إف-35 الأمريكية والصواريخ الروسية معاً.
وكان المتحدث باسم البنتاغون، إيريك باهون، قال في مقابلة مع قناة "الحرة" قبل أيام إنه لا يمكن السماح لتركيا بالجمع بين المقاتلات الأمريكية الأحدث في العالم (إف-35) ومنظومة S-400 الروسية، برغم أنها إحدى الدول الثمانية التي تشترك في صناعة الطائرة.
وقال المتحدث باسم البنتاغون لـ"الحرة": "نحن كنا واضحين على أكثر من مستوى، بأننا لن نهدد برنامج الإف-35 واستثمار الدول الثماني الأخرى المشاركة في البرنامج لصالح دولة واحدة"، مؤكداً أنّ "تركيا لن تحصل على استثناء من هذه الشروط".
وأوضح أنّ سبب الخلاف مع تركيا هو أنها تريد الجمع بين (إف-35) ومنظومة S-400 الروسية الدفاعية، وهو ما يهدد المشروع؛ لأن المشروع الروسي هدفه إسقاط مقاتلات (إف-35)، وتريد الوصول إلى معلومات حول المقاتلة، "لذلك لا يمكن أن نوفر لتركيا أو روسيا معلومات يمكنها أن تسقط هذه الطائرة، ولذا لا يمكن الجمع بين المنظومتين سوية، هو أمر غير منطقي وليس له ما يبرره، ولذلك نحن قلقون".
وأضاف "قد تكون منظومة الباتريوت الأمريكية الدفاعية هي الحل للتجانس مع كل المنظومة"، مشيراً إلى أنّ القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي، باتريك شاناهان، يتواصل مع المسؤولين الأتراك.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية