بمساعدة الغنوشي.. هل تكون تونس معبر تركيا الآمن إلى ليبيا؟

تونس

بمساعدة الغنوشي.. هل تكون تونس معبر تركيا الآمن إلى ليبيا؟


14/05/2020

مخاوف جديّة تعيش على وقعها تونس مؤخراً من انزلاق البلاد إلى سياسة المحاور مع دفعٍ تركي قطري لإقحامها في هذا الخندق ضمن أجندة التوسع والنفوذ الإقليمي وإسناد المشروع الإخواني في المنطقة، خصوصاً مع وصول الإسلاميين، ممثلين في حركة النهضة وحلفائها، إلى سدّة الحكم، واستفرادها، بعد انتخابات 2019، بالمشهد السياسي والبرلماني.

اقرأ أيضاً: أردوغان والغنوشي.. السلطان والأداة
هذه المخاوف عزّزتها التحرّكات المريبة لرئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي (زعيم حركة النهضة الإسلامية) بعد تولّيه أوّل منصبٍ رسمي في البلاد، التي جمعته بالرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، خصوصاً منها المتعلّقة بالملف الليبي، الذي ترغب تركيا في تسييره، عبر التدخّل في العملية السياسية ومساندة حكومة السراج، على أن تستغل تونس لخدمة أغراضها العسكرية.
وتعرف تونس منذ بناء دولة الاستقلال في عهد الراحل الحبيب بورقيبة ولاحقاً في عهد خلفه الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي، وأيضاً في عهد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، بتوازن مواقفها الديبلوماسية التي ظلّت محايدة، وعدم اصطفافها ضمن لعبة المحاورالاقليمية.
هل ينجح أردوغان في مساعدة السراج بمساعدة الغنوشي؟

هل تكون تونس ممر تركيا إلى ليبيا؟
حدّة هذه المخاوف فاقمها سماح تونس بدخول شحنة طبية أرسلتها أنقرة إلى مطار جرجيس (جنوب تونس) تمهيداً لإدخالها عبر معبر راس جدير، في إطار دعم حكومة الوفاق الليبية التي يقودها فايز السراج، واعتبرها مراقبون محاولةً ذكية من تركيا لاستغلال الأراضي التونسية لدعم وإسناد حلفائها بليبيا، بحجة تقديم مساعدات طبية في إطار جهود مكافحة كورونا، خصوصاً أنّ مطار جرجيس وميناءها استخدما سراً في 2011 لدعم الثورة الليبية ضد نظام العقيد معمر القذافي عبر نقل الأسلحة للثوار والمتمردين على نظامه.

مصطفى عبد الكبير: استغلال تونس كمعبرٍ آمنٍ لتركيا إلى ليبيا جائز ومباح سياسياً لأنّه يخدم الأهواء السياسية للإخوان

يأتي ذلك بعد فترةٍ قصيرةٍ من إرسال قطر مستشفى ميدانياً متنقلاً إلى محافظة قبلي (جنوب تونس وقريبة من الحدود الليبية) بمساحة 800 متر مربع، مجهز بـ100 سرير و20 جهاز تنفس صناعي، إضافةً لمستلزماتٍ طبيةٍ أخرى، في إطار جهود مكافحة كورونا، وقد أثار ذلك انتقاداتٍ واسعة، خاصّةً وأنّ المحافظة ليست بؤرةً للوباء ولم تشهد سوى إصاباتٍ بسيطةٍ.
وكانت تقارير إعلامية تحدثت عن استخدام تركيا سراً لقواعد عسكرية في جنوب تونس وعلى الحدود مع ليبيا، كمنطلقٍ لدعم حكومة الوفاق في ليبيا في نزاعها ضد الجيش الليبي، فيما نفت وزارة الدفاع التونسية أي وجودٍ لعمليات عسكرية أجنبية انطلاقاً من الأراضي التونسية، وأوضحت أنّ تونس تمارس سيادتها المطلقة على كافة أراضيها براً وبحراً وجواً، ولا تسمح لأيّ قواتٍ أجنبية باستعمال أراضيها للقيام بعمليات عسكرية.
استغلال تونس كمعبرٍ آمنٍ لتركيا إلى ليبيا، اعتبره رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير المختص في الشأن التونسي-الليبي، جائزاً ومباحاً سياسياً؛ لأنّه يخدم الأهواء السياسية للإخوان في إطار توافقاتهم الدولية والإقليمية لتوحيد صفوفهم، غير أنّ الخبرة التي اكتسبتها المؤسسة الأمنية والعسكرية خلال السنوات القليلة الماضية ستعقّد هذه المحاولات، وستجعلها مستحيلةً.
وقال عبد الكبير في تصريحه لـ"حفريات"، إنّ استغلال التراب التونسي أمر صعب؛ نظراً للموقف الشعبي التونسي، الذي رفض مثلاً نزول الطائرة التركية بالجنوب التونسي، حتى إنّ المسألة رافقتها وقفات احتجاجية عديدة، رفضاً لإقحام تونس في الصراع الليبي- الليبي.

اقرأ أيضاً: حُلم الغنوشي .. وانفجار الإسلام السياسي في المنطقة والعالم
ولفت عبد الكبير إلى أنّ المشهد التونسي المتحرّك وغير الواضح في تونس في ظلّ عدم وجود انسجام وتناغم بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية من جهة، ورئاسة البرلمان من جهةٍ أخرى لن يساعد على اتّخاذ موقفٍ موحد بالدخول في حلفٍ معين تدعمه رئاسة البرلمان ممثلةً في شخص راشد الغنوشي فقط.
مصطفى عبد الكبير أشار أيضاً إلى الدور الكبير الذي يلعبه المجتمع المدني والسياسي في تونس منذ ثورة 2011، إلى جانب علاقات المصاهرة التي تجمع الشعب التونسي بالشعب الليبي، وهو ما لن يسمح لأيّ طرفٍ خارجي باستغلال أراضينا من أجل التدخل العسكري، وبدء عمليات قتال فيها.
وشدّد عبد الكبير على أنّ تونس ستدفع ثمناً غالياً جداً، على حساب استقرارها وأمنها وأيضاً اقتصادها، في حال تجاوزت الإرادة الشعبية والسياسية، ومضت في دعم الطرف التركي بالدخول إلى الجارة ليبيا.

تحركات مشبوهة للغنوشي

وتراقب الأوساط السياسية والشعبية التونسية بكثير من التوجس تحرّكات الغنوشي غير المعلنة وعلاقاته الخارجية غير الواضحة المخالفة للسياسة الرسمية لتونس، وهو ما خلّف شكوكاً وتساؤلات حول أهدافها، ومدى ارتباطها بالتطورات العسكرية الأخيرة في ليبيا، التي تلعب أنقرة دوراً كبيراً في تأجيجها بالسلاح والمقاتلين الأجانب.

أحمد ونيس: الغنّوشي اكتسب شرعيته من الأصوات التي منحتها إياه الأغلبية في البرلمان وتلك هي ضريبة اللعبة الديمقراطية

ودفعت اتصالات الغنوشي بكلٍّ من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس مجلس الدولة الليبي خالد المشري (الذراع السياسية لإخوان ليبيا) دون التشاور مع البرلمان، عديد الأحزاب التونسية إلى التحذير من توريط البلاد في العدوان على ليبيا، خاصّةً وأنّ تحركاته تزامنت مع اشتداد المعارك بين طرفي النزاع، ما يزج بالبلاد في الاصطفاف وراء الأجندة الإقليمية التركية- القطرية.
ويواجه الغنوشي تهماً عديدةً منها، لعب أدوارٍ إقليمية في سياق أجندة إخوانية تحت غطاء صفته رئيساً للبرلمان، فضلاً عن تجاهل دوره كرئيس برلمانٍ، ومواصلة لعب دوره التقليدي كقيادي إسلامي من خلال التنسيق مع تركيا وقطر وأطراف إخوانية إقليمية، وأيضاً استغلال البرلمان التونسي وتحويله إلى وسيلةٍ لتنفيذ أجندةٍ إخوانية في المغرب العربي.
وتقدم الحزب الدستوري الحر الذي تقوده عبير موسي (17 نائباً) بطلبٍ إلى البرلمان لعقد جلسةٍ عامّة "لمساءلة الغنوشي حول فحوى تحركاته الخفية واتصالاته الخارجية الغامضة والمشبوهة مع تركيا وتنظيم الإخوان في ليبيا، والتي تعتبر مخالفة للأعراف الدبلوماسية للدولة التونسية".

اقرأ أيضاً: راشد الغنوشي ملتحقاً بتوكل كرمان
من جانبه، اعتبر السياسي والمفكّر اليساري التونسي محمّد الكيلاني أنّ زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، بات يعتبر نفسه منذ انتخابه رئيساً للبرلمان، الرئيس الفعلي للدولة، ويعتقد أنّ الشأن الخارجي يهمه بالدرجة الأولى، وظلّ يتصرّف على هذا الأساس منذ أشهرٍ، دون محاسبة أو مراقبة.
وأضاف الكيلاني في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ الاتصالات التي يجريها الغنّوشي، والتي كانت بالأساس مع أردوغان وحلفائه، تحوم حولها الكثير من الشبهات، خاصّةً أنّه لا يطلع البرلمانيين على فحواها ولا يتشاور معهم حولها، كما أنّه حريصٌ على إبقائها سرية، هذا دون اعتبار السياقات التي جاءت فيها، والتي تزامنت في كلّ مرّةٍ مع أحداث تتعلّق بالشأن الليبي.
ودعا الكيلاني أعضاء البرلمان إلى ضرورة تقييده بضوابط قانونية تجبره على العودة إليهم، والتشاور معهم في كلّ المسائل المتعلقة بالبرلمان، مشدّداً على أنّ الغنوشي يشرّع عبر هذه الاتصالات السرية وغير البريئة إلى تدخّل تركيا في شأن تونس الداخلي، وتوريطها في الصراع الليبي، معتبراً أنّها تمس من سمعة تونس، وأيضاً من أمنها القومي.
تركيا ترسل مساعدات إلى ليبيا عبر تونس

تونسيون يرفضون إقحام تونس
وأكدت مجموعة من الأحزاب التونسية المعارضة "رفضها الكلي لأيّ نشاط تركي على الأراضي التونسية بهدف دعم الميليشيات والإرهابيين، وتصدير المرتزقة نحو ليبيا"، داعيةً السلطات إلى تجنّب الغموض الذي تنتهجه تجاه الأنشطة التركية في تونس، وطالبت باتخاذ "موقفٍ واضح يرفض الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة".

اقرأ أيضاً: الغنوشي يحشر تونس في المحور القطري- التركي... ومطالبات بعزله
وفي الوقت الذي تقبل فيه حركة النهضة الإسلامية التي يقودها راشد الغنوشي، وبعض الأحزاب المؤيدة للإسلام السياسي، التعامل مع تركيا وقطر عبر مشاريع اتفاقيات تجارية، فإنّ عدة أطراف سياسية عبّرت عن رفضها الصريح لدخول تونس في متاهات السياسة الإقليمية، ودعت الحكومة والبرلمان اللذين تسيطر عليهما حركة النهضة إلى البقاء على مبدأ الحياد، خصوصاً في الملف الليبي.
وتؤكد تونس على أنّ موقفها الرسمي يعتمد على مبدأ الحياد في مقاربتها للأزمة الليبية وسعيها لتقريب وجهات نظر الفرقاء الليبيين دون الانحياز لطرفٍ على حساب الآخر.
ويرى الديبلوماسي السابق أحمد ونيس في تصريحه لـ"حفريات"، أنّ راشد الغنّوشي قد اكتسب شرعيته من عدد الأصوات التي منحتها إياه الأغلبية في البرلمان لتنصيبه رئيساً للبرلمان ليصبح بذلك الرجل الثاني في الدولة حسب الدستور، وأنّ هذه الشرعية تخول له القيام بمبادرات فرديةٍ والاتّصال بالأطراف الدولية والمحلية، وذلك حسب تقديره لمصلحة البلاد، واصفاً ذلك بضريبة اللعبة الديمقراطية.
وأشار ونيس إلى أنّ النواب الذين يطالبون بعزله وبمحاسبته، عليهم أن يكوّنوا أغلبيةً تستطيع سحب الرئاسة منه تماماً كما أعطتها إياه، في كنف الديمقراطية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية